هل جرَّبت أن تتكلَّم؟
حسن شوتام
-
خذي حذرك وأنت تثبِّتين المصباح! أديريه في الاتجاه المناسب! إذا لاحظت
خيطًا عاريًا فانزلي في الحال ولنستقدم الكهربائي! انتبهي عزيزتي
فأرضية الحمام زلقة!
-
أمي! احكمي السلم جيدًا فحسب... المهمة تمت بنجاح!
ثم سمعتُ أختي تضيف وهي تطوي السلم: كلماتك كالوكف المتتابع كادت
تطرحني أرضًا!
ارتفع بي التعليق الحاد المقتضب إلى مدارج التأمل الفسيحة. في الكلمة
طاقة للشحن. قوة للتحليق. في الكلمة قدرة على الخلق. تكلَّم الله
فانبثقت حياة من رحم العدم. الكلمة رغبة، التصاق، اشتهاء مستمر
للولادة، للحياة. أعظِمْ بكلمة تُلقَى ساعة الغرق طوق نجاة وفي جبِّ
اليأس أنشوطة أمل، أنشودة حرية! يستعير الوجود الكلمة ليتحقَّق مثلما
نقيِّدُ عناصره وأشيائه لتوجد و تتحدَّد، نُطلق عليها أسماء لتخضع
للنسبي وتتجرَّد من المطلق.
عائم هو المطلق يأبى الثبات. لو أدركت الرِّمّة (النملة ذات الجناحين)
حجم الخطر الذي يترصَّدها جوًّا لاختارت التراب وشقوقه سِترًا.
الكلمة المُجنَّحة السابحة في المطلق شكل من أشكال التمرُّد الاستعراضي
الذي ينتهي بالمأخوذ بها إلى انحدار وهبوط طبيعي.
الكلمة المتحجِّرة أيضًا تندفع من مقلاع الجهل ملتهبة بروح التعصُّب
فتهوي على الرصيف رُكامًا للتراشق و الرجم!
الكلمة بهذا المعنى إفصاح عن موقف، إعلان عن هوية. انزعج سقراط ربما من
حالة "الإعلاء الوهمي للذات" التي تلبَّست بالرجل الأنيق فصرخ في وجهه:
"تكلَّم حتى أراك!". أراد سقراط في ظني أن تفصح نفس الرجل عن حقيقتها
لتُحقِّق اكتمالها في الصورة؛ صورته الخارجية.
الكشف والإخفاء خاصيتان فوتوغرافيتان. وقف الرجل أمام الحكيم صورة فقط
وحتى يمتنع الخلط وتنكشف المغالطة ويولد المعنى حضَّه سقراط؛ مُوَلِّد
نفوس الرجال على التكلُّم!
صافية هي الكلمة المتدفقة من صلب الإنسان الكامن فينا. إنه "الكائن –
النحن" باعتبار كل فرد منا شبكة من العلاقات الاجتماعية المركَّبة. هذا
"الكائن – الكل" الذي لا يتجزأ نمسخه بلعبة القمع والإخفاء وأحيانًا
بجريمة الإنكار فنهيِّئ له أسباب التغرُّب عن ذاته فلا يتعرَّف بعد إلى
نفسه التي هرب من حقيقتها.
من يتكلم فينا عندما يصمت الكائن الكامن، وهل يخاطب الكامن في الآخر أم
الكائن الظاهر المزيَّف؟ هل نطق الكامن الخفيُّ أصلاً؟ وإن تكلَّم، هل
يسقط من مملكة الحيوان أم يرجع إلى الأصل: الغابة التي خرج منها؟
أستميحك عُذرًا: هل جرَّبت أن تتكلَّم؟
*** *** ***