مختارات شعرية
اعداد وترجمة:
أسامة أسعد
أغنيةُ الغزَّالة
فيليپ سوپو
...
أَغْزلُ أشعةَ القمر
وهبوبَ النسائمِ والدخانَ
أَغزلُ مِزَعَ الضباب
و"شعر الملاك" وانعكاسات الضوء
أنتقي العطورَ الناعمةَ
وتوهُّجَ الفجرِ والينابيعَ
لمِغْزَلي البلُّوريِّ
ولأحلامي السريَّةِ
وعندما يحُلُّ المساءُ أَغْزلُ
كي يمضي الزمنُ وتمضي الحياةُ
أُحَضِّرُ شَفَقي
احتضاري ومَوْتي
كلُّ خيوطِ حياتي تتشابَكُ
وأتوهُ في حسراتي
في خصلات ندمي
منتظرةً لحظةَ النهاية
...
***
مسكن
آلان بوسكيه
...
في غرفتي الواقعةِ تحت السطوحِ
انعزلتُ
أرفضُ أن أرى الأرصفةَ
وأشجارَ القيقبِ واللازورد،
كتبي ملقاةٌ على الأرضِ،
منها تفوحُ
رائحةُ بصلٍ وكرَّاث.
صنبورُ الماء يكلِّمُني
بلهجةٍ لا أفهمُها
من مقدونيا
أو من غاليسيا.
عليَّ أن أحرقَ
صورةَ ڤان غوغ هذه.
على قصيدتي أكتشفُ
بقعَ عفَن.
لا أريدُ إطعام عصفورِ الكناري
ولا أن أمسحَ نظارتي
أو أن اخترعَ ألغازًا
لكل ما يقصُّ أجنحتي فيَّ.
أعلِّقُ على أنقى مقاطعي الصوتيةِ
طنجرتين أو ثلاث.
وأقولُ للثلاجة:
"فلنكذبْ قليلاً، من أجلِ التمرين".
...
***
في وقتٍ متأخرٍ من
الحياة
پيار روڤيردي
(1889 – 1960)
قاسٍ
رقيقٌ
لقد أضعتُ وقتي
أحلمُ دون أن أنامَ
أنامُ وأنا أمشي
في كل مكانٍ، أينما مررتُ
وجدتُ غيابي
لستُ في أيِّ مكانٍ
سوى العدم
لكنَّني على ذروة ِالأحشاءِ
حيثُ ضربت الصواعقُ كثيرًا
أحملُ معلَّقًا هذا القلب الذي تركتْ عليه
كلُّ كلمةٍ جرحًا
منهُ تقطرُ حياتي لدى أتفه حركة.
***
دون عنوان
جول سوپرڤييل
(1884 – 1960)
مرتعشًا
تحت جلدِ العتمةِ،
كلُّ صباحٍ عليَّ
أن أعيدَ تشكيلي
بكلِّ هذا الخليطِ
من أيامي الماضيةِ
والقليلِ ممَّا بقيَ
من أيامي القادم.
ها أنا كلِّي
أقفُ في النافذة.
يا ضوءَ هذا النهار،
أتيتُك من عمقِ الأزمنة،
احترمْ برفقٍ
دقائقي المظلمة،
واحفظْ لبرهةٍ
حصَّتي من الليلِ،
وترصيعَ النجومِ فيَّ،
واستعدادي للموتِ
تحت الشمسِ الصاعدةِ
التي لا تعرفُ إلَّا كيف تعلو.
***
قلق
ستيفان مالارميه
ما جئتُ هذا المساء لأنتصرَ على جسدِكِ، أيها الوحشُ
الذي تسري فيه خطايا شعب بأكمله، ولا لأحفرَ
في شعركِ الدنسِ، عاصفةً حزينةً
تحت الضجرِ العضالِ الذي تسكبُه قبلتي:
بل لأسألَ سريرَكِ أن يهبَكِ نومًا ثقيلاً، خاليًا من الأحلامِ،
مُحوِّمًا تحت ستائرِ الندم،
تذوقينَهُ بعد أكاذيبكِ السوداء،
أنتِ التي تعرفين عن العدمِ أكثرَ من الأموات.
فالرذيلةُ، التي تنخرُ نُبليَ الفطريَّ
وصَمَتْني مثلكِ بعُقمها،
ولكن، بينما يسكنُ نهدَك الحجريَّ،
قلبٌ لا يجرحُه نابُ أيّ جريمةٍ،
أهربُ، شاحبًا، مهزومًا، مسكونًا بكفني،
خائفًا أن يدركَني الموتُ، وأنا أنامُ وحيدًا.
***
مقطع من: وُلدتُ
مثقوبًا
هنري ميشو
...
هو ليس أكثر من ثقبٍ صغيرٍ في صدري
لكن فيه تهبُّ ريحٌ عاتية
هو ليس أكثر من ثقبٍ صغيرٍ في صدري
لكن فيه تهبُّ ريحٌ عاتية.
في الثقبِ حقدٌ (دائمًا)، رعبٌ أيضًا وعجز
عجزٌ يجعل الريحَ شديدةً
وقويةً كما تكون الزوابع.
ريحٌ تكسرُ إبرة الفولاذ،
هي ليست أكثر من ريح، فراغ.
للرعشات داخلي، بردٌ جاهزٌ أبدًا
فراغي آكلٌ عظيمٌ، طاحنٌ عظيمٌ، ماحقٌ عظيمٌ،
فراغي قطنٌ وصمت.
صمتٌ يوقف كلَّ شيء.
صمتُ نجوم.
وهذا الثقب عميقٌ، لكن لا شكل له
حوله تتخبّط الكلمات
ولا تجده.
...
***
حوريَّتي
روبير دسنوس
...
حوريَّتي زرقاء بلون العروق التي تسبح فيها
حتى اللحظة لا تزالُ نائمةً على عرقِ اللؤلؤ
وعلى المحيطِ الذي صنعتُه لها
تستطيعُ زيارة المغارات السحريةِ في الجزر العجيبة
التي تسكنها عصافير غبية جدًا
تتبادلُ مع تماسيح أحاديث لا تنتهي
العصافيرُ الغبيةُ جدًا تطيرُ فوق الحورية الزرقاء
والتماسيحُ تعودُ إلى أشغالها
أما الجزيرة فمذهولةً لا تصدِّق
ولا تعود من حيث وضعناها حوريتي وأنا ثم نسيناها.
لحوريَّتي نجوم جميلة جدًا في سمائها
نجوم شقراء بعيون سود
نجوم صهب بأسنان براقة
ونجوم سمراء بنهود جميلة
كلُّ ليلةٍ ثلاث ثلاث
حسب لون الشعر
تأتي هذه النجوم لزيارة حوريَّتي
والذهاب والإياب لا يتوقف في السماء
لكنَّ سماء حوريَّتي ليست سماءً عادية.
لحوريَّتي سبعة مراكب على محيطها
الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
السبت والأحد
بعضها بخاري والبعض الآخر شراعي
بعضها سريع والبعض الآخر بطيء
ولكن كلها جميلة وساحرة
وبحارتها يتقنون عملهم جيدًا.
عند حوريَّتي ألواح صابون بكل الأشكال والألوان
كي تغسل بشرتها الجميلة
عند حوريتي الكثير من ألواح الصابون
هذا لليدين
وذاك للقدمين
واحد للأمس
واحد للغد
واحد لكلِّ عين
وهذا لذيلها المحرشف
أما ذاك فلشعرها
هذا واحد لبطنها
وهذا واحد آخر لوركيها.
حوريَّتي لا تغني إلا لي وحدي
لطالما قلت لأصدقائي اصغوا
لكن لا أحد يسمعها
إلا واحد، واحد فقط
ومهما يبدو صادقًا
لا أثق به كثيرًا إذ من الممكن أن يكون كذابًا.
***
قصيدتان
أيڤ بوّنفوا
- 1 –
عصفور الخرائب
...
من الموتِ يُفلِتُ عصفورُ الخرائبِ
يعشِّشُ في حجر الشمسِ الرماديِّ
لقد
عبرَ كُلَّ ألمٍ، كُلَّ ذاكرةٍ،
لم يعُد يعرفُ ما هو الغدُ في الأبديِّ.
...
- 2 -
الصوتُ نفسُه، دائمًا
...
أنا كالخبِز الذي تَقسِمُ.
كالنارِ التي توقِدُ، كالماءِ الصافي
الذي سيرافقك إلى أرضِ الأموات.
كالزبِد
الذي أنضجَ لك الضوءَ والمرفأ.
كعصفورِ المساءِ الذي يمحو الضفافَ،
كنسيمِه الذي، فجأةً يهبُّ باردًا
....
***
صلاة
آنتونان آرتو
...
آه، اعطنا جماجمَ من جَمْر
جماجم محروقة بصواعق السماء
جماجم واعية، جماجم حقيقية
وممتلئة بحضوركَ.
دعنا نولد في سماءات الداخل
الممزقة بوابل من الهاويات
وليخترقنا الدوار
بمخلب وهَّاج
أطعمنا رضوضًا كونيةً
فنحن جياع
آه ، صُبَّ لنا حمما نجميَّةً
بدلاً من دمائنا
فُكَّ قيودنا، اشطُرْنا أجزاء
بيديك الجمريتين القاطعتين
افتح لنا هذه القباب السماوية الحارقة
حيث نموت أبعد من الموت
دمِّرْ دماغنا
في قلب معرفته
وانتزِعْ منَّا الذكاء
بمخالب إعصار جديد.
*** *** ***