في الأمن الإنساني وتداعياته

 

أكرم أنطاكي

 

1

أجدني، بادىء ذي بدء، أعود، في هذا الخصوص، إلى ما عبَّرتْ عنه، في منتهى البلاغة، سيمون ڤايل حول حاجة الإنسان إلى الأمن حين قالت:

الأمن حاجةٌ أساسية للنفس. ويعني الأمنُ عدمَ وقوع النفس تحت وطأة الخوف أو الرعب، إلاَّ إثْرَ اتِّفاق ظروف عرَضية ولفترات نادرةٍ وقصيرة. فالخوفُ أو الرعبُ، كحالاتٍ نفسيةٍ تدوم طويلاً، هما نوعان من السم قاتلان أو يكادان يقتلان، سببُهما احتمالُ البطالة أو القمعُ البوليسي أو وجود محتَـلٍّ أجنبيّ أو توقُّعُ اجتياح محتَمل أو أيُّ بلاء آخر يبدو أنه يتجاوزُ الطاقةَ البشرية.

كان الأسيادُ الرومانُ يَعرِضون سوطًا في البهو على مرأى العبيد، مع العِلْم أنَّ هذا المشهدَ يضع النفوسَ في حالةٍ بين الحياة والموت الضروريةِ للرِّق. من جهة أخرى، ينبغي على البارِّ، عند المصريين [القدماء]، أنْ يتمكَّنَ من القول بعد الموت: "لم أسبِّبِ الخوفَ لأحد."

حتى وإنْ لم يكن الخوفُ سوى حالةٍ كامنة، بحيث لا يشعرُ به المرءُ عذابًا إلاَّ نادرًا، فإنه دائمًا مرَض. إنه نصفُ شللٍ للنفْس.[1]

مشيرًا إلى أن الموضوع الذي سأتناوله في هذه المقالة هو موضوع مبدئي وإشكالي وفي منتهى الأهمية.

لأنه، ومنذ أن تمَّ تعريفه كمفهوم من قبل منظمة الأمم المتحدة في العام 1994، وكما جاء في تقرير برنامج هذه الأخيرة للتنمية (الـUNDP)، أصبح مفهوم الأمن الإنساني يغطي كل ما يمكن أن يهدد حياة البشر والمجموعات الإنسانية؛ وذلك تحديدًا في ستة مجالات أساسية هي:

-       المجال الاقتصادي أو ما يدعونه بالأمن الاقتصادي: الذي يعني ضرورة السعي إلى تأمين دخل وعمل مناسب للأفرد من أجل حياة كريمة في أيِّ مكان يقيمون فيه. وهي مشكلة تعاني منها كلُّ بلداننا العربية. وقد انعكست آثارها مؤخرًا على تونس ومصر والجزائر والأردن. ويمكن أن تطال آثارها حتى سورية.

-       المجال الغذائي أو الأمن الغذائي: بمعنى ضرورة تأمين إمكانية الحصول على الغذاء الكافي والضروري للجميع. وهي مشكلة حادة جدًا في بعض البلدان العربية كالصومال، والسودان، ونعاني من بعض آثارها السلبية في بعض المناطق السورية، وتحديدًا في منطقة الجزيرة التي تعاني منذ سنوات من الجفاف، ويمكن أن تطال آثارها العاصمة دمشق وللسبب نفسه، أي الجفاف.

-       المجال الصحِّي أو الأمن الصحِّي: بمعنى ضرورة تأمين الشروط الصحية الأساسية والضرورية لحماية الأفراد من الأمراض ومن الأوبئة. وهي أيضًا مشكلة تعاني منها بدرجات مختلفة معظم بلداننا العربية.

-       المجال البيئي أو ما يدعونه الأمن البيئي: بمعنى ضرورة حماية البيئة التي يعيش فيها الإنسان من التعديات التي تمارس عليها من قبله ومن قبل الدول. وهو أيضًا مجال باتت تعاني منه معظم دولنا العربية. وخاصة منها ويتعلق بنا في سورية عاصمتنا دمشق.

-       مجال العنف أو ما يدعونه بالأمن الشخصي: بمعنى ضرورة السعي للحدِّ من ولمنع كل ما يهدد الأمن الفيزيائي الإنسان، مما قد يلحق به من عنف، سواء كان مصدر هذا العنف داخل دولته و/أو من قبل دولته أو من قبل دول أجنبية. وهو مجال غالبًا ما تعود مسبباته الأصلية للأسباب السابقة، وتعاني منه معظم بلداننا العربية. خاصةً وأنه يرتبط بمجال آخر أكثر شمولاً وتحديدًا هو...

-       المجال السياسي المتعلق بحرِّية الرأي الذي يدعونه عادةً بالأمن السياسي: بمعنى ضرورة حماية الأفراد من القمع الذي قد يتعرضون له و/أو يمارس تجاههم، وضرورة احترام حقوقهم المشروعة في التعبير عن آرائهم وحقهم في نشرها سلميًا ضمن أطر أنظمة وقوانين عادلة ومطبقة على الجميع.

فما الذي تعنيه هذه الأمور عمليًا؟

2

ونتفكر قبل كل شيء أنها أمور يفترض أن لا يختلف عليها أحد، لأنها إن تحققت على أرض الواقع فإنها تعني أمرين رئيسين هما:

-       تحرير البشر من الخوف الفيزيائي، الذي يعتبره البعض التعريف الأضيق لمفهوم الأمن الإنساني. و...

-       تحرير البشر من الحاجة الذي هو في الحقيقة التعريف الأوسع والأشمل.

وهذه قيم، إن تحققت، تجعل من واقعنا الإنساني ومن ضمنه واقعنا العربي واقعًا شبه مثالي. لأنها غايات نبيلة لا خلاف حولها من حيث المبدأ. ولكن...

المشكلة، حين نتعمق في الأمر، تكمن في التفاصيل؛ فالشيطان، كما يقولون، يكمن في التفاصيل. لذلك، فلننظر إلى الأمر بمزيد من التفصيل. وهذا ما يقودنا إلى طرح تساؤل أساسي هو: من المسؤول عن تأمين الأمن الإنساني للبشر كائنًا من كانوا، وفي أي بلد يعيشون؟

حيث من المتعارف عليه، بالنسبة للجميع، أن المؤسسة المسؤولة بالدرجة الأولى عن تأمين الأمن لمواطنيها هي الدولة. فاستنادًا إلى نظرية العقد الاجتماعي التي وضعها الفيلسوف الفرنسي من القرن الثامن عشر جان جاك روسو، يتوجب على الدول أن تؤمن الأمن مواطنيها في كلِّ المجالات التي سبق ذكرها. لأن الدولة، وفقًا لهذه النظرية، "متعاقدة مجازًا" مع مواطنيها على تأمين ما يلزمهم من أمن وحماية، مقابل ما يدفعوه لها من ضرائب. لكن ما يحصل، وخاصةً في المناطق المضطربة من العالم، هو إمَّا أن تفشل الدولة في تأمين هذا الأمن بالكامل؛ و/أو أنها تقمع مواطنيها (بمعنى أنها تتحول إلى مهدد رئيس لأمنهم في كلِّ هذه المجالات أو في بعضها). ونلاحظ في هذا المجال، أن مثل هذه الأوضاع تختلف، بشكل عام، من بلد إلى آخر. ما يضعنا من منظور كل بلد وعلى الصعيدين الدولي والإنساني أمام مقاربتين لهذه المشكلة:

-       المقاربة الأولى هي تلك التي تدعى باللغة الدولية المسؤولية في تأمين الحماية Responsiblity to Protect أو R2P. وهو المبدأ يعني أنه في حال كانت الدولة – أية دولة – عاجزة عن تأمين الأمن لمواطنيها في أي مجال من المجالات الرئيسة التي سبق ذكرها، فإنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يتدخل ويساعد على سدِّ هذه الثغرة. وهو ما يتعارف عليه بتعبير فرض الأمن الإنساني من الأعلى From above. فهذا البلد (أ) يعاني، على سبيل المثال، من مشكلة تهدد الأمن الغذائي لمواطنيه أو لقسم منهم. وهنا غالبًا ما تقدم المعونات من جهات أخرى لمساعدة هذا البلد على مواجهة محنته. وذاك البلد (ب) يعاني من اضطراب في أحواله الأمنية مما يعرض الأمن الإنساني لسكانه وللبلدان المجاورة للخطر. ما قد يفترض أيضًا تدخل الدول أخرى لتهدئة الأحوال. لكن، وفي نفس الوقت، هنا تكمن إشكالية هذه "المساعدة" التي يمكن أن نعيدها، في الدرجة الأولى، إلى تعارض المصالح بين الدول.

-       بينما الاحتمال الثاني الذي يحصل حين لا يكون هناك دولة أو حين تنهار الدولة، ويجد الناس أنفسهم مضطرين لتأمين أمنهم انطلاقًا مما يتوفر بين أيديهم من إمكانات، كاللجوء إلى العائلة، أو العشيرة، أو أبناء الملَّة أو الدين. وهذا ما يمكن أن يجعل هذه المقاربة، التي هي من الأسفل From below، أيضًا موضوعًا إشكاليًا كالذي سبقه وأسميناه بـالأمن من الأعلى، وللأسباب نفسها. وهي حالة تتجلى بأوضح صورها، على سبيل المثال، في العراق حيث انهارت الدولة بسبب الحرب والاجتياح. وخاصةً في الفترة الأخيرة، في تونس ومصر حيث فرضت الأحداث الناجمة عن تعرض الأمن الإنساني لقسم هام من المواطنين للخطر، على المجتمع الأهلي تأمين بعض مستلزمات الأمن التي لم تعد الدولة قادرة على تأمينها.

ما يستدعي النظر إلى الموضوع بمزيد من التمعن.

3

لأننا عندما نتحدث عن الأمن الإنساني فإن أول ما نتفكر به هو: من أجل من تحديدًا يجب أن يتوفر هذا الأمن؟ وما هو مصدر الأخطار التي يمكن أن تهدده؟

لأن هناك أخطار يمكن أن تهدد بالقوة أو فعلاً على أرض الواقع أمن الدول. كما أن هناك أخطار يمكن أن تهدد بشكل عام أمن المجتمعات والتجمعات والأفراد في داخل تلك الدول.

وتجدنا أمام منظورين قد يبدوان للوهلة الأولى مختلفين؛ لا بل حتى، متعارضين. حيث يقول المنظور الأول، الذي هو منظور الدولة: إن هناك أخطارًا تهدد أمن هذه الدولة التي من واجبها بذل كلِّ ما في وسعها لحماية نفسها مما يتهددها. ونتساءل حول طبيعة هذه الأخطار والتهديدات التي سرعان ما نجد أنها يمكن أن تكون عسكرية، كخطر عدوان خارجي وخطر اجتياح بلد من قبل بلد آخر. كما أن هذه الأخطار يمكن أن تكون غير عسكرية، وتشمل بالتالي كل المجالات الأخرى كالبيئة والاقتصاد... إلخ. لا بل نجد أنه غالبًا ما يمكن أن يجتمع العاملان معًا. وهذا غالبًا ما يحصل على أرض الواقع بسبب الصراعات وتضارب المصالح والأهداف.

بينما المنظورالثاني، الذي هو منظور المجتمعات، والتجمعات، والأفراد – والذي ينبثق عنه مفهوم الأمن الإنساني –، فإنه منظور أكثر شمولية وتعقيدًا. وهذا ما قد يجعل هذان المنظوران يبدوان، للوهلة الأولى، متعارضان.

لأنه من المنظور الأول، الذي هو المنظور التقليدي للإمن، والذي كان وما زال سائدًا بشكل عام إلى اليوم في دولنا كما في معظم دول العالم، فإن مفهوم الأمن القومي (التقليدي) للدول ينبع من ضرورة أنه يتوجب عليها تأمين حماية نفسها مما يتهددها من أخطار خارجية وداخلية يمكن أن تطيح بوجودها و/أو تهدد سلمها الأهلي. بينما المنظور الثاني، الذي يفترض أن ينطلق من الإنسان ومن المجتمعات، والذي يشتمل كل ما يمكن أن يهدد أمن البشر في داخل دولهم من أخطار، بما فيها الأمن القومي للدول التي يعيشون فيها، فإنه سرعان ما يضعنا أمام ضرورة إعادة النظر في المنظور التقليدي من أجل جعله أكثر شمولية من جهة، وأكثر إيجابيةً من جهة أخرى. وهو واقع سنحاول تبسيطه وتلخيصه في الجدول التالي:

الأمن من أجل من؟

ما هو منبع الخطر الذي يمكن أن يهدد ذلك الأمن؟

 

عسكري

 

عسكري، غير عسكري، كلاهما معًا

الدول

الأمن القومي (وهو المنظور التقليدي للأمن).

 

لأنه يشمل أيضًا البيئة والاقتصاد والصحة والغذاء والعمل... إلخ.

المجتمعات، التجمعات، والأفراد

بمعنى الأمن الذي يتهدد المواطنين داخل الدولة (كما يمكن أن يحصل في حالات الحرب الأهلية أو الاضطرابات)

 

وهذا ما يوصلنا إلى مفهوم الأمن الإنساني (الأكثر حداثة) والذي يمكن أن يؤدي إلى مفهوم الأمن "التعاوني أو الشامل" بين الدول.

ما يعني، كما سبق وأشرنا، أننا فعلاً أمام مفهومين متقابلين للأمن. لكننا، وهذا هو الأساس، سرعان ما نكتشف أن هذين المفهومين غير متعارضين بالضرورة. لا بل أنه من الممكن جدًا أن يكونا متكاملين. ونتوسع قليلاً في التفكير بالموضوع...

4

فنلاحظ أن مرجعية المنظور التقليدي للأمن تخضع كلَّ شيء لمصلحة الدولة التي يجب عليها حماية حدودها وحماية السلم الأهلي داخل هذه الحدود. وبالتالي فإن إطار هذا الأمن، الذي أصبح أولاً وأخيرًا مصلحة الدولة ونظام حكمها بالدرجة الأولى، سرعان ما يصبح مسؤولية الحكومة القائمة على رأس هذه الدولة. تلك الحكومة التي سرعان ما تصبح أيضًا – وخاصةً في الأنظمة غير الديموقراطية – اللاعب الوحيد في البلد الخاضع لسلطتها. ما يعني أيضًا، وكمحصلة حاصل، أنه من هذا المنظور تصبح الوسائل الرئيسة التي تركِّز عليها وتعتمدها هذه الأنظمة من أجل حماية أمنها القومي هي أجهزة الأمن، والشرطة، والجيش. إضافةً إلى السياسات الداخلية والخارجية للحكومات التي تدير هذه الدول. وهو منظور أثبت فشله بشكل عام، وفي الأونة الأخيرة بشكل خاص، في حالات دول كتونس ومصر حيث وجدت أنظمة الحكم هناك نفسها أمام غليان شعبي مرده بالدرجة الأولى انقطاع الصلة بين الدولة وبين مجتمعها الأهلي. بينما...

إن نظرنا إلى الأمر من منظور الأمن الإنساني، فإن مرجعيته التي تفترض بادىء ذي بدء أن تشمل الناس والمجتمع ككل، وإطاره الأوسع الذي يشمل الاقتصاد والغذاء والبيئة، وحياة الناس وضرورات التواصل فيما بينها، سرعان ما يتجاوز مفهوم اللاعب الوحيد الذي هو الدولة، ليضعنا أمام مفهوم آخر تتحول فيه الدولة إلى شريكة لمجتمعها المدني الذي تصبح مسؤولة أمامه. ما يعني ضرورة التحول في طبيعة أنظمة الحكم القائمة. خاصةً وأن أي دولة في العالم، ليست مسؤولة فقط عن الأمن داخل حدودها. إنما بسبب تعاظم وتطور العلاقات بين الدول، هي مسؤولة أمام المجتمع الدولي ككل وشريكة له في الوقت نفسه. لكن...

وهنا قد تكمن الإشكالية الرئيسة للموضوع، من منظور التقليديين، ما الذي يمكن أن يحصل حين يتعارض المجتمع المدني أو الأهلي أو الدولي لأي بلد مع حكومة هذا البلد؟ أليس من الممكن أن يُستخدم أو يوجه بعض من هذا المجتمع الأهلي في داخل أي بلد من قبل جهات خارجية، ما قد يعرض نظام الدولة وأمنها والسلم الأهلي للخطر؟ ونسجل هنا أن مثل هذا التعارض لا يحصل بشكل عام إلا في الدول ذات الأنظمة الشمولية، حيث يوجد انقطاع شبه كامل بين الدولة وأجهزتها وبين مجتمعها الأهلي.

ولكن هذه التساؤلات، المشروعة من حيث المبدأ، تضعنا قبل كل شيء أمام ضرورة التفكير بتقوية وتفعيل المجتمع الأهلي مقابل الاعتماد الأحادي الجانب على الدولة وأجهزتها من جهة، وضرورة التفكير بالسبل الضرورية لخلق وتفعيل تعاون بين الحكومات وبين المجتمعات الأهلية في قلب هذه الدول من جهة أخرى. وهو إشكال يتجلى بأفضل صوره حين نتفكر بالتنمية...

5

لأن تأمين الأمن الإنساني للمواطنين ولسكان أي بلد يفترض أول ما يفترض وجود وتطبيق سياسات اقتصادية صحيحة وناجحة تحقق النمو الصحيح لهذا البلد ولسكانه. ومسؤولية هذه التنمية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومة القائمة على رأس الدولة، والتي يفترض أنها المسؤولة عن تأمين الأمن الإنساني لمواطنيها. ما يعني، كمحصلة حاصل، أنه يوجد ارتباط وثيق بين الأمن الإنساني للناس داخل الدولة، وبين التنمية التي هي في المحصلة تلبية حاجات هذا النمو. ونلاحظ في هذا المجال تطابقًا شبه كامل بين ما تتطلبه التنمية وبين ما يفترضه ويتطلبه الأمن الإنساني. فمن حيث:

القيم نجد أنه لمَّا كانت الغاية من التنمية التي تقودها الدولة هي تأمين الرفاه فإن الأمن الإنساني، إن كان محققًا، يؤمن الاستقرار الضروري لتحقيق هذه التنمية ويدعم مكتسبات نموها. وكذلك الأمر من حيث...

التوجُّه فإننا نلاحظ أنه إن كانت التنمية الاقتصادية تعني تأمين تطور ورفاه البلد ككل. فإن تأمين الأمن الأنساني يعني أن المجتمع غير المنقسم على نفسه وغير المتعارض أو المتصارع مع دولته سينجح في تأمين هذا التطور وذلك الرفاه. فنحن "سوية سننمو ومنقسمين سنفشل". وأيضًا إن نظرنا إلى...

ما تتطلبه تلك التنمية من وقت، أي من منظور الإطار الزمني، فإنه إن كان معروفًا أن تحقيق التنمية يحتاج إلى وقت وغالبًا ما يكون طويل الأمد، فإننا نجد أنه من الضروري توفير أجواء سلام واستقرار في البلد. وهذه الأجواء لا يوفرها إلا تحقق الأمن الإنساني داخل هذا البلد. لأنه في حال تحققه، يحد جدًا من المخاطر التي يمكن أن تحصل في حال تعثرت عملية النمو. وهذا ما يوصلنا أخيرًا إلى الجانب السياسي لعملية التنمية. وأيضًا...

إن تحقيق التنمية يتطلب توفير إمكانية الاستفادة من كلِّ طاقات المجتمع. وهذا يتطلب أول ما يتطلب تحقيق العدالة ليس فقط في التوزيع وفي الفرص، إنما أيضًا في قلب المجتمع، ما يعني ضرورة تأمين المساواة بين الرجل والمرأة التي يفترض أن تكون متساوية تمامًا بالرجل من حيث الحقوق والواجبات. وأخيرًا...

لأنه كما أن تحقيق نمو ورفاه أي بلد يمكِّن حكومة هذا البلد من ضبط الأوضاع الأمنية في داخله، واستمراريتها، ويدعِّم أمنها القومي، كذلك فإن التعاون والتواصل مع مواطنين يعيشون عيشًا كريمًا، مواطنين تحرروا من الخوف ومن الحاجة، لا يحققه إلا الأمن الإنساني الذي يبقى ناقصًا، إن لم نقل شبه معدوم، في حال انقطعت أو ضعفت الصلة بين حكومات الدول وبين ناسها. وهذا التواصل لا يمكن أن يتحقق إلا بالديموقراطية التي تجعل حكومات الدول خاضعة لمحاسبة وإشراف مواطنيها. وهذا ما لم يكن حاصلاً في تونس ومصر حيث حصل ما لا نرجو أن يحصل في أي بلد آخر. وخاصةً في بلدنا.

6

ما يعني بالمحصلة، أن تحقيق الأمان الإنساني الذي يعني، في نهاية المطاف، العيش الكريم والتحرر من الخوف ومن الحاجة، يفترض قبل كلِّ شيء احترام حقوق الإنسان. لأنه ما لم تحترم هذه الحقوق، فإن المجتمع الأهلي ككل سيبقى مشلولاً ومعرضًا للهزات – يعني الاحتمال الدائم لأن يحصل صدام حاد بين حكومة الدولة وبين مجتمعها الذي لم يحقق أمنه الإنساني بالكامل.

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] راجع كتاب التجذُّر، سيمون ڤايل، ترجمة محمد علي عبد الجليل، معابر، دمشق، 2010. أو راجع موقع معابر على الرابط التالي: http://www.maaber.org/issue_march10/perenial_ethics1_a.htm.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود