تقاطع الدروب

كارين بوي

 

أولاً: تمهيد

لسنا نعرف، نحن الناطقين باللغة العربية، إلا النزر اليسير عن آداب الشعوب التي لم تتمكن من أن تتحول إلى قوى سياسية عظمى، سواء في أوربا أو في سواها من القارات الخمس. فنحن نجهل آداب الهند والصين إلا قليلاً، بل نجهل، أو نكاد أن نجهل، جيراننا الأتراك والإيرانيين. أما الآداب الاسكندنافية فلا نعرف منها سوى اسمين أو ثلاثة: إبسن النرويجي وسترندبرغ السويدي وكيركجور الدنمركي، ولكن تلك البلدان مشبعة بالأسماء الأدبية الجديرة بأن تعرف وتقرأ، بل هي جديرة بالدراسة والاستيعاء. ولقد صار مما هو بديهي أن أدب أية أمة من الأمم لا يسعه أن يزدهر ويغتني في هذه الأيام، بعدما صار العالم "قرية كونية"، إلا إذا لقح نفسه بآداب الأمم الأخرى، إذ يبدو أنه ما من تجديد أو خلق إلا وهو نتاج لتفاعل حي وخصيب. ولهذا كان لا بد لنا من أن نعمد إلى الترجمة كثيرًا جدًا، وذلك لأنها طريقة اتصال مؤثر وفعال حقًا.

وعلى أية حال فإن الشاعرة السويدية الكبيرة كارين بوي Karin Boye (1900 - 1941) تملك تجربة أدبية تستحق الاهتمام، وذلك لعمقها وحرارتها وقدرتها على الاجتذاب. وبسبب هذه السمات الكبرى أقدمتُ على اختيار مجموعة من قصائدها وترجمتها إلى اللغة العربية، مع قناعتي بأن شعرها كله يستحق الترجمة والقراءة معًا.

ولدت كارين بوي في مدينة يوتيوري الراخمة على شاطئ بحر الشمال، وذلك في السادس والعشرين من تشرين الأول سنة 1900. وبعد تسع سنوات رحلت أسرتها إلى مدينة استكهولم. وحينما كبرت الفتاة درست في جامعة أُبسالا، حيث عاشت طورًا من الإلهام الشعري المتدفق الغزير، ولكنها أصيبت بأزمة نفسية سنة 1921، وهي السنة التي حصلت فيها على دبلوم من إحدى كليات المعلمين. وعلى الرغم من الأزمة فقد نشرت مجموعة شعرية عنوانها الغيوم في السنة التالية، كما نشرت مجموعة أخرى عنوانها الأراضي المخبوءة بعد مضي سنتين على نشر المجموعة الأولى. أما مجموعة المواقد، أو مجموعتها الثالثة، فقد ظهرت سنة 1927، وهي السنة التي توفي فيها والدها بالسرطان. ومما هو جدير بالتنويه أن الناقدة السويدية الشهيرة، هاجر أولسن، قد أعجبت بهذه المجموعة، وأشارت إلى أنها جاءت بعد اليأس من إمكانية تجديد الشعر السويدي الذي صرحت بأنه مصاب بالعقم.

بعد سنة واحدة تخرجت كارين في جامعة أبسالا ورحلت إلى استكهولم، حيث عولجت نفسيًا بغية الشفاء من اضطراب جديد ألم بعقلها. ولكنها تزوجت الشاعر ليف بيورك بعد تخرجها بسنة واحدة، أي سنة 1929. وكان بيورك هذا ينتمي إلى حركة كلارتي اليسارية، فزارت الاتحاد السوفييتي بصحبته بعد زواجها بقليل. بيد أن هذا الزواج لم يدم سوى ثلاث سنوات، لأنه انتهى بالطلاق، وذلك بعدما تعرضت لأزمة نفسية ثالثة دفعتها إلى السفر باتجاه برلين ابتغاء العلاج سنة 1932. وهناك تعرفت إلى فتاة ألمانية اسمها مارغوت، وأقامت معها صلة صداقة متينة. كما أنها اشتغلت محررة في صحيفة تصدر في برلين، ولكن باللغة السويدية.

ثم عادت من جديد إلى استكهولم، واشترت بيتًا، واستدعت مارغوت لتعيش بصحبتها. وربما كانت مارغوت هذه، وقد ربطتها بها علاقة ليست سوية، هي المقصودة بالخطاب الذي توجهه إلى الأنت، أو إلى الآخر الذي تناديه على نحو ملهوف في بعض الأحيان.

وفي سنة 1935 نشرت مجموعة جديدة عنوانها من أجل الشجرة وهي أكثر مجموعاتها انضواء في تيار الحداثة. ومما هو ناصع تمامًا أنها، في مجموعتها الرابعة هذه، قد غادرت الدين والمثالية باتجاه التجريد الذي أراه عقيمًا سقيمًا، بل علامة انحطاط أصاب الشعر في الكثير من بلدان العالم خلال القرن العشرين. أما مجموعتها الخامسة، أو الأخيرة، فقد ظهرت سنة 1938. وفي تلك السنة زارت اليونان. وسبق لها أن اشتغلت معلمة في مدرسة داخلية في إحدى المدن القريبة من العاصمة السويدية، وذلك سنة 1936.

في الثلاثينيات، نشرت كارين بوي أربع روايات بينها اثنتان مشهورتان، وهما الأزمة 1933، التي راجت كثيرًا جدًا في ذلك الزمن، والمصل 1940 التي ينظر إليها النقد السويدي بوصفها إنجازًا أدبيًا عظيمًا حققته حركة الرواية السويدية. ويبدو أنها نص كابوسي وإيمائي في آن واحد. وربما كان قابلاً لعدة تفاسير متباينة الاتجاه.

ولكن الشاعرة قد انتحرت بالأقراص المنومة، وذلك في الثالث والعشرين من نيسان سنة 1941. كما انتحرت مارغوت، صديقتها الألمانية، في شهر أيار من السنة نفسها.

واليوم ينظر النقد في بلاد السويد إلى كارين بوي بوصفها علمًا من أعلام الشعر السويدي كله. ولقد تركت أثرًا كبيرًا على الشعراء الذين أخذوا يبرزون إثر وفاتها، أي في أواسط القرن العشرين، ولاسيما أولئك الذين ينتسبون إلى تيار الحداثة، مع أن شعرها الكثيف شفاف في معظمه، ولهذا فإنه يتوسط بين الحداثة والتقليد، ومن شأن هذه الحالة أن تتضمن ما فحواه أنه بعيد عن الغموض، وناج من الإبهام في الغالب الأعم.

ومما لا يخفى على قارئها أنها شديدة القدرة على البلوغ إلى الأعماق، وكذلك إلى النائيات والمخبوءات. ولقد نظر النقد السويدي إلى بعض قصائدها بوصفها رحلة جرت في جوف النفس حصرًا. بل إن شعرها يتبدّى، في بعض آنائه، وكأنه خطاب موجه إلى الغياب، أو إلى مالا تطاله الأيدي ولا تراه العيون، كما تظهر عليه آثار التأمل العميق في صور الحياة التي تراها الشاعرة بمقلة سابرة. ثم أنها تعرض رؤيتها بلغة شاعرية خاطفة أو بليغة، بل مترعة بالنضارة والحيوية. ومما يضفي عليه النكهة الحية أنه ينبجس من حساسية مرهفة وأصيلة حقًا، كما أنه ينطوي على حكمة وثيقة الصلة بالتجربة التي تعاش بالفعل. ولعل موضوعة الوصال، أو الاكتمال بالآخر، أن تكون أبرز موضوعة بين جميع الموضوعات التي يحتويها شعرها كله.

ثم إن تلك الشاعرة، التي انتحرت إثر انتصاف العمر، تملك فؤادًا مغرمًا بالحياة إلى حد الشغف. وربما أدرك قارئ شعرها المتأني أن هنالك صلة حميمية تربطها بالعيش والوجود. إلا أن هنالك نغمة حزن شفاف في بعض قصائدها، ولكنه حزن هادئ وناضج في كثير من الأحيان، ويختلط بشيء من الحنان ليس باليسير.

ومما هو جد ناصع أنها تحب الطبيعة حبًا جمًا، وأن صلتها بها تكاد أن تجعل منها شاعرة رومانسية. فكثيرًا ما تظهر الأشجار وهي مثقلة بالروعة، وكذلك الزهور والنجوم والبحر والجبال. ومما قد يكون صحيحًا أن أرض بلاد السويد الشديدة الاخضرار والتي تكثر فيها المياه إلى حد غير مألوف، قد أسست هذا الانفعال بالطبيعة، وهيأت الفرصة الكافية لنشوء شعر متأثر بها أو بصورها الحية الجميلة.

ولكن أهم ما في أمرها أنها كثيرًا ما تبحث عن المثال الديني، بل تلوب عليه بشغف حميم، ومما هو ملحوظ أن كلمة "الجوع" وكلمة "العطش" تكثران في شعرها على نحو لافت للانتباه. ويلوح لي أن ثمة صلة بين هاتين الكلمتين وبين ارتباط الشاعرة بالمثل والتقوى. وإني أراهما نتاجًا لمسغبة روحية ليس لها أي إشباع قط. ومما لا تخطؤه العين أن صورة القوس وكذلك صورة الانحناء تتواتران في شعرها إلى حد ليس بالطفيف.

وربما جاز الزعم بأن هاتين الصورتين تنبثقان من الحاجة إلى الحنان أو إلى الحنو الأمومي الرؤوم. وقد أشار علم النفس مرارًا إلى أن المنتحرين هم أكثر الناس ميلاً إلى المطالبة بالعواطف الحميمية الصادقة التي لا يشوبها التزوير.

وفي تقديري أن الانفعال بالكائنات الطبيعية وكذلك بالحاجة إلى الحنان واللطف، هما السمتان اللتان جعلتا أسلوب كارين بوي اللغوي شديد الشفافية وشديد الطراء. فلئن تأمل القارئ لغتها الشديدة الحيوية والشفافية وجد أن الكلمة قد استحالت بين يديها إلى وجدان يذوب عطفًا وحنوًا على الأشياء كلها، أو على الحياة بوجه عام. وعندي أن الشعر لا يصير شعرًا أصليًا أو عظيمًا إلا بقدر ما تتمكن اللغة من احتواء عصارة الوجدان. وحين يملك الشعر أن يمزج هذه السمة العاطفية بخيال متوثب منداح، فإن الأسلوب يبلغ ذروة من ذراه الشاهقة النادرة. وقد يجوز الظن بأن كارين بوي قد أنجزت هذه البرهة ولو إلى حد ما.

هذه نظرة عجلى ألقيتها على شعر كارين بوي، ولكنني أرجو أن يُقيّض لهذا الشعر من ينقله إلى اللغة العربية كاملاً غير منقوص، ثم يدرسه دراسة مستفيضة تليق بتلك الشاعرة التي قلما يجود العالم كله بواحدة مثلها، سواء من حيث الدفء الروحي أو من حيث القدرة على التصوير والتعبير.

ي. س. اليوسف

ثانيًا: القصائد

تقاطع الدروب

الشموع التي رأيتها تحترق، أجل، الشموع
المقدسة على ذرى الجبال الأبدية،
حيث سار أناس في ضوء صوفي مرتجف،
يتوهجون بالقداسة وبالشمس وبالقطرات الهاطلة،
يتوهجون بالنوم في عوالم لا وجود فيها للزمان.

واويلتاه، قدمي ثقيلة جدًا في تلك الممرات العالية المسببة للدوار،
لي الويل، أنا المصنوعة من الطين والتي فكرها فولاذ وحجر!
لن يكون لي مكان أبدًا بين أولئك الصامتين المقدسين الحالمين،
ولن تتوج رأسي هالة الرؤيا بتاتًا.

أنت من سوف أبحث عنه، يا إلهي،
في البسيط والرمادي والمحتقر،
أنت من سوف أبحث عنه في العالم،
في الأزمة وفي الكفاح اليومي.

السكون الذهبي الذي تتمتع به السماء
وهو يتطلع إليه فؤادي
هل هو أفضل من جهدك
ومن قتالك المشتعل المقدس؟

رباه، إن غبطتك لك.
أنت أعطيت وأنت أخذت
وأنت تخبئ نفسك.
إعط ما تشاء - لا السلام،
ولكن قتالك وروحك التي سوف تنجزها.

رباه، ها أنا ذا أتبعك
على حقل معركة العالم
مثل سيف أو قوس.
أعطني عرشًا، إن رغبت،
أو صليبًا، إذا شئت.

الأحسن

لا نستطيع أن نتخلى عن أفضل ما نملك.
ولا نقدر على أن نكبته أيضًا.
كما لا يتيسر لنا أن نقوله.
ما من أحد يملك أن يجعله قدرًا
ذلك الشيء الأحسن الراخم في ذهنك.
إنه يشع هنالك عميقًا في داخلك،
يشع من أجلك ومن أجل الله.
إنه مجد ثروتنا التي لا يملك أحد آخر أن يحوزها.
إنه عذاب فقرنا الذي
لا يستطيع أحد آخر أن يحصل عليه.

رغبة رسام

أود أن أرسم كسرة صغيرة
من المياومة الشديدة الرثاثة،
التالفة والرمادية،
ولكنها تتوهج بتلك النار التي جعلت
العالم كله يقفز من يد الخلاق العظيم.
أو أن أبين كيف أن ما نزدري
قدسي وعميق وكساء للروح.

أود أن أرسم ملعقة خشبية
بطريقة من شأنها أن تجعل الناس يرون فيها إلماعًا يومئ إلى الله.

توقع الربيع

ألم أمش ههنا ثملاً بأريج الورود
- ومع ذلك فما من ورود ظهرت -
ألم يرتجف كل شيء وهو ملفع
بلعاب الشمس السماوي؟
والضوء المنعكس يهمس وعودًا سرية.
من البعيد وصلتني ريح في الفترة الأخيرة.
الضوء مثل أنفاس مستعادة،
مفعم بأريج توقع يرتجف بحياء.
ومنذ ذلك الحين أحسست بأعجوبة.
لست أعرف شيئًا - أسير كما لو أنني
في أرض نائية،
أسير كما لو أنني في حلم، حلم بالورود.
كل شيء مثلما كان من قبل -
ومع ذلك، فإنه ما من شيء إلا وقد تغير.
ثمة سر غريب ينتشر على جميع الأشياء.

بواسطة وسائل الإعلام

ذات مرة طلبت فرحًا بلا حدود،
وذات مرة طلبت أسى لا متناهيًا كالفضاء،
وإني لأتساءل عما إذا كان الاحتشام ينمو مع الزمن.

جميل، جميل هو الفرح وجميل هو الحزن أيضًا.
ولكن الأجمل هو أن تقف على أرض معركة الألم،
بذهن ساكن، وأن ترى الشمس وهي تشع.

شيء واحد

أحن إلى شيء واحد: الجدّية العميقة
- وهي التي برهنت على أنها نحس للكثيرين -
ولكنني أحن إلى شئ واحد آخر،
شئ ما منح إلا للأقوياء وحدهم،
إنه صمت القلب.

تعلم الصمت

كل ليلة على الأرض طافحة بالألم.
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.
النفوس القوية، كالدروع القوية،
تعكس الضوء من موطن النجوم.
من شأن عويلك أن يجعلك أضعف.
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.
فالصمت وحده يشفي، الصمت يقوّي،
وهو طاهر على نحو غير ممسوس، ومخلص ببراءة.

ما من مكان

إنني مريضة بالسم. إنني مريضة بعطش
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.
من كل حقل تتواثب الجداول والينابيع
فأنحني إلى الأسفل وأشرب من شرايين الأرض سرها المقدس
والسماوات دافقة بالأنهار المقدسة.
أتمطى وأشعر بأن شفتي رطبتان بنشوات بيضاء
ولكن ما من مكان، ما من مكان...

إنني مريضة بالسم، إنني مريضة بعطش
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.

أنشودة

يسقط صوتك وخطواتك بطراوة الندى على يومي المشغول.
وحيثما جلست ثمة ربيع في الهواء المحيط بي من دفئك الحي.
إنك تزهر في بالي وتزهر في دمي،
وإني لأعجب فقط لأن يدي السعيدتين
لا يستحيلان إلى زهور كبيرة.

والآن، فإن فراغ المياومة يتغلق حولنا معًا،
مثل ضباب طري لطيف.
هل تخاف من الغرق في الكآبة الرمادية؟

لا تخف: ففي أعمق أعماق الحياة اليومية، في قلب الحياة كلها،
يشتعل عيد سري عميق
بشعلات تهمهم على نحو هادئ.

المتجول في الصحراء

ألا إنك لتزن بموازين زائفة
وتقيس بمعايير مزورة،
ليس أمام القاضي الذي يحكم على المجرمين،
بل أمام الله، سبحانه، فاطر الحياة.
بلؤلؤة صغيرة نشتري ألف تمرة،
أما أنا، أو تلك التي جاعت في الصحراء،
فمتعبة من حزامي المصنوع من اللآلئ،
وهو الذي لا يقدم أية تغذية.
وأنا، أو تلك التي هزلت في الرمل،
لن أسترد فخامة مقبض خنجري
المزخرف بالجواهر التي لا تطفئ عطشًا.
ثم إنني في مدينة المآذن هذه،
بعيدًا عن الصحراء،
سوف لا أنحني أمام تلك الأبواب المتكبرة،
تلك البوابات الذهبية،
ولكن أمام الآبار المنخفضة النائية
عن الدرب،
إلى حيث يقود الرعاة المغبرون قطعانهم
عندما يجلبون الحليب في المساء.

تعدد الإنسان

جميل هو الجسد القوي
الذي يشطر موجة عاتية،
وجميل، جميل هو نوم الطفل
بعد التوتر الذي يصنعه اللعب.

جميل هو يوم العمل
- والخبز اليابس، مكسورًا ومباركًا -
وجميلة هي الساعة التي تنسى في النبيذ
كلاً من الماضي والمستقبل.

لقد ولدنا من أمهات سماويات وأرضيات
ومن قوى لا نهاية لها على المدى المنظور،
ومن إرادات ليلية وإرادات نورانية،
وبأسماء لم يعرفها أحد.
ليت أن واحدة من الكثيرات
لا تهيمن علينا،
حتى وإن كانت من عرق السماء،
وتشعشع فيها الفخامة.

في سريرتنا. يعيش التعدد
وهو يتلمس دربه صوب الوحدة
وقد ولدنا كي نكون زجاجته
المشتعلة الحاشدة المهيمنة.

عظيم هو كفاح الإنسان
وعظيمة هي تلك الأهداف
التي يضعها نصب عينيه -
ولكن الأعظم منها هو الإنسان نفسه
بجذوره الضاربة في الليل الكوني.

إذن، هات ذلك الذي قد يستفيق غدًا،
فنحن ندرّع غرفة سرية،
ولا نفتقر إلى أية شعلة
على مذبح إله مجهول.

أنت

عذب هو صوتك مثل وشوشة الينابيع،
ووجودك طازج على نحو حرّيف مثل فواكه
الخريف المعطرة.
وبصفاء يستقر في عينيك
المرح المقشعر لأواخر أيلول.
ألا إنك لنافورة،
شعاعها متألق بشكل مشمس جميل في
توازنه، وفي قوسه ذي الشكل الكامل.

إنها نافورة جميلة بقوتها
وهي تحوز القوة التي تمكنها من أن
تحب الحدود والأبعاد النبيلة.
تحية للعبك الهادئ، ولصحتك الربيعية.
وتحية لنبل روحك العذب الشبيه بالذهب،
والمنساب في نقاء ملامحك،
وفي التناغم الغنائي لأعضاء جسدك.

عزاء النجمة

الليلة الماضية، سألت نجمة
ترخم بعيدًا حيث لا يعيش أحد:
"من تنيرين، أيتها النجمة الغريبة؟
إنك تتحركين وأنت كبيرة ناصعة".
راحت شفقتي تصمت،
عندما نظرت النجمة بحملقة كوكبية،
"إني أضيء ليلاً أزليًا،
إني أضيء فضاءً بلا حياة.
وإن ضوئي زهرة تذبل
في خريف الفضاءات المتأخر الخشن.
ذلك هو عزائي كله.
ذلك الضوء هو عزائي الكافي".

حالة التنقل

اليوم المشبع ليس الأول بتاتًا
وأحسن الأيام يوم العطش
أجل، ثمة هدف ومعنى في طريقنا -
ولكن الطريق التي تصنع للفاعل قيمة.

أحسن الأهداف استراحة تستمر طوال الليل،
استراحة تضيئها النار، ويكثر فيها الخبز المكسور.
في الأماكن التي ينام فيها المرء مرة واحدة،
النوم لا خوف عليه، والأحلام مترعة بالأغاني
اخترق المخيم، اخترق المخيم! فالنهار الجديد
يبدي نوره.
ومغامرتنا العظيمة لانهاية لها على المدى المنظور.

ترجمة وتقديم: يوسف سامي اليوسف

*** *** ***

عن موقع الإمبراطور

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود