امتلاك الحقيقة
محمد
علي عبد الجليل
أقبضُ يديْ على يديْ وأقول لكم:
"الحقيقةُ، كلُّ الحقيقةِ، في يديْ."
ولكي أُثبتَ لكم بالدليل القاطع أنني أمتلكُ الحقيقةَ، أفتحُ يديْ...
فتجدون أنني أقبضُ على "لا شيء".
أليست هذه هي الحقيقة؟
* * *
إحدى الدلالات على أننا كاذبون قولُنا: "إننا صادقون".
مَن منا لا يكذب؟
إنْ قلتَ: "أنا"، فأنتَ أولُ الكاذبين.
نكذبُ لنقولَ حقيقَتنا.
حقيقتُنا الضعف.
عندما نَصْدُقُ مِنْ أجلِ غايةٍ فإننا نكذب.
* * *
عندما نصلِّي فإننا ننفخُ بكلماتنا في عجلاتِ الأنا لكي تسير بسرعة أكبر...
فتُوْصِـلَنا إلى الهاوية بأمان.
أَصْدقُ طريقةٍ للصلاةِ ألا نُصلِّي.
لكنْ لا تنخدعوا فليست هذه هي الحقيقة.
- "إذنْ، ما هي الحقيقة؟"
لكي تصلَ إلى الحقيقة لا تسألْ عن الحقيقة.
إنْ تسألْ عن الحقيقةِ يحجبْـكَ سؤالُك.
امحُ من نفسكَ رغبةَ الوصول تَصِلْ.
امحُ من نفسِـكَ نفسَـك.
نظِّفْ نفسَـكَ من كل شيء،
حتى مِـنْ عِـلْمِـك.
كنْ أنتَ بدونِ الأنا.
كنْ لاأنتَ.
امحُ حدودَك.
كيف يمكن للقطرة أنْ تذوبَ في المحيط وهي ترسم حدودَ نفسها؟!
عندما ترى نفسَكَ وصلَتْ إلى "لاشيء"، فاعلمْ أنه – ربما - وصلْتَ إلى "حقيقة".
فاعلمْ أنَّ "ـهُ".
فاعلمْ أنَّ "هُـوْ".
فاعلمْ أنه "لا". (اعلمْ وجودَ "السلب المطلق").
فاعلمْ أنه "إله". (اعلمِ "السلبَ المقيَّـد").
فاعلمْ أنه "إلاَّ". (اعلمِ "التحديدَ").
فاعلمْ أنه "الله". (اعلمِ "الأسماءَ"، "التجلياتِ"، "الوجودَ").
فاعلم أنه "لا إله إلا الله".
لكنْ لا تغْـتَـرَّ فليست هذه هي الحقيقة.
عندما تعتقد أنكَ وصلْتَ فاعلمْ أنكَ ما وصلْتَ.
الوصولُ ألاَّ تَصِل.
الاعتقاد افتقاد.
لامِـسْ لاشيئـيَّـةَ كلِّ شيء.
لا تعتقدْ.
لا تتكلمْ.
لا تلتفِـتْ.
فقط انظرْ
فسوف ترى.
"ولقد رآه نزْلةً أخرى عند سِدْرةِ المنتهى. إذْ يغشى السدرةَ ما يغشى. ما زاغَ
البصرُ وما طغى." (سورة النجم، 13-17)
***
*** ***
برلين 20-8-2006