ما أجمل تَسامُحهم!

رجال الدين المسلمون والبابا والدالاي لاما

 

أحمد بغدادي[*]

 

حين أنظر إلى الدالاي لاما، الرئيس الروحي والزمني لبوذيي التيبت، وأرى ابتسامتَه الساحرة الهادئة، وحين أستمع إلى بعض أحاديثه، أو حين أرى طيب تعامُله مع الآخرين، أتساءل: لماذا لا نرى مثل هذا في كبار رجال الدين المسلمين؟! كذلك الأمر مع البابا الراحل يوحنا بولس الثاني وكيفية تسامُحه وتواضُعه مع الناس.

البابا يوحنا بولس 2 (1920-2005) مقبلاً المصحف الشريف

الدالاي لاما الرابع عشر (1935- )

الطابع الإنساني

هذان المثالان على ممثلَي ديانتين كبريين، يُعَد أتباعُهما بالملايين أكثر من المسلمين وينتميان إلى بلاد أكثر تطورًا من بلاد المسلمين، يقدِّمان الأمثولةَ لأجمل صور التسامح الإنساني والديني. وحين أستعرض ما أراه في البرامج المتلفزة الوثائقية عن رجال الدين غير المسلمين عمومًا، أرى فرقًا كبيرًا في درجة التسامح الإنساني، درجة لا يمكن لرجل الدين المسلم أن يبلغها يومًا. والطابع الإنساني الذي يجمع بين هذين العملاقين إنسانيًّا يتسم بالتالي:

-       لم يدَّعيا قط أن دينهما وحده هو "دين الحق" وأن الأديان الأخرى باطلة.

-       لم يدْعوا أتباعَهما قط إلى قتال الآخرين باسم الدين.

-       لم يضعا أتباعَهما فوق الآخرين، لا دينيًّا ولا أخلاقيًّا.

-       لم يكفِّرا إنسانًا، ولم "يبشِّراه" بالنار في الآخرة!

-       لم يتدخلا يومًا في إيمان أو معتقَد، بل تركا الأمر للخالق.

-       لم يجبرا الحكوماتِ على تدريس دينهما ونبذ ديانات الآخرين.

-       لم يؤذيا كاتبًا أو مثقفًا: احترما نفسيهما، فلم يأخذا كاتبًا إلى المحاكم، حتى لو كَتَبَ ضد دينهما، ولم يتدخلا قط لمنع كتاب أو مقال[†]، حتى ولو كان ضد دينهما.

-       لم يُصدِرا قط فتاوى دينية ضد الآخرين.

-       لم يروِّعا أحدًا بفتاوى الدم والقتل.

-       لم يؤذيا أحدًا في دينه، كما يحدث في فتاوى المسلمين تجاه غير المسلمين.

-       طلبا الغفران لكلِّ نَفْس، بصرف النظر عن دينها (غفر البابا حتى للرجل التركي الذي حاول اغتياله وبارَكَه).

-       كانا على مستوى من الفضيلة جَعَلَهما لا يترددان في الاعتراف بالخطأ، حتى لو كان تاريخيًّا.

-       لم ينصرا يومًا طاغيةً أو مستبدًا، بل اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية عن صمتها إزاء جرائم النازيين، وحثَّ الدالاي لاما التيبتيين على مسامحة الصينيين على جرائمهم في التيبت.

-       لم يتدخلا في حياة الناس الخاصة.

-       لم يتدخلا في عمل الساسة.

-       لم يداهنا حكامًا لمصالح دنيوية.

-       لم يسعيا إلى جمع المال باسم الدين.

-       زهدا في الدنيا، على الرغم من قدرتهما الكبيرة على التلذذ بها ماديًّا وأدبيًّا.

-       لم يرتقيا يومًا منبر كنيسة أو معبد لشتم الآخرين.

-       تجنَّبا الإثارة الإعلامية لكسب الأتباع.

-       لم يظهرا في الفضائيات والمجلات والصحف لتفسير الأحلام!

-       لم يتعاملا يومًا مع "الجن"، على اختلاف جنسيتهم!

التسامح الإنساني

أتساءل: من أين جاء هذا الرجلان بهذا القدر الهائل من التسامح الإنساني تجاه الآخرين المختلفين عنهم دينيًّا؟! وما هي القوة الروحية التي لديهما والتي تُمِدهما بهذه الروح الإنسانية التي لا نجدْ لها مثيلاً في ديار الإسلام؟! لماذا لا نتعلم منهما كيفية إشاعة هذه الروح الكريمة المتسامحة في مجتمعنا المسلم؟!

اقرؤوا معي ما كَتَبَه المرحوم سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن (مجلد 2، ص 134):

إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير [...] إن البشرية تتآكل إنسانيتُها، وتتحلَّل آدميتُها، وهي تلهث وراء الحيوان، وميراث الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط، والحيوان أنظف وأشرف وأطهر [...] حتى الحيوان لم يسلم من الشتم [...] بالله عليكم، لو يصل هؤلاء إلى السلطة ماذا سيفعلون ببني البشر؟!

وختامًا، رجل الدين المسلم هو وحده الذي يفتي بتحريم بناء المعابد للآخرين في بلاد المسلمين، في حين لا يمانع البابا أو الدالاي لاما في بناء المساجد في أية بقعة يصل إليها نفوذُهما الديني.

هل هناك تسامُح أكثر من هذا؟!

*** *** ***

عن Beirut Times


 

horizontal rule

[*] أستاذ في جامعة الكويت.

[†] إذا صحَّ هذا على الدالاي لاما فهو لا يصح 100% على المغفور له البابا، الذي وافق على تعليق أستاذية الأب أويغن دروفِرمَن بعد نشر كتابه موظفو الله، وكذلك على تعليق أسقفية السيد جاك غايو، أسقف مدينة إفرو الفرنسية، نظرًا لمواقفه الإنسانية الجريئة حيال قوة الردع النووية وزواج الكهنة وكهنوت النساء والطلاق ومنع الحمل والإيدز ولمطالبته الكنيسة بالتصالُح مع عصرها (راجع حوار كريستوف فارنيي معه في كتاب العالَم يصرخ، الكنيسة تهمس). (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود