هناك أريد أن أنام!
نور دكرلي
كانوا أبطالاً في التلفاز، تخيلنا بأن نكون مثلهم يومًا ما، حتى لو
كلفنا ذلك نهاية مأساوية، بكينا من أجلهم، لم نبكِ، بل حبسنا دمعتنا
خجلاً أن يرانا أحد من العائلة. احتفظنا بغصة الحلق.. والوهم. أحببنا
وهمنا، و ما زلنا نؤمن به.
*
لم نصبح أبطالاً. لم يبقَ لنا إلا أن نأمل بألا يكون موتنا عاديًا.
*
جسده/ نساءه/ خوفه/ أمه/ شَعره وشِعره/ أفلامه/ كتبه/ حنينه/... كلهم
ينامون فوق شيء صغير. وكأنه لا ينام على شيء، كأنه معلق في الهواء...
*
لا ينفعه كل الأحبة من حوله، أحسَّ مرةً بالوحدة، سيحيا وحيدًا، سيموت
وحيدًا.
*
كيف تحتضنُ أشخاصًا مشبعين بالاحتضان، كن بسيطًا، غريبًا، وقل: "أنا
قليلٌ وبردان". ستنال ما تريد من الدفء.. والسخرية، وتخسر.
*
كأي ذئب، في آخر الليل أعدُّ أنيابي، وأتلمس معدتي الممتلئة بفراخ
العصافير. فأغفو، مطمئنًا، على حجر قاسٍ.
كأي ذئب وحيد، أهمس له متحسرًا، كل ليلة: "يا ليتني كنت عصفورًا".
كأي مهرج، لم يعد قادرًا على إضحاك أحد فمات.
*
تُكسر فتَضجر، ثم تُكسر فتَضجر، ضجرٌ من الحياة كلها، ومن كائناتها
جميعًا... ضجرٌ من كونك كائن بشري، تَضجرُ من الحياة وتتمسك بها، خوفًا
من العدم.
*
هذا لا شيء، هذا قَيْح.
*
نحن الأحياء نتخبط بين أمواج الموتى المتلاطمة. نحن الغرقى نتمسك بجثة.
*
رسائل إلى سلة المهملات:
عندما أسمي سطل الزبالة، سلة مهملات، أشعر بأن غرفتي سطح المكتب على
شاشة الكمبيوتر، وأنا حتمًا فيروس، لنسميها إذًا رسائل إلى الزبالة:
كانت آخر رسالة كتبتها منذ أسبوع، كتبت فيها عن الشعور بالأمومة الذي
تملكني فجأة، لكن ليس أمومة بأن يكون لدي بشري صغير، بل بأن يكون لدي
نبتة. لذا حين شعرت بأن الولادة قد حانت... اشتريت نبتة صغيرة.
في الأيام الأولى كنت أعتني بتلك النبتة طيلة اليوم، من سقاية ومسح
الغبار عنها وملاعبتها، لكن يوم بعد يوم بدأت أشعر بالخيبة، لا أعلم
لمَ كنت أعتقد بأنها ستنطق مع مرور الوقت، أو على الأقل أن تبادلني بعض
المشاعر وأنا أحدثها طيلة الوقت. فتوقفت عن الاعتناء بها وسقايتها،
كانت تذبل أمام عينيَّ متوسلة أن أسقيها، لكني كنت أسكب الماء حولها
على الأرض وأتألم على موتها بسببي..
زبَّال الحي النظيف، جاءني صباحًا وقال لي: "لم توقفت عن كتابة الرسائل
لي.. أرجوك إن أردت أن تتوقف عن مراسلتي، فامنحني النبتة على الأقل".
لم يقل غير ذلك وبدوري أحضرت النبتة وأعطيته إياها.. ورحل.
كنَّا كممثِّلين جيِّدين، لم نبدي أي مشاعر، ورغم ذلك لو أن أحدا رآنا
لقال: "لقد بكيا" رغم أننا لم نفعل..
*
نوستالجيا:
عصرًا... هناك على المصطبة، المغطاة بحصير قديمة مفروشة بقشور بذور
الميَّال... ميَّال الشمس، وأوراق الزنزلخت الذابلة، وكاسات الشاي
الباردة التي يستريح على حوافها الذباب...
هناك فوق تلك الحصير المطرزة بثقوب خلفتها سجائر العابرين كشامات. هناك
أريد أن أنام وأنا أتأمل طيور السنونو التي تتأرجح في الأعلى وكأنها
معلَّقة إلى السماء بخيوط.
هناك أريد أن أنام.
*
فلاح ما ارتطم فأسه بشيء قاس.. كان ذلك قلبي.. ومن ذاك الثقب خرجتُ
كبرعم صغير. كبرتُ. وكشجرة يابسة الآن.. أشعر بالحزن كلَّما دفن ميتٌ
تحت الأرض.. وكأنه يأخذ مكاني. أخاف أن لا يبقى لي حصة من التراب.
*
والنهايات دائمًا سخيفة.. فكيف إذا كانت البدايات كذلك..
لذا: أحبكِ وكأننا لن نلتقي أبدًا..
*** *** ***