ديغو دي ريفيرا
(1886 – 1957)
في
العام 1920، وكانت الأوضاع السياسية والاجتماعية في المكسيك مهيئة لنشوء
ثقافة وفنٍ شعبيين أصيلين، كان ديغو دي ريفيرا هو الفنان الذي شاءت له
الظروف أن يلعب هذا الدور الريادي بالنسبة لبلاده، وعلى الصعيد العالمي.
ولد في بلدة غواناجواتو المكسيكية، وكان يحكم المكسيك آنذاك ما نطلق عليه
اليوم لقب ديكتاتور مستنير، سعى لأن يطور الاستثمارات الزراعية الكبيرة،
ولأن يجذب الاستثمارات الأجنبية للعمل في بلاده.
كان والد ديغو دي ريفيرا أستاذ مدرسة، ومن أصول إسبانية نبيلة، أمَّا
والدته فكانت طبيبة ومن عائلة يهودية متنصرة. في العام 1892 انتقلت عائلته
إلى مدينة ميكسيكو العاصمة. وهناك درس لمدة سبع سنوات في أكاديمية سان
كارلوس الوطنية. ثم في العام 1902، حصل على منحة حكومية لمتابعة دراسته
الفنية في الخارج، فذهب إلى إسبانيا، ومن ثم إلى باريز، حيث احتل مكانه
بسرعة في أوساط تلك الطليعة الفنية اليسارية التي كانت تتحول آنذاك من
الانطباعية المحدثة إلى التكعيبية، وقد بقي هناك حتى العام 1920، لم يعد
خلالها سوى مرة واحدة إلى المكسيك – وقد كان ذلك قبيل تلك الثورة (الحرب
الأهلية) الدامية التي اجتاحت البلاد واستمرت لحقبة من الزمن.
في العام 1918، كان لا يزال في باريز، لكن توجهه الفني (ومعه العديد من
زملائه) بدأ يتحول من التكعيبية إلى ما يشابه تلك الواقعية التي كان يدعو
إليها سيزان. وأيضًا، في العام 1920، وبتشجيع من صديقه ألبيرتو باني الذي
كان سفيرًا للمكسيك في باريز، ذهب ريفيرا إلى إيطاليا حيث اطلع على أعمال
كبار فنانيها وعلى رأسهم جيوتو، وأوشيلّو، ومايكل آنجلو. ثم في العام 1921،
وبتشجيع من دياز وخوزي فاسكونشيلوس الذي أصبح وزيرًا للثقافة في حكومة
أوبريغون في المكسيك التي أنتهت فيها الحرب الأهلية، عاد ديغو دي ريفيرا
إلى بلاده. وهناك، حيث كلِّف برسم أولى جدارياته، باشر حياته الفنية التي
ظلت حتى أيامه الأخيرة مقترنةً بتوجهه السياسي الشيوعي.
في العام 1923، رسم ريفيرا، ولصالح وزارة التعليم العالي في مدينة مكسيكو،
مجموعة كبيرة من الرسوم الجدارية التي حددت توجهه النهائي ومكانته الفنية
كأكبر فنان مكسيكي، منذ ذلك الحين. وقد كانت رسومه الجدارية لتلك المرحلة
متأثرة بالطبيعة المكسيكية التي بدا وكأنه كان ينظر إليها بأعين معلميه
الفرنسيين الكبار غوغان ولو دوانييه وروسّو.
وما تبع تلك المرحلة، وقد قدَّم خلالها أفضل أعماله، كانت تلك الحقبة التي
رسم فيها لصالح بعض جهات الإدارة الأمريكية، وفي الولايات المتحدة نفسها،
رغم تعارض هذا الأمر مع توجهه السياسي. وقد كانت باكورة تلك الأعمال
العظيمة في لوجيا قصر كورتيس في كويرنافاكا حيث كانت الجداريات التي رسمها
برعاية السفير الأمريكي في المكسيك عام 1929، دوايت د. مورو الذي كان أول
من شجعه على الرسم في الولايات المتحدة. فكانت أعماله المعروفة في مركز
البورصة في سان فرانسيسكو، وفي جامعة ديترويت، ولصالح مركز روكفلر في
نيويورك (وإن كان هذا العمل هناك لم يكتمل بسبب تضمنه صورة للينين[1]).
وقد كان تأثيره على الفنانين في الولايات المتحدة هائلاً رغم أن معظم هؤلاء
لم يكونوا يشاطروه آراءه ومواقفه السياسية.
ونصل إلى علاقة ديغو دي ريفيرا بالشيوعية. تلك العلاقة التي كانت عاصفة
كعلاقته بزوجته الثانية وحبه الأكبر فريدا كاهلو. حيث غالبًا ما كان على
خلاف وعلاقة سيئة مع الحزب الشيوعي المكسيكي الرسمي الذي طرد من صفوفه
مرتين، كما كان غالبًا على تعارض مع الاتحاد السوفييتي الذي طرد منه مرة؛
وذلك قبل أن يتبنى ويصادق تروتسكي الذي لجأ بتشجيع منه إلى المكسيك.
تروتسكي الذي تخلى عنه ديغو دي ريفيرا في النهاية – قبل أن يقتل من قبل
عميل سوفييتي – ليعود مرة أخيرة إلى أحضان الحزب الشيوعي الرسمي الموالي
للاتحاد السوفييتي.
كانت آخر أعماله لوحات موزاييك من أجل ستاديوم الجامعة الوطنية في مكسيكو
ومن أجل المسرح المتمرد إضافة إلى لوحة جدارية من أجل مستشفى التأمينات
الاجتماعية.
توفي ديغو دي ريفيرا في شهر تشرين الثاني من العام 1957.
*** *** ***
*** *** ***