|
نعوم تشومسكي حرًا
منذ عشر سنوات، كان يمكن للقارئ أن يشعر بالخديعة أو الدوران حول الذات عند إعادة إصدار نصوص نعوم تشومسكي بطريقةٍ غير محترفة وتحت عناوين مختلفة. فمن يهتمّ أولاً بتحليل وسائل الاعلام سيُسعد بإعادة نشر كتابه الأهم حول هذا الموضوع وهو مصنع القبول، الصادر في الولايات المتحدة عام 1988. وقد انتظر المؤلّف الكلاسيكي عشرين عامًا قبل أن يقوم ناشرٌ جيّد بعمل الترجمة والتعقيب ووضعه في إطاره. واليوم صار هذا الناشر موجودًا [1]. أمّا سكرة القوة[2]، وهو سلسلة حوارات بين شباط/فبراير 2006 وآذار/مارس 2007، فلا يحمل الطموح نفسه، ولن يكون له صدى مماثل. فالأسئلة قليلة الحدّة المطروحة فيه تترك بعض الالتباسات على حالها. كالمسلّمة بأن الإصلاح يحضّر ويسبق الثورة، أو كالتناقض الظاهري بين مجتمعٍ أميركي يعتبره تشومسكي "كثير الحرية"، بينما تبقى بعض وجهات النظر التي يمكن التعبير عنها ببساطة مثل فلسطين برأيه "عصيّةً على التعبير". يبقى الأساس: رحلةٌ مع تشومسكي إلى الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية (أوروبا غائبة)، وأيضًا إلى الكوكب المتزمت للـ"فكر القابل للتفكير"، غنيّة بالتعاليم وتتضمّن بعض المفاجئات. العديدون من منتقدي عالم الألسنية الأميركي، والذين لم يتكبّدوا أبدًا مشقّة قراءته، جعلوا منه عدوًا منهجيًا للولايات المتحدة، لا بل راعيًا لـ"نظرية المؤامرة"[3]. هل نلفت انتباههم إلى أنّه يشبّه في كتاب الحوارات هذا، من يعتبرون اعتداءات القاعدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001 بمثابة مؤامرة حاكها المحافظون الجدد، بأنّهم "أصوليّون" وأنّ نظريتهم تعكس "نوعًا من التعصّب الديني"؟ إذ يوضح تشومسكي: "لا يقوم العلماء بالتجارب عبثًا، ولا يكتفون بتصوير ما يرونه من النافذة". فإذا كان هناك من تلاعب في هذه القضية فإنّه يجده في مكانٍ آخر: "لماذا يفتح المجال أمام هذا النقاش؟ أشكّ في أن السلطة تنظر إليه بعين الرضى، كونه يستهلك الكثير من الطاقات ويبعد الاهتمام عن الجرائم الفعلية للإدارة". لكنّه لفهم شعبيّة نظرية التشكيك بعد 7 سنوات على الاعتداءات، يقول عالم الألسنية الأميركي بأنّ ذلك ينبع من اللقاء بين مجتمعٍ أميركي "متذرّر" (موزّع على ذرّات منفردة atomisé)، مجرّد من "أحزاب سياسية فعلية"، بعد أن "اختفت فيه تقريبًا النقابات" وبين التشكيك الجماهيري الذي توحي به السلطة بشكلٍ عام: "أناسٌ لا يحبّون ما يجري، أمضوا أوقاتًا صعبة جدًا ولا يثقون بأحد، ولا امكانية لديهم لإسماع صوتهم، فيتمسّكون بأيّ شيء". وقد أوحت لهم شبكة الانترنيت، ومن باب الزيف، بوهم السلطة "في التحوّل خلال ساعة واحدة إلى مهندسٍ مدنيّ مؤهّل، والبرهان على أن بوش قد فجّر البرجَين التوأمَين". ولا يقود نقد السياسة الخارجية الأميركية تشومسكي إلى التخلّي عن روحه النقدية تجاه من تستهدفهم واشنطن. فهو يقرّ بأنّه لا "يقدّر عاليًا (الرئيس النيكاراغوي دانيال) اورتيغا الذي تحوّل انتهازيًا يمينيًا". وحول إيران وأفغانستان والعراق، يشدّد على أن الولايات المتحدة "قد ساعدت في خلق التطرّف الأصولي الاسلامي بتدمير القوميّة العلمانية". وقد لعبت اسرائيل دور الساحر الصغير هذا لصالح حماس عندما سحقت "منظمة التحرير الفلسطينية، القوّة العلمانية الداعية إلى حلٍّ تفاوضي". كلّها عناصر "منسيّة" لأن وسائل الإعلام والمثقّفين ما زالوا، كما يدلّ على ذلك فيلم أوليفيه عزام ودانيال مرميه، هم الوسطاء الرئيسيين للدعاية الغربية[4]. والحال أنّ "من يمسكون بالمطرقة يطالبون بمحو الذاكرة التاريخية"، وفق تشومسكي. *** *** *** [1] Noam Chomsky et Edward Herman, La fabrication du consentement. De la propagande médiatique en démocratie, Edition Agone, Marseille, 2008, 655 pages, 28€. [2] Noam Chomsky, L’ivresse et la force, Entretiens avec David Barsamian, Fayard, 2008, 244 pages, 19 €. [3] « La conspiration : Quand les journalistes (et leurs favoris) falsifient l’analyse critique des médias » in Chomsky, Cahier de L’Herne, Paris, 2007. Texte disponible sur http://www.homme-moderne.org/societe/philo/chomsky/conspiration.html 4 «et Cie Chomsky»، في الصالات في فرنسا انطلاقًا من تشرين الثاني/نوفمبر 2008.
|
|
|