|
حريَّـات...
بين الطـوارئ والإفتـاء تحت
"سلطة الطوارئ"
الدائمة، المستديمة في البلدان العربية منذ
أكثر من خمسين عامًا، لا يُحرَم الإنسانُ
المواطنُ من حريات الرأي والتعبير والحركة
والانتقال وحسب، بل ومن الوجود أيضًا، إذا
تذكَّرنا عبارة ديكارت الذائعة الصيت في
الستينيات: "أنا أفكر، إذن أنا موجود."
غير أن أنظمة الطوارئ تتستَّر على ما يجري من
قمع وتعذيب في سجونها، بل وتُنكِره أساسًا،
تماشيًا مع القوانين والمواثيق الدولية التي
تحظره، وتحاول جاهدةً التظاهر بمسايرتها
لموجة الديموقراطية الدافقة على العالم عبر
انتخابات صورية واستفتاءات مكرِّرة لتأبيد
أنظمتها. فلولا هذا المد الهائل لدعاة
الديموقراطية والاعتبار لمقولة "الشعب
مصدر كلِّ سلطة" لما كلَّفتْ نفسها هذا
العناء كلَّه! لكن وجهَ
العملة الآخر لهذه الأنظمة وفزَّاعتَها –
الإسلام السياسي للسلطة – لا يشعر بهذه
الضرورة، ولا يحتاج إليها أصلاً، نظرًا لدوره
المحدَّد كـ"فزاعة" فقط! كما أن هذا
التيار يظن، خطأً، أن امتداده الواسع بإرادة
السلطة يغنيه عن ضرورات هذا التكيف مع
المواثيق الدولية، وحتى العربية والإسلامية
التي أصدرت، بدورها، ميثاقها الخاص لحقوق
الإنسان. فشيخ الأزهر (وهو
أبرز مؤسَّسة دينية إسلامية) محمد سيد طنطاوي
أفتى في خطبة الجمعة 05/10/2007، في مسجد النور في
العباسية بالقاهرة، بتحريم شراء الصحف
المختلفة في الرأي مع السلطة المصرية
وقراءتها، محرمًا على الناس الاطلاع على رأي
آخر مخالِف لرأي السلطة التي عيَّنتْه. ولم
يكتفِ بذلك، بل طالَب في احتفال ليلة القدر في
09/10، في حضور السيد رئيس الجمهورية، بجلد
الصحافيين الخارجين على صفِّ التماهي بين
الحاكم والوطن والدين المسيَّس سلطويًّا –
طالَب بجلدهم ثمانين جلدة "قياسًا على
حُكْم مَن يقذف المؤمنات المحصنات كذبًا
وافتراءًا"! فهو يقطع بـ"حصانة"
السلطان و"نزاهته"، ويعتبر كلَّ خلاف
معه أو انتقاد له "قذفًا وكذبًا وافتراءًا"،
ويدعو إلى الجلد (التعذيب البدني) علنًا، دون
اعتبار لأيٍّ من المواثيق والعهود الدولية أو
العربية والإسلامية. كذلك فهو لا يحدِّد مَن
يُناط به تنفيذُ فتواه الدينية هذه: أهو
السلطة، أم أتباعه الواجب عليهم طاعته طاعة
أولي الأمر؟ – ويبدو أنه لا حرج على هؤلاء إنْ
أخذوا تنفيذ الحكم (إقامة الحد) على عاتقهم:
فالأمر جلل يتعلق بـ"الفسق"، كما حدَّد
الشيخ، ولا يهم ما قد ينتج عن ذلك من فوضى
وغياب للقانون. ليس من قبيل
المصادفة أن يصدر الموقفُ في حضور رأس
السلطة، لأنها رسالة موجَّهة إلى الداخل
والخارج معًا، ومُفادها: إما النظام
الدكتاتوري الحالي، وإما نظام توتاليتاري
قروسطي يقطع الرؤوس ويجلد ويقطع الأيدي أو
الأيدي والأرجل من خلاف – وهذا التخيير
المدعوم من النظام الدولي، قديمه وجديده، لكي
يبقى إسرائيل الدولة "الديموقراطية"
الوحيدة في المنطقة المؤهَّلة للانتماء إلى
المجتمع الدولي ولتلقِّي دعمه! الشعوب العربية
لها رأي آخر: فهي لا ترى أنها مخيَّرة بين
خيارين لترفض واحدًا وتقبل الآخر، بل ترى
أنها في مواجهة أنظمة استبدادية تطلق
فزَّاعتها القروسطية في وجه الداخل والخارج،
وترفض هذا الخيار الوحيد عِبْرَ نُخَبِها
الثقافية العالقة بين الطوارئ والإفتاء،
وتدفع لموقفها هذا أثمانًا باهظة، من تخوين
وتكفير وما يترتب عليهما. الشعوب مازالت
متسلِّحة بصمتٍ عازفٍ عن المشاركة في لعبة
التزييف الانتخابي والاستفتائي، انتظارًا قد
يطول أو يقصر، لكنه حتمًا ليس عبثيًّا، بل
يُحدِثُ تراكماتٍ، صغيرة ربما، لكنها هامة. لرشاد عيسى
ورفاقه تضامُن ممهور بسجن عارف دليلة وميشيل
كيلو وأنور البني [وفداء الحوراني] ورفاقهم،
مضافًا إليهم كثيرون قُطِعَ رزقُهم
وهُمِّشوا في الحياة السورية، وآخرون
مُنِعوا من مغادرة بلادهم، حتى للعلاج من
أمراض خطيرة تقضم حياتهم. المحنة واحدة! 11/10/2007 ***
*** *** |
|
|