<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

طانيوس شاهين أو الثورة في صيغتها اللبنانية

خالد غزال

 

يتطرق الكاتب والإعلامي أنطوان سلامه في كتابه طانيوس شاهين، من منازلة الإقطاع إلى عجز الثورة، 1858-1859-1860 (دار النهار) إلى مرحلة مهمة في تاريخ جبل لبنان عمومًا وتاريخ الطائفة المارونية خصوصًا. في التاريخ اللبناني الحديث، تشكل هذه المرحلة الممتدة من أربعينات القرن التاسع عشر، حين اندلعت الصراعات الطائفية في عهد القائمقاميتين، وبلغت ذروتها في أحداث 1860 التي أسست لنظام المتصرفية، وتحددت بموجبها معالم الكيان اللبناني لاحقًا في العام 1920. وهي مرحلة ينجدل فيها تاريخ تكوُّن لبنان مع ما شهدت الطائفة المارونية من تحوُّلات، ومع المواقع التي استقرت عليها بعدما أنهكتها صراعاتها الداخلية.

يقدم سلامة توصيفًا لحال الطائفة المارونية عشية أحداث 1859-1860، بحيث تبدو مهجوسة بعصبيات الأقلية المنطوية على ذاتها، وهي الأقلية التي تجيد «الزجل»، أي فن الارتجال، وتتعثر في الحساب ومنطقه، فلا تنتهي من مواجهة ضارية إلا لتدخل في أخرى. حروب متتالية في سنوات ما بين 1840 و1860، خسرتها بالجملة لسوء تقدير تحالفاتها الاستراتيجية، ولعطب في تركيبتها الأقلوية، فغريزة البقاء تفرض قواعد صارمة على الجماعة القليلة العدد، كالتراتبية المنغلقة، وأحادية الراعي، والاتحاد الجماعي، وهي لم تملك عنوانًا واحدًا في هذا الأقنوم، ففي ذروة قلقها الوجودي، انقلبت على صيغة «المقاطعجية» التي تحكمها، ولم تملك بديلاً. هذا الوصف زاد عليه كمال الصليبي قوله بنزعة الموارنة «المعهودة الى الارتجال والتفسخ وعدم تنسيق الجهود» في لحظات تاريخية مفصلية تتسم بالصعوبة.

بعيدًا من التفسيرات السطحية الواردة في كتب التاريخ اللبناني لصراعات منتصف القرن التاسع عشر في جبل لبنان، يقدم انطوان سلامة قراءة تاريخية ترى الأحداث في سياق الصراعات الدولية على تركة «الرجل المريض»، أي السلطنة العثمانية، بحيث شكَّل الجبل أحد مواطن التدخل الأجنبي الخارجي، فبات لكل بلد طائفة يتولى حمايتها، وتشكل وسيلة الصلة مع الباب العالي. ويقرأ الكاتب الأحداث في سياق النزاعات الداخلية، المتصلة بالتناقضات الاجتماعية، خصوصًا في ظل سيطرة إقطاع آل الخازن وحبيش، والظلم الذي أذاقوه للعامة والفلاحين، مما أجَّج الحقد «الطبقي» وهيأ لاندلاع الانتفاضة ضد هذا الإقطاع. في السياق نفسه، كانت الكنيسة المارونية عنصرًا فاعلاً في الأحداث، انطلاقًا من سعيها للحد من سلطة الإقطاع لحساب الكنيسة، التي باتت تمثل ثقلاً سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا، مضروبًا برعاية أجنبية، بما يجعل طموحها للهيمنة طموحًا مشروعًا. هكذا تداخلت في الصراع العوامل الدولية والإقليمية والتناقضات الداخلية ضمن الأقلية المارونية، لتنفجر صراعًا بدا في مرحلته الأولى ذا طابع داخلي ضمن الأقلية المارونية نفسها، ثم اتسع بفعل التدخلات الأجنبية ليتحول صراعًا أوسع بين إقليات مسيحية وأقليات درزية.

في العودة إلى لوحة الصراع، تعاملت الدول الأوروبية مع جبل لبنان كجزء من خريطتها الاستعمارية، وراح قناصلها يتدخلون بالحياة العامة. وزاد دورها بعد استفحال «المسألة الشرقية»، وساهمت في الصراعات داخل الطوائف نفسها ومع الطوائف الأخرى، حتى بدت لوحة الصراع عام 1860 كأنها صراع بين المسيحيين المدعومين من فرنسا وبين التحالف الدرزي-الشيعي–السني المدعوم من العثمانيين والإنكليز. في المقابل، كان مشهد العداء للإقطاع قد تبلور، فقد

عانى الفلاح من قساوة الضغط الإقطاعي عليه، ماديًا ومعنويًا. فالانقسام الحاد والشرس الذي أصاب الإقطاع المسيحي في صراعه على السلطة انعكس عليه، فسعى الإقطاعيون، الاحمديون، والعسافيون، إلى استمالته لصفوفهم، ترغيبًا وترهيبًا. أجبر الإقطاع المتصارع الفلاح على التنازل عن جزء من حصص محاصيل الأرض لتمويل حملاته السياسية. ولتغطية نفقاته في الرشوة، فرض عليه دفع الضرائب المسبقة، أجبره على الانخراط في «ميليشياته» المقاتلة، فناء الفلاح المسيحي تحت ثقل المعركة الضارية بين الإقطاعيين الأحمديين والعسافيين.

في الوقت نفسه كان البطريرك بولس مسعد يرعى التذمرات الفلاحية ويشجع قيادات الفلاحين على الاعتراض، وهو موقف قرأه مؤرخون بأن البطريرك كان المحرك الفعلي للثورة الفلاحية في كسروان وقائدها الخفي، انطلاقًا من كونه يعود إلى «أصول فلاحية وأراد الانتقام لوالدته التي أهانتها خازنية». ولكن تشير قراءات أخرى إلى دور وسطي لعبه البطريرك وحاول فيه تطويق الثورة في مهدها. إلى جانب هذه العناصر في الصراع، كان للإرساليات المسيحية دور في التدخل تحت راية هدف التنوير والتعليم. أما العثمانيون، فكانوا بأشد الحاجة إلى تفجر هذا الصراع داخل القائمقامية المسيحية، لأنه يتيح لهم إعادة التموضع العسكري والأمني والسياسي في جبل لبنان.

اندلعت الأحداث ضد إقطاع آل الخازن في كسروان، وبعد وساطة من البطريرك، الذي سعى مع آل الخازن لتقديم تنازلات لمصلحة الفلاحين لمنع «الهيجان الشعبي» من الانفلات. رفض الخازنيون التسوية ومبادرة البطريرك، «وامتعضوا من إعطائه الفلاحين حق الانتخاب، والتساوي بهم في الأحكام العامة». يكمن خطأ الخازنيين ليس فقط في رفض التنازلات، ولكن في المراهنة على الدولة العثمانية لحمايتهم وحماية سلطتهم. يشير الكاتب إلى هذه المحطة بالقول:

قفز العثمانيون على أكثر من حبل، زرعوا الأمل في قلوب الخازنيين المنهارين، دعموا طانيوس شاهين بالتغاضي عن تجاوزاته، وفي اللحظة المناسبة لمصالحهم ضربوا قوته الشعبية وتماسكها بتشجيع الزوقيين على الانشقاق والانفصال.

عندما تندلع أحداث مفصلية، تنكفئ قيادات وتتقدم أخرى. هكذا تراجع قادة الثورة الأوائل، أمثال الوكيل العام صالح جرجس صفير، ومحرك الجرد هابيل الخوري العقيقي، والداعية الياس المنيِّر، ليتقدم الصفوف طانيوس شاهين، الذي استقبله الكسروانيون بحفاوة، فقاد التحرك ضد آل الخازن. وعلى رغم اختلاف المؤرخين في شخصه ومسلكه وولاءاته، إلا أنهم يجمعون على الحقد الذي كان يكنُّه لإقطاع آل الخازن، ولما لاقاه وعائلته شخصيًا من إذلال على يدهم. استطاع شاهين قيادة التحرك بحنكة وذكاء، لقبه اللعازاريون ماريشال، باعتباره «محرك الثورة وروحها». أفاد شاهين من الالتفاف الشعبي حوله، وتناغم مع الأتراك والإنكليز تأمينًا للحماية الدولية، اقترب من الفرنسيين عبر اللعازاريين، وأوحى برضى البطريرك والأساقفة الموارنة عليه. في مسار الأحداث التي انهزم فيها الإقطاعيون أمام قوات شاهين، يشير المؤرخون إلى تجاوزات حصلت، وهو أمر تعرفه الحروب الأهلية، من قبيل البطش الذي يصيب أحيانًا الأبرياء، والإرهاب غير المبرر أحيانًا. يصف الكاتب هذه الفترة بالقول:

انتشر الفساد في جمهورية طانيوس شاهين، والخوف وعدم الأمان والبطالة. اهتزت الثقة بين الناس، سادت البلبلة، والتقية والحذر، والتشكيك بالآخر. انهارت المنظومة الأخلاقية التي تشد أواصر الاتحاد الاجتماعي والعائلي والطائفي.

لذا لم يكن غريبًا أن يسعى الخازنيون إلى «ثورة مضادة» ضد طانيوس شاهين وجماعته، مستفيدين من الحال البائسة لسلطته، وفي تربُّص القوى الدولية والتركية خصوصًا لرعاية صدامات سينتج عنها لاحقًا نظام سياسي جديد.

في التاريخ اللبناني، تتفاوت النظرة إلى طانيوس شاهين، بين تقديمه بطلاً أسطوريًا محررًا للفلاحين، وبين تقديمه إرهابيًا قاطع طرق ودمية في يد الخارج. وبصرف النظر عن توصيف الرجل، فإن تلك المرحلة التي احتل فيها موقعًا، كانت من المراحل المهمة في التاريخ اللبناني، وقد أسست لتشريع النظام الطائفي ومأسسته، وهذا النظام ما زال يمسك بتلابيب لبنان، كيانًا ونموذجًا سياسيًا ومجتمعًا أهليًا.

*** *** ***

الحياة

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود