قَـبَـسات (1)*

 

مصطفى الحداد

 

الفن:

"الفن ليس تطبيقًا لمقياس أو قانون جمالي بل هو ما يمكن للغريزة والدماغ أن يدركاه وراء كل مقياس أو قانون. عندما نحب امرأة لا نشرع في قياس أطرافها لنعرف مدى انسجامها مع مقاييسنا"[1].

*

"ما من أحد أعرفه إلا ويريد أن يفهم الفن. لكن، لماذا يا ترى لا نسعى جاهدين إلى فهم شدو العصفور؟ لماذا نحب الليل، والورود، وكل الأشياء التي من حولنا، من دون أن نسعى إلى فهمها؟ عندما يتصل الأمر بالصباغة يظن الناس أن من واجبهم أن يفهموها. فلو أن الناس أمعنوا النظر لأدركوا أن الفنان يعمل عمله بدافع الضرورة، وأنه هو نفسه لا يعدو أن يكون جزءًا لا قيمة له من العالم، وأن لا قيمة مخصوصة له تفوق قيمة الأشياء الأخرى التي تمتعنا في العالم من دون أن نستطيع تفسيرها. الناس الذين يحاولون تفسير الصور هم في الغالب الأعم مخطئون"[2].

*

"يتعين على الفنان أن يبدع صورًا غير مقبولة، صورًا قد يمقتها الناس. ويتعين عليه أن يدفع هؤلاء الناس دفعًا إلى أن يعوا ويفهموا أنهم يعيشون في عالم مثير للسخرية، عالم غير مُطمْئِن، يختلف تمامًا عما يعتقدون"[3].

*

أنا الآن مشغول بأن أجعل الأمر أكثر إرباكًا- بيكاسو

"سألتُه عما إذا كان يرى أن الأخضر يعثر على توازنه عند امتزاجه بالبنفسجي. فأجابني قائلاً:

"ليس المشكل قائمًا ههنا. لا أريد أن أعرف ذلك. فأنا لا أسعى إلى أن أجعل هذا المقترح الأولي الذي أنا بصدده أكثر انسجامًا. أنا الآن مشغول بالضبط بأن أجعل الأمر أكثر إرباكًا. بعد ذلك سأشرع في البناء - من دون أن أسعى وأنا أبني إلى خلق الانسجام. سأجعله أشد ارتباكًا وأكثر دمارًا. المسألة هنا، كما ترين، أشد التصاقًا بالغريزة منها بشيء آخر [...] المشكل هو كيف لي أن أعيد ترتيب هذا المقترح؟ كيف لي، من دون أن أقوضه تمامًا، أن أجعله أكثر دمارًا؟ كيف لي أن أجعله فريدًا – لا أقصد هنا أن أجعله جديدًا فقط، بل أن أجعله مختصرًا أشد الاختصار وممزقًا كل ممزق. ترين إذن أن الصباغة بالنسبة إلي فعل درامي، فعلٌ يعثر فيه الواقع على نفسه وقد أصبح مفككًا. هذا الفعل الدرامي يحظى عندي بالسبق على كل ما عداه من الاعتبارات الأخرى. الفعل التشكيلي الخالص لا يعدو أن يكون شيئًا ثانويًا بالنسبة إلي. ما يُهِمُّني في المقام الأول هو دراما الفعل التشكيلي نفسها، أي اللحظة التي يخرج فيها الكون عن ذاته أو طوره ويعثر رأسًا على دمار"[4].

*

بيكاسو وهايدغر

"لم يهتم هايدغر بأعمال بيكاسو الأخيرة؛ لأنه لم يكن يدرج بيكاسو ضمن ما يقصده بـ 'الشاعر'. فعلى الرغم من أن بيكاسو كان يفكك الأشياء، لم يكن هايدغر يرى في التفكيك وإعادة البناء شرطين كافيين لما يسميه بـ 'الشعر'. [الشعر هنا يجب أن يفهم بالمعنى الواسع جدًا أي الخلق أو الصنع أو الإنشاء poiêsis الذي يستوعب أنماط الفن كله]"[5].

*

ميشال فوكو عن الفن التشكيلي:

"إنه أحد المجالات النادرة التي أكتب فيها بشغف من دون أن أصارع أحدًا. لهذا أعتقد أنني لا أقيم علاقة تكتيكية أو استراتيجية بالتشكيل"[6].

*

الموناليزا:

"الإلغاز الذي أحيطت به ابتسامة الموناليزا كان في جزء منه، كما يقول ترامبل، اختراعًا لاحقًا ابتكره النقاد الفرنسيون في القرن التاسع عشر الذين صمموا على أن يجعلوا من هذا العمل الفني الإنجاز المعجزة في تاريخ الفن"[7].

*

ذهب كلوز هيردين إلى أن اللغز في بابتسامة الموناليزا يعود إلى أن هذه الابتسامة التي تبدو على محياها حصلت على الرغم من أن وضعَ عينيها وزاويتي فمها هو وضعُ الإعلان عن الشروع في الابتسام، أي أنه الوضع الذي يكون قبيل حصول الابتسام فعلاً بقليل. ويفسر هيردين هذا الأمر بتضارب في معايير السلوك الاجتماعي كان قد ابتدأ في القرون الوسطى واستمر بعد ذلك. ليوناردو عكس هذا التضارب في لوحته. المعيار الذي تحيل عليه اللوحة هنا هو أن الإنسان الذي يُعنى بمظهره ويلتفت احتياطًا إلى أحواله، وخصوصا المرأة، ينبغي له وهو يبتسم ألا يفتح فمه وينفخ في شدقيه كالعجل. في فرنسا كان يعبر عن هذا المعيار السلوكي الذي يرسم للمرأة طريقة الابتسام المثلى على النحو الآتي: "Fame doit rire à bouche close, car ce n'est mie bele chose quant el rit à geule estendue""[8].

*

الأوبّرا

"لم تكن الأوبرا يومًا متطابقة مع عصرها. بدت منذ ظهورها كما لو أنها قديمة عفا عليها الزمن، كما لو أنها حل بمفعول رجعي لأزمة قائمة في قلب الموسيقى، بدت باختصار كما لو أنها فن غير خالص. بعبارة هيجلية نستطيع القول إن الأوبرا متجاوزة في مفهومها ذاته، فكيف لنا إذن أن نعرض عنها ولا نحبها..؟"[9].

*

الموسيقى

"لقد تغير دور الموسيقى مع الاتجاه الرومانسي. لم تعد الموسيقى مجرد مصاحب للرسالة التي يحملها الكلام، بل أضحت تحتوي وتبلغ رسالتها الخاصة، أضحت تبلغ رسالة أعمق من تلك التي توصلها الكلمات. وقد كان روسو أول من عبر بوضوح عن هذه الطاقة التعبيرية التي تختزنها الموسيقى من حيث هي كذلك، وذلك حين أشار إلى أن الموسيقى عوض أن تحاكيَ الخصائص العاطفية الذي يكشف عنها الكلام، عليها أن تُمنح حق التعبير عن نفسها. فعلى العكس من الطابع المضلل للكلام، الحقيقة نفسها، إذا شئتم استعمال لغة لاكان، هي التي تتكلم في الموسيقى"[10].

*

الكوميديا وعمى الجمهور

"في أفلام شابلين نعثر على نظرية قاسية في أصول الكوميديا تعود بها إلى عمى الجمهور. ففي فيلم (السيرك) على سبيل المثال يجد المتشرد الهارب من مطاردة الشرطة نفسه على حبل في أعلى خيمة السيرك. يشرع في التحرك بكيفية غير معهودة محاولاً الحفاظ على توازنه في حين تنبعث ضحكات الجمهور وسط عاصفة من التصفيق، ظنًا من هذا الجمهور أن الأمر يتعلق بممثل موهوب، غير منتبه إلى أن المتشرد يخوض يائسًا صراعًا من أجل البقاء. أصل الكوميديا يجب أن يُلتمَس بالتحديد هاهنا في هذا العمى القاسي وفي عدم إدراك الواقع التراجيدي الذي يميز وضع المتشرد"[11].

*

الرقص

الرقص عند فاليري يفصل بين حياتين: الحياة العادية اليومية، حيث يكون لكل حركة أو فعل دور يؤديه ووظيفة يقوم بها، وبين الحياة الخالصة أو العارية عن كل غاية عملية أو قصد معاشي. الرقص مشتق من هذه الحياة الأخيرة ومقرون بها أشد ما يكون الاقتران. إنه يعبر عن فائض القوة والطاقة الذي نملك وعن غزارة (surabon-dance) الأحاسيس التي لا نعرف جهة نصرفها إليها. يقول فاليري في هذا الشأن: "لقد اهتدى الإنسان إلى أنه يملك من القوة والمرونة والإمكانات المفصلية والعضلية أكثر بكثير مما يحتاج إليه لتلبية ضرورات معاشه.. إن لنا من الطاقات ما يزيد كثيرًا عن حاجاتنا.. نستطيع أن نأتي بعدد لا حصر له من الأفعال التي لن يكتب لها الحظ في أن تعثر لها على وظيفة تؤديها في العمليات الضرورية أو الحاجية التي تتطلبها الحياة..."[12].

*** *** ***


 

horizontal rule

* مختارات من المدونة mustafahaddad.blogspot.com وصفحة فيسبوك الشخصية Mustafa Haddad.

[1] Daniel E. Schneider «The Painting of Pablo Picasso: A Psychoanalytic Study». College Art Journal, Vol. 7, No. 2 (Winter, 1947-1948), pp. 81-95, p. 83

[2] نُقل هذا الكلام عن بيكاسو بصيغ مختلفة. انظر إحدى هذه الصيغ في:

Explorations in Art, Theology and Imagination. Michael Ridgwell Austin. Routledge 2016, p. 16

(كلام بيكاسو على 'شدو العصفور' إشارة إلى كلود موني الذي تمنى أن 'يرسم على النحو الذي تشدو به العصافير'. بيكاسو باختصار ينتقد هنا الحشو اللفظي الكثير المملوء بالادعاءات الذي يتناول الفن..)

[3] Barus-Michel Jacqueline, « Perversion et sublimation » in Revue internationale de psychosociologie et de gestion des comportements organisationnels, 2002/19 Vol. VIII, p.157-175, p. 169

[4] Francoise Gilot & Carlton Lake. Life With Picasso. McGraw-Hill Book Company (1964), p. 59.

[5] Julian Young (2001) Heidegger's philosophy of art. Cambridge University Press., p. 165

[6] Foucault’s Philosophy of Art: A Genealogy of Modernity by Joseph J. Tanke, London: Continuum, 2009, 240 pp., p. 137.

[7] Angus Trumble (2004). A Brief History of the Smile. New York: Basic Books, p. 22.

[8] Herding, Klaus “Freud's Leonardo: A discussion of recent psychoanalytic theories” American Imago; Winter 2000; 57, 4, p. 358-359.

[9] Slavoj Žižek and Mladen Dolar. Opera's Second Death. Routledge 2001.

[10] Slavoj Žižek. “Why is Wagner Worth Saving?” Journal of Philosophy & Scripture. Volume 2, Issue 1 | Fall 2004 , p. 1.

[11] Slavoj Zizek. Enjoy Your Symptom!: Jacques Lacan in Hollywood and Out. (Routledge Classics). London: Routledge 1992, p. 5.

[12] Pouillaude Frédéric, dans « Un temps sans dehors : Valéry et la danse », Poétique, 2005/3 n° 143, p. 359-376, p. 366- 36.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني