|
محمد الحمامصي.. شعر بجمال مر..
مجموعة الكاتب والشاعر المصري محمد الحمامصي، في قصائدها المختلفة، أقرب إلى أن تكون نشيدًا واحدًا من الشعر "المر"، تسري فيه - مهما بدت موضوعاته متعددة ومختلفة- نقمة على وصول الوضع البشري، عامة و"خاصة" كذلك، إلى ما هو عليه، وعلى تحول الإنسان إلى كائن مزدرى في مختلف ألوان حياته.
ومحمد الحمامصي، في مجموعته موت مؤجل في حديقة، بما في هذا العنوان من رمزية أو حتى نقيضها إذا شئنا فهمها كذلك - أي من واقع عميق الانحدار-، يستطيع، بقدرة، أن يستعمل "مواد مختلفة" بلغة التشكيليين. مادية رمادية يحوكها مع المشاعر والأحلام والأفكار ليرسم عالمًا محكومًا عليه، يتحرك في انحدار مستمر. وتبدو بعض قصائد الحمامصي شبيهة بوصف "اللعنات" المختلفة والملعونين، ونشعر بها أحيانًا كأنها شتيمة مرعدة، مع أن صوت الشاعر هادئ خفيض في حالات كثيرة، لكن المصير الإنساني الذي يصفه، في وجوهه المختلفة، يبدو لنا كأنه هو الذي يرعد ويصرخ مدويًا. جاءت المجموعة في نحو 150 صفحة متوسطة القطع ضمن سلسلة أصوات أدبية، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة. لم يختر محمد الحمامصي عناوين تفصيلية لقصائده التي تباينت في القصر والطول، وأوردها تحت ستة أبواب أو عناوين رئيسية اندرجت تحتها القصائد، وكل منها يحمل رقمًا فحسب. ترى هل يقصد الشاعر أمرًا ما من تغييب العناوين التفصيلية وحلول الأرقام محلها لنقرأ ذلك كما يوحي لنا وعلى "مزاجنا"، أم أن خيال القارىء "يشطح" به أحيانًا فيحمل النص وصاحبه أكثر من المقصود. على القارىء أن يبدأ القراءة بتنبه وحذر، فقد يخدعنا الحمامصي. أول ما نقرأه بعد عنوان المجموعة كلمات نتوهم للوهلة الأولى أنها عنوان فرعي إلا أنها، بالفعل، قصيدة قصيرة مرّة وبرمزية وشدة ايحاء. يقول الحمامصي هنا.. أو هناك.. ثقب عار لقبر يصطاد العصافير القصيدة التي تأتي بعدها تتألف من سطر واحد يصور، في اختصار، عالمًا سرياليًا من أجواء الأحلام الغريبة. يقول: وجها الباب يفتحان على مقعد فارغ ونمضي معه لنقرأ، بلغة الواقع، حكمًا بعيد الأغوار والحدود على العالم، حافلاً بالازدراء للوضع البشري الذي لم يتحول إلى رماد فحسب بل تجاوزه إلى ما هو اسوأ، إلى حال عبّر عن مثلها الراحل "تموز"، أي الشاعر والكاتب فؤاد سليمان، في حديثه عن الحكام والناس إذ قال: كأنما نحن قاذورة في بيوتهم يقول الحمامصي ما هو بعيد المرمى وواضح:
كيس القمامة الذي يفتح فمه لفضلات المارة في قصيدة أخرى يرسم صورة قاسية المرارة حافلة بالوحشة وانعدام القيمة في أي مجال وضعنا معناها. وبالنقمة، على رغم ادعاء "المسكنة" والإيهام بأن "النهاية" هي الراحة والخلاص، يقول:
لست أكثر من صورة وتراه، أحيانًا، يسلط رؤية تصويرية و"إحيائية" ترى في العالم حياة وحدة، لكنها عنده، هنا في نظره، حياة بؤس وشقاء تسير بهذا العالم نحو فناء أو "جفاف". يقول:
ضحك المياه الضحلة وفي قصيدة تليها قال:
ينزلق فيها الليل وتترافد الصور وتتكامل، صور هذا الجحيم الذي يأكل إنسانه في مجالاته المختلفة، فلا ينقذ هذا الإنسان سعيه واحتجاجه و"جرجرة" روحه في الأرض في "رواقية" صابرة حينًا وفي جنون يائس حينًا آخر. يقول:
لا تخف وتشمئز "الانسحاب" الذي يصيب الإنسان المفكر عامة، أو هذه الغربة الداخلية التي ربما كانت تنتج عن تكوين هذا الإنسان الفكري والنفسي من جهة وفعل عالمه الظالم الذي يسحقه ويفرض عليه منفى داخليًا من جهة أخرى، ما يجعل، ربما، أنشطة هذا الإنسان كأنها تمضية وقت، كأنه إنسان محكوم عليه بترقب نهاية الانتظار وصوت ضربة الساعة الأخيرة. ولعل من أجمل صور هذا الانسحاب، مع كل كآبتها ورماديتها، قول الشاعر:
السور صور موحية مؤثرة تحمل بعض وجوه هذا العالم الذي يتداخل فيه الظلم والظلام نقرأها مع الشاعر إذ يقول:
الجنود الذين ينامون منتصبين على جانبي الطريق بيروت (رويترز) *** *** ***
|
|
|