|
إخماد النار بواسطة الماء*
ربما توضِّح لي دراسة مُعمَّقة لماضي الرجل الكثير مما يبدو عصيًا على التفسير من
حاضره المضطرب. وقد تتواجد سُبل خلاص هناك بالفعل، كامنة في التاريخ، غير معلنة،
يخفيها تجار الحروب بحرص شديد، تنتظر اكتشافها من جديد كي يقرَّ بها بحماس كل رجال
الفكر ونسائه. الجسد، العقل، الروح: جيوش السلام في أوائل الثمانينيات، التقيت بإرنستو كاردينال في بيركلي، وكان آنذاك وزيرًا للثقافة في الحكومة الساندينية في نيكاراغوا، ولم يكن نصيرًا للاعنف بالتأكيد. كنت متلهفًا لسؤاله عما إذا كانت جماعات "شاهد على السلام Witness for Peace" في بلده قد ساعدت، بشكل ما، على ردع هجمات "الكونترا". وكما تذكرون، هي الجماعات التي تعرَّف فيها متطوعون مصادفة، كصديقتي سو سيفرين، على التأثير الوقائي لتواجد غير مسلح. لكني كنت في الوقت نفسه أشعر بشيء من القلق، لأنني كنت أعرف أنَّ اللاعنف ليس من ضمن اهتماماته. وما كان لي أن أشعر بذلك، فقد قال لي بحماس كبير: «نحن بحاجة للمزيد من هذه الجماعات وعلى وجه السرعة، فحيثما كانوا يتواجدون لم يكن للعنف من وجود!». فيما بعد، وبينما كان يتحدث من خلال مترجم إلى مجموعة صغيرة تجمعت كي تستمع إليه في نادي الكلية، كرَّر ما أخبرني به لتوه على انفراد: حيثما توجهت هذه الجماعات العالمية الصغيرة لا تكون هناك هجمات، لا يكون هناك عنف. عندها قام مترجمه دون أن يعي ذلك "بتصحيح" بسيط، فمن الواضح أنه لكون المترجم لم يصدِّق ما سمعه قال: "... لم يكن للعنف وجود تقريبًا"، لكن كاردينال تلقَّف ذلك في الحال، وضرب بقبضته على الطاولة قائلاً: "أنا قلت: لا يكون هناك عنف على الإطلاق!". تهلل وجهي فرحًا. لم يكن كاردينال مؤمنًا باللاعنف كمبدأ، لكنه كان يتصف بما يكفي من الشجاعة كي يصدق ما رأى، لا أن "يطبِّعه" فيعتبره غير موجودًا. هذا هو كل ما نحتاجه كي نرى أن حدسنا كان صحيحًا: أن تتضمن ذخيرة اللاعنف بالفعل ترياقًا ضد الحرب. ما لم يكن يعرفه كاردينال – وحتى أنا لم أكن مدركًا إياه تمامًا في ذلك الوقت – هو أن فكرة "جيوش السلام"، أي المتطوعين المدربين على اللاعنف عوضًا عن قوة التهديد، والقادرين على التدخل في النزاعات الواسعة النطاق، كان قد مضى على وجودها حوالي الخمسين سنة عندما تركت صديقتي سو سيفرين والآخرون بيوتهم الآمنة وأعمالهم في الولايات المتحدة ليقفوا إلى جانب القرويين في جحيم نيكاراغوا "المنخفض الكثافة" في الثمانينيات. لقد تولى غاندي، الذي يبدو أنه خاض صراعًا مع كل مشكلات العالم الحديث، مواجهة السؤال الكبير عما إذا كان بإمكان اللاعنف أن يضع نهاية للحرب، وإن كان ذلك ممكنًا، فكيف؟ وحالما بدأ يرى قوة الأسلوب "الجديد" الذي كان يستخدمه في جنوب أفريقيا، بدأ يدرك أن بالإمكان استخدامه ليس فقط في الكفاح الاجتماعي للهنود المحرومين من حق التصويت هناك، أو لأية مجموعات مسحوقة مثلهم، بل ضد "الإمارات والسلطات" التي جرَّت الجنس البشري إلى حروب متواترة منذ فجر التاريخ المدون. وكانت ساتياغراها هي الوجه المعارض للحرب؛ ولربما الدواء الشافي من الحرب. لكن كيف يمكن لأسلوب، مهما عظم نجاحه، وُجد كي يقاوم الظلم ضمن بلد، أن يُطبَّق بين البلدان؟ لا بدَّ أنه أحس، وربما منذ الأيام الأولى التي أدرك فيها أن "المقاومة السلبية" كانت تسمية خاطئة لكفاح الهنود، بأن البذرة التي كانوا يزرعونها في أفريقيا ستعطي يومًا ما نبتة قوية بما يكفي لكي تشق طريقها عبر خرسانة نظام الحروب الذي بلغ من العمر مئات السنين، ولكي تزهر في صورة نظام عالمي جديد، خالٍ من الحروب. ولم يهتز هذا الاعتقاد أبدًا؛ فحتى عند دنو أجله، عندما وقعت الحرب بين الهند وباكستان المنفصلتين عن بعضهما حديثًا من أجل كشمير، كان يتمسك بدعواه بأنه كان باستطاعة الكشميريين، الذين كانت قضيتهم عادلة، حماية أنفسهم من خلال اللاعنف. في الوقت نفسه، كان غاندي يعرف تمامًا أن بنية السلام القائمة على اللاعنف تكمن، حسب قوله، "في رحم المستقبل". وستقع على عاتق الآخرين مسؤولية تحقيق وعد اللاعنف هذا بالذات حتى يثمر. كانت مهمته هي إعادة بناء الهند، أن يُشرف على ولادتها بعيدًا عن القبضة البريطانية، وبهذا يكشف لاشرعية وهشاشة الاستعمار، وهو عمل يستغرق عمر الإنسان كله، حتى بمعايير غاندي! لكن لم يكن هناك شك بأنَّ "العرض العياني" لقوة ساتياغراها، الذي تم في مسرح الهند، كان يعني العالم كله. لقد شدَّد غاندي مرارًا على أنَّ ما قد يبدو مشكلة تخص الهند – الاستغلال، الجشع، العنف، الكراهية العنصرية – إنما هي مشكلة العالم أجمع[1]، بل وشدَّد بوضوح أكثر على أن التقنيات المستخدمة ضد النزاع الطائفي في الهند "رغم ما يبدو من تصور بأنها تنطبق على بقعة من هذا العالم، يُقصَد بها في الحقيقة أن تشمل العالم بأسره"[2]. وبصورة مشابهة، حالما نفهم قوة اللاعنف سنرى أنه ينطبق، مع بعض التعديلات هنا وهناك، على كل أشكال العنف، دون استثناء أعظمها. فكما ذكرت، لم يعد اللاعنف يتوقف عند الحدود القومية، إلا بقدر ما أنَّ قانون الجاذبية لا ينطبق إلا على التفاح فحسب. ولم يكن غاندي ميالاً إلى التحفظ في كلامه حول هذه النقطة: "من التجديف القول بأنه لا يمكن ممارسة اللاعنف إلا من قبل الأفراد وليس مطلقًا من قبل الأمم التي تتشكل من أفراد"[3]. وقد تكررت كثيرًا في لغته المجازية المعبرة عن نضال جنوب أفريقيا كلمات مثل "جيش" و"جندي" – أكثر حتى من كلمة "حاج". بحلول عام 1913، عندما أحس غاندي بالقدر يدعوه للعودة إلى الوطن لمجابهة الحكم البريطاني في عرينه، كان قد أخذ يتحدث علنًا عن "شانتي سينا Shanti Sena"، أو "جيوش السلام"، وهي فرق من المتطوعين المدرَّبين الذين سيجعل حضورهم اللاعنفي ومهاراتهم اللاعنفية الشرطة والحرس الوطني لا لزوم لهم[4]. وستتم هيكلتهم على أساس محلي، فيضعون بذلك حدًا للاعتماد على القوة الخارجية؛ فالمجتمع الذي لا يستطيع تدبر أمر الاضطرابات فيه لا يمكنه أن يكون حرًا أبدًا، والأكثر أهمية من ذلك أنهم سيكونون لاعنفيين تمامًا، وبذلك ينتهي عصر طويل من الاعتماد على قوة التهديد التي ظلت تفسد، ولأمد طويل، آمالنا من أجل مستقبل أفضل. يجب أن يكون حزب المؤتمر قادرًا على توفير جيش لاعنفي من المتطوعين لا يكون تعداده بضعة آلاف بل عشرات الآلاف، والذين سيكونون على مستوى التعامل مع كل حدث يتطلب وجود الشرطة والجيش... وسيكونون مشغولين باستمرار في نشاطات بنَّاءة تجعل أعمال الشغب مستحيلة... وينبغي أن يكون جيش كهذا مستعدًا لمواجهة أية حالة طارئة، ولكي يهدئ من نوبات غضب العامة. يجب أن يخاطر بحياة عدد من أفراده بما يكفي لتحقيق الهدف... ومن المؤكد أنَّ تقديم بضع مئات من الشبان والشابات أنفسهم طوعًا لهيجان العامة سيكون في أي يوم هو الأسلوب الأرخص ثمنًا والأكثر شجاعة للتعامل مع مثل هذا الجنون من استعراض واستخدام الشرطة والعسكر[5]. يتحدث غاندي هنا عن المكافئ اللاعنفي للشرطة، والعسكر القائمين بعمل الشرطة. إنها مجرد خطوة قصيرة للحلول محل العسكر في موضع استخدامهم الطبيعي، في الحرب. وقد قام بهذه الخطوة في العام 1942، عندما كانت الهند والحكم البريطاني يرتعدان أمام توقع غزو ياباني. ففي الوقت الذي أخذ فيه البريطانيون يقعقعون بسيوفهم (كحركة استعراضية كما تبين، إذ لم تكن لديهم النية للدفاع عن الهند) واندفع الكثير من الهنود أنفسهم للتطوع، فاجأ غاندي الجميع باقتراحه القائل بأن الهند قادرة على الدفاع عن نفسها بـ"جيوش" اللاعنف[6]. والمثير للسخرية، من وجهة نظر المفاهيم الشائعة لـ"القوة"، أنه في حين كان تشرشل يحاول تهيئة روزفلت لانهيار بريطاني، كان غاندي "يهيئ أبناء بلده العزَّل ليقاوموا حتى آخر رجل بدل أن يستسلموا، إذا وطأت أقدام اليابانيين التراب الهندي"[7]. لم تتح لغاندي الفرصة أبدًا كي يضع رؤيته الجريئة على المحك. فقد وضعه البريطانيون في السجن معظم سنوات الحرب، بل إنَّ معظم أعضاء حزبه "المؤتمر" وجدوا أنهم غير مستعدين ليتبعوه إلى هذا الحد. فتاريخيًا، كانت الحروب تضعف دومًا صفوف نشطاء السلام. فحين يحدق الخطر في وجه فرد يغدو من الصعب الحفاظ على الإيمان بمستقبل غير مُجرَّب. ومع ذلك، فإنَّ أحد الناس كان قد تبع كلمات غاندي بالحرف. إنَّ "شانتي سينا" الأشد إثارة، إلى حد بعيد والتي شهدها العالم، قد تم تنظيمها ضمن ما كانت عندئذ المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية من قبل مُريد المهاتما المقرَّب خان عبد الغفار خان؛ ولم يفعل خان هذا بين هندوسٍ سهلي الانقياد بل بين البَتَن Pathans المعروفين بولعهم بالحروب[8]. وهؤلاء هم نفسهم الذين سوف يتصدون، مع أفغان آخرين، للقوة العسكرية الكاسحة والمتفوقة للاتحاد السوفييتي بعد نصف قرن، ثم، وبشكل مأساوي، يتشظون إلى فصائل حزبية مسلحة متناحرة. لكن ذلك حدث فيما بعد، عندما نكصوا إلى أساليب أكثر تقليدية في القتال. فقصتنا تتعلق بأيام خلت، تحت قيادة خان الملهمة، عندما أقسم حوالي مائة ألف من مقاتلي البَتَن (البختون، أو البشتون) – وكلهم من المسلمين المتدينين – أن يقاوموا البريطانيين دون أن يحملوا سلاحًا بأيديهم أو عنفًا في قلوبهم، وحفظوا ذلك العهد في ظل استفزازات لا تصدق، ليضيفوا حافزًا لا يمكن قياس ضخامته أو إيقافه باتجاه الحرية. لقد سمع عبد الغفار خان حديث غاندي للمرة الأولى وهو شاب خلال اجتماع لحزب المؤتمر لعموم الهند في كالكوتا في كانون الأول من العام 1928. وكان قد سمع عن غاندي طبعًا، ولا بد أن أثار اهتمامه أن المهاتما كان يقوم، وبطريقة مهيبة، بما ظل هو يفعله من أجل شعبه من خلال النهوض بمستوى القرى والتعليم وتمكين المرأة والابتعاد المستمر عن العنف؛ لكنه لم يكن قد جاء إلى كالكوتا لكي يسمع غاندي. ففي ذلك الوقت، كان شهر العسل بين المسلمين والهندوس، الذي بعث الدفء في القسم الأول من ذلك العقد من السنين، قد أصبح نسيًا منسيًا. فلم يكن هناك الكثير من الحب الضائع بين الطائفتين، وكان خان قد جاء إلى كالكوتا لحضور اجتماع الرابطة الإسلامية فحسب. لكن اجتماع الرابطة كان عاصفًا، وقد عمَّه الغضب والاستياء في ذلك العام؛ والواقع أنه سرعان ما انفض عندما شهر أحد المندوبين الغاضبين سكينًا. لذلك، ولحيرته حيال ما سيفعله وهو بعيد هذا البعد عن بلدته، عرج خان على سرادق "المؤتمر". هناك، كما يبدو، كان غاندي يتحدث إلى أحد الموجودين برفقته والذي كان ملحاحًا لا يلين في أسئلته. والغريب أنه بدلاً من أن يثير ذلك غضب غاندي، بدا أنه يشعر بمتعة لا نهاية لها من "صديقه" الغاضب، واستمر يتحدث ضاحكًا ضحكات خافتة. شعر خان بالتأثر الشديد. ولكونه هو نفسه زعيمًا، ويملك موهبة النظر الثاقب الذي يلم بالأشياء التي تبدو صغيرة والتي تكشف قوة اللاعنف، أدرك في الحال ما يراه في سيطرة المهاتما الهادئة على الموقف. وعاد إلى أحد الزعماء المسلمين مقترحًا عليه، بسذاجة نوعًا ما، بأن يستمروا مع شيء من الصبر من جانبهم. قاطعه الزعيم الغاضب قائلاً: "إذًا، فقد جاء البَتَن الهمجيون ليعلمونا التسامح!"[9]، وهذا بالضبط ما سيفعله خان. تُفجِّر قصة خان ليس أقل من أربع خرافات خطيرة حول اللاعنف، ويفسِّر ردُّ الزعيم المسلم الرافض الجاف واحدة منها، وهي أنَّ اللاعنف يصلح للأشراف فقط، أي أنه سلاح الضعفاء. وسيشرح غاندي بأن على المرء أن يكون قادرًا على ممارسة العنف قبل أن يتمكن من نبذه. وكان البتَن بالتحديد، الذين تعود تقاليد سلوكياتهم الانتقامية والعنفية إلى قرون لا تحصى، هم الذين سيحذون دون تردد حذو زعيمهم بادشاه badshah عندما أنشأ جيشًا من نوع جديد منزوع السلاح. إنهم "خوديه خدماتغار Khudai Khidmatgars"، أي "خدَّام الرب". وبعد سنوات، عندما احتار خان كيف يفسر استمرار البَتَن على نهج اللاعنف في حين أن معظم الهندوس قد هجروه، شرح غاندي الأمر له قائلاً: اللاعنف ليس للجبناء، إنه للشجعان الجسورين. والبَتَن أكثر شجاعة من الهندوس، وهذا هو سبب تمكن البَتَن من البقاء على اللاعنف[10]. خرافة ثانية تُلاقي قبولاً على نطاق واسع، حسبما صادفنا غالبًا، هي أنه لكون اللاعنف أسلوبًا ضعيفًا فيمكن أن يكون ناجحًا في مواجهة مقاومة ضعيفة فقط. وقد نجح في الهند فقط، كما يردِّدون على مسامعنا، لأنَّ البريطانيين منصفون؛ (استجمع قواك الآن) «وما كان لينجح ضد النازيين». لكن البريطانيين لم يكونوا منصفين كثيرًا تجاه "خدام الرب"؛ فقد لقبوهم بـ"القمصان الحمر"، واستخدموا سيطرتهم على الصحافة في الوطن لكي يلعبوا على وتر الخوف القديم من الشيوعية واستحضار الهالة المقدسة لـ"اللعبة العظيمة" التي لعبتها بريطانيا لأكثر من قرن ضد النفوذ الروسي في "هندو كوش" – موضوع يثير الكثير من السخرية إن أخذنا بعين الاعتبار أن البتََن هم الذين سيقاومون السلطة السوفييتية في أفغانستان لاحقًا، ويكونون بذلك وسيلة الإطاحة بالنظام السوفييتي. وعندما رفض "القمصان الحمر" الإذعان للطرق المتبعة أطبق البريطانيون الخناق على المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، وشرعوا يعملون على إذلال البَتَن المعتزين بأنفسهم كما هو أسلوب الإمبرياليين في كل مكان، كما لو أنهم لم يكونوا قد سمعوا بأنه يفترض بهم أن يكونوا شعبًا متحضرًا. لقد هُدِّمت البيوت، وأُتلفت المحاصيل الزراعية، وتعرَّض الناس للضرب، وتمَّت تعريتهم من ملابسهم، وجرِّهم في مجاري الصرف الصحي، ولأول مرة في تاريخ البشرية يُقصَف المدنيون بالقنابل من الجو (قبل قصف طائرات الفاشيين غيرنيكا بعشر سنوات، وهو عمل عادة ما يعتبر اختراقًا غير مسبوق لهذا النوع من الهمجية). لقد اعتبروا البَتَن "نمورًا"، وعاملوهم على هذا الأساس. وفيما يلي وصف شاهد عيان للهجوم على حشد من متظاهري اللاعنف المحتجين على اعتقال خان في بازار كيسا خاني في بيشاور في 23 نيسان 1930. إنه لا يعطي انطباعًا عن شعب جعله إنصافه خصمًا ضعيفًا للاعنف: فجأة، اندفعت بسرعة عربتان مدرعتان أو ثلاث من الخلف ودون سابق إنذار وسط تجمع الجماهير. فتعرض العديد من الناس للدهس، بعضهم أصيب بأذى، وقتل بضع منهم في الحال. وتصرف الناس بضبط شديد للنفس وهم يرفعون الجرحى والقتلى. بالرغم من هذا، ورد في تقرير لجنة التحقيق في حزب المؤتمر: ... أُعطيت الأوامر للجنود بإطلاق النار. وقُتل العديد من الناس وجرحوا، وتم دفع الجماهير إلى الخلف. وعند الحادية عشرة والنصف تقريبًا جرت محاولات من قبل شخص أو اثنين لإقناع الجماهير بالتفرق، والسلطات بسحب الجنود والعربات المدرعة. كانت الجماهير راغبة بالتفرق إن سُمح لهم بسحب القتلى والمصابين، وإذا انسحبت العربات المدرعة. لكن السطات، من ناحيتها، أعربت عن تصميمها على عدم سحب العربات المدرعة والجنود؛ فكانت النتيجة هي أنَّ الناس لم يتفرقوا، وكانوا مستعدين للتضحية بحياتهم. وعندئذ بدأ إطلاق النار للمرة الثانية واستمر، بصورة متقطعة، لأكثر من ثلاث ساعات... ويتابع جين شارب: عندما سقط من كان في المقدمة جرحى من جرَّاء الطلقات النارية، تقدم من كان في الخلف إلى الأمام كاشفين عن صدورهم ومعرضين أنفسهم للنيران بشكل مكشوف تمامًا، إلى حدِّ أنَّ بعض الأشخاص تلقوا ما بلغ عدده 21 جرحًا ناجمًا عن الرصاص في أجسادهم، وثبت كل الناس في مواضعهم دون أن يصيبهم الرعب. وتقدَّم فتى صغير من السيخ، ووقف أمام جندي وطلب منه أن يطلق عليه الرصاص، فلم يتردد الجندي بفعل ذلك، وقتله.... استمر هذا الوضع من الساعة 11 حتى 5 مساء[11]. ما قيل يكفي. لقد انتصر القمع العاري، في نهاية الأمر، بنصر باهظ الثمن. وقد سجن زعيم "خوديه خدماتغار" مرة تلو الأخرى، وتمَّ حل منظمته فاختفت من المشهد. وسرعان ما تبعها الحكم البريطاني نفسه. لقد لعب أفراد خوديه خدماتغار دورًا مشهودًا في الكفاح من أجل التحرير، مبرهنين على أن القوة لم تعد تخيف الهند، وأن جهودهم قد نفعت حيث بدت، ربما، أنها لن "تنفع"، مظهرين مرة أخرى أن اللاعنف قادر على التغلب، بأسلوبه الخاص، على المقاومة العنيفة العنيدة. الخرافة الثالثة، وربما كانت الأكثر أهمية اليوم، هي أنَّ: اللاعنف مناسب للهندوس والبوذيين؛ وهو ليس كذلك بالنسبة للمسلمين. فكائنة ما كانت الصور النمطية التي لدينا عن "الإرهابيين الإسلاميين"، وعن الجهاد، وما إلى ذلك، فإن "دين" النبي" لم يَقُم على العنف. وما من دين على هذا النحو. ففي الإسلام، كما في الأديان العالمية الرئيسية الأخرى، إخلاص جوهري للسلام الروحي الحقيقي مهما اعترى هذا الالتزام، عمليًا، من تفاوت خلال التطبيق[12]. بالطبع، حارب "النبي" وأصحابه من أجل إيجاد مكان لهم في التاريخ. وبالطبع أيضًا، يؤمن كثير من المسلمين، مثلما هو حال الكثير من المسيحيين واليهود، أنَّ عليهم أن يحاربوا لشقِّ طريقهم نحو السلام بحدِّ السيف. إلا أنَّ أولئك الذين يتلون "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يمكن أن يؤمنوا بأن "نبيهم" كان بالأساس يُكرِه الآخرين بحدِّ السيف، فـ"نبيهم" هو الذي قال: "الأشداء على الناس، يمهلهم الله إلى يوم يعمي أبصارهم"[13]، وهنالك حديث هام آخر يفيد بما معناه أنَّ "النبي" قال لأصحابه يومًا: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، وعندما سأله أحدهم: "وكيف ننصره ظالمًا؟" أجاب: "بأن تمنعه عن الظلم قدر استطاعتك"[14]. بعبارة أخرى، لم يستتبع "دين النبي" مجرد عاطفة بل إدراكًا رفيعًا للاعنف. وقد كان بادشاه خان مدركًا لذلك تمامًا: ليس هناك ما يدعو للدهشة في مشاركة مسلم، أو أحد البَتَن مثلي، في العمل على مبدأ اللاعنف. فهو ليس بالمبدأ الجديد. لقد اتبعه النبي قبل أربعة عشر قرنًا طيلة مدة وجوده في مكة.... لكننا بقينا إلى الآن ننسى هذا إلى درجة أنه عندما وضعه غاندي أمامنا ظننا أنه يحتضن مبدأ جديدًا[15]. الخرافة رقم أربعة، هي "التجديف" الذي نهتم به بصورة رئيسية هنا: لا يمكن للاعنف أن يستخدم في الحرب، أو بدلاً عنها. لقد بلغ تعداد "خوديه خدماتغار" وهي في أوجها، خلال قمع عام 1930، أكثر من ثمانين ألفًا. كانوا مدرَّبين ومُلقَّنين وموحدي الزي ومنظمين. وكانوا مطيعين لقائدهم وملتزمين بأوامره، وإن لم يفهموه، حتى الموت، مثلما أظهروا ذلك في بازار كيسا خاني. أي أنهم كانوا جيشًا بكل معنى الكلمة، ما عدا أنهم لم يكونوا مسلحين بأدوات الموت المادية بل، وبحسب فهمهم لذلك، بقوى الحياة الروحية. لقد أظهر "الخُدام" أنه مثلما أنَّ بإمكان الناس أن يُدرَّبوا ويُنظَّموا ويُعبأوا بالعزم من أجل الحرب، بإمكانهم أن يدربوا وينظموا ويُعبأوا بالعزم من أجل السلم. ولادة رؤيا عندما دعا البريطانيون غاندي إلى مؤتمر المائدة المستديرة في العام 1931، كانوا يدعون أيضًا أفكاره الهدَّامة بشأن السلام. خلال زيارته لرومان رولان في سويسرا، في طريق عودته إلى الوطن، تسنَّت لغاندي الفرصة لبثِّ تلك الأفكار على الهواء عندما طرح أحد المتشككين قابلية اللاعنف للتطبيق في حالة الدفاع عن الوطن. ... بإحداث تيرموبيلاي Thermopylæ في سويسرا ستكونون قد أقمتم جدارًا من الرجال والنساء والأطفال الأحياء، داعين الغزاة للمشي فوق جثثكم. قد تقولون إنَّ مثل هذا الأمر يتجاوز حدود التجربة والاحتمال البشري، وأنا أقول إنه ليس كذلك. لقد كان ذلك ممكنًا تمامًا. ففي العام الماضي في غوجارات، تحملت النسوة ضرب عصي الشرطة الغليظة دون أن ترفَّ أجفانهن. وفي بيشاور، تحمَّل الآلاف وابل الرصاص المنهمر دون أن يلجأوا إلى العنف... ربما تقولون إنَّ تصرف الجيش سيكون وحشيًا إلى حدِّ أن يدوس عليهم. عندئذ سأقول إنَّ الجيش الذي يجرؤ على أن يدوس على جثث الأبرياء من الرجال والنساء لن يكون قادرًا على تكرار تلك التجربة[16]. في زمننا، رأينا الكثير من "حقول القتل" إلى حدِّ أنه قد يبدو إيمان المهاتما ساذجًا. إلا أنَّ تلك المجازر، في الواقع، ليست من نوع المعاناة الذي يتحدث عنه. إنه لا يتحدث عن أناس يُساقون رغمًا عنهم إلى حتفهم، بل عن أناسٍ يخرجون طوعًا ليواجهوا نهايتهم، عندما تخفق كل الطرق الأخرى. هذه ليس سلبية، بل جَلَد، إنها القدرة على المعاناة الطوعية التي يتحمَّلها الإنسان لكي يوقظ الضمير. وفي الحقيقة، هناك دليل على أنه لم يكن على هذا القدر من السذاجة. ففي رواندا، قامت ميليشيات قبلية، بقصد الإبادة الجماعية، بتجميع الأطفال من مدارسهم وأمرتهم بأن يتوزعوا بحسب القبيلة: الهوتو أو التوتسي. عرف الأطفال ما يعنيه ذلك، فرفضوا الأمر. صرخ الجنود في وجوههم، لكن الترهيب لم يؤثر في الأطفال. فتخلى الجنود عن متابعة الأمر وغادروا. فوسط كل تلك المجازر، وعندما اختفَت قيمةُ الحياة تمامًا، جعلَتْ قوةُ الإرادة وحدها لدى بعض أطفال المدارس بأن يعانوا من أجل العدالة عصابةَ الجنود المتعطشين للدماء "غير قادرة على تكرار التجربة"؛ أو حتى تنفيذها. بعد ما يقارب العشر سنوات على خطاب تيرموبيلاي Thermopylæ، وقد عاد غاندي إلى الهند التي أصابها الهلع من احتمال وقوع غزو ياباني، يتوسَّع غاندي في شرح كيف ينفع هذا النوع الجديد الغريب من الدفاع. وإحدى خطاباته جديرة بأن تُورَد بشيء من الإطالة، لأنها تظهر ليس فقط أنه كان لديه إيمان ثابت بإمكانية الدفاع اللاعنفي بل أنه هو الذي أنجز مبادئه الرئيسية بشيء من التفصيل: اليابان تدقُّ أبوابنا، فما الذي علينا فعله من خلال أسلوب اللاعنف؟ لو كنا بلدًا حرًا لكان بالإمكان القيام بأشياء دون عنف لمنع اليابانيين من دخول البلد. ففي تلك الحالة، كان يمكن للمقاومين اللاعنفيين أن يمتنعوا عن تقديم أية مساعدة لليابانيين، ولا حتى شربة الماء. لأنه ليس من واجبهم مساعدة أحد على سرقة بلدهم. أما إذا ضلَّ ياباني ما طريقه وكاد يموت من العطش وطلب المساعدة بوصفه إنسانًا، فمن واجب المقاوم اللاعنفي، الذي لا يعتبر أحدًا عدوًا له، أن يقدِّم الماء له. ولنفترض أنَّ اليابانيين سوف يجبرون المقاومين على تقديم الماء لهم، عندها يجب على المقاومين أن يموتوا خلال عملهم المقاوم. من المحتمل أن يبيدوا كل المقاومين لكن الاعتقاد الكامن في مثل هذه المقاومة اللاعنفية هو أن المعتدي، عاجلاً أم آجلاً، سيكل ذهنيًا، بل وحتى جسديًا، من قتل المقاومين اللاعنفيين. وسوف يشرع في البحث عن حقيقة هذه القوة الجديدة (بالنسبة إليه) التي ترفض التعاون دون التسبب بأذى، وقد يمتنع عن ارتكاب المزيد من المجازر. لكن ربما يجد المقاومون أنَّ اليابانيين لا رحمة في قلوبهم على الإطلاق، وأنهم لا يهتمون بعدد الذين يقتلونهم. حينذاك سيكون المقاومون اللاعنفيون قد حققوا الانتصار، لأنهم سيكونون قد فضلوا الفناء على الخضوع[17]. لنضع نصب أعيننا أننا نتحدث عن أصعب موقف يمكن أن يوجد، صعودًا إلى نهاية المنعطف عندما تكون كل الظروف معاكسة. إنه غزو صريح لعدو عنيد بحوزته قوة عسكرية كاسحة. بعبارة أخرى، إنه نزاع على درجة متقدمة جدًا، وبأكبر مقياس. لكن إذا ألقينا نظرة متفحصة على خطة غاندي لمواجهة مثل هذه الحالة القصوى فإننا لا نرى شيئًا غير مألوف بالنسبة لمبادئ اللاعنف الكلاسيكي. ربما هي تدعو إلى تضحية أعظم لأن الصراع بلغ مرحلة متقدمة بالفعل، إلا أن القوى المحركة هي نفسها: تأثير القوة "الجديدة" المنبِّه للوعي، أسلوب المقاومين اللاعنفيين في حشد تلك القوة عن طريق رفض تطابق إنسانية المعتدي كفرد مع قصده (الخطيئة وليس الخاطئ)، وأخيرًا الإعلان المثير عن أن النجاح هو أساسًا روحي وطويل المدى وليس منظورًا وعاجلاً. كل هذه علامات بارزة للاعنف، وكل من هذه المبادئ عُرف عنها نجاحها. كل هذا من التاريخ. وكذلك الأمر بالنسبة لإمكانية شجاعة التضحية بالنفس على نطاق واسع، كما أشار غاندي في حديث تيرموبيلاي Thermopylæ قبل عشر سنوات. الأمر الوحيد المختلف هو جرأة الخيال، بصمة غاندي، والجسارة في إعلان مثل هذا البرنامج على الملأ بكل جدية، كما لو كان كل واحد منا قادرًا على أكثر مما ندركه بكثير. ومن يدري... "لو كنا بلدًا يتمتع بالحرية لكان بالإمكان القيام بالأمور دون عنف لمنع اليابانيين من الدخول". مرة أخرى هذه نقطة هامة جدًا. لو لم تقيد الحكومة أيديهم لاستطاع الهنود البدء بتحضيرات لاعنفية في وقت أبكر بكثير. لو فعلوا ذلك، حسب ادِّعاء غاندي، لربما أقاموا متراسًا من أجسادهم على الحدود لمنع الغزاة من دخول البلد قبل كل شيء. هل كان ذلك "ليفيد"؟ في غياب تلك الاستعدادات، هل كانت قد منعت فعلاً نوعية الدفاع، التي رسم غاندي خطوطها، الاحتلال الياباني؟ لسوء الحظ، لن نعرف ذلك أبدًا. فمن السهل دائما القول بأن "اللاعنف ما كان ليفيد" ما لم نعطه فرصة[18]. كان أسلوب غاندي يقضي باستقراء النتائج من نجاحات اللاعنف المعروفة للحالات التي لم تجرَّب فيها بعد. لم يُنبئه شيء عن أن جيوشًا من المواطنين العاديين المجهزين من أجل مقاومة لاعنفية لن تفيد، أو أنها "ستفيد". فكما قلتُ، لقد دعا إلى اللاعنف المنظَّم عندما اندلع القتال بسبب كشمير بعد الاستقلال مباشرة؛ حيث دعا إلى اجتماع موسع للشانتي سينا ليكون في بداية شباط 1948. لكن الموت فقط هو الذي أجَّل ذلك الاجتماع، إذ إنَّ رصاص القاتل أصابه في ذلك المساء قبل أن يذهب. ومع ذلك، لم يمت الحلم بإيجاد بدائل لاعنفية على الطريق المؤدي إلى الاجتماع من أجل الصلاة في "بيرلا هاوس" في 30 كانون الأول 1948. رؤيا حية: دفاع مبني على العنف الوقت الذي كان فيه المهاتما يضع خططه العظيمة، بدأ أناس آخرون يلاحظون كيف كانت جماهير عفوية وعزَّل من السلاح تشارك هنا وهناك في الاعتراض على آلة الحرب، وهو أمر ربما كان مستمر الحدوث دون توقف، ودون أن يلحظه أحد. لكن نشطاء السلام المتحمسين قاموا بتوثيق ذلك مؤخرًا: - اندلع القتال في الجزائر عام 1962 بين الجيش النظامي في المنفى وقوات المتمردين بهدف السيطرة على البلد. كان هناك ما يزيد على مئة قتيل، حين تدخَّل عمال ونساء وشيوخ وأطفال بين المجموعتين وأوقفوهما مما أدّى إلى التوصل إلى اتفاق[19]. - قام مواطنو الفلبين، بمباركة تامة من الكاردينال جيم سين، بحماية قوات الجنرال فيديل راموس من القوات الحكومية التي تفوقها عددًا بشكل كبير، والتي كانت لا تزال موالية للديكتاتور ماركوس. ولم يكن مراقبو حفظ السلام غير منتبهين للمفارقة الكامنة في وجود مدنيين عزل من السلاح يحمون قطاعًا من القوات المسلحة بدلاً من أن يكون الوضع معكوسًا. "لا شك أنَّ كلاً من [الجنرال إنريل] وراموس... أدركا أنهما والقوات المتمردة كانوا بحماية المساندين العزَّل أقوى بكثير من حماية العدد نفسه من المساندين المسلحين[20]. - في بكين عام 1968، عندما هبَّت رياح "الثورة الثقافية"، فتحت مجموعتان من الطلاب الماويين، كل منهما تدَّعي أنها على "المسار الصحيح"، النارَ على بعضهما البعض في جهات مختلفة في الجامعة. فتحرك ما يقارب الخمسين ألفًا من الناس بشكل سلمي وعفوي إلى داخل الجامعة، ووقفوا بين المجموعتين وهتفوا بشعارات من مثل: "عودوا إلى صوابكم: لاعنف". توقفت مجموعة عن إطلاق الرصاص في الحال؛ استمرت الأخرى بإطلاق الرصاص لتجرح أكثر من سبعمئة شخص، لكنها ألقت سلاحها في اليوم التالي – "غير قادرة على تكرار التجربة"[21]. - انتهت مظاهرات ساحة تيانامين بمجزرة، لكن لا ينبغي للكارثة الفظيعة أن تجعلنا ننسى أنه لمرتين على الأقل لم تتمكن القيادة العسكرية من تنفيذ عملية استعادة ساحة تيانامين لأنَّ آلافًا من مواطني بكين وقفوا بأجسادهم بين الجيش والطلاب[22]. (وقد شهد حرم جامعتي نسخة مصغرة من هذا عندما تمركز أعضاء مجموعة صغيرة تدعى "طلاب بيركلي من أجل السلام" بين مبنى كالاهان هول، وهو مركز ROTC، ومجموعة كبيرة من المحتجين الغاضبين المندفعين إلى المكان بالحجارة والقرميد. وقد تم تفادي الأزمة). - كما رأينا كيف منع آلاف المواطنين العزل من السلاح حدوث مواجهة دامية بين الانقلابيين وقوات الحكومة في موسكو عام 1991. تشمل كل هذه الحالات فصائل متنافسة ضمن البلد نفسه، وكان الطرف الثالث في هذه الحالات من مواطني ذلك البلد. لكننا ألقينا نظرة على حالة أشبه ما تكون بالحرب: مقاومة "ربيع براغ" للغزو السوفييتي عام 1968 - 1969. وقد ذكرتُ وقتها أنَّ هذه المقاومة صمدت لثمانية شهور رغم عدم وجود زعماء لاعنفيين ملهمين أو موجهين للناس حول أسلوب الاستمرار باستراتيجيتهم المختارة، هذا إن كانوا قد عرفوا الاسم الذي يطلقونه عليها. إننا نطلق عليها اليوم تسمية "دفاع قائم على أساس مدني" CBD، ونعرف حالات شملت غزوًا خارجيًا، كما حصل في "ربيع براغ"، وعمليات استيلاء على السلطة، كما في حالة "كاب بوتش" في فايمار ألمانيا عام 1920 التي فشلت فشلاً ذريعًا عندما أجهضت إضرابات العمال محاولة القومي المتعصب فولفغانغ كاب للإطاحة بجمهورية فايمار الوليدة. فمن الناحية المثالية، يمكن القول إنَّ CBD "الكلاسيكي" يعمل وفقًا لثلاثة مبادئ: 1. لا يمنع رجال المقاومة القوات الغازية جسديًا من دخول أراضيهم، والتي هي غالبًا حاجز رمزي باهظ الثمن؛ إنهم أكثر اهتمامًا بسلامة مؤسساتهم[23]. 2. الكلُّ يشارك في المقاومة – الرجال والنساء والأطفال، والقضية ليست قضية عددية طبعًا، وهي تتجاوز وظيفة التضامن التي لمسناها عندما كنا نبحث حالة "تشارخا" charkha؛ إنها تتعلق بتحملكم مسؤولية دفاعكم بدلاً من إلقاء العمل على عاتق نخبة ما. ففي حالة الدفاع عسكريًا لا يمكنكم تجنب إيجاد نخبة، وهذا ما سيعيب جديًا الديمقراطية التي تحاولون الدفاع عنها. 3. من الناحية المثالية (مرة أخرى)، يحرص المقاومون بعناية كي لا ينبذوا خصومهم كبشر، في الوقت نفسه الذي لا يتعاونون فيه معهم بوصفهم غزاة. عندما يتوقف ضحاياك المقصودون عن أن تكون صلتهم بك باعتبارهم "نقيبًا" أو "رقيبًا" – ولا نقول "فاشيًا" أو أي وصف آخر – إنما كشخص، ذلك سيذكرك بأنه تحت كل الزخارف، أي أولاً وآخرًا، هم بشر، مثلك أنت. دون أدنى شك، كان "ربيع براغ" يدين بشيء ما لحقيقة أنَّ للتشيك تاريخًا طويلاً من إجلال اللاعنف. فأولى اضطرابات الحركة البروتستانتية، في ما كان يسمى وقتها بوهيميا، كانت تتسم بنزعة قوية للاعنف يعود أصلها إلى أواخر القرن الرابع عشر، والتي نربط بها أسماء مثل جان هوس وبيتر شيلشيكي (1380-1460). وقد نُشر عمل شيلشيكي الكلاسيكي شبكة الإيمان لأول مرة عام 1521. وأدت حججه المقنعة بأن يسوع كان يقصد ما قاله، وبأن على المسيحيين ألاَّ يحلفوا الأيمان، وبأنَّ عليهم قطعًا ألاَّ يعيشوا معتمدين على سيوفهم، إلى تأسيس "الأخوية التشيكية"، وهي مثال هام على عملية إعادة الاكتشاف الدورية بأنَّ يسوع كان لاعنفيًا. وسيقدِّم هذا الكتاب الخالد في فترة لاحقة دعمًا قويًا لتولستوي عندما جاء دوره ليقوم بالاكتشاف نفسه. وربما بسبب هذه الخلفية تمكَّن التشيك من الاستجابة لوضعهم الرهيب بمزيج رائع من الدعابة والشجاعة – وهي وصفة مثالية للاعنف. لكن، هناك أوقات على كوكبنا هذا لا يتمكن فيها الناس وحدهم، سواء كانوا مدربين أم غير مدربين، من التصرف في الوقت المناسب لحماية أنفسهم من العنف. قد يكون الصراع غير متكافئ أبدًا إلى حد قمع المقاومة قبل أن تبدأ. وليكن حاضرًا في ذهننا بعض أنظمة أمريكا الوسطى والجنوبية، أو بورما أو كمبوديا. ففي مثل أنظمة كهذه مجرد أن تجعل وجودك مرئيًا أحيانًا للملأ يعني أن "تختفي" من الوجود على يد مجموعات خفية شبه عسكرية، لا يتحمل مسؤولية ذلك أحد أو – كما كان الأمر لعقد طويل من السنين في كوسوفو – على يد الشرطة الصربية المدججة بالسلاح، والمصرَّح لها من قبل بلغراد ببثِّ الرعب في قلوب الأكثرية الألبانية. هناك أوقات يبلغ فيها الصراع حدًا من الجنون إلى درجة أنه حتى إن لم تكن هناك ضحية واضحة وجانيًا فإنَّ المذبحة تحدث قبل أن يتمكن، أو يريد، أحد أن يتدخل: في الصومال، رواندا، يوغوسلافيا المفككة. وأحيانًا تبلغ الفوضى حدها الأقصى إلى درجة لا تكون فيها حتى "أطراف" واضحة، كما كانت الحال في مدريد خلال الحرب الأهلية الإسبانية، أو في فترة أقرب إلينا في دول البلقان. نحن هنا بحاجة إلى آلية تحرك مختلفة نوعا ما عن CBD، ولإيجادها دفع أصحاب رؤى متقدمة معاصرون برنامج المهاتما خطوة أبعد. لقد تجرَّؤوا على التخيل، ماذا لو كانت هناك شبكة "فرق استجابة سريعة"، بدلاً من أن تنتمي إلى حكومة دولة أو أخرى ستكون مكونة من متطوعين دوليين ومحليين، وبدلاً من أن يكونوا مسلحين، يتم تجنيدهم وتدريبهم على تنفيذ عمليات تدخُّل لاعنفية؟ وسيكون هؤلاء المتطوعون شجعانًا، وعلى دراية جيدة بالمنطقة التي سيذهبون إليها، وبمبدأ اللاعنف – ويمكن أن تتشكل لديهم مهارة في ذلك. ليس هناك نقص في المادة الخام. يتطوع الناس ومعظمهم، إنما ليسوا فقط، من الشباب، عندما نتحدث عن الذهاب إلى أماكن خطرة، ويحاولون توسيط عامل سلام في مناطق الأزمات الشديدة. فإذا كانوا مدربين تدريبًا أفضل، ويتلقون مساندة أفضل، ومعترف بأهميتهم، ويتم تمويلهم تمويلاً كافيًا، أفلا يستطيعون تقديم ذلك "الطريق الثالث" بالذهاب لاعتراض طريق الحرب عندما يصاب "المجتمع الدولي" بالشلل ما بين السلبية والوحشية؟ من السهل التصور أنه سيُقضى عليهم بكل بساطة، وأنهم سيزاحون من الطريق؛ إلا أنه، وكما رأينا في أحيان كثيرة في مسألة النزاعات هذه، من السهل تصور أمور كثيرة غير حقيقية، إذ لم تتم إزاحة النساء في سجن روزينستريب من الطريق، فأنقذن رجالهن؛ ولم تزح كارين ريد عن الطريق، فقد دخلت مكبلة اليدين ومعصوبة العينين وخرجت حية وبحالة جيدة، ومعها صديقتها مارسيلا علاوة على ذلك. في الحالات الثلاث التي ذكرتها، في الفلبين وبكين وموسكو، لم تجرِ إزاحة الذين وقفوا بين الجيوش المتصارعة، أو بين جيش معادي وضحاياه المقصودين جانبًا، وما هذه إلا حالات قليلة مدونة. وبناء على الصدمة المُرحَّب بها الناتجة عن تواجدهم الطوعي، قامت هذه المجموعات بشتى الأمور حسب الموقف. فقد كبحت جماح الإشاعات (مثلما فعل غالبًا أعضاء "شانتي سينا" في الهند)، وقدَّموا أنفسهم كوسطاء بين الفصائل المتنازعة، ووقفوا متضامنين مع الذين تعرَّضوا للتهديد، وساعدوا المصابين وواسوهم، وفي أسوأ حالة وقفوا كحاجز بشري على خط النار بأجسادهم كي تتكلم حيث لا يُصغي أحد إلى أي شيء آخر. قد يُقتلون، في أسوأ الحالات، وربما تأتي عندئذ مجموعة أخرى، مثلما أتت في "دهاراسانا" موجة بعد موجة. وإذا كان الأمر كذلك فسيرى العالم أنَّ هناك شيئاً آخرَ، غير قهر الآخرين، يستحق أن نموت من أجله. إنَّ كلمة "شهيد" تعني "الشاهد". وسيكون الشهداء في أسوأ الحالات شاهدين أمام العالم على أنَّ هناك نوعًا آخر من القوة، ومعنىً آخر للعلاقات الإنسانية. وعلى مسار الزمن والمعاناة سيجد مطلقو الرصاص، خلافًا للعادة، أنهم لا يستطيعون تكرار تجربتهم. لكن هذه هي أسوأ الحالات، وحتى ستكون هي أفضل بكثير من الهوَّة التي يبدو أن لا قرار لها والتي يعيش فيها العالم الآن: في كوسوفو، تيمور الشرقية وأتشيه، مولوكاس، شياباس، التيبت، السودان، كولومبيا، الجزائر، أفغانستان، أثيوبيا/إريتريا، رواندا، إسرائيل/فلسطين، أرمينيا، العراق... وكما قال هانز شول، زعيم مؤامرة "الوردة البيضاء" الشاب، قبيل إعدامه: "نهاية برعب أفضل من رعب لا نهاية له"[24]. ينبغي أن تبدأوا صغارًا. بغياب مثيل لغاندي يُلهم ويُنظم مثل هذا "الجيش" العالمي الانتشار، أخذ عدد من الجماعات الدولية (عددها حوالي العشرين لحظة هذه الكتابة) على عاتقهم مسؤولية مهمات محددة يكمن عملها على نطاق ضيق لحفظ السلام قد تصبح "نقاطًا مضيئة" في هذه الصورة الجديدة الموسومة. ولماذا ينبغي أن تكون جماعات دولية فحسب؟ أحد أشكال الأعمال التي يمكن أن تقوم بها جماعات صغيرة جدًا، أيًّا كان تركيبها، هو بالتأكيد مرافقة العاملين في مجال حقوق الإنسان وآخرين من الذين حياتهم معرضة للخطر. وقد كان هذا العمل فعالاً بصورة ملفتة للنظر. فعندما ووجهتْ "غروبو دي أبويو موتيو GAM"، وهي منظمة جريئة لحقوق الإنسان في غواتيمالا، بالاغتيالات المنظَّمة لقيادتها عام 1985، طلبت من أعضاء "ألوية السلام الدولية PBI" أن يرافقوها. وعندما انتقل أعضاء الفريق إلى شقق ومكاتب أعضاء الإدارة الباقين توقفت أعمال الاغتيالات، حسبما أورد وليام ماهوني[25]. كان لهذا أثره في فتح فضاء الحوار السياسي في غواتيمالا. ويعتقد أنَّ أعضاء ألوية السلام الدولية لعبوا دورًا رئيسيًا في نقل غواتيمالا من الفوضى المسلحة إلى عملية سلام، وأنا أرى ذلك أيضًا. وكما شاهدنا، كان هذا هو النشاط الذي أتى بكارين ريد إلى السلفادور. يطلق على هذا العمل اسم "مرافقة حمائية"، وهي هنا، واحدًا لواحد، غالبًا ما يمكن أن نفهم بأفضل آلية إعادة إضفاء صفة اللاعنف الإنسانية. كانت كارين، إذا أردتم، فريق سلام كامل من فرد واحد عندما ألقت بنفسها طوعًا كطرف ثالث بين جنود غواتيمالا ورفيقتها مارسيلا رودريغيز. طبعًا لم تكن قوة توسُّطها الحمائية جسدية بل أخلاقية، أو إن شئتم، نفسية. وكما قالت باتي موتشنيك، متطوعة ألوية السلام العالمية التي كان لها شرف مرافقة ريغوبرتا مينشو ورفاقها خلال فترة تميزت بالعذاب، في شهادتها: ... كانت الحماية الجسدية الفعلية التي قدمتها لها عبثية، وبالنسبة لي في تلك اللحظة، مضحكة. لقد كنت معرضة لكل الأخطار، وكذلك كانوا هم. لكنهم نجوا جميعًا. وأداروا عجلة السلام لتسير نحو الأمام. إن القوة العسكرية والزي الموحد والسلطة "تنفع" عن طريق تضخيم القوة الجسدية الضعيفة عند الفرد، وبذلك يفقده، أو يفقدها، قوته الروحية التي لا حدود لها. والمرافقة غير المسلحة تنبذ القوة الجسدية لكي تنتج تأثيرًا لا يحمي على المدى القصير فقط بل يستمر في صنع السلام حتى أعماق المستقبل. وسواء كان العمل وفق موازين كبيرة أم صغيرة فإن المبدأ الذي يعمل وفقه هو نفسه، وقد وضحت ذلك بشكل جيد جماعة أخرى من هذه الجماعات، وهي منظمة كويكر للسلام QPS التي كانت تنشط في سريلانكا. في حين كانت منظمة كويكر للسلام تُظهر استعدادًا لرؤية الزاوية الإنسانية لكل فرد خلال الأزمة، فقد استطاعت أن تساعد على تحطيم المفاهيم الخاطئة التي كانت لدى جماعات مختلفة عن "أعدائهم" المزعومين. كان هذا الجانب من العمل أساسيًا بالنسبة لإيمان منظمة كويكر للسلام بقوة المصالحة[26]. وبصورة عَرَضية، عندما بدأت منظمة ألوية السلام الدولية عملية المرافقة المحفوفة بالمخاطر تلك لنساء منظمة غروبو دي موتيو اللواتي كن سيلقين حتفهن لولا ذلك، كان "فريق" ألوية السلام الدولية العامل شخصًا واحدًا، وهو ألين ريتشارد الذي وجب عليه مغادرة البلد في ذلك الوقت بالذات لكي يجدد تأشيرته[27]. الحلم الآن هو وضع قدرات فريق ثالث بتصرف العالم. ففي مؤتمر هيغ للسلام صيف عام 1999، اكتشف ناشطان للسلام من أميركا الشمالية، ميل دنكان وديفيد هارتساو، بعضهما بعضًا. وظلا يعملان ليلاً ونهارًا من أجل رؤيا مستقبلية لـ"جيش" سلام قوامه المتطوعين اللاعنفيين دون أن يعرفوا بعضهم بعضًا لسنين. وإلى لحظة هذه الكتابة، بعد بضع سنين فقط من ذلك الاجتماع التاريخي، اكتسبت "قوة السلام اللاعنفي" مدًا عالميًا واسعًا من الحماس: حملة جائزة نوبل، منتدى الأمم المتحدة للألفية، رجال أعمال متفهِّمين للمنظمة، رئيس دولة عابر، ومئات من المتطوعين انضموا في حين كان يجاهد أصحاب الرؤية المنهكين من العمل لتحقيقها على أرض الواقع. لقد أتاح هذا ثلاثة مستويات من الفرص لكم، يا من ترون قوة هذه الرؤيا وتريدون تقديم يد المساعدة: 1. ساندوا أية منظمة مشاركة في عمليات التدخل اللاعنفي كطرف ثالث بين المتنازعين بالوقت أو المال أو بكليهما (التفاصيل موجودة في نهاية هذا الكتاب). 2. غيِّروا سلوكياتكم أنتم، بالعقلية واللغة، لخلق اللاعنف وفرضه في بيئتكم الخاصة فورًا، وكونوا جزءًا من رسالة اللاعنف العالمية. 3. إن كنت بعمر يزيد على الخامسة وعشرين، وتعتقد أنَّ لديك ميلاً لذلك، فاذهب وشارك في مهمة خطرة لا يُوجَّه لك الشكر من أجلها، وقد تكون التجربة مصدرًا للرضا الأعمق لك في حياتك. يقف الفريق الثالث خارج عقلية "معنا أو ضدنا" ليساعد على تبديد ذلك الاستقطاب المفرط في بساطته. وقد بيَّن منسق فريق سلام فرنسي القضية على الشكل التالي: حتى بالنسبة لأجنبي آتٍ من مكان بعيد جدًا، يستطيع كل منا أن يتصرف بحيث نوجِّه ونفعِّل قليلاً من إنسانيتنا وتضامننا نحن. وحتى إذا لم يضع المتطوعون أنفسهم حاجزًا بين المتحاربين فإن عملهم يساهم في لجم منطق الحرب والكراهية في قلوب الناس. وبقدر ما يفعل ذلك، بقدر ما يكون عملاً لاعنفيًا[28]. رؤيا قيد التنفيذ لقد حدث الأسوأ. كان جندي الكونترا يقود قرويًا من نيكاراغوا تحت تهديد السلاح، مقيدًا إلى الخلف، بعيدًا عندما ركض فجأة صحفي أميركي، وآلة التصوير تلتقط الصورة، صارخًا: "حدث دولي!"، فنجا ذلك القروي. وتقدَّم عدد من شرطة سريلانكا بملابس مدنية نحو نساء محتجات وهم يلوحون بهراواتهم، عندما وقف رجل مدني أمامهم ورفع آلة تصويره إلى الأعلى، أنزل رجال الشرطة هراواتهم وانصرفوا مبتعدين[29]. كانت مجموعة من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الغاضبين يهددون مجموعة صغيرة من الفلسطينيين في الخليل، إلا أنه وقف بينهم ثلاثة أعضاء من فريق صناع السلام المسيحيين CPT، أحدهم هي مارج أرجيليان من شيكاغو، والتي تقدَّمت أمام جندي وقالت له: "في كل مرة تسدد فيها بندقيتك سأسدد أنا آلة التصوير التي معي"، وعندما فعلت ذلك "ارتخت قبضة الجندي وتلاشى الغضب"[30]. ليست الحوادث السابقة سوى عينات لما يحدث ويأتي إلي في مكتبي على هيئة رسائل إخبارية أو رسائل إلكترونية. ومثلما نطق غاندي بصوت "الملايين الصامتة" في الهند المستعمرة، يُسلِّط المتطوعون الدوليون أضواء المودة على الذين يعانون في العتمة. إنهم يفتحون عيون عالم لم يعرف الكثير عن تلك المعاناة. ويوجد بالطبع نوع آخر من الأمثلة، فخلال جدال ينبئ بالكثير، في مدينة الخليل أيضًا، تعرَّض عضو "فريق صناع السلام المسيحيين"، كليف كيندي، لمعاملة خشنة من قبل مستوطن غاضب جدًا وهو يحاول حماية فلسطيني يتعرض للضرب على يد الجنود. سأل المستوطنَ وهو يمسك يده: "لا أعتقد أننا سبق والتقينا. ما اسمك؟" قال المستوطن: "اسمي كراهية، وأنا أكرهك". ونحَّى كليف عن الرصيف. وقد ظلَّ أعضاء من فريق صناع السلام المسيحيين في الخليل مدة طويلة نسبيًا وقد ضعفت قيمة الصدمة المفيدة من كونهم شهودًا من طرف ثالث بفعل هؤلاء المستوطنين الذين أعماهم التعصب الأيديولوجي. كانت التهديدات بالقتل الموجهة للفريق جدية إلى درجة أن قام أفراد من FBI بزيارة لهم في مكتبهم في شيكاغو. ومع ذلك، حتى في هذه الحالة (وهو نمط ليس كثير التكرار نسبيًا، حتى في الخليل) قدَّمت المرآة بعض النفع. فقد أجبرت المستوطن على أن يواجه، أو يعيِّن على الأقل، الشر الكامن فيه. ليس بإمكان أحد أن يكرر فعل ذلك إلى ما لا نهاية دون أن يجعل في نهاية الأمر نفسه، كما قال غاندي، غير قادر على تكرار تلك التجربة. فمهما بلغت حدة الغضب، ومهما أعمى التعصب، فسوف تعكس مرآة اللاعنف وميض إنسانية راقدة وتعيدها إلى الكاره ثانية. أنت لا تستطيع التأكد من تخلي ذلك الشخص عن تلك الحالة في ذلك الوقت وذلك المكان، كما يظهر لنا مثال "السيد كراهية". يريد الملتزم بالعمل من أجل اللاعنف خوض تلك المجازفة. هي، أو هو، راغبة في انتظار الخير الأكيد الذي ستحدثها شهادتها، أو شهادته، للحدث. مثلما يمكن لأية مراقِبة باحة مدرسية أن تبيِّن لكم، لا بدَّ وأنَّ منع الشجارات كان جزءًا من الحياة منذ ما قبل التاريخ المدوَّن. ولا بدَّ أن يكون التدخل اللاعنفي، دون تسميته، قد ساعد على منع المجتمعات من تدمير أنفسها بسلوكياتها الذاتية العنيفة قبل أن نصبح بشرًا بوقت طويل – فأدلة "دي فال" وآخرين تجعل هذا الاستنتاج لا مفر منه. يقال أنَّ البوذا حال دون وقوع حرب بين ممالك متخاصمة بهذه الطريقة. وفي سلالة تشو، قبل المسيح بأربعة قرون، جعل الفيلسوف مو تسو من عاداته السفر إلى ممالك بعيدة كلما لاح تهديد باندلاع الحرب بينها واضعًا فلسفته عن "المحبة العالمية والمصلحة المتبادلة" على المحك. لذا ليس هنالك من جديد بخصوص محاولة الأفراد والجماعات إيقاف الحروب بالتدخل بين الأطراف المتنازعة (وهناك مجموعات من حركات السلم الصغيرة التي ظهرت أيام مناهضة كل ما هو نووي أسمت نفسها "مشروع مو تسو"). فالجديد اليوم هو محاولة فعل ذلك بشكل منهجي، على نطاق عالمي. وليس الهدف هنا منع هذه الحرب أو تلك فحسب بل التوصل، آخر الأمر، إلى منع وقوع الحروب بالأساس، بتقديم بديل لاعنفي لذلك النظام بأكمله. "على وجه التقريب" للتدخل اللاعنفي، إن تمكنا من بناء كيانه إلى حدِّ أن يلفت أنظار العالم، منافع ضخمة تتفوق على الطرق المعروفة والتقليدية لحلِّ النزاعات الكبيرة. فما هي تلك الطرق التقليدية؟ إنها اثنتان: عليك إما أن تكرَّ وإما أن تفرَّ، إما أن تهدِّد وإما أن تتجاهل التهديد. ولا يخدعنك النقاش من أجل الاختيار ما بين العقوبات والقنابل مثلما خُدع الكثيرون في حالة العراق عام 1990. من وجهة نظر اللاعنف كان هذا "خيارًا" بين قوة تهديد وقوة تهديد. لقد قتلت العقوبات التي فرضت على العراق أكثر من 1.2 مليون إنسان، غالبيتهم من الأطفال، وغالبية هؤلاء لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما قام رئيسهم بتحركه المشؤوم إلى داخل الكويت. إنه ليس بديلاً إنسانيًا. وكما كرَّر غاندي القول كثيرًا: "لا أبالي كثيرًا إن أنت قتلت رجلاً بالرصاص أم جوعته حتى مات موتًا بطيئًا"؛ فمن زاوية معينة، الموت بالرصاص أفضل: إنه يحدث ضجيجًا أكثر. قد يبقي خيار عدم التدخل أيدينا نظيفة لكن له عواقب قذرة على المستوى الإنساني، حتى على أنفسنا. وكما قال الأسقف توتو عن البوسنة: "تتأثر إنسانيتنا بشدة" عندما نتجاهل مثل هذه المعاناة. لا يمكنك أن تراقب الناس وهم يتصرفون بطريقة وضيعة مجردة من الصفات الإنسانية ولا تتأثر فعليًا. وما لم نعترف بأنَّ لنا طبيعة إنسانية مشتركة فسنكون كلنا خاسرين... إننا نتأثر تأثرًا عميقًا جدًا، حتى عندما لا نلاحظ ساعتها ما يحدث لنا فعلاً[31]. ما يحدث لنا حقًا هو أننا نعيش كذبة. عندما نتجاهل معاناة الآخرين فإننا نقول لهم: "إنها قسوة، لكننا لسنا أنتم". هذا بكل بساطة غير صحيح. لقد شدَّد كل معلم للحكمة يستحق هذه التسمية على عكس ذلك تمامًا، أي على أننا كلنا شركاء في سعادة بعضنا بعضًا. لهذا صنَّف غاندي، رغم أنَّ ذلك يبدو أحيانًا حكمًا قاسيًا، السلبية (والجبن) في مثل هذه الحالات باعتبارها شكلاً من أشكال العنف. وبلغة القوى التي تحرك مصير البشر، هذا ليس خيارًا على الإطلاق. من جهة أخرى، ينطوي حفظ السلام عبر استخدام الأسلحة على مشكلات كثيرة، حتى لو كنا نقصد بذلك عمل أصحاب "القبعات الزرق" – قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وفقًا لتفويض البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولا ننسى السابقة الأشد خطورة بقصف الدول القوية عسكريًا لحكام مستبدين مختارين كي يخضعوا صاغرين كرهًا. (صديق شاب عملت معه من ألبان كوسوفو تعرض للتعذيب داخل سجن صربي بعد "تحرير" كوسوفو، ولا شك أنَّ ذلك جزئيًا كان انتقامًا من "تحرير" كوسوفو عن طريق قصف الناتو. لذلك قد أكون معذورًا لشعوري بشيء من المرارة تجاه هذا النوع من العمليات). وفي حين أنها تجري نتيجة لأفضل ما يمكن من الدوافع فإن عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، من وجهة نظر اللاعنف، مثل حقيبة تحوي أشياء متنوعة. فهي محاولة لبلوغ غايات إيجابية عبر وسائل مؤذية – صنع السلام عبر أسلحة الحرب. فحمل الأسلحة مع عدم استخدامها (عمومًا، يفترض بقوات الأمم المتحدة أن ترد على إطلاق النار فقط عندما تتعرض لهجوم) هو مفهوم الشخص العنيف عن اللاعنف. إنَّ اللاعنف الحقيقي، كما رأيناه، ليس فقط الإحجام عن التهديد باستخدام القوة بل بالاعتماد على جاذبية الدمج – ليس بعدم استخدام كل القوى الموجودة بل بمدِّ الأيدي للآخر. ربما يكون هناك مجال لحفظ السلام بالسلاح في حالات معينة، ولكن عندما تتنافر الوسائل مع الغايات فلا يمكننا أبدًا أن نتوقع أكثر من حلول ترقيعية – حالة "عمل" دون عمل. وبسبب هذا التناقض الضمني، وبالتأكيد ليس بسبب أي نقص في شجاعة الرجال والدول المشاركة أو إرادتهم، يُظهر تاريخ عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام عددًا متواضعًا من النجاحات. لكن لم تكن هناك قوة سلام كافية لتلبية الطلب من أجل عمليات التدخل التي تزايدت بشكل مفاجئ ضمن حالات اشتعال النزاعات العرقية بعد الحرب الباردة. ويمكن التباهي بعمليات قليلة مثل "مشروع إعادة التوطين في قبرص" الذي كما يبدو قد وضع الجزيرة على طريق السلام. إلا أنه عندما تم استدعاء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باعتبارها الـأسلوب [بأل التعريف] المناسب للتحرك إلى الأمام نحو السلام ككل، بدأت المشاريع تواجه انهيارًا مخزيًا. كان لي صديق في الصومال يحاول باستماتة الحفاظ على دار للأيتام تشتد الحاجة إليه خلال الفوضى التي خلقها أمراء الحرب المتنازعون في تلك المنطقة. (صباح أحد الأيام، وبعمل ذي دلالة، تعرَّض مجمَّع الأمم المتحدة لهجوم بالرشاشات، فخرج جيم الذي كان يقوم بوساطة وهو يهز قبضته قائلاً: "كيف، بحق الجحيم، يفترض بشخص أن يقوم بوساطة مع كل هذا الذي يجري!") أسرَّ لي جيم بأنه في تلك الأيام كانت قوافل الشاحنات المحملة بالغذاء التي تحرسها وحدات الأمم المتحدة تخرج متجهة نحو مخيمات اللاجئين، وإذ بها تصطدم بزمرة من المقاتلين بثيابهم المهلهلة بعيدًا في الصحراء. يطلق قطاع الطرق أولئك بعض الرصاصات في الهواء، فتضع مجموعة الحراسة التابعة للأمم المتحدة أسلحتها مستسلمة في الحال. يقفز المقاتلون، وهم غالبًا ما يكونون فتيانًا في سن السابعة عشرة، إلى داخل الشاحنات ويقومون بقيادتها باستهتار بعيدًا بكل ما فيها من أسلحة وطعام وكل شيء. كان جنود الأمم المتحدة شجعانًا جدًا، كانوا مدرَّبين جيدًا ولديهم أحدث المعدات. ما الخطأ الذي كان يحدث إذًا؟ حيثما نخطئ عادة في العالم الحديث: في الصورة الكبيرة – الفهم الأساسي لديناميات العنف والجانب المضاد له، الوعي بأن المتضادات هي في آخر الأمر متضادات – لا تخلق الأسلحة سلامًا. ليست القضية نقص في الشجاعة لدى أصحاب القبعات الزرق؛ القضية هي، مثلما هو حال شخصية إدوارد عند شكسبير، أنهم لم يكن باستطاعتهم أن يكونوا شجعانًا حيث يجب أن يكونوا شرفاء. كان خليل عتوت، وهو من منظمة صيادلة بلا حدود، يقيِّم احتياجات اللاجئين الطبية في مدرسة سانت أندريه في كيغالي، رواندا، مصحوبًا بمصور فرنسي، فأحاطت ميليشيات الهوتو بالمدرسة وبدأت تطلق الرصاص عبر النوافذ والجدران لتوقع إصابات خطيرة بعدد من البالغين والأطفال في المدرسة، وكذلك أُصيب المصور، وقد قتل بعضهم. كان مراقبو الأمم المتحدة في آليات خارج المدرسة، إما غير مسلحين أو مسلحين بالمسدسات، ولم يكونوا قادرين على تقديم المساعدة[32]. من كان بإمكانه تقديم المساعدة؟ إنه فريق سلام مدجج بالسلاح... بسلاح قوة الروح. كان بإمكانهم الوقوف أمام الميليشيات وتلقي المعاناة بأنفسهم؛ كانت هناك فرصة قوية بأن لا تستمر الميليشيات بالتجربة طويلاً. لقد قلتُ بأنَّ المتطوعين الدوليين، الذين حاولوا أن يقدموا بعض المساعدة في البوسنة العام 1992، قد جرى تطويعهم على عجل، دون تدريب في حقيقة الأمر. لكن ذلك لا يعني عدم تمتعهم بمواهب مميزة. وقد نجحت مجموعة منهم بالوصول إلى أطراف ساراييفو المحاصرة في حافلات قديمة. وكان يمتد أمامهم "شارع القناصة"، والذي كان يعني دخوله الموت لأيِّ أحد شاء القناصة الصربيون قنصه. عرضت قوة السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة UNPROFOR عليهم الحماية: فبإمكانهم أن يضعوا عربة مدرَّعة أو دبابة في مقدمة طابورهم ومؤخرته، وإرشادهم إلى الطريق إلى داخل المدينة. وبعد مشاورات مختصرة رفض المتطوعون؛ فكما أوضحوا، سيفسد هذا النوع من "الحماية" كل ما أتوا من أجله. فدخلوا إلى ساراييفو وحدهم، ولم تطلق عليهم رصاصة. عندما تتلاقى الأهداف مع الوسائل، يحدث ما يتجاوز في حجمه حجمهما. جو لويا كاتب جيد أمضى مدة في سجن جنوب كاليفورنيا بسبب السطو على مصرف. (آمل أن لا ينتهي الأمر بنا كلنا نحن الكتاب على هذا الشكل). وبعد إطلاق سراحه، وعندما وجهت تهمة تعذيب سجين من هاييتي اسمه أبنر لويما إلى شرطيين في مدينة نيويورك، تمكَّن لويا من إلقاء بعض الأضواء على هذا العمل العنيف الذي أصاب المدينة والأمة بالصدمة لوحشيته. وقد ألحَّ لويا في القول: لا تكثروا اللوم على هذين الشرطيين كما لو أنهما وحدهما الملومان، أو على نيويورك خاصة. إنه نظام السجون ذاته الذي يتحمل المسؤولية فيغير طبيعة الناس، بل حتى يجعلهم قساة ساديين أحيانًا. كتب يقول: "رأيت الكثير من ضباط السجون الجدد يأتون إلى السجن شبابًا بوجوه نضرة متحمسين وفيهم شيء من المثالية أحيانًا". لكن مع مرور الزمن "بدأوا كلهم يشبهوننا... يستخدمون الألفاظ البذيئة، يتبخترون كرجال العصابات، والمثير للسخرية... (أنهم كلهم) كانوا يتبنون مواقفنا المليئة بالعجرفة تجاه "الأشخاص الطيبين". المؤسف، حسب لويا، هو "أن ذلك لم يحدث بالاتجاه المعاكس. إذ لم يبدأ السجناء يتشبهون بالشباب ذوي الوجوه النضرة الذين أتوا حديثًا لتطبيق القانون"[33]. [لويا 1997]. كان لويا يَلمَح المبدأ الهام القائل بأنه عندما يقوم نظام على قوة التهديد فلا يمكنه إلا أن يقزِّم البشر الذين يتحركون ضمن دائرته ليصبحوا مخلوقات قوة تهديد. لقد صُدمتُ لدى قراءتي هذا التعليق بتطابقه مع ملاحظة الدكتور عزيز النافذة والبصيرة في رواية إي إم فورستر عن الإمبراطورية البريطانية طريق الهند A Passage to India: "ليست لديهم فرصة هنا... يأتون وهم ينوون أن يكونوا رجالاً مهذبين، ويقال لهم إنَّ ذلك لن ينجح... أنا أُمهل أيَّ بريطاني سنتين"[34]. إنَّ نظام السجون، والنظام الاستعماري، ونظام الحروب – نموذج التفكير والعمل هذا بكامله، وكل المؤسسات – كلها قائمة على قوة التهديد. والجواب هو ليس فقط بالتخلص من تلك الأنظمة، مع شدة ميلنا لذلك، لأنه إلى حدٍّ ما يؤدي الأول والثالث على الأقل وظائف ضرورية بحيث لا يمكن لمجتمع معاصر أن يستمر بدونهما، وليس من المحتمل أن يحدث ذلك لفترة من الزمن مستقبلاً. إلا أنه وبحسب معرفتنا اليوم لهذه الأنظمة هي مجرد قنوات لتمرير قوة التهديد، لقد تمَّت إقامتها في زمن كان ذلك هو النوع الوحيد من القوة الذي يعرفه معظمنا. الجواب هو في إعادة تنظيم هذه الأنظمة كي تؤدي عملها كقنوات لنوع آخر من القوة. في جيش السلام عند غاندي: الشانتي سينا وعملية حفظ السلام دون سلاح، أحد أوائل الكتب التي وضعت حول فرق السلام، يقتبس توماس فيبر من "شانتي سينيك هندي"، أو متطوع في جيش السلام، خدم في قبرص: "في حين كانت الإلفة عائقًا بالنسبة لجيش قائم على العنف، فإنها عامل أساسي لدى جيش لاعنفي فعال"[35]. وهذا معاكس تمامًا لما لاحظه جو لويا وإي. إم. فورستر من أنَّ الإلفة في نظام التهديد كارثة. كادت الحرب العالمية الأولى أن تتوقف لدى قدوم أول عيد ميلاد عندما أعلن جنود "العدو"، الذين كانوا قد علقوا في الخنادق على مسافات قريبة يمكن أن يرسل فيها الطرفان المتعاديان التحيات لبعضهما، هدنة خاصة بهم، وانطلقوا بين الجهتين داخل المنطقة العازلة يتبادلون القصص والصور الفوتوغرافية لحبيباتهم في الوطن. كان على الضباط الذين أصيبوا بالرعب من كلا الجانبين أن يهدِّدوا الرجال بعقوبات قاسية لكي يستأنفوا الحرب. وأقتبس مما كتبه الصحفي كريس هيدجز الذي شاهد حروبًا لا يتذكر عددها لكثرتها: "إن استخدام العنف بحد ذاته يُفسد الذين ينفذونه"[36]. لدى إحالة الملازم ماكس بلومان إلى المحكمة العسكرية بعد تقديمه استقالته من مهامه خلال الحرب العالمية الأولى، أوضح للقاضي أنه "لا يمكن للفوضى أن تُنجب نظامًا؛ فاقتراف الشر وتوقُّع حصاد الخير حماقة واضحة"[37]. ربما يجادلون بأن هناك وظيفتين شرعيتين لنظام الحروب العالمي الحالي: التدخل، عند وقوع حرب عنيفة أو غير متكافئة في مكان ما من العالم، والدفاع. ما رأيناه الآن هو أنه يمكن التعامل مع كلتا الحالتين من خلال فرق السلام. سيحمينا ذلك من تناقض استخدام وسيلة طالحة من أجل غاية صالحة. "يرسِّخ العمل اللاعنفي، من خلال التوقع ضمن عملية التغيير ذاتها، القيم التي سيؤدي بنا إليها أخيرًا. وبالتالي من العبث بذر السلام من خلال وسيلة الحرب، أو محاولة البناء من خلال الهدم"[38] لدى إدراكه هذا، حدَّد جوهان غالتنغ اللاعنف فعليًا على أنه "صنع السلام بوسائل سلمية". ولكون اللاعنف يعامل الناس باهتمام واحترام، فلا يجرِّدهم من إنسانيتهم أبدًا، فإنَّ صنع السلام عن طريقه ينجح حتى عندما "يخفق"، في حين أن "صنع السلام" باستخدام السلاح يخفق في تقريبنا إلى عالم أكثر سلامًا، حتى عندما "ينجح". فكروا في العبارة الرومانية بمفارقتها: "إذا أردتم السلام، فاستعدوا للحرب". لقد رأينا مدى نجاح هذا في دينامية الحركة المتصاعدة دومًا في الحرب الباردة، مثلما هي الحال في كل سباقات التسلح منذ ذلك الوقت أو قبله. إذًا، ما الذي يجب على البلد أو الجماعة المعرضَيْن للتهديد عمله؟ حسنًا، إذا استطاع شعب أن يجهِّز نفسه للقيام بعصيان مصحوب بإظهار التآخي حسبما كان تصور غاندي للهند، وحسبما قام به المواطنون التشيك إلى حدٍّ ما في براغ، فلن يشكل ذلك تهديدًا، كائنًا ما كان، لسلامة المجتمعات الأخرى. سيكون قادرًا على إعداد دفاع قوي دون أدنى استفزاز للمعتدي. فاللاعنف لا يهدد أحدًا إلا الحكام المستبدين، وفقط إن كانوا يدركون ما يمكنه فعله. تحدثنا في الفصل الثالث عن شهادة "سو سيفيرين" التي عثرت مصادفة، مع متطوعين آخرين من منظمة "شاهد على السلام"، على قوة المرافقة الحمائية في العام 1982، وكيف وجدت أنَّ المكافأة النفسية على ما فعلته "مسبِّبة للإدمان". ولم تكن الوحيدة، فقد ذهبت راندي بوند إلى مدينة الخليل مع مجموعة صغيرة قامت على تنظيمها "فرق سلام ميتشيغن"، وكتبت تقول: كنا مجموعة صغيرة من الناس العاديين نقوم بأمور غير عادية في جزء جريح من عالمنا. كان علينا أن نتوسع بأنفسنا وقدراتنا من أجل القيام بهذه الأمور. تلك هي الطريقة الوحيدة لكي نكبر[39]. في المقابل، استمرت حرب فيتنام في قتل الأميركيين بعد مغادرة آخر طائرة مروحية لسايغون بوقت طويل. كانت تقتل بالضغط النفسي المبرح الناشئ عن القيام بأشياء فظيعة بالناس دونما سبب مُقنِع، كما بدا بصورة متزايدة واضحًا. فقد عاد أحد أصدقائي من المحاربين القدماء دون أية إصابة جسدية لكنه ظل بعد ذلك لسنوات يدخل في نوبات تعرق بارد ورعب في كل مرة كان يسمع فيها صوت طائرة مروحية. وقد استغرق ذلك حوالي سنة إلى أن تعلم تلاوة ترنيمة مع التأمل لشفاء نفسه، ولم يكن كثيرون محظوظين مثله. كانت حالات الضغط النفسي لما بعد الإصابة بالأذية واسعة الانتشار إلى درجة أنه كان يعتقد في فترة من الفترات أن عدد المحاربين القدماء في فيتنام ممن أقدموا على الانتحار بعد العودة إلى الوطن "بسلام" أكبر من عدد الذين قتلوا في معارك فيتنام نفسها. ومع ذلك فإنَّ أحد رجال المارينز، والذي خدم في الصومال للقيام بمهمة إغاثة من المجاعة في العام 1992، قال للصحافة: "كان هذا أكثر الأعمال مدعاة للرضا الداخلي مما قمت به في أي وقت من الأوقات"، مرددًا ما كان يقوله الفاعلون اللاعنفيون في أغلب الأحيان، مثل مارج أرجيليان التي سمعناها تقول في الخليل: "إن لهذه التجربة من الكمال أكثر من أي عمل قمت به". البشر هم بشر؛ فنوع العمل الذي تزجهم فيه، نوع الطاقة التي تعرضهم لها، يحدِّد، إلى حد كبير، ما سيؤولون إليه. اجعلوا المحبة تحل محل الحرب: الرؤيا تتحقق لم يكن موضوع هذا النقاش هو أن فرق السلام قادرة على إنهاء الحرب. كان الموضوع هو أن اللاعنف قادر على إنهاء الحرب. لقد تفكَّرنا الآن بشأن المستويات الثلاثة للتغيير الذي ينبغي أن يحصل – في التفكير، في الكلام، وفي العمل – من أجل التأثير الخلاق لقوة الروح التي ينبغي للناس العاديين أن يطبقوها في سبيل تحقيق نظام حكم السلام. وكما هي الحال مع كل ديناميات التغيير الرئيسية، يمكن أن تظهر "نقطة ترجيح" يكون عندها الضغط باتجاه التغيير السلمي كافيًا لترجيح الكفة، ويكون بإمكاننا أن نبني ما لا يمكن التفكير فيه الآن بالنسبة لنا – عالمًا خاليًا من الحرب[40]. ولا أحد يعلم بالضبط ما هو ذلك الحكم، أو أين هي مواضع الترجيح، إنما يبدو جليًا وجود ما أسماه غاندي "قانون التقدم" حيث تتراكم النجاحات فوق نجاحات سبقتها. ومن الواضح أنَّ كمية الطاقة التي نحتاجها للبدء بتغييرات لمباشرة العملية ستكون مرتفعة جدًا؛ لكن فيما بعد، وعندما يكون هناك زخم واضح، يمكن للقليل أن يفعل الكثير. كل التغييرات الكبيرة هي على هذا المنوال؛ تبدأ كل التغييرات الحقيقية وهي تبدو غير مألوفة لتصبح عند نقطة معينة هي المعيار. سوف تلعب فرق السلام دورًا خاصًا في تحقيق هذه الرؤيا، لعدة أسباب. إنَّ فرق السلام، إلى جانب "الدفاع القائم على أساس مدني"، هي نوعية اللاعنف الذي يمكننا استخدامه لوقف حرب ما حتى بعد أن تبدأ. نستطيع استخدامها في الحالات الطارئة القصوى التي تجتاح أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية، أو في الحالات الطارئة البطيئة كالنزاعات ذات "الشدة المنخفضة" التي نشبت في أنحاء أميركا الوسطى، حيث ولدت عمليات المرافقة الحمائية. ونستطيع استخدامها في النزاعات داخل المدن في أنحاء العالم الصناعي، والتي ستكون أقرب للتصور الذي كان في ذهن غاندي عنها. فإذا كنا نستطيع أن نُظهر أنَّ اللاعنف قادر على أن يفيد في النزاع الحاد فسنكون قد أظهرنا أنه يستطيع أن ينفع في أي مكان. سيبدأ التدخل اللاعنفي الناجح في تغيير "أساس" الأمن العالمي، ليظهر أنَّ اللاعنف، وليس العنف، هو الحصن الأساسي الذي يُعتمد عليه من أجل السلام والدفاع الدوليين. وهذا ما سيهز أركان نظام الحروب كما لم يهتز من قبل خلال كل هذه القرون المضطربة: وكان هذا بالضبط هو أمل أكثر من ألف متطوع ممن تدفقوا إلى المكاتب المؤقتة الخاصة لـ"بذور السلام" و"فرق سلام البلقان" في إيطاليا وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة، وكل الأمكنة الأخرى خلال الشتاء المتجهم لعام 1991، عندما نسي البشر في البوسنة أنهم بشر. ما كان لهم أن يلقوا النجاح ذلك الشتاء في موستار أو سراييفو أو توزلا، إلا أن هذه الجهود، مثل كل التجارب حتى الآن، استمرت رغم "النقص المزمن في الموارد... وعدم كفاية البنية التحتية، وسوء الاتصالات، وفرص التدريب المحدودة"، دون أن نذكر البرود شبه الكامل لوسائل الإعلام الجماهيرية، و"الفهم الشعبي الضعيف لديناميات وتاريخ مظاهر العمل اللاعنفي هذا"[41]. تخيلوا فقط ما كان يمكن عمله بوجود الموارد الكافية، والبنية التحتية الجيدة، والاتصالات، مع المساندة الشعبية، مع وسائل تحذير إعلامية حرة. تخيلوا كيف كانت ستكون الصورة لو لم يكن هنالك بضعة آلاف، وإنما "مئات آلاف" المتطوعين المدربين جيدًا والمزودين بما يحتاجونه بشكل لائق، والمتميزين كما يجب. لقد أظهرت انتصارات ومآسي يوغوسلافيا السابقة لحركة فريق السلام أن المتطوعين بحاجة إلى تدريب دقيق قبل أن يدخلوا إلى مواضع الأزمات الحادة. ويحتاج المتطوعون أيضًا إلى الدعم، وهذا ما يحلُّ في المقام الأول. لقد أحصى الجيش الأميركي أن هنالك خمسة وعشرين فردًا من غير المقاتلين يعملون ضمن شبكة المساندة مقابل كل جندي؛ وبالطريقة نفسها ستوفر مأسسة السلام فرصًا للمساندين من ذوي المواهب المختلفة والكثيرة. ستكون تلك المساندة أقل في طبيعتها من أن تكون مالية (أقل بكثير ماليًا)، وسيكون من اللازم أن تضم شيئًا لا تضمه الحرب التقليدية: سوف تحتاج إلى ما يسمى "تأويل"؛ فالعالم بأجمعه يعرف (أو يعتقد أنه يعرف) كيف يعمل العنف، لكنه لا يعرف كيف يعمل اللاعنف. حتى النجاح المثير لفريق سلام لاعنفي ربما يتم تجاهله أو يساء التعامل معه من قبل الصحافة إلى حدٍّ لا يكون له فيه تأثيره التعليمي. فلا فائدة من تقديم "عرض بصري" إن لم يكن هناك من ينظر إليه، وقد رأينا أمثلة مؤسفة على هذا، من حالات فردية (جون بلاك) إلى الانتفاضة وكوسوفو. ربما اكتنف منطقَ الحرب خللٌ عميق لكنه شائع بصورة مروعة، وبسيط إلى درجة تبعث على الشلل؛ إنه يأتي مباشرة مما نرغب في الاعتقاد بأننا نعرفه عن الطبيعة البشرية: بأن الناس منفصلون عن بعضهم البعض ويستجيبون للقوة فقط. ليس هكذا هي الحال مع منطق السلام. فالكتَّاب الجيدون والمتحدثون والفنانون – كل أصناف صنَّاع الثقافة وناقليها، الأكاديميون والناس العاديون الذين يتحدثون إلى جيرانهم – لدينا عمل خلاق لدرجة السمو وُجد خصيصًا من أجلنا. نحن اليوم ننقل إلى بعضنا البعض أخبار الحرب التي لا تنتهي والمثيرة للاشمئزاز: يمكننا الآن أن نتعلم تبادل أخبار السلام. حتى المرافقة الحمائية، وهي عادة نوع من التدخل في حالة إثر حالة، كانت لها صدى واسع بالفعل، كما رأينا لدى تكوين "الفضاء السياسي" في أماكن مثل غواتيمالا، حيث تحولت عملية إرهاب محض إلى واحد من حوارات الإنكار. لقد تحدى فريق هاييتيٌّ مؤلف من أربعة وستين فردًا شكَّله اتحاد ألوية السلام الدولية ميليشيا "FRAPH" ستة أشهر، منقذًا أرواحًا بشرية لا حصر لها من الموت. فكما رأينا، في لحظة مخيفة معينة في غواتيمالا، كان تواجد ألوية السلام الدولية بصورة "فريق" قوامه فرد واحد. فاللاعنف يمكن أن يطبق، إن حتمت الضرورة، من دون أعداد كبيرة من الأفراد. المسألة هي أنه لا يمكن فهمه ومأسسته دون توافر أعداد كبيرة. استقر رأي عالم السلوكيات وتشكل الشخصية كونراد لورينز – وهو ليس بالمنظِّر الكبير لكنه عالم متميز – بعد أبحاث علمية واسعة، بأن الحرب لم تبرمجها الطبيعة. "لقد أصبحت الحرب الحديثة مؤسسة، و... لكونها مؤسسة فبالإمكان إلغاؤها"[42]. وما أقوله هنا هو العكس، والمكوِّن العملي المفقود: يمكن مأسسة السلام. فعندما يحدث ذلك، لن تكون الحرب سوى ذكرى سيئة. تغيير الصورة العظيمة كل ما نعرفه عن تبدلات النموذج – إذ إننا عن هذا نتحدث – يخبرنا أنَّ هذا النوع من التغيير الهائل لا يُفهم جيدًا لكنه ممكن بكل تأكيد، وهو يتركنا في عالم لا يمكن التكهن به فيما يتعلق بزمن وكيفية حدوث مثل هذا التبدل بالضبط. ونحن لا نعرف إلا القليل عن كيفية إمكان توجيهه وتسهيل حدوثه. لكن يبدو من المؤكد أن هذا التبدل بالذات يحتاج إلى توجيه واعٍ أكثر مما حصل في أزمنة مضت. وهذا ناتج جزئيًا عن أن الوضع العالمي الذي نواجهه الآن شديد التعقيد، وإلى حد ما عن السرعة التي يتوجب على البشرية أن تستعيد فيها صحتها العقلية. فلم يبق هنالك الكثير لإنقاذه إن انتظرنا حدوث هذه العملية من تلقاء نفسها. ومن أجل فهم التغيير المطلوب علينا أن نفكر بنوع من التبدل يختلف قليلاً عن تلك التغييرات التي بنى توماس كون عليها كتابه بنية الثورات العلمية، الذي جعل عبارة "تبدل النموذج" تعبيرًا مألوفًا. علينا أن نفكر بالتبدل الذي لا يُصدَّق للوعي الذي أيقظته معاناة المناصرين الأوائل وما تلاه من عمل شاق لآباء (وأمهات) الكنيسة، الذين أوجدوا عالماً للفكر تتركز فيه قداسة الفرد والله الواحد. ذلك التبدل العظيم أتى، أيضًا، من موجة إيمان عميقة هائلة وتطلَّبت الكثير من التفكير المتأني لتوضيح كيف يعمل النظام الجديد. وبغياب التدخل الإلهي، علينا أن نعمل بطرق كثيرة من أجل هذا "التحول العظيم"، حسبما يُدعى اليوم. لذا من المفيد تذكر الأمرين الكبيرين اللذين يجعلان مثل هذا التغيير الهائل ممكنًا: الأمر الأول هو أن السلام هو الدافع الأعمق في كياننا الإنساني؛ ففي أعماق تكويننا – الذي نعترف بأغواره السحيقة – "ما من إنسان لا يتوق قلبه إلى البهجة والسلام"[43]. ربما تبدو المظاهر قاتمة جدًا، وبالتأكيد هي الآن بالذات قاتمة جدًا؛ لكنها تبقى مجرد مظاهر. فكروا بالرجال المنهمكين بالحرب. ما يريدونه هو الانتصار، مما يعني أن معاركهم ليست إلا جسورًا إلى المجد والسلام. إن مجمل قضية النصر هو إركاع الخصوم – وما أن يحدث ذلك حتى يتبعه السلام. فالسلام، إذًا، هو الغاية من شن الحرب؛.... لنلاحظ أنَّ من الممكن أن تكون هناك حياة دون ألم، لكن لا ألم دون حياة من نوع ما. وبالطريقة نفسها، يمكن أن يكون هناك سلام دون أي نوع من أنواع الحروب، لكن ليست هناك حرب لا تفترض نوعًا ما من السلام. حتى أولئك الذين يشنون الحروب يفعلون ذلك كي يصلوا إلى نوع من "السلام" ضمن حدود فهمهم، حسب قول أوغستين. وهذه الحدود هي تلك التي نستطيع دائمًا دفعها إلى الوراء لتوسيعها بفعل الثقافة والتعليم. "السلام هو مطلب، لا بل جوع كل روح"[44]. نعم، إن التخلص من الحروب مهمة هائلة، لكنها المهمة الذي نعمل جميعًا من أجلها، ولا يمكننا الركون إلى الراحة إلى أن تُنجَز. وفي الحقيقة، كما بينت شيري أندرسون وبول راي مؤخرًا، يبحث خمسون مليون أمريكي عن طريق لصنع هذا التغيير، وهو طريق لا شيء يشير إليه على البوصلة السياسية النموذجية، والسبب الوحيد الذي يجعلهم لا يُسمِعون أصواتهم هو أنهم أساسًا لا يعرفون بعضهم بعضًا[45]. والوضع نفسه تقريبًا موجود في دول أخرى: فالعالم ينتظر تبدلاً تتجمع مكوناته من تحت الخطاب العام وما وراءه. الحقيقة المشجعة الثانية هي أنه في حين تمَّ اختبار أشياء كثيرة ضمن طرق تعاملنا المتفرقة مع هذا الواجب العظيم، هناك شيء واحد لم يُجرب. فلم يجرِ وضع قوة الروح موضع العمل بصورة منهجية لخلق ظروف ومؤسسات للسلام المستديم. لذلك، وكما اعتاد نورمان كزنز أن يقول: "ليس هناك من يعرف ما يكفي لكي يكون متشائمًا". فقبل القرن العشرين، لم تكن لدينا أبدًا الوسيلة لتطبيق اللاعنف على السلام العالمي بصورة منهجية – أو أننا لم نكن نعرف بوجودها لدينا. لقد عاش غاندي ومات كي يرينا أنها موجودة لدينا؛ نساء غوجارات اللواتي يثني عليهن، بَتَن الحدود الشمالية الغربية – لقد عاشت جماعات وأفراد وماتت لكي يظهروا لنا فائدة هذه القوة. هذا هو الوقت المناسب لنتعلم الدرس منهم. دعوني أُصرِّح بما أعتقد أننا تعلمناه من عملهم ومعاناتهم: ليست المهمة هي وقف الحرب بقدر ما هي بدء العمل اللاعنفي. لم يتوصَّل علماء شيكاغو إلى معرفتها، إلا أن الصورة الواضحة التي فتشوا عنها في ذلك اليوم من العام 1946 كانت قد بدأت بالانبثاق في الحال. ترجمة: غياث جازي *** *** *** * الفصل الثامن من كتاب: البحث عن مستقبل لاعنفي، مايكل ناغلر، ترجمة غياث جازي، معابر للنشر، دمشق، 2009. [1] Tendulkar, D. G. Mahatma: The Life of Mohandas Karamchand Gandhi, Vol. 2. New Delhi: Government of India, Publications Division, 1951, p. 237; second quote from CWMG, Vol. 57, p. 107 (Pyarelal. The Epic Fast. Ahmedabad: Navajivan, 1932, p. 133). [2] CWMG, Vol.74, p. 194 (Prabhu and Rao. The Mind of Mahatma Gandhi. Ahmedabad: Navajivan. 1967, p. 128). [3] CWMG, Vol. 73, pp. 24f. [4] Walker, Charles C. A World Peace Guard: an Unarmed Agency for Peacekeeping. Hyderabad: Academy of Gandhian Studies, 1981, p. 3. كان هذا الكتيب الصغير من أول إصدارات فريق حركة السلام. [5] (فقرة لغاندي) [6] [Pyarelal 1956 /ft “p. 709.] [7] Tendulkar, op. cit., Vol. 6, p. 75. [8] ما يأتي هو استشهاد من الفقرة 10. [9] Easwaran, Eknath. Nonviolent Soldier of Islam: Badshah Khan, a Man to Match His Mountains. Petaluma: Nilgiri Press, 1999; these two quotes from pp. 107. [10] Ibid., 195. [11] المرجع السابق، ص 122. [12] Paige, Glenn, and others. Islam and nonviolence. Honolulu: Matsunaga Institute for Peace, University of Hawai’I, 1993; see also Michael Nagler, “Is There a Tradition of Nonviolence in Islam?” in J. Patout Burns, editor, War and its Discontents: Pacifism and Quietism in the Abrahamic Traditions. Washington, D.C.: Georgetown University Press, 1996, pp. 161-166. There is now an excellent book by mohammed Abu-Nimer, Nonviolence and Peace Building in Islam. Gainseville, etc.: University Press of Florida, 2003. [13] صحيح البخاري، الجزء الثالث. [14] المرجع نفسه. [15] Easwaran, op. cit. p. 183. [16] CWMG, Vol. 54, p. 286 (Prabhu and Rao, op. cit., pp. 452f). تيرموبيلاي هي ذلك المكان الواقع عند ممر جبلي حيث في العام 480 ق.م. صمد جيش إسبارطي صغير بقيادة ليونيداس وحتى آخر رجل أمام جيش فارسي جرار. [17] CWMG, Vol. 82, p. 167 (Tendulkar Vol. 6, p. 69). [18] لم يمنع نقص الدلائل المتشككين من التأكيد اليوم على هذه الحالة، أكثر مما فعلوه فيما مضى. "وقد غذى غاندي هذا الاعتقاد القائل بأن اللاعنف بوسعه هزم اليابانيين، على الرغم من افتقارهم للموانع الناجمة عن أخلاقيات الشعوب الناطقة بالإنكليزية. ولحسن حظ الهنود، لم يجرب هذا الاعتقاد على أرضية الواقع. وفق د.س. وات" D.C Watt, in Alan Bullock & R. B. Woodings, 20th Century Culture, New York: Harper and Row (1983), p. 256.. كان معظم أعضاء حزب المؤتمر الذي ينتمي إليه غاندي يؤمنون بهذه الخرافة – ونحن متيقنون الآن أنها مجرد خرافة – ذلك الوهم الذي يقول أن السلاح البريطاني كان وحده الحائل بين الهنود وبين اليابانيين. [19] ما لم تتم الإشارة إلى عكس ذلك فإن هذ الاستشهادات مستقاة من مقالة بعنوان: Nonviolent Interventions” by Alberto L’Abate in Peace Courier for March, 1994, p. 2. [20] Zunes, Stephen. “Unarmed insurrections against authoritarian governments in the Third World: a new kind of revolution,” Third World Quarterly 15, no. 3, 1994, p. 417. [21] بيجين 1968. [22] ساحة تين آن مين. [23] يجدر المقارنة بهذا السياق مع ما قاله الفيلسوف اليوناني الكبير هيراقليطوس: "أن على المواطنين أن يُبدوا في الدفاع عن مؤسساتهم، الحماس نفسه الذي يبدونه في الدفاع عن أسوارهم." [24] Scholl, Inge. The White Rose: Munich 1942-1943. Ohio: Wesleyan University, 1970, p. 95. [25] Moser-Puangsuwan, Yeshua and Weber, Thomas. Nonviolent Intervention Across Borders: A Recurrent Vision. Honolulu: University of Hawai’i, 2000, p. 138. تعتبر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أكثر عرضة للخطر. على سبيل المثال، قتل 14 جندي هندي وجرح 20 آخرين كانوا يعملون مع الأمم المتحدة في سيناء خلال اشتباك عام 1967: "فحين يتعلق الأمر بالإسرائيليين، يُعتبر عدوًا أي فرد يلبس لباسًا رسميًا ويواجههم." (Rikhye, Indar Jit, and others, The Thin Blue Line; New Haven: Yale University [1974], p. 61). [26] Mahoney, L. and Eguren L. Unarmed Bodyguards: International Accompaniment for the Protection of Human Rights. West Hartford, CN: Kumarian, 1997, p. 216. [27] Mahoney, L. and Eguren L. Unarmed Bodyguards: International Accompaniment for the Protection of Human Rights. West Hartford, CN: Kumarian, 1997, p. 216. [28] Le Meut, Christian. Interview in Non_Violence Actualité (February, 1994), p. 10.( ترجمة الكاتب وتعليقه) [29] Peace Brigades International. Report: Sri Lanka Seminar, 1992 (unpublished). Available from Bob Siedle-Khan, PBI, 59 E. Van Buren St. #1400, Chicago IL 60605 (312) 362-1732. [30] Argelyan, Marge. “Walking the Talk of Nonviolent Intervention,” Signs of the Times (CPT newsletter) VI, no. 1, 1996, p. 2. [31] Speech by Bishop Tutu on January 2, 1993, on National Public Radio; cf. Robert Siegel, editor, The NPR interviews, 1994. Boston: Houghton Mifflin, 1994, p. 213. [32] للحصول على تقرير جيد (لا علاقة له بتحليلي للاعنف) يتحدث عن الأمم المتحدة وعن محاولات أخرى للحصول على تدخل عسكري من أجل غايات إنسانية.، الرجاء العودة إلى: Thomas G. Weiss, Military-Civilian Interactions: Intervening in Humanitarian Crises, New York: Rowan and Littlefield, 1999 من رسالة كتبتها إيليز بولدينغ "لزملائها المهتمين بالخدمات الدولية اللاعنفية" في 10 حزيران 1994. [33] Joe S. “How Cops Are Turned,” Cleveland Plain Dealer, August 26, 1997. [34] Forster, E. M. A Passage to India. New York: Harcourt, Brace and Co., 1952, p. 11. [35] Weber, Thomas. Gandhi’s Peace Army: the Shanti Sena and Unarmed Peacekeeping. Syracuse: Syracuse University Press, 1996, p. 133. [36] Chris hedges, “What I Read at War,” Harvard Magazine (July-August, 2000) p. 61. [37] Housman’s Peace Diary for 1998, Stony Creek, Conn.: New Society Publishers. [38] Esquivel, Adolfo Perez. Christ in a Poncho: Testimonials of the Nonviolent Struggles in Latin America. New York: Orbis Books, 1984, p. 127. [39] from the Michigan Peace Team Bulletin 2 (1998), p. 8. [40] Tipping Point: Cf. the book of that title by Malcolm Gladwell, New York: Little Brown, 2000. [41] Moser-Puangsuwan and Weber, op. cit., p. 320. [42] Lorenz, Konrad. On Aggression. Marjorie Kerr Wilson, translator. New York: Harcourt, Brace & World, Inc., 1966, p. 284. [43] Walsh, Gerald G., and others. St. Augustine, City of God. New York: Image, 1958, pp. 451, 457. [44] Swami. Ramdas Speaks, Vol. III. Bharatiya Vidya Bhavan, 1957, p. 43. [45] Paul H. Ray and Sherry R. Anderson. The Cultural Creatives. New York: Three Rivers Press, 2000. |
|
|