تنظيرات وتعريفات

 

عبد الأمير جرص

 

تعريفات

الحياة (1):

قد لا تكون ضروريةً للشاعر – مع أنها تشكِّل المادةَ الخام التي تدخل في صُنْع معجزاته

تلك التي يتخطَّى بها وجودَه إلى ما هو أهم وأعمق

وربما

أكثر واقعية.

*

الحياة (2):

قد لا تكون بالأهمية التي أتحدَّث

كما أنَّ الموت قد لا يكون مهمًّا (بالمعنى العدميِّ لكلمة "مهم")

إنني ما إن أحصل على شيء حتى أفقده – وهذا حتميٌّ وغيرُ محزن على الإطلاق

إذ عليَّ أن أحصل على كلِّ ما سأفقده

مثلما عليَّ أن أفقد

كلَّ ما سأحصل عليه.

*

الحياة (3):

قد لا تكون بالسهولة التي تحدَّثت

إنها صعبةٌ وباهظة

وهي مرهقةٌ للأعصاب

مثيرةٌ للجدل

لذا أرتئي أن أكتفي بهذا القدر اليسير من الأولاد

أكتفي بهؤلاء الأوغاد

الذين سيرثون كلَّ ما في جعبتي

من التخاذل.

***

إنني أمارس حياتي على أنها هواية أو نزوة

لم أكن قط جادًّا

في العام 1995 دخلت الثلاثين

هكذا

أي كما لو أنني أدخل

حانة.

***

سوادي:

رمادُ الظهيرة على بشرةِ استوائيٍّ طاعنٍ بالشمس

أنا أسودُ بالشمس

لا بالعتمة.

***

حياتي:

لستُ زوجًا لأحد ولا رجلاً حتى؛ ولكنني ما إن رأيتُ حياتي الأنثى معلَّقةً بحبال عدمكِ الذي هو ذَكَرٌ حتى انْشَدَدْتُ...

الحياةُ

التي هي ابنتي

الحياةُ

التي لم تَعُدْ ابنتي

وأعني:

حياتيَ الأنثى التي ما من ذَكَرٍ إلا وهفا وما من رغيف إلا وأزهر

حياتيَ التي هي أنا

حياتيَ التي هي وحدي

وأعني:

الأشجارَ المربوطة إلى حصاني حيث أنفر جامحًا أو أجمح نافرًا

بينما الحياة التي لم تَعُدْ ابنتي تلهث جنبي كأيِّ كلبٍ يودُّ لو انقضَّ على قمر

أو كأيِّ قمرٍ يطاردُ كلبًا

في المساء البعيد.

***

 

تنظيرات

"المقطع الأول"

بعيدًا عن كلِّ ما يمكن أن يُعرَّفَ به الشعر

أكتبُ القصيدة

بعيدًا عن كلِّ ما ينبغي أن يكون عليه الشعر

أكتبُ القصيدة.

 

مرات

أضيف إلى القصيدة كلَّ ما ينبغي أن يكون عليه الشعر

ومرات

أحذف من القصيدة كلَّ ما ينبغي أن يكون عليه الشعر.

 

القصيدة ليست أنثى

كما أن الشعر ليس ذَكَرًا

هذا إضافةً إلى أنَّ كليهما – أي الشعر والقصيدة – ليسا من جنسٍ واحد.

***

الشعرُ متوفرٌ في الأماكن المعتمة من هذا العالم

إنه متوفرٌ في الليل أكثر مما هو متوفرٌ في النهار

متوفرٌ في الموت أكثر مما هو متوفرٌ في الحياة

في الحزن أكثر ... ... ... من الفرح

لهذا

كثيرًا ما يضطر الشاعر – بقوة الكينونة طبعًا –

إلى التواجد في مثل هذه الأماكن المشبوهة

وغير المرغوب فيها على الإطلاق.

***

الشاعرُ ليس وثيق الصلة بشيء

وليس لديه علاقات وطيدة

إنه لا يركن إلى شيء ولا يستقرُّ على شيء

ليس لأنه عبثيٌّ ومنفلت كما يظنون

بل لأنه يعرف حَجْمَ زواله

وهو على يقينٍ كامل بما سيحلُّ به

إنه يتعامل مع جميع الأشياء من بابٍ واحد – باب مغادرتها

إنه مغادرٌ كبير لكلِّ ما هو أرضيٍّ وحسِّي.

***

بهذه السهولة أكتب الشعر

وبهذه السهولة المفرطة أفهم القصيدة

إنني أكتب لأظلَّ قريبًا من موتي

أكتب

لئلا أبتعد كثيرًا عن حقيقة كوني

المغفور له الشاعر عبد الأمير جرص – رحمه الله.

***

"المقطع الثاني"

أوه...

أيها الشاعر

ماذا صنعتَ من الأهرامات؟!

وما الذي ستتقاضاه لقاء موتك هذا؟!

لقد كان سُلَّمًا.

 

ها...

أنت تستقلُّ زوبعةً وتسير باتجاه الألم

بينما الحيوانات تبصق تطوُّرها وتتخذ سُلَّمًا آخر

غير الوراثة

تتباطأ أحيانًا وأحيانًا تعدو مسرعة.

 

ها...

أنت تسقط من سُلَّمِ التطور

فمن قال لك أن تموت هكذا؟

ومن أخبرك أن الألم + واحد ¹ التشرُّد أو الانهيار؟!

***

أوه أيها الشاعر لقد بنيتَ الكثير الكثير

وها...

أنت ذا

تجلس على قبعة العالم تريده أن يُحْسِنَ تدهوره

وأن يَلُمَّ ما تساقط منه.

 

على أعتاب قرن تجلس وتفكِّر مليًّا في إمكانية أن تكون لك أيام قادمة

لا يا صديقي

ليس لك سوى هذا الحبل الذي يشدُّك بعنف إلى تاريخ العالم

هذا العالم الذي سيروي الكثير الكثير من الأكاذيب قبل أن يقول: إنه مات

وإن الفاعل في "مات" ليس الرجل كما يتوهم علماء اللغة

بل شيء آخر

شيء

يضطرنا إلى إعراب الرجل "فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره".

***

أوه...

أيها الشاعر

كم كنتَ مهمًّا حين كان العالم مهمًّا

وحين كان الإنسان مهمًّا أيضًا

ولكنَّك ما إن سقطتَ من السلَّم

حتى تبيَّن للعالم عورةُ هذا الارتقاء الذي

كم كان مهمًّا

حين كان العالم مهمًّا

وحين كان الإنسان مهمًّا

أيضًا.

***

"المقطع الثالث"

في رأسي كلمات ليستْ في رأسك...

إنني أحسد التشكيليين والموسيقيين

أحسدُ كلَّ من يتحدَّث بغير اللغة

أودُّ لو أكتب الشعر بالإشارة.

 

انظري يا ربَّة الشعر

انظري

إلى سماء القصيدة

إنني أستفزُّ بالشعر الغيمةَ فتسيل مطرًا مدرارًا يسقي حقول المعرفة في رأسي

بِوَابِلٍ من الأسئلة.

 

في رأسي كلماتٌ ليست في رأسك...

إنَّ أهمَّ ما ابتكرناه – نحن العراقيين القدامى – الكتابةُ الصورية

كنَّا نرسم على الطين ما يدور في أذهاننا وكنَّا سعداء في ذلك

أما اليوم وقد استُبدِلَ بالصورةِ الرمزُ فلا يمكنني إلا أن أصمت.

 

في رأسي كلماتٌ ليست في رأسك...

إن من أهمِّ وظائف اللغة أنها ليست للتوصيل ولا للتخاطب – بدليل أنني لستُ اسمًا

أنت لا تمحوني بالحبر الأبيض؛ ربما بالمسدس يموت الإنسان ولكنه بالتأكيد

لا يُمحى.

 

في رأسي كلماتٌ ليست في رأسك...

إن الكرسيَّ الذي في رأسك ليس بالضرورة الكرسيُّ الذي أعنيه في قولي:

"أنا بلا كرسيٍّ"

إذ ربما أعني: "أنا لا أجد ما أستقرُّ عليه"

وبذلك يمكن أن يكون الكرسيُّ امرأةً أو وطنًا أو رأيًا

ثم إن الأرض أيضًا يمكن أن تكون الكرسيَّ المقصود لو أنها فقط لا تدور

إن الزمن طفلٌ مولعٌ بتحطيم الكراسي

يمكنني تعريف الموت على أنه الكرسي المطلق الذي سنستقرُّ عليه بلا استثناء.

 

في رأسي كلمات ليست في رأسك...

وأنا لا أتحدَّث عمَّا في

رأسك.

إدْمُنْتُن، كندا

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود