أولاً: الديانة الفالية
إن القوة الأكثر اقتدارًا في الطبيعة تكمن في الجنس. فبدون الجنس ليس ثمة
توالُد، ولا عالَم، ولا إنسانية، ولا فعلاً. وبدون توالُد، لا شيء يستوجِب منح
الحياة، ولن تتواجَد بشرية، ولا روحًا لكي تنال الخلود، ولا حاجة لوجود الله.
فالجنس هو البداية، وهو الخلود، وهو التألُّه.
النشاط الجنسي الذي يُوَجَّه بشكلٍ خاطئ بإمكانِه محق وتدمير الروح. ولكن لا
يمكن إدانة الجنس، وإنما الإنسان هو الذي يستحق الإدانَة، لأنه يستخدِم للتدمير
ما أُعطِيَ إياه كمُخَلِّصِ له. فعلى عاتِق الإنسان يقَع اختيار ما عليه فعله
مع هذا المبدأ الرفيع.
القرآن مصدر تاريخي فريد، من حيث أنه مثَّل بشكل دائم وواضح استجابة لوضع محمد
خلال العشرين سنة الأخيرة (أو قريبًا من ذلك) من حياته. إلا أنه من الصعب
تمامًا تفسير ذلك بأن القرآن هو مصدر تاريخي، وخاصة لفترة ما قبل الهجرة (622
م)، ذلك أننا لا نملك إلا تواريخ قليلة معتمدة، إضافة إلى أن النص الحالي لم
يُرتب ترتيبًا كرونولوجيًا. ومهما يكن، إنه من الممكن إعادة صوغ الخطوط
الرئيسية لمنحى تطور العقائد القرآنية الرئيسية والتعاليم الأخرى، لكن فقط
بتطبيق المناهج النقدية ومعالجة مقتطفات أو آيات بعينها أكثر منه السور
بأكملها. تبرهن الدراسة الحالية أن عقيدة التوحيد المركزية للمسلم
بالله، قد ظهرت وتطورت بنحو تدريجي في القرآن. لم يكن ربُّ محمد في البداية
يحمل اسمًا محددًا، ثم بعد ذلك تماثل مع الإله العربي العلوي، "الله"، بعد فترة
وجيزة، كما يظهر، في الوقت الذي كان فيه اسم الرحمن هو المفضل، ثم وأخيرًا تمَّ
الاعتراف به كـ إله اليهود والمسيحيين. وبالتوازي مع هذا التطور، يمكن أن نرى
مراحل عدة في الاستقطاب التدريجي لقوى ماورائية أخرى، تبدأ بالتسليم بالمفاهيم
العربية القديمة للآلهة الأخرى والجن، وتنتهي بالمفهوم الأساسي لليهو-ميسحي عن
الإله الواحد وملائكته والشيطان. وصحيح أنه لا يمكن إعطاء تواريخ دقيقة لهذه
المراحل، إلا أن الخطوط الرئيسية لهذا التطور واضحة إلى حدٍّ ما. تنحو هذه
الدراسة لتأييد النتائج الرئيسية لـ ريتشارد بل
Richard Bell
في الترتيب الكرونولوجي للقرآن، كما تزيد من حدة الشك بشأن
التأريخ التراثي الإسلامي والترتيب الأوربي العام لمدرسة فايل
Weil
ونولدكه
Noldeke
وبلاشير
Blachere.