|
مرايا... سلطنة اللغة
عرفت أواسط القرن الماضي ارتماء جماعيًا لعدد من الكتَّاب والشعراء في أحضان اللغة، وبخاصة في فرنسا، بريطانيا، ايطاليا، ألمانيا وغيرها من البلدان التي أصابتها العدوى، على اعتبار أنها وحدها الملجأ الحقيقي لهم، ما داموا لا يملكون أيَّ جواب عن متاهات الأسئلة المحدقة بهم، لتقديمه إلى العالم. لكن جماعة منهم أخذها الوجد إلى حدِّ المغالاة في وجدها، فانزوت في مختبراتها الكتابية انزواء الكيميائي مع أنابيقه وبواتقه وموازينه، فجاءت بأعمال كان لها صدى عظيم في البداية، لكنها لم تلبث حتى تهلهلت، لافتقارها إلى الحقيقة الأخرى والأهم والأساس، حقيقة الإنسان في ذواتهم، صانعة حقيقة اللغة–الملجأ. الأديب والشاعر الإلماني هلموت هايسنبتل، موضوع هذه الكلمة، واحد بارز من تلك الجماعة. كان عضوًا مؤثرًا في "جماعة 47" التي كان من أعضائها مَن هم اليوم طليعة أدباء المانيا، أمثال غونتر غراس، غونتر آيش، وهاينريش بول. بعد إنجاز تخصصه المعمَّق في الدراسات العلمية، أخذ يهتم بالبحث اللغوي والأدب، وكان له فيهما محاولات تجديدية. اليوم، بعد مرور الزمن، ماذا بقي من تلك المحاولات وأمثالها في الوسط الأدبي العالمي الذي سار في هذا الاتجاه؟ I يبدو في أيامنا أنهم غفلوا عن شيء مهم، وهو أن الأدب لا يتكوَّن فقط من صور، وتخيُّلات، وانطباعات، وآراء، ومواضيع، وثيمات، ومناقشات، وغير ذلك من "مواد الاستهلاك المخصصة للمثقفين"، بل من لغة – ولا شيء آخر سوى ذلك. ولكن يبدو أيضًا أننا، في حال عدم غفولنا عن ذلك، نُدرك تمامًا ما يعني هذا الأمر. II إن الأدب، باعتباره لغة، لا يتميز عن الثرثرة التي يمارسها كلٌّ منَّا يوميًا، والتي نستعملها عادةً للتفاهم. نسمِّيها لغة الحديث أو الحكي الدارج. وهذا يعني، من جهة، شيئًا نستعمله، ومن جهة ثانية، شيئًا دارجًا. في تعبير آخر، تمثِّل اللغة المستعملة الدرجةَ الدنيا للغة، دنيا بما يحددها، بشكل واسع، من ضرورات عملية، من التزام للتفاهم في أسرع ما يمكن وأسهله. بينما في المقابل، يتميز الأدب بمبادئ مختارة ومنسَّقة. III أن يكون قوام الأدب اللغة، يعني من ناحية أخرى، أن هذه اللغة هي وسيلة، شيء ما لإبلاغ ما يسعى إلى الكشف عن نفسه للعلن والوعي. هذه الوسيلة تتميز عن وسيلتَي الرسم والموسيقى، بما أنها محددة مسبقًا بشكل أوسع جدًا، مما هي الألوان والأنغام. في الواقع تشمل اللغة دائرة شاسعة من المعاني، تضمُّ الفوارق الدقيقة في مختلف أنواعها. ويعمل فيها عنصران: الكلمات، والعلاقات بين الكلمات في الجُمَل. على أن الكلمات لا معنى لها وحيدًا ومحدَّدًا بوضوح، بل تغطِّيها هالة ما (معانيها تختلف تاريخيًا تبعًا لعلم الاشتقاق، أو محليًا، تبعًا لجماعة أو شخص معيَّن). ترتكز العلاقات التركيبية للجُمَل على قاعدة: فاعل – مفعول – صفة. هذه القاعدة توجب كل مواجهة فعلية Verbal مع العالم، أن تفترض دائمًا وجود شيء ما يُرجَع اليه، وشيء آخر في مقابل هذا المرجع؛ وكلا الشيئين مرتبط أحدهما بالآخر بطرائق عمل وسلوك. وقد أخذت هذه القاعدة النموذجية أشكالاً متنوعة. نظام بكامله من الإضافات والتسلسلات يتفاعل مع أضعف الدوافع. أدق الفوارق تتبدَّى. ويحدث ذلك كلُّه ما إن نتكلم. وذلك كلُّه قد أدى، في كل مرة جرى التعبير بطريقة أدبية، أي مثاليًا، إلى القبول مسبقًا ببعض المسلَّمات Axiomes. يضاف إلى ذلك، أن الخطاب المثالي للأدب أو الشعر، قد بدَّل دائمًا، وجدَّد الدائرة العامة في اللغة. IV وفيما اللغة بطبيعتها قد زوَّدت الإنسان قاعدة نموذجية، وتخطيطات تسمح له بأن يهتدي إلى طريقه، فإن الأدب قد ذهب بعيدًا في مغامرته، فزوَّد الإنسان على الدوام نماذج خاصة. نماذج خاصة تساعده في أن يفهم ذاته. وإن الاستعمال المكثَّف لهذه النماذج الخاصة، هو ما يميِّز العبارة الأدبية عن العادية. والمبادئ التي تنظِّم هذه العملية كانت ولا تزال ثمرة الضوابط الاعتيادية للغة. أما التغيُّرات التي تطرأ على اللغة، فتعني أن شيئًا ما قد تغيَّر في تفسير العالم. والأدب هو وليد هذه السيرورة ومسرِّعها في الوقت نفسه. وتعود ديمومة بعض المفاهيم والقواعد إلى الظروف التي كانت تُجيز لها الاستمرار. ولكن دائمًا كانت ثمة محاولات، إما للعودة إلى الوراء، وإما لتجديد الطرائق المختبرة. ويظهر أن ذلك صعب في أيامنا الحاضرة. إن أساليب الرواية مثلاً، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قد شاخت. ومَنْ يريد اليوم أن يتخذ بلزاك وأمثاله نماذج له، فلا شك في فشله، إلا إذا انقلب عالمنا على نفسه، وعاد إلى الركائز التي كان يرفعها أجدادنا الأقربون والأبعدون. V يرى هايسنبتل أنه عندما حاول التعبير بشكل "الجُمَل الأحادية" Monophrases (ثمة نماذج منها في المنتقيات التالية)، تبيَّن له في الواقع أن شيئًا ما أساسيًا تغيَّر في اللغة. وما تغيَّر يمكن أن نفصِّله في أوجه عديدة عند القراءة. وبما أنه ذو نشاط أدبي، ويعمل على أن يحيا في اللغة (لغته)، بحيث تستجيب متطلباته، فالذي يهمُّه هو: ممَّ يتكوَّن جواب اللغة؟ إن القاعدة النموذجية: "فاعل – مفعول – صفة" قد سقطت. وما زلنا نستعملها. لكنها جامدة. مستهلكة. مفككة. النظام اللغوي نفسه أصبح "كلاسيكيًا" في زعم المحافظين. وحيث يعمل دائمًا المحافظون، تكون الجيفة غير بعيدة. وكل هجوم على أيِّ ظاهرة جديدة، وغير مألوفة، إنما يستخدم حجج المحافظين. وكل هذه الحجج تستند إلى مصادرة Postulat صلاحيتها النهائية. ولكن، بصدق، من لا يزال يفهم مثل هذه المصادرات؟ كيف يمكن التحدث عن صِيَغ جامدة؟ كيف ننفعل؟ إن الحد بين ما أحدده كأناي، وما لست أناي، قد امَّحى. فهل يمكن بعدُ التحدُّث عن ذلك؟ VI حاول هايسنبتل في مراحل متتالية، أن يدخل في قلب الأشياء. والجوهري، وهذا ما شعر به كأنه يتغيَّر، تكشََّف له حيث التعبير النموذجي الأدبي، ملزَمٌ أن يحتل بوضوح، وبنوع خاص، أسسًا في اللغة. عندما يختفي نمط التعبير التقليدي، ينبغي الدخول تقريبًا في صميمية اللغة، من طريق كَسْر اللغة، وتقصِّي علاقاتها جدُّ الخفية. لكن المحصلة لا يمكن أن تكون لغة جديدة. إنها طريقة في التعبير تستخدم نهجًا يتناقض مع تركيب الجملة التقليدي والاستعمال التقليدي للكلمات. الكلمات استُهلكت حتى اختلط بعضها ببعض، لأن تحقيق هويتها الواضح قد تحلَّل في هالة يتعذَّر تحديدها طبيعيًا. هذا العامل الجوهري في اللاتحديد لا يسمح بالوصول إلى ما تمكن تسميته صورة أو مجازًا. الصورة أو المجاز، بما هما قابلان لتعيين هويتهما جليًا، يكونان جزءًا من اللغة التي تختفي تمامًا. الفاعل، المفعول، الصفة في الجملة تزول. لأن الاختبار الذي نحن في صدده، يبقى خارج العلاقة المحددة في الفاعل – المفعول. العلاقات لا تتشكَّل وفق إدغامات نسَقية أو منطقية سانتاكسية، بل تنبثق من المعاني الثانوية، من الالتباسات التي تبرز في قلب سانتاكس مهدَّم. اللغة تصبح هي الموضوع. لا تعود تبدو كوسيلة، أو سلاح، أو نظام إشارات: إن إمكان التعبير أو عدمه، يحتلاَّن مركز الصدارة. لماذا؟ لأن النماذج اللغوية البدئية التي حدَّدها الاستعمال مسبقًا، بدءًا من الجملة البسيطة حتى الأنواع الأدبية، قد فقدت تأثيرها، وتاليًا قدرتها على أن تمثِّل دور الوسيط. في تدهور هذه النماذج اللغوية، تكمن إوالية طاقة أُحادية الاتجاه لا تقدَّر بثمن. ينتج من ذلك أن العناصر اللغوية نفسها، تبرز ثانيةً تقريبًا، خارج الإطار النسَقي الذي كان يحبسها. ومن الممكن أن نميِّز تفاعلين في هذه الظاهرة. من جهة، سيتم السعي مبدئيًا، في عزم محافظ، إلى انقاذ ما بقي للانقاذ، ولكن من دون أي نتيجة سوى تضخيم المشكلة. ومن جهة أخرى، فإن عناصر اللغة، سواء أكانت ألفاظًا أم فونيمات Phonèmes أم شذرات جمل معزولة، أم مخططات سانتاكسية تجريدية مكثفة في صيغ، إنما تُعتبر خطأً مادة بنائية بسيطة، مجرَّد أحجار تُستعمل عند الحاجة. مثل هذا التفاعل لا يقود كما يظهر إلى حلٍّ، بل إلى تفاقم المشكلة. ويبدو أن لا حل واضحًا في الحاضر. ولكن لا يمكننا التعبير بطريقة أدبية، إذا لم نضع دائمًا هذه المشكلة نصب أعيننا، أو بالأحرى، إذا لم تكمن هذه المشكلة في قلب تجربة الخلق، ولم نتخذها كنواة. كل كلمة نعبِّر بها تطرح مشكلة. وهذه المشكلة هي أن اللغة تتجاوز بعيدًا الاستعمال التقني البسيط للكلمات وإدغاماتها. VII تلك هي النقاط الرئيسية في مبحث هايسنبتل اللغوي التغييري. ولا شك أن مثل هذه المباحث التغييرية تحسن قراءتها. غير أن الزمان قد أسقط معظم هذه النقاط. فدعوته إلى سلطنة اللغة في الأدب، ليست الوحيدة في تاريخ الثقافات العالمية. ثمة نشاطات موازية لها زمنيًا، كانت قائمة في بلدان أوروبية، ولا سيما في فرنسا، ايطاليا، بريطانيا. ففي فرنسا، أواسط القرن الماضي، كانت تنشط أيضًا حركة ما سمِّي "الرواية الجديدة"، وجماعة مجلة Tel Quel في رئاسة فيليب سولرز. وفي ايطاليا كانت الحركة الطليعية، وعلى رأسها الشاعر والروائي والمسرحي والناقد ادواردو سانغينتِّي. وفي بريطانيا سطع اسم جيمس جويس المخبول باللغة، حتى أنه جعلها مادة خامًا لإعادة صناعة عالم جديد. لدى هؤلاء جميعًا كانت اللغة سلطانة. إليك قول الفرنسي لوكليزيو الذي مُنح جائزة نوبل منذ عهد قريب، والمنضوي تحت لواء "الرواية الجديدة": لا شيء بالنسبة إليَّ غير اللغة. إنها المسألة الوحيدة، أو بالأحرى، الحقيقة الوحيدة. كل شيء يوجد فيها. كل شيء مُعطى. أنا أحيا في لغتي. هي التي تصنعني. الكلمات هي إنجازات، وليست أدوات. في الواقع، ليس عندي همُّ الاتصال. كذلك مواطنه فيليب سوليرز، جرَّب في مشروعه الشامل أن يستعيض باللغة، بما هي موضع اختبارات متعددة، نفسية، فيزيائية، إيديولوجية، عن وهم "الأنا"، بما هي "سلطة وحيدة"، قضى بها القانون، الجماعة، العقيدة، الما قبل ماضيًا. وبلغ سولرز حدًّا تصعب فيه ملاحقته. فأصدر بحسب زعمه روايتين، الأولى عنوانها "H"، 185 صفحة (ربما هو أول حروف كلمة حشيشة)، والثانية عنوانها فردوس، 254 صفحة. كلتاهما بدون علامات الوقف، كالنقطة أو الفاصلة أو الأهلَّة. وبدون بياض ومقاطع وفصول، على امتداد الصفحات كلها، بحيث تشعر كأنك أمام غابة سوداء من الكلمات المتراصة لا تدور حول حكاية، بل ألوف الحكايات. كذلك فعل ادواردو سانغينتِّي الواسع الثقافة. فقد اختار اللغة الاختبارية لإنقاذ العالم، كما ادَّعى، وبأيِّ ثمن، من اجترار التقليد. فبات النص عنده ظاهرة عنفية تعمد إلى "الكشف" عن "العمق" من طريق إبراز التناقضات بين الوعي والحقيقة، بين النظرية والتطبيق العملي. والمحصلة، أعمال مستغلقة. حتى أنه ذهب في اختباره اللغوي إلى تطعيم نصه بالألمانية والانكليزية والفرنسية واللاتينية، بتأثير من عزرا باوند وإليوت، ولكن بأشدَّ إغرابًا. أما جيمس جويس فقد ولَّى اللغة أمنع سلطان قُدِّر لها، في مؤلفه فينيغانز ويك. ففي هذه الشبكة العنكبوتية من الكلمات، المسمَّاة رواية، والتي طوى جويس سبعة عشر عامًا من عمره في كتابتها، ابتدع له فيها لغة غريبة أشبه بكبسولات ضمَّ فيها مفردات من تسع وستين لغة من كل أنحاء العالم. وساعده في ذلك إتقانه الفرنسية والايطالية والألمانية واللاتينية واليونانية، وإلمامه بالعديد من اللهجات. إضافة إلى تمتُّعه، وهذا الأهم، بذاكرة قوية لتحتفظ بكل هذه الثروات. VIII أخال في هذا السياق، أن اللغة لم تُمنَ بسلطان واسع عند أقوام إلى حدِّ التقديس، كما عند العرب. سوى أن هذا السلطان لم يرقَ إلى قمة تطرُّفه، إلاَّ على يد أبي العلاء المعري وأصحاب المقامات. فالمعرِّي قد ركب اللغة كفروسيٍّ لا كرحَّالة. متعة الفروسية اللغوية هذه، أفردته عن الأقران قبله وبعده. ولا سيما في كتابه الفصول والغايات. هنا اللغة أصبحت عُقَدًا خالصة. لا لسبب إلاَّ لأنه كان يطلبه دائمًا في اللفظ الغريب والتركيب الغريب، الممعن في الإغراب، لا عن حاجة، بل سعيًا وراء غاية يقصدها لذاتها، كدعاة الفن للفن. أما أصحاب المقامات، وأميرهم بديع الزمان الهمذاني، الحريري، الحصكفي، واليازجي آخرهم، فكان حافزهم الوحيد على إنشاء أعمالهم: اللغة. ولا همَّ آخر. المقامة أشبه بمصيدة أنيقة لاقتناص الألفاظ ونوادر التراكيب وبدائع الأسجاع، في قالب قصصي بسيط يقرِّبها من القارئ. IX هؤلاء جميعًا نسوا أو تناسوا أن اللغة ليست عقلاً (بعضهم أفاق من سُكره اللغوي كفيليب سولرز مثلاً). اللغة كائن حي. إنها كما الإنسان بادعها: ذاتٌ وعقلُ وروح. واستعمالنا أيَّ ركن من هذا الثالوث على حدة، يعني قتلاً للإنسان وبَدعه. إذ لا لغة بدون إنسان. وبالعكس. كلاهما متلازمان. ما قيمة ألوف الكلمات في المعاجم إن لم ينسجها على نَوله انسان. *** منتقيات من هاليسنبتل تمهيد
عبارات بسيطة * رسائل هجائيّة (مقاطع) I
الحاضر يستسلم لعبادة الأسلوب الفارغ II
تاريخي الانجيلي يبدأ مع رائحة الأرض البائرة في الخريف III (أمثال)
الضوء امرأة عارية منتوفة الشَعر بدقَّة IV
زمنُ البؤس يتناكح مع العصر الحديث لولادة آراء معروفة V (مقطفات من الصحف)
احتمالٌ في التقدير كان يجب أن يظهر * صورة مجازية في وضعية الغطس. كنت معلَّقًا عموديًا فوق ظل شيء لم يكن له وجود قط. زمن أخضر. الأرضية محصبة وصافية ومغطاة بنباتات صغيرة وظلال متغيرة. انعكاسات اضواء حيوية وخضراء. ضوء ناعم بعد الإضاءة العنيفة السابقة. سكون متأرجح للديمومة المذابة. عدم الدوام طويلاً. أجمل أيام موتي. بلا حوادث بلا انتظار. قبل الغطس تخيلتُ تلك الحالة كمن في تحرُّر نهائي. ولكن لم يكن سوى الغياب الموقت للوجود. إنه معنيٌّ أكثر منسيٌّ مفقود. في هذا الأكواريوم العجيب لمحتوايَ الشعوري ثمة ميت. هوذا ما يهمُّني مجددًا. لا يزال يهمُّني. ويدفعني إلى الأمام. فأن أكون غطستُ لم يكن يعني شيئًا سوى أني غطست. لا أكثر. لقد نسيت الأسماك الكبيرة. إنها تتجمع الآن. معلَّقًا عموديًا فوق الظل أتمايل تحت صدماتها. الآن ترتمي الأسماك عليَّ جماعات جماعات بقيادة أكبرها حجمًا وأشدها سوادًا متدفقةً من الزوايا الوهمية في ذلك الكهف المنسي. عدمٌ أخضر تملأه صدمات زعانفها الغاضبة. شبه ظلٍّ أخضر حائل في حركة فائرة ومزيدة بفعل صدمات زعانفها. ميدوسات صامتة تطفح بالنوستالجيا. هل جئتُ إلى هنا حقًا بملء إرادتي؟ ما كان قبل مجيئي إلى هنا يأخذ ألوانًا محببة. بسبب الصدمات التي كانت تزداد عنفًا دائمًا، بدأ رأسي ينفصل شيئًا فشيئًا. أحيانًا بعد صدمات أخفّ، كان يتحرك بحرية. هل تكون الأسماك راضية حين تحصل عليه؟ * غرامّاطيق سياسي المضطهِدون يضطهدون المضطهَدين. لكن المضطهَدين يصبحون مضطهِدين. ولأن المضطهَدين يصبحون مضطهِدين ينتج من ذلك أن المضطهَدين يصبحون مضطهَدين يَضطهدون وأن المضطهِدين يصبحون مضطهِدين يُضطَهَدون. لكن المضطهِدين المضطهَدين يصبحون بالعكس مضطهِدين (مضطهِدين مضطهَدين يضطهدون). والمضطهَدون إذ يَضطهدون يصبحون بالعكس مضطهَدين (مضطهَدين يضطهِدون مضطهِدين). المضطهِدون يُنتجون مضطهَدين. المضطهَدون إذ يَضطهدون يَضطهدون المضطهِدين. المضطهِدون المضطهَدون إذ يضطهدون يَضطهدون المضطهَدين المضطهِدين. وهكذا إلى ما لا نهاية. * قصيدة التدرب على الموت (مقاطع)
دخان غابة فوق هِسلاخ يحجب شمس شباط
الثرثرات في عصر أحدٍ مشوّشةً مختلطة معقدة * حفلة ظلالٍ راقصة
نافذةٌ معتمة خلفياتٌ مخروطيات الشكل تعرُّجاتُ نهرٍ * أحاديث مباشرة عملياتٌ بعيدًا من القواعد
اميركيون في القطار انعكاسات نورٍ على ليما السويَّة هنا و
يوجد ولا يروج وله معنى وليس بشيء * من أعمال Helmut Heissenbuttel: 1. Livres de Lecture, Ed Denoël, 1969 2. De la littérature, Ed Denoël *** *** ***
|
|
|