|
نظـريَّـة الفـوضـى: عـلم اللامتـوقَّـع
صدرتْ مؤخرًا عن «مركز البابطين للترجمة»، بالتعاون مع دار الساقي ببيروت، الطبعةُ العربيةُ من كتاب نظرية الفوضى: علم اللامتوقَّع للمؤلِّف اللامع جيمس غليك. وقد سبق لـمعابر أن نشرتْ تعريفًا وافيًا بـ«نظرية الشواش» Chaos Theory ضمن بحث لموسى د. الخوري (عضو أسرة التحرير) بعنوان «النظام والفوضى في العلم الحديث»[1]، ثم نشرت خبرًا علميًّا مترجمًا عن الإنكليزية بعنوان «النظام في الشواش»[2]، أتبعتْهما بمقال آخر لمعين رومية (عضو أسرة التحرير) بعنوان «مدخل إلى نظرية التعقيد والشواش»، ثم بمراجعة لكتابين في هذه النظرية بقلم سمير كوسا (عضو أسرة التحرير) هما: كتاب غلايك الذي نحن في صدده، وكتاب إڤار إكِلاند الحساب واللامتوقَّع[3] – فليراجع هذه المواد مَن شاء من القراء للتوسع.
وقد جاء اختيارُ دعم ترجمة هذا الكتاب وإصداره، على ما يبدو، انسجامًا مع توجهات «مركز البابطين للترجمة» في التركيز على ترجمة المعارف التي تعاني المكتبةُ العربيةُ بعامة من نقص فادح فيها. وقد سبق للمركز أن أصدر ترجماتٍ لكتب علمية هامة أخرى[4]، لا يسعنا بهذه المناسبة إلا نحيِّيها، راجين لجهود المركز المثابرة والاستمرار، – وإنْ كنَّا نتمنى على القائمين عليه أن يستعملوا للمشروع مترجمين اختصاصيين، مطلعين على مستجدات العلم الحديث ومفاهيمه، بحيث يتم تعريب المصطلحات العلمية الجديدة تعريبًا أقرب ما يكون إلى الدقة والأمانة. مهما يكن من أمر، يفتح هذا الإصدارُ الجديد فضاءً جديدًا للقارئ العربي المهتم بالثقافة العلمية الجدية. فعندما صدر الكتاب باللغة الإنكليزية قال بعضُهم إن القارئ لن يعود بعد قراءته ينظر إلى العالم كما كان ينظر إليه قبلها – ولا عجب في ذلك إذا أخذنا عبارة أحد المنظِّرين الأوائل للشواش «إن رفَّة جناحَي فراشة في الهند قد تُحدِث فيضانات في نهر الأمازون»[5] على محمل الجد! ويعرض الكتاب تجاربَ ومحاولاتِ نخبة من علماء الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والكيمياء المشتغلين على ظواهر الاضطراب والشواش التي مازالت تحيِّر العلماء: فهم يبحثون في الظواهر المغايرة لما اعتادوا عليه علميًّا، مثل الفشل «المحتوم» للتوقعات الفلكية طويلة الأجل، وتحولات الأنواع الحية وأعدادها، وحركة أمواج البحر، والتذبذب في عمل كلٍّ من القلب والدماغ، وسبب الخلل المفاجئ الطارئ على الكمپيوتر، وغيرها من الظواهر المشابهة. ونظرية «الشواش» (وهي الترجمة التي نستصوبها لمصطلح chaos، بدلاً من «الفوضى») استقطبت أبحاثًا واختباراتٍ بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي؛ إذ تحمَّس كثيرون لها، حتى وصفَها بعضُهم بـ«الثورة الثالثة في الفيزياء» بعد ثورتَي نيوتن وأينشتاين! وبعد عشر سنوات من الأبحاث التي بدأها أولئك العلماء، أصبح مصطلح «شواش» عنوانًا مختصرًا لحركة علمية متصاعدة أعادت صياغة المؤسَّسة العلمية عالميًّا، فتكاثرت منتديات «الشواش» ومجلاته، وخصَّص المسؤولون في جهات رسمية، مثل الجيش الأمريكي وسائر مراكز البحث والمختبرات، أموالاً متزايدة للبحث في هذا الميدان، وكلَّفوا مزيدًا من الباحثين العملَ فيه. وقد تمخضت نظرية «الشواش» عن تقنيات خاصة في علوم الكمپيوتر وعن أنواع جديدة من الرسوم البيانية. وبإصدار الناشر الطبعة العربية من كتاب نظرية الفوضى: علم اللامتوقَّع، نأمل معه أن يكون، بالتعاون مع دار الساقي الراقية، قد رفد المكتبة العربية بمرجع حديث نسبيًّا في المعارف العلمية المبسَّطة في مجال لم تتطرق إليه حركةُ الترجمة في بلادنا من قبل. يقع الكتاب في 384 صفحة من القياس المتوسط، وهو ينقسم إلى عدة عناوين: «أثر جناح الفراشة»، «الثورة وتقلبات الحياة»، «هندسة الطبيعة»، «الجواذب الغريبة»، «النظرية الشاملة»، «العالم التجريبي»، «صور الفوضى»، «جماعة النظم الديناميَّة»، «الإيقاعات الداخلية»، «ما بعد الفوضى»؛ كما يضم فهرسًا للأعلام وآخر للأماكن. *** *** *** [1] راجع: معابر، الإصدار الخامس، باب إپستمولوجيا. [2] راجع: معابر، الإصدار السادس، المرصد. [3] راجع: معابر، إصدار آب 2006، باب كتب وقراءات. [4] للاطلاع على هذه الكتب، راجع موقع «جائزة البابطين» الإلكتروني على الوصلة: www.albabtainprize.org. [5] استلهم الشاعر محمود درويش هذه العبارة حين وضع كتابه الجديد أثر الفراشة!
|
|
|