الرِّسَالَةُ الرَّابِعَة
إلى رُبَا
غياث المرزوق
-
قَبْلَ أنْ تَرتَقِيْ
مَوْئِلَ التِّيهِ مِنْ دَرَكَاتِ التَّسَوُّسِ في بَابِهِ
قَبْلَ أنْ َتَخْتَفِيْ
في كَثِيبِ الرِّمَالِ بَعِيدًا، وَفي المِلْحِ تُخْفِي ثُمَالَةَ أتْرَابِهِ
مَرْحَبًا يَتُهَا الرَّابِيَهْ
في الصَّبَاحِ تَزُورُ العَصَافِيرُ أعْشَاشَهَا
وَيَحُطُّ رُوَيْدًا رُوَيْدًا جَنَاحَانِ،
أجْنِحَةٌ
مِثْلَ رَقْصِ السَّنَابِلْ
***
في
الصَّبَاحِ تَرُوزُ الفَرَاشَاتُ أحْرَاشَهَا
وَتُقِيمُ حِوَارًا مَعَ اللَّيْلَكِ المَشْرِقِيِّ
/... خَفِيًّا
فَتَسْمَعُهُ الرِّيحُ، أقْصِدُ هَسْهَسَةَ الرِّيحِ،
نَصًّا عَتِيًّا
يُسَاجِلُ بَوْحَ الرَّسَائِلْ
***
وَيُحَاوِلُ أنْ يَسْتَبِينَ صَدَى أفْرُودِيتَ
وَأصْدَاءَ عَشْتارَ
صَوْبَ اكْتِمَالِ الجَمَالِيِّ
مِنْ هَجَسٍ سَادِرٍ يَتَصَدَّى إلى لُمَّةٍ
في ضَنَى الغَرْبِ
أوْ هَاجِسٍ سَارِدٍ يَتَمَدَّى عَلى أُمَّةٍ
في بِقَاعِ الجَنُوبِ
وَمُهْتَجَسٍ يَدْرُسُ الحَرْفَ:
نَبْرَتَهُ
رَمْزَهُ وَمَجَرَّتَهُ
شَكْلَ تَأثِيرِهِ في المَسَامِعِ مُنْتَفِضًا
مِنْ رِحَالِ الشَّمَالِيِّ
ثُمَّ تُحَرِّرُهُ جَوْقَةٌ لِأدَاءِ القَصِيدَةِ
مُدْهَامَّةٌ بِرَفِيفِ الجَلاجِلْ
***
وَعَلى رُكْبَةِ الأُفْقِ مِنْ جِهَةِ الصَّدِّ
أصْداحُ قَيْثَارَةٍ مُتَفَرِّسَةٍ
تَسْتَمِدُّ مَدَاهَا مِنَ المَدِّ
أوْ تَسْتَرِيحُ إلى جِذْعِ زَيْتُونَةٍ مُتَمَرِّسَةٍ
أصْلُهَا ثَابِتٌ
وَضَفَائِرُهَا تَتَصَاعَدُ مُلْتَاعَةً في الهَوَاءِ
وَيُسْرَى يَدَيْهَا مُسَمَّرَةٌ مِثْلَ زَنْدِ الظِّبَاءِ
عَلى حَافَّةِ
الخَدِّ
كَيْ تَتَمَلَّى الفُرَاتَ بِتَرْنِيمَةٍ سَاهِيَهْ
مَرْحَبًا يَتُهَا الرَّابِيَهْ
***
حِينَ تَنْهَضُ نُوَّارَةُ المَرْجِ
مِنْ خِدْرِهَا
تَتَمَرْأى عَلى غُرَّةِ المَوْجِ
عُرْيَانَةً في الضِّيَاءِ
سوى سَجْفِ فَيْءٍ شَفِيفٍ
على خَصْرِهَا
تَتَثَاءَبُ وَالفَجْرَ مِنْ تَمْتَمَاتِ السُّدَى
ثُمَّ تَمْسَحُ عَنْ وَجْنَتَيْهَا حِبَابَ النَّدَى
وَكَحَسْنَاءَ صَهْبَاءَ مِغْنَاجَةٍ
تَتَحَدَّى سَنَى الفَرْقَدَيْنِ، إزَاءَ المَدَى
تَرْتَدِي ضِحْكَةً، ضِحْكَتَيْنِ،
/... ثَلاثًا
وَتَسْرَحُ في كَاغِدِ المَسْرَحِ الغَيْهَبِيِّ
/... مَكَاثًا
تُسَرِّحُ كَالهِرِّ هُدَّابَ إكْلِيلِهَا الذَّهَبِيِّ
وَتَشْرَبُ جَهْرًا
شَآبِيبَ صَفْوَاءَ مِنْ سَلْسَبِيلٍ
وَتَرْشُفُ في السِّرِّ مِنْ خَمْرَةِ الأبَدِيِّ
/... دِثَاثًا
وَعَمَّا قَلِيلٍ
تُطِلُّ عَلى الكَوْنِ دِيبَاجَةً زَاهِيَهْ
مَرْحَبًا يَتُهَا الرَّابِيَهْ
***
في
اللُّحَيْظَاتِ
بَعْدَ ارْتِخَامِ النَّشِيدِ
الرِّوَائِيْ
وَبَعْدَ رُؤُودِ الكَلامِ الرَّوَائِيْ
تَحُومُ
الشَّحَارِيرُ هَائِمَةً
فَتَبُثُّ على الفَوْرِ مَا خَبَّأتْ
مَرَّةً في السَّرَائِرِ نَائِمَةً
وَبِنَاصِيَةِ القَلْبِ أرْسُمُهَا كَالرَّوَابِيْ
وَالرَّوَابِي رُبًى تَوَّجَتْهَا الأرَاجِيحُ
مُكْتَظَّةً بالصَّبَايَا الجَمِيلاتِ
هَا إنَّهُنَّ بِألْوَانِهِنَّ وَصَيْحَاتِهِنَّ
يُجَنِّنَّ جَنَّةَ عَدْنٍ على الأرْضِ
يَنْشُرْنَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ «مُوزِيَّةً»
بَيْنَ وَرْدِ المَسَاكِبِ
يَجْسُرْنَ جِسْرًا جَسُورًا إلى نَجْمَةٍ
في عَنَانِ الكَوَاكِبِ
هَا إنَّهُنَّ بِأشْجَانِهِنَّ وَضِحْكَاتِهِنَّ
يَئِينَ الحَيَاةَ بِمَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ
إلى أضْألِ الاِحْتِمَالاتِ
أتْرُكُ نَاصِيَةَ القَلْبِ سَاهِمَةً
وَالصَّبَايَا الجَمِيلاتُ أتْبَعُهُنَّ
كَمَا الطِّفْلُ في الثَّالِثِ الاِبْتِدَائِيْ
فَيَنْحَسِرُ الدَّرْبُ عَنْ وَاحَةٍ ثَاكِلٍ
مِنْ ضَبَابٍ
وَأُرْجِئُ مِيعَادَ مَوْتِي المَسَائِيْ
***
ثُمَّ أبْدَأُ في رِحْلَةِ الاِنْتِفَاضَةِ مِنْ سَابِلٍ
يَتَنَاسَى شُعَاعًا أفُولاْ
وَأمْشِي
وَأمْشِي
كَمَنْ أدْرَكَتْهُ الرِّيَاحُ العَنُودُ بِدَوَّارَةٍ
فَأضَلَّ السَّبِيلاْ
أُفَتِّشُ عَنْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ
حِينًا
وَحِينًا عَنِ الصَّمْتِ
أوْ كِلْمَةٍ بَائِرٍ كُنْتُ خَبَّأْتُهَا في الرِّمَالِ
/... دَلِيلاْ
وَأمْشِي
وَأمْشِي
وَفِي الخَطْوِ أنْسَى ضَلُولاً خُطَايَ
وَأسْتَبِقُ الظِّلَّ في فَوْرَةٍ مِنْ دِمَايَ
وَأنْسَى الزَّمَانَ الذَّلِيلاْ
فَيَنْقُرُ تُفَّاحَتِي طَائِرٌ عَاثِرٌ عَابِرٌ
ثُمَّ يَسْخَرُ مِنْ قَدَمَيَّ وَمِنْ كَتِفَيَّ
سَلُوحًا عَجُولاْ
وَيَأْتِي بِرَفْرَفَةٍ مُتَسَارِعَةٍ مُتَوَعِّدَةٍ
يَجْأفُ القَلْبُ مِنْهَا قَلِيلاْ
وَأجْهَشُ في غَفْلَةٍ مِنْ صِبَايَ
/... وَأعْدُو
كَـ«يُولِيسَ» عَكْسَ الزَّوَابِعِ أبْحَثُ عَنِّي
لَحُوحًا سَؤُولاْ
وَأُشْطَرُ بِالمَانَوِيَّةِ شَطْرَ الصَّعَالِيكِ مِنِّي
فَيَسْألُ شَطْرِي الظَّلامِيُّ عَنْ «بِينِلُوبَ» الحَرُودِ
وَعَنْ غَيْمَةٍ ثَيِّبٍ لَمْ أجِدْهَا هُنَا مُنْذُ حَوْلِ القُرودِ
بِصَحْرَاءِ غَمِّي
وَيَسْألُ شَطْرِي الضِّيَائِيُّ عَنْ مَرْكَبٍ تَائِهٍ
حَطَّمَتْهُ الخَنَازِيرُ قَبْلَ الشُّرُوع زَمَانًا مَدِيدًا
بِشُطْآنِ هَمِّي
وَعَنْ صُورَةٍ أُلْثِمَتْ مِثْلَ إشْبِينَةٍ رُؤْدَةٍ في كِتَابٍ
فَيَلْثِمُنِي وَاجِفًا شَالُ اِمْرأةٍ كَثَّةٍ دَعْجَةٍ مِنْ سَرَابٍ
أُحَمْلِقُ كَالفَرْفَحِينَةِ في مُقْلَتَيْهَا
أرَى رُؤْيَةً وَرْدَةَ العُمْرِ مِنْ أوَّلِ العُمْرِ
ألْثِمُ لَثْمَ الحَسَاسِينِ غَمَّازَتَيْهَا
وَأجْأرُ في الأرْضِ مِنْ آخِرِ الأرْضِ:
«هَا أنْتِ أُمِّي»
***
يَأُمِّي
يَأُمِّي
عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ
مِنَ اللُّجِّ لامٌ
إلى البَحْرِ بَاءُ
وَفِي اليَمِّ يَاءٌ
تُنَادِيهِ كَالرَّعْدِ بَاءُ
وَأمَّا النَّيَازِكُ عَشْرُ السِّنِينِ
فَنُونٌ تُنَوِّنُ تَاءَ الفُرَاتِ
«وَهَا أنْتِ أُمِّي»
***
يَأُمِّي
يَأُمِّي
عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ
وَنَقْبَرْتُهُنَّ
وَأفْصَحْتُهُنَّ
وَعَلَّمْتُهُنَّ الرِّمَايَةَ في سُحْمَةِ اللَّيْلِ حَتَّى
وَعَلَّمْتُهُنَّ السِّبَاحَةَ في رَعْشَةِ القُرِّ حَتَّى
وَعَلَّمْتُهُنَّ
رُكُوبَ السَّحَابِ
وَأُمْثُولَةً مِنْ رَوِيِّ الثِّقَاتِ
«وَهَا أنْتِ أُمِّي»
***
يَأُمِّي
يَأُمِّي
عَشِقْتُ النِّسَاءَ بِكُلِّ اللُّغَاتِ
وَجَسَّرْتُهُنَّ
وَجَدَّدْتُهُنَّ
وَدَجَّجْتُهُنَّ بِأشْيَاءَ حَمَّاءَ قَدْ تَصِلُ القَلْبَ بالقَلْبِ
أشْيَاءَ بَيْضَاءَ، خَضْرَاءَ تَسْتَدْرِجُ اللُّبَّ في
اللُّبِّ
أوْ مَا يُقِرُّ بِهِ حَاسِرًا هَوْدَجُ المُفْرَدَاتِ
وَأشْيَاءَ لا أذْكُرُ الآنَ
أشْيَاءَ لا أذْكُرُ الآنَ
/... فِعْلاً
وَهَا أنَذَا أسْتَمِيحُ الرَّهَافَةَ في مِسْمَعَيْكِ
وَأصْعَدُ مِنْ قِمَّةٍ كُنْتُ شَيَّدْتُهَا لِلْوُصُولِ
ارْتِقَاءً إلى مَوْطِئٍ يَتَجَمَّلُ مِنْ كَاحِلَيْكِ
وَأُكْمِلُ قَوْلِي وَأنْتِ تَنُودِينَ
ثُمَّ تَنُوسِينَ كَالوَرْدَةِ الآبِدَهْ:
«كُلَّ هذا وَذَاكَ فَعَلْتُ
لَهُنَّ يَأُمِّيْ
كُلَّ هذا وَذَاكَ فَعَلْتُ
لِكَيْ يَتَقَمَّصْنَ مِنْكِ أُنُوثَةَ قُبَّرَةٍ رَائِدَهْ
وَلِكَيْ تَتَقَمَّصَنِي امْرَأةٌ جَامِعٌ وَاحِدَهْ
مَنْ تَكُونُ سِوَاكِ يَأُمِّيْ؟
مَنْ تَكُونُ سِوَاكِ يَأُمِّيْ؟»
***
كَيْفَ حَالُكِ أيَّتُهَا الرَّابِيَهْ؟
كَيْفَ حَالُ الذي كُنْتُ أنْقُشُهُ في دَمِي؟
كَيْفَ حَالُ التي كُنْتُ أحْسَبُهَا تَوْأَمِي؟
يَا ابْنَةَ العِنَبِ البَلَدِيِّ البَعِيدِ
وَمِرْآةَ رُوحِيْ
لِمَاذَا اتَّكَأْتِ عَلى وَرْدَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ
كَيْ تَشُمِّي عَلى البُعْدِ
فَحْوَى جُرُوحِيْ؟
خَرَجْتُ رَزِينًا مِنَ اللَّوْزِ
والفُسْتُقِ الحَلَبِيِّ المُزَنَّرِ
حِينَ خَرَجْتُ
ابْتِدَاءً مِنَ البَدْءِ، بَدْءِ البِدَايَاتِ
أطْبَقْتُ جَفْنَيَّ
في لَحْظَةٍ طَافِرٍ مِنْ دُنُوِّ النِّهَايَاتِ
ثُمَّ اسْتَعَدْتُ إبَاءَ سُفُوحِيْ
وَأيْقَنْتُ أنَّ عُلُوَّ الجِبَالِ
-الجِبَالِ التي لَسْتُ مِنْهَا أسَاسًا-
لَمْ يُعَجِّلْ خُطَايَ إلى شَامَةٍ
كُنْتُ ألْمَحُهَا تَحْتَ أيْسَرِ جَفْنَيْكِ
مِنْ طَرَفِ الضَّوْءِ
قُلْتُ لِنَفْسِي الأسِيرَةِ في الظِّلِّ
مِنْ مَحْتِدِ النَّوْءِ:
«مَاذَا فَعَلْتِ بِهَوْجَاءِ رُوحِيْ؟»
«وَمَاذَا فَعَلْتِ بِهَيْجَا رُكُوحِيْ؟»
***
لِمَاذَا اتَّكَأْتِ عَلى وَرْدَةٍ مُتَقَارِبَةٍ
كُنْتُ صَيَّرْتُهَا مِحْوَرَ القُرْبِ فِيَّ؟
قَدْ فَتَحْتِ حِتَارَ البِلادِ عَلَيَّ
-اَلْبِلادِ التي تَتَوَغَّلُ مَكْنُونَةً
في فِجَاجِ قُرُوحِيْ
يَا ابْنَةَ القَصَبِ الشَّاطِئِيِّ القَرِيبِ
وَمَنْ أوْرَفَتْ في ظِلالٍ تَفِيءُ بِسَاجِيَةٍ
مِنْ لُجَاجِ جُمُوحِيْ
قَدْ فَتَحْتِ حِتَارَ البِلادِ عَلَيَّ
-اَلْبِلادِ التي كُنْتُ أنْشُرُهَا فَوْقَ دَالِيَةٍ
كُلَّمَا هَرَبَتْ عَنْوَةً مِنْ يَدَيَّ
***
فَانْشُرِينِي إذَنْ في سِلالِ القَطَافِ
قُبَيْلَ هُرُوبِ المَنَامِ
انْشُرِينِيْ
كَيْ أصُفَّ صُنُوفَ العَنَاقِيدِ بَيْنَ يَدَيْكِ
وَأنْتِ تَغَارِينَ مِنْكِ وَمِنِّي وَمِنْ فَرْقَدَيْكِ
بُعَيْدَ انْقِشَاعِ الغَمَامِ
انْشُرِينِيْ
وَاذْكُرِينِي كَمَنْ شَرَّدَتْهُ كِلابٌ
مُنَيْشَنَةُ الكِرْشِ وَالرُّكْبَتَيْنِ
مُسَدَّسَةُ الإسْتِ وَالإلْيَتَيْنِ
تَعِيثُ فَسَادًا بِأغْلَى الأنَامِ
وَكُفْرًا وَقُبْحًا بِأحْلَى الكَلامِ
اذْكُرِينِيْ
وَارْحَمِينِي كَمَنْ حَاصَرَتْهُ قُرُودٌ
مُفَلْطَحَةُ القِحْفِ
مَخْرُومَةُ الخُفِّ
خَاسِئَةٌ
مَسْخُ دَاعِرَةٍ خَائِرٍ
نَسْخُ عَاهِرَةٍ خَاسِرٍ
تَتَسَافَحُ تَسْفَاحَ مَنْ دَنَّسُوا السَّبْتَ
في لَيْلَةِ الوَجْدِ وَالاِلْتِئَامِ
ارْحَمِينِيْ
وَاتَّقِينِي -رُبَا-
إنْ كَسَرْتُ القَوَانِينَ في الحَرْفِ
أوْ وَضَعَتْنِي الحَيَاةُ عَلى الكَفِّ
أو رَفَعَتْنِي دُنًى تَتَفَرْدَسُ بَيْنِي وبَيْنَكِ
في شَطْحَةِ المُسْتَهَامِ
اتَّقِينِيْ
وَخَلِّي لِمَنْ حَسَدُونِي العِلاجَ «المُمَاثِلَ»
في قُفَّةِ الرَّفِّ
قُومِي وَقُولِي لِمَنْ سَبَقُونِي إلَيْكِ جَحَافِلَ:
«مَا زِلْتُ في أوَّلِ الصَّفِّ»
«مَا زِلْتُ في أوَّلِ الصَّفِّ»
***
أخْطُو قَصِيًّا، شَقِيًّا خُطَاكِ
وَأصْعَدُ قَبْلَ تَلاشِيكِ في "رَوْنَقِ" التُّلِّ
مِنِّي إلى مَهْمَهِ السُّلَّمِ الحَجَرِيِّ المُدِلِّ
عَلى مُلْتَقَى «الأقْصِيَاءِ»
وَمُفْتَرَقِ الأشْقِيَاءِ العِجَاءِ
وَأشْتَفُّ فِيَّ وَلَوْ مَرَّةً في مُؤَازَرَةِ الطَّلِّ
رَابِيَةً وَرُبًى وَرَوَابِيَ
تَشْتَدُّ، تَشْتَبُّ أوْ تَشْرَئِبُّ
كَمَا الطَّودُ سَامِقَةً في السَّمَاءْ
فَاسْحَبِينِي إذَنْ
مِنْ سَمَايَ الكَؤُودِ وَغَنِّي سَمَاكِ
اسْحَبِينِيْ
وَلِلْمَدِّ مَدٌّ وَمَدٌّ وَمَدٌّ فَمُدِّي مَدَاكِ
اسْحَبِينِيْ
إلى البُعْدِ أبْعَدَ مِمَّا تُطِيقُ دِمَاكِ
اسْحَبِينِيْ
وَافْرُشِي جَانِحَيْكِ كَسَعْفَيْ نَخِيلٍ
تَرَيْ في الخَمَائِلِ شَمْسَ أصِيلٍ
تَسِيرُ الهُوَيْنَى عَلى ضِفَّةِ النَّهْرِ
/... زُلْفَى
وَتَرْنُو ثَجِيجَ
البِطَاحِ السَّلِيلَةِ
رَنْوَ الصِّفَاحِ
وَرَنْوَ الأقَاحِي البَلِيلَةِ
كَيْمَا تُغِيثَ بِطَلْعِ البَرَاحِ شَذَاكِ
***
وَاعْتَكَفْتُ زُهَاءَ صَلاةٍ بِصَوْمَعَةِ الحُبِّ
كَيْ أصْلُبَ الزَّنْزَلَخْتَ عَلى جَسَدِي
وَاحْتَرَقْتُ كَمَا العِهْنُ في جَسَدِ امْرَأةٍ
دُونَ أنْ أعْرِفَ الآنَ مَا كَانَ
أوْ أنْ أُبَاحَ بِبُوصَلَةٍ وَأُبِيحَ المَكَانَ
فَيَبْزُغُ مِنْ بَصَوَاتِي الأخِيرَةِ
ضِدٌّ كَنُودٌ يُحَيِّرُنِي وَيُسَيِّرُنِي
وَيَقُولُ كَلَامًا عَصِيًّا عَلى الفَهْمِ
صِحْتُ بِهِ كَالبُؤُوزِ الشَّرِيدَةِ
في
نَوْبَةٍ مُتَصَاعِدَةٍ:
«صَاحِ هذي دِمَاءٌ مُقَدَّسَةٌ
أوْ
مُدَنَّسَةٌ
تَمْلَأُ الأرْضَ، أرْضَ الشَّآمِ
فَأيْنَ دِمَاءُ الذينَ اخْتَفَوْا
والذين انْتَفَوْا
مُنْذُ عَهْدِ سَمَاسِرَةِ الحَرْبِ،
مَدْجَنَةِ الخَوْفِ أوْ بُرَحَاءِ الزُّؤَامِ؟
خَفِّفِ الوَطْءَ
ثَمَّةَ شَرْخٌ عَمِيقٌ يُعَرْبِدُ بَيْنَ فَرِيْقَيْنِ
في
زَمَنِ الأرْبِ والكَرْبِ
كَانَتْ دِمَشْقُ بِأعْيُنِهِمْ قَبْلَ أعْيُنِنَا
قَمَرًا سَابِحًا في رَجِيفِ الأزَاهِيرِ
صَارَتْ دِمَشْقُ بِأعْيُنِنَا بَعْدَ أعْيُنِهِم
قَمَرًا غَارِقًا في نَزِيفِ الظَّلامِ»
***
غَيْرَ أنَّ وَجِيبًا مِنَ الأمَلِ اللَّازَوَرْدِيِّ
يَلْفِظُنِي نَسْمَةً تَتَشَظَّى
فَأسْمَعُهُ نَأمَةً، نَأمَتَيْنِ،
/... ثَلاثًا
وَألْمَحُهُ
يُومِضُ القَلْبَ في آخِرِ النَّفَقِ العَرَبِيِّ
فَيَخْتَطُّ مَرْحَلَةً تَتَلَظَّى
/... إرَاثًا
وَيَهْزَجُ أُهْزُوجَةً مُتَأهِّبَةً
لا تُضَامْ
***
أُبْصِرُ الآنَ في رَاحَتَيَّ
وَأُدْرِكُ أنَّ النَّجِيعَ دَؤُوبُ الحَرَاكِ
أرَاكِ وَأنْتِ تَؤُوبِينَ نَهْرًا إلَيَّ
وَتَشْتَعِلِينَ بِأوْرِدَةِ الضِّفَّتَيْنِ
هَوًى مُسْرِعًا
وَأرَى شَطْرَ عَيْنَيْكِ مِجْمَرَتَيْنِ
عَلى الجِسْرِ شَتَّانَ بَيْنَهُمَا
فَأظُنُّهُمَا النَّيِّرَيْنِ مَعًا
وَأرَى كَوْكَبَيْنِ شَغُوبَيْنِ يَسْتَرِقَانِ
بَرِيقَكِ مُسْتَرْسِلاً، وَهُمَا يُرْخِيَانِ
سُدُولَ الكَلامْ
يَا
ابْنَةَ
النَّيِّرَيْنِ
وَمُلْهِمَةَ الكَوْكَبَيْنِ
سَلامٌ، سَلامْ
***
في
المَسَاءِ تَثُبُّ العَصَافِيرُ صَامِتَةً
وَيَخِبُّ رُوَيْدًا رُوَيْدًا جَنَاحَانِ، أجْنِحَةٌ
مِثْلَ نَارِنْجَةٍ مِنْ رُخَامْ
***
في
المَسَاءِ تَدِبُّ الفَرَاشَاتُ خَافِتَةً
وَالصَّبَايَا الجَمِيلاتُ يَسْلُفْنَ سَالِفَةً
لِلْحَمَامْ
***
أطْبَقَ الطِّفْلُ عَيْنَيْهِ في وَمْضَتَيْنِ
وَأطْلَقَ أحْلامَهُ لِلْبِلادِ الشَّجِيَّهْ
فَدَمْدَمَ بِاسْمٍ وبِاسْمَيْنِ
خَبَّأ تَحْتَ الوِسَادَةِ تَعْوِيذَةً
مِنْ شُمُوسٍ قَصِيَّهْ
وَرَدَّ الغِطَاءَ عَلى دَمْعَتَيْنْ
ثُمَّ نَامْ
***
*** ***
دبلن، مارس (آذار) 1998