|
قراءة في العقل الديني العراقي
كيف تكوَّن العقل الديني العراقي؟ هل هو وليد الفتح (الغزو) العربي الإسلامي؟ أم أن هذا العقل هو نتاج لديانات عديدة تتابعت على مدى تاريخ العراق بحيث يمكن تلمُّس مظاهرها في أكثر من جانب من جوانب العقل الديني العراقي، والتي تمظهرت بشكل طقوس واعتقادات مختلفة. ورغم أن قراءتنا هنا تتناول العقل الديني العراقي إلا أننا لا نستطيع أن نلمَّ بهذا الموضوع في مقالة صغيرة ما يجعلنا نكتفي بتناول ملامح هذا العقل دون الدخول في تفصيلات كثيرة ليس بالمتاح تحقيقها هنا. ومن أجل أن نكشف المسار التاريخي لتطور العقل الديني العراقي لابد لنا من معاينة كل الديانات التي نشأت في هذا البلد لنتعرف على تأثيرها في تبلور عقلنا الديني مبتدئين في ذلك من الأقدم إلى الأحدث: الديانة (أو شبه الديانة) الطوطمية وهذه (الديانة) البدائية قد واكبت مرحلة الصيد والالتقاط حيث كان الغذاء متيسرًا ويعتمد على الثمار والنباتات البرية والحيوانات الصغيرة، وبالتالي كان همُّ الإنسان هو التخلص من المخاطر التي تهدد حياته سواء من البيئة التي يعيش فيها بما فيها من حيوانات مفترسة ومظاهر طبيعية متنوعة أو من أبناء جلدته المشاكسين والفضوليين، فبدأ يعتمد، إضافة إلى قدراته الجسدية (العضلية)، على السحر الذي يحاول به التأثير على الأشياء من حوله لتكون طوع بنانه أو تكفيه شرها. وفي مرحلة لاحقة ربط نفسه بشيء ما ليكون هذا الشيء بمثابة الحليف أو المعين الذي يعتمد عليه في درء المخاطر، وقد كان يصنع لهذا الشيء، حيوانًا كان أم نباتًا أم جمادًا، رمزًا يبقيه على مقربة منه من أجل أن يحفظه أو يحميه. إذًا فقد تسلح الإنسان آنذاك بالرقي والتعاويذ والتمائم التي تساعده في حماية نفسه من المخاطر وإبعاد الشر عنه، ونظرًا لتحول الإنسان من الحياة الوحشية إلى الحياة العائلية في فترة من الفترات فقد استمر معه هذا التقليد وأصبح لكل عائلة أو جماعة طوطم حام قد يكون ثعلبًا أو سنجابًا أو صخرة أو نخلة إلى آخره تبعًا لما هو موجود في البيئة التي يعيش فيها الإنسان. ويُعتقد أنَّ النخلة وشجرة النبق والطين من الأشياء التي أكثر العراقيون القدماء من اعتمادها كطواطم في تلك الفترة القديمة. ولكن هذه (الديانة) البدائية شابها التغيير في وقت ما عندما برز زعماء الجماعات أو حكمائهم نتيجة لدورهم الهام في حياة الجماعة، فقد جرى تقديسهم لينشأ ما يعرف بعبادة الأسلاف (لا يمكننا أن نجزم بوجود هذه الظاهرة في أي فترة من تاريخ العراق القديم المبحوث من قبل المؤرخين وإن كنا لا ننكر احتمال ظهورها في فترة ما، ثم ربما خبت بعد ذلك ما جعل وجودها ضئيلاً أو معدومًا في ديانات العراق التالية). وبعد ظهور الديانة المنظمة في فترة لاحقة كتطوير لـ (الديانة) الطوطمية تخلفت بعض العادات والطقوس الطوطمية التي بقيت جزءًا هامًا من موروث العقل الديني (العراقي بشكل خاص) إلى وقتنا الحاضر كالحروز والتمائم والأختام والأحجار والعلك والتربة ورمي الماء خلف المسافر والراية (البيرق) وشرب الماء المخلوط بالطين (الجروة)... الخ. الديانة الرافدينية وهي من أقدم الديانات في العالم، تعود جذورها إلى الألف الثامنة أو التاسعة قبل الميلاد، مرت على ما يرجح بعدة مراحل أولها العبادة الأنثوية (عبادة الآلهة الأم) التي واكبت مرحلة اكتشاف الزراعة، أي ارتبطت بالحاجة إلى توفير الرزق وإدامة الخير، أي أضافت وظيفة جديدة غير وظيفة الحماية المرتبطة بفكرة الطوطم البدائية. وربما نستطيع أن نحيل إلى هذه الفترة بعض الأساطير والمعتقدات الدينية الرافدينية كقصة نزول اينانا (عشتار) إلى العالم الأسفل، وفكرة خلق الإنسان بطريقة الزرع تشبيهًا بعملية الزراعة، ولعل هذا مما يشير إلى هيمنة المرأة في الحياة الاجتماعية حيث كانت تمثل الخصب والنماء، وهي التي تمارس مختلف الإعمال وتتزعم العائلة أو المجموعة. ومن مخلفات تلك الفترة وجود منصب الكاهنة العليا لمعبد (إينانا) في أوروك. وأخيرًا حصل تطور كبير نتج عنه الإطاحة برمز الإلوهية الأنثوي الذي ربما نتج بتأثير غزو خارجي، ربما من شعب جبلي أو بدوي، أو أن ظروف الإنتاج الجديدة فرضت ذلك خصوصًا بعد بروز الحاجة لتأسيس أولى النظم السياسية. ويبدو أنه تم توثيق أصداء ذلك من خلال قصة الخليقة البابلية التي أشارت إلى الإطاحة بحكم الإلهة تيامات وتحول السلطة إلى الثالوث المقدس (آنو، إنليل، أيا)، وعلى إثرها، أو بالتزامن معها، شاعت العبادة الثلاثية في أكثر من مكان من العالم القديم. وفي هذه الفترة أيضًا بدأ عهد جديد تمثل ببروز الصناعة البدائية: صناعة جرار الفخار والأواني والحلي والمصوغات المعدنية والتماثيل. ويبدو أنَّ هذا التطور هو الذي طرح فكرة الخلق، فأصبح الإله لا يمتاز بصفة الحماية والمعاونة وحسب بل هو الخالق والراعي أيضًا. لكن الديانة الرافدينية اتسمت بسمات أخرى أهمها إيمانها بأن كل شيء آيل إلى الفناء، حتى الإلهة، التي نتصورها خالدة، هي، وفق المفهوم الرافديني، ليست خالدة تمامًا لأنها مهددة بالفناء القادم من قوى الفوضى المتربصة والمجمدة لأن الإله (ابسو) - زوج تيامات - لم يمت بل جرى تخديره ثم سجنه تحت طبقات الأرض ليمثل المياه الجوفية، وبالتالي بإمكان هذه القوى العودة لحكم الكون من جديد، حيث ما زال، حسب المعتقد القديم، زئير ابسو يخرج من الأعماق على شكل زلازل وهزات أرضية. ومن الدلائل على عدم خلود الآلهة الرافدينية وجود آلهة موتى في الموروث الرافديني، ولذلك فالإله الرافديني لا يستطيع ضمان سلامتك على طول الخط، فهناك شيء يبقى عصيًا عليه، ولذا فالإنسان لا يستطيع أن يضمن جريان الأمور بشكل طبيعي؛ فإن أمن إلهًا ما فهو لن يستطيع أن يضمن جميع الآلهة التي بمقدورها جميعًا، وليس إلهًا واحدًا، تقرير المصائر، وإن ضمن جميع الآلهة فلن يستطيع أن يضمن القوى المتربصة التي لا تخضع لقانون الكون. هذا الأمر جعل العراقي القديم لا يؤمن بوجود حياة أخرى (جنة ونار) ولا يقدس البشر، أيًّا كانت وظيفتهم سواء كانوا ملوكًا أو رجال دين، ولا يثق بمساعدة الآلهة بشكل كلي، والموت بالنسبة له هو نهاية حتمية ومطلقة يفنى بعده الجسد بتأثير عوامل الطبيعة وتذهب الروح إلى أرض اللاعودة (العالم الأسفل) لتبقى هناك سجينة إلى الأبد. ولم يتغير جوهر هذا الدين طوال مسيرة حضارة وادي الرافدين، وإن جرت بعض التغييرات الشكلية بتأثير بعض الأقوام الوافدة، ومن المؤكد أن أول تأثير كان في مرحلة عصر فجر السلالات الأول من قبل قوم، قد يكونون من الوافدين، آمنوا بعودة الجسد، حيث تشير المقبرة الملكية في أور إلى اعتقاد من هذا النوع، لكن هذه الجماعة سرعان ما تخلت عن اعتقادها بسرعة ولم نجد مثيلاً له بعد ذلك. ثم حصل تغيير آخر في عصر الدولة الآكادية عندما أله الملك نارام سن نفسه، ربما بتأثير بعض الأقوام أو البلدان التي أخضعها، وقد أثار ذلك كهنة البلاد فأطاحوا به من خلال ثورة عارمة أشارت إلى أحداثها بعض النصوص المسمارية، وحصل مثل ذلك في عهد شولكي، ثاني ملوك سلالة أور الثالثة. ولكن أهم تغيير هو الذي تمثل - من وجهة نظري - بظهور التفريد الذي أخضع جميع الآلهة لسلطة إله واحد هو الإله مردوخ، إله مدينة بابل بعد أن استوت بابل كعاصمة لإمبراطورية ذات آلهة كثيرة، وقد كانت محاولة يراد منها دعم السلطة السياسية أو هيمنة بابل على الأقاليم. ومن الجدير بالذكر أنَّ بعض المؤرخين يعدون التفريد العامل الأساس في ظهور الديانة اليهودية حيث ناظر اليهود بين إلههم والإله الأكبر وبين الملائكة وبين الآلهة الأقل شأنًا في الديانة الرافدينية. أما مخلفات هذه الديانة في عقلنا الديني فتتمثل ببعض الطقوس الحسينية أو الشيعية كإحياء عاشوراء الذي يماثل إحياء العراقيين لعيد الاكيتو الذي يستمر إحدى عشر يومًا، وتلاوة قصة مصرع الحسين التي تماثل تلاوة قصة الخليقة البابلية، وتمثيل عرس القاسم الذي يماثل طقس الزواج المقدس لدى العراقيين، وفداء العباس لأخيه الحسين وبكاء الأخير عليه الذي يماثل فداء انكيدو (أخ جلجامش بالتبني بعد إعلان أم جلجامش أمومتها له) لجلجامش وجزع الأخير عليه، ثم مفهوم التضحية الحسيني الذي أقترن بطقس موت تموز، وفرحة الزهراء التي تماثل فرحة إينانا (عشتار أو الزهرة) بعودة تموز عند العراقيين القدماء؛ هذا ناهيك عن طقوس الحزن التي تماثل سمة الحزن لدى العراقيين القدماء النابعة من حياتهم الصعبة ومعاناتهم المختلفة، وخير مثال على ذلك حزن إينانا (عشتار) على ثورها السماوي الذي قتله جلجامش، إذ جمعت المتبتلات وبغايا المعبد وأقامت مناحة على فخذه الذي قذفه جلجامش عليها في سورة من غضبه. أعقب ذلك بوقت قصير مجيء الكشيين، الهندو أوربيين، كجزء من موجة شملت معظم أنحاء الشرق الأوسط (الأدنى) حيث استولوا على بابل، وأسسوا فيها سلالة حاكمة هي سلالة بابل الثالثة حيث اعتنقوا ثقافة البلاد وديانتها. لكن، من المرجح أنَّ هذا الأمر لم يشمل جميع الكشيين إذ بقي بعضهم، لاسيما رجال الدين، على ديانتهم التي أخذت تتأثر بالديانة الرافدينية، وربما هاجر بعضهم إلى فلسطين حيث نشروا ديانتهم هناك بعد أن ضمنوها الكثير من القصص والأساطير المتداولة. ومما يبدو فإنهم كونوا شخصية إبراهيم من عدة شخصيات منها، على الأرجح، شخصية راما التي أخذوها من موروث الأقوام الهندو أوربية، لاسيما قصة (الرامايانا)، هذا إنْ لم تكن هذه القصة قد انتقلت إلى الهند خلال مرحلة لاحقة، مثلما أخذوا أيضًا مفهوم الجنة والنار، وتقديس البشر، والإيمان بالخوارق والمعجزات، وعمل المحارق، ومفهوم الكتاب المقدس... الخ. كذلك تتشابه قصة يوسف وزليخا التوراتية مع قصة جلجامش وإينانا (عشتار) عندما أغوته وأملته بالسعادة والهناء فما كان منه إلا أن ردها وشتمها الأمر الذي سبب له المتاعب كما حصل ليوسف. أما شخصية موسى فهي مكونة من قصص تعود إلى ثلاث شخصيات: الولادة تشبه قصة سرجون الآكدي، والهجرة من مصر مأخوذة من قصة سنوحي المصرية، واستلام الرسالة تشبه قصة استلام زرادشت للرسالة. أما قصة سليمان فربما أخذت بعض تفاصيلها من سيرة الملك الأشوري شلمانصر (لاحظ تشابه الاسم) وربما مزجت أيضًا بأساطير من حضارات مختلفة. أما قصة الخروج من مصر فربما لها علاقة بخروج بقايا الهكسوس بعد فشل مشروع ديانة اخناتون الذي يرجح أنه تأثر بالتوحيد الهكسوسي وربما لم تقم الجماعة اليهودية بكتابة سيرة ديانتها إلى أثناء السبي الآشوري خلال القرن الثامن الميلادي حيث واكب ذلك، على ما يبدو، عملية تدوين التراث العراقي التي قام بها بعض الملوك الأشوريون، وبالذات الملك آشور بانيبال باني مكتبة نينوى المسمارية، فاستفادوا منه في إعادة تدوين تراثهم وتعزيزه بأفكار وقصص من تراث العراق القديم حيث استمر التدوين اليهودي طوال العهد الكلداني التالي مع حصول سبيين بابليين لاحقين لليهود بواسطة الملك نبوخذ نصر الثاني. وبعد مجيء الفرس وعودة أغلبية الجالية اليهودية إلى فلسطين أخذوا معهم ما دونوه عن تاريخهم، بما في ذلك التوراة التي ربما اقتبست، ككتاب وليس كنص ديني مقدس، من نموذج الكتاب الأشوري الذي برز خلال هذه الفترة. أما مخلفات هذه الديانة في العقل الديني العراقي فهي متنوعة منها الاعتقاد بالحياة الأخرى والحساب، وتقديس البشر، وإقامة المقامات لهم على غرار ما يفعل اليهود. الديانة الزرادشتية يرجح أنَّ جوهر الديانة الزرادشتية كان مختلفًا قليلاً عن جوهرها المعروف بدليل أن الأجزاء الأولى من الافستا، كتاب الزرادشتية المقدس، لم تشر إلى العبادة الثنائية. ومن المحتمل أنَّ هذه الديانة القديمة تشابه ديانة الهندوس، أي تؤمن بتعدد الآلهة، لكن حصل تطور هام خلال الفترة الميدية يمكن أن يعزى لتأثر مجدد هذه الديانة بالديانة العراقية، لاسيما ثنائية (النظام/الفوضى) التي تناظر ثنائية (الخير/الشر) الزرادشتية، ومن المحتمل أيضًا، بحسب ترجيحي، أن اسم إله الخير أهوار مزدا مأخوذ من عبارة إله مردوخ - انظر التشابه بين العبارتين - حيث واكب هذا التأثر تعرض الديانة الرافدينية لخطر الإلغاء أو التحجيم من خلال مشروع الملك البابلي الأخير نابو نائيد الذي أراد تبني عبادة جديدة هي عبادة الإله سين لكي يتقرب بها من الجزريين الذين يمثلون غالبية سكان الإمبراطورية البابلية آنذاك، لكن عمله هذا أغضب، على ما يبدو، كهنة مردوخ ما جعلهم يستعينون عليه بالملك كورش، ملك فارس، الذي ضمَّ بابل إلى مملكته وسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين حاملين معهم ديانتهم المرفدنة (المعاد تدوينها على وفق التراث الرافديني). وبتأثير الزرادشتية واليهودية، أو ربما بقايا الديانة الكشية القديمة التي افترضنا أنها تمثل النسخة الأقدم من اليهودية، ظهرت ديانة الصابئة خلال هذه الفترة أو بعد ذلك بقليل، وربما أخذ هؤلاء معتقداتهم من الديانات الرافدينية واليهودية والزرادشتية، بما في ذلك طقس التعميد ومفهوم الكتاب المقدس. وبعد أن هاجر عدد كبير منهم إلى الغرب تكون، من احتكاكهم باليهود هناك، دين جديد هو الدين المسيحي الذي حوى مفاهيم وقصص من عدة ديانات، بل هناك من عدَّ المسيح أحد أتباع دين الصابئة الذي كون جماعته الخاصة بعد ذلك. وربما هاجر بعضهم (أي الصابئة) إلى مكة والمدينة من أجل التجارة، أو ربما برفقة الملك نابو نائيد الذي توغل في هذه الأنحاء لأسباب مجهولة ربما لها علاقة بمشروعه الديني أو بضغط الأقوام الفارسية الناشطة آنذاك حيث تشير بعض الآراء إلى احتمال أن يكون (آل قصي) منهم أو ربما من اليهود المتعربين، وأنَّ الكعبة هو معبدهم بدليل إطلاق مشركي قريش لفظة (صبا) على من يدخل في الدين الإسلامي، ولم يقتصر الأمر على هذا بل وجدنا تشابهًا بين المندى الصابئي ودار الندوة القرشي وإن اختلفت الوظيفة، كذلك قدَّس القرشيون الماء كما فعل المندائيون في العراق بدليل تقديسهم لبئر زمزم آخذين بالاعتبار احتمال أن يكون تقديسهم للماء نابع من شحه في الجزيرة العربية، فيما تطرح المصادر محاججة مشركي مكة الرسول بأفكار ذات صلة بالفكر الرافديني مثل قولهم (من يحيي العظام وهي رميم؟)، أو (بعد أن نموت ونصبح عظامًا إنا لمبعوثون)، وهو أمر ربما يدل على صلة عرقية أو ثقافية. ومن الدلائل أيضًا وجود إرث توحيدي لدى (آل قصي) على ما تشير بعض الروايات وهو إرث يكاد يتناقض مع البيئة الوثنية المحيطة هذا إنْ لم يكن ذلك الإرث من اختلاق الرواة والمؤرخين في العصور التالية. أما أبرز تأثير للزرادشتية فقد تمثل بظهور طبقة السادة الذين يمثلون الأفراد المنحدرين من أصل ديني زرادشتي، إضافة إلى موروثنا ومتخيلنا عن الشيطان والثنائية، ومن المحتمل كذلك أن تكون الدروشة وفكرة المنقذ والتصوف التي يزخر بها عقلنا الديني من أصل زرادشتي أو هندو أوربي. الدين المسيحي وقد دخل هذا الدين العراق عبر السبي الفارسي المتكرر لسكان المناطق المسيحية في سوريا وآسيا الصغرى. وقد انتشرت هذه الديانة منذ وقت مبكر في شمال ووسط العراق، ولكنها لم تنجح كثيرًا في جنوبه بسبب وجود بقايا الإرث البابلي، والدليل على ذلك أنه لا توجد أيَّة آثار لكنائس أو أديرة مسيحية في هذه المنطقة تعود لتلك الفترة، ولم تشر المصادر إلى شخصيات مسيحية تعود بأصولها إلى هذه المنطقة التي من المحتمل توزع سكانها بين الديانات الرافدينية والصابئية واليهودية والمانوية والزرادشتية، وقد تكون الغلبة للديانة الرافدينية لكونها من أصل عراقي ولها تاريخ طويل في الوجود بالرغم من عدم وجود أدلة على ذلك. لكن هذا لم يمنع من حصول تأثيرات مصدرها التسريبات المسيحية، أبرزها ظهور المانوية التي أبانت عن تأثيرات زرادشتية ورافدينية ومسيحية مختلفة. أما تأثر المسيحية فقد برز من خلال استخدام الطقوس التموزية في البكاء على المسيح وإقامة المواكب لأجله، والأمر ذاته حصل بالنسبة للمانوية التي تعرض نبيها ماني للصلب كذلك. وربما نشأت هذه الطقوس محاكاة للطقوس التموزية التي بقيت تمارس في بعض أقسام جنوب العراق، على الأغلب إلى قبيل الفتح الإسلامي. ومن التأثيرات التي يرجح أنَّ لها علاقة بالديانتين المسيحية والمانوية عدد الخلفاء أو الأئمة الذي قيل إنَّ الرسول محمد أشار إلى مجيئهما بعده، والذي أصبح عصب المبدأ السياسي للمذاهب الإسلامية. الدين الإسلامي وقد انتشر مع الفتح (الغزو) العربي الإسلامي، وهو دين غالبية السكان، وبالتالي دخلت الكثير من مضامينه في بنية العقل الديني العراقي. *** *** *** مراجع البحث - طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج 1. - جان بوتيريو، بلاد الرافدين، الكتابة، العقل، الآلهة. - باسم محمد حبيب، نقد العقل العراقي (مقالات). - باسم محمد حبيب، إبراهيم الخليل بين الروايات الدينية والتحليل العلمي. - رشيد الخيون، الأديان والمذاهب في العراق. - جواد علي، تاريخ العرب في الإسلام. - رمضان عبده علي السيد، معالم تاريخ مصر القديم. - طه باقر، ملحمة جلجامش. |
|
|