وأرسلَ لي...

 

محمد علي عبد الجليل

 

السَّاكنُ فيَّ بعيدًا قريبا

أَرسلَ إليَّ كلامًا عجيبا:

"إنْ كنتَ تغضبُ ممن يسيءُ إلى ما تظنُّ أنه الحقيقةُ فاعلَمْ أنكَ أبعدُ ما تكونُ عن الحقيقة.

"ما تظنُّه أنتَ وما تفتخرُ بهِ ليس سوى ذاكرةٍ ميِّــتة."

أرسلتُ إليه رسالةَ المتوسِّل:

"مَن أنتَ؟ أين أنتَ؟ كيفَ أنتَ أيها المرسِل؟"

فلمْ يُـجِــبْ. وانتظرتُ على أبواب الأنا ودهاليز الذهن فتأخَّـرَ الوحيُ ولم ينزِلْ.

ولَـمَّـا لم أنتظرْهُ أرسلَ إليَّ يُـكمِل:

"مَنْ لا اسمَ له ولا صِفَةَ أنا.

"تفكيرُكَ بي يحجبُـني عنكَ الآنَ-هُنا."

أرسلتُ إليه: "لِمن رسولُكَ أنا؟"

أرسلَ إليَّ:

"لنفسِكَ لا لأحدٍ غيرِكَ.

"لن توقِظَ أحدًا من أوهامِه.

"لن تُحرِّرَ أحدًا من أصنامِه.

"رغبتُـكَ في هدايةِ أحدٍ هي صنمٌ يجب أنْ يتكسَّر.

"أصعبُ شيءٍ على الإنسان أنْ يستيقظَ، أنْ يتحرَّر.

"وأسهلُ شيءٍ على الإنسان أنْ يُثَـرْثِـرَ، أنْ يُــنَــظِّــرَ، أنْ يتعذَّر.

"لا تتْـبَعْ أحدًا، لا تطلُبْ من أحدٍ أنْ يتْبعَـــكَ فتصبحَ نبيًا أو شيطانًا، وبذلك تخسَر.

"كيف يمكنكَ أنْ تذوقَ ثمرةً بمجرَّد أنْ تَــتْــبعَ أحدًا ذاقَ تلك الثمرة.

"كلُّ مَن يقولُ لكَ اتْبعني لصٌّ يسرقُ نفسَكَ بحثًا عن سلطانٍ وهميّ.

"حاجتُــكَ إلى رسولٍ تعني أنكَ منقطِعٌ عن رؤية جَمال الوجود البهيّ.

"لا يمكنُ لرسولٍ أنْ يدلُّكَ علَيّ.

"أنا الوجودُ يكفيكَ أنْ تحسَّ بي."

قلْتُ: "فكيفَ أرسلْتَ رُسُــلَـكَ قبلي؟"

فأرسلَ إليَّ:

"لم أُرسِلْ أحدًا لأحدٍ. اُصْحُ. تفَــكَّــرْ!

"كيف أُرسِلُ لكَ أحدًا يناقضُ فيك رسولَ العقل الأكبر؟

"كلُّ ما تراه رسولٌ إليك وأكثر.

"إنْ لم تعِ الرسائلَ المبثوثةَ حَوالَيكَ في كل شيءٍ وفيك

"فما نفعُ أي رسولٍ إليك؟

"وإنْ وعيتَ إشاراتِ الوجودِ فما جدوى إرسالِ الرسول؟

"إنْ لم ترَ ما أعملُ فكيف ستفهم ماذا أقول؟

"وإنْ رأيتَ فستفهم من دون قول.

"قَـولي فعلٌ، فِعليْ قَول.

"فاصحُ أيها المرسِلُ-الرسالةُ-المرسَلُ إليهِ-الرسول.

"رسولُــكَ مِن صُنعِكَ أنتَ أيها الكسول.

"هل تحتاج إلى مَن يُــعَــلِّــمُكَ كيفَ ترى وتُحِسُّ وتعي وتأكلُ وتشربُ وتمشي وتنامُ وتقومُ وكيف تبول؟

"إنْ ظنَنْتَ أنكَ بحاجةٍ لرسولٍ فاعلمْ أنك تُعطِّلُ عقلَكَ ووعيكَ وتصبح عربةً تجرُّها الخيول.

"هل تحتاجُ لأحدٍ ينقلُ إليكَ شعاعَ الشمس؟

"كلُّ رسولٍ هدفُه السلطةُ. يريدُ أنْ يربطَكَ بنفسِهِ ويبعدُكَ عن نفسِكَ. ولا يفعلُ ذلك إلَّا شيطانُ الإنس.

"أنا لم أرسِلْ أيَّ دِينٍ لكم.

"كلُّ أديانِكم منشؤها خوفُكم.

"صانعوها سماسرةٌ يستغلُّون ضعفَكم. يستغلُّون جهلَكم.

"لو أحبَّوكم لما خوَّفوكم.

"آلهتُكم مِن نحْتِ حُكَّامِكم.

"ولكنَّكم مِن عمائكم لا ترون آثارَ أزاميلهم على رؤوس أنبيائكم وأربابكم.

"أأنتم ساذَجون إلى ذلك الحدِّ حتى تؤمنوا برسولٍ يقول لكم إني خلقْتُ المخالفين لدِينِكم ثم يقول إني آمُـرُكم بقتلهم؟!

"لم أقلْ لكم: "قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحَرِّمون ما حرَّم اللهُ ورسولُه ولا يَدينون دِينَ الحق مِن الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون."

"ألِهذا الحدِّ أنتم تائهون؟!

"اصحُ يا نائم.

"ولا توحِّدِ الدائم.

"وحِّدْ كيانَكَ.لا توحِّدْنيْ ولا تُــفكِّرْ أصلاً بيْ.

"ابقَ مكانَكَ لا تأتِ إليّ.

"لا تعبدْني. كلُّ عبادةٍ خوفٌ خفيّ.

"لا يعبدُ إلَّا خائفٌ أو ساذَجٌ أو غبيّ.

"لا تؤمِنْ بأي شيءٍ ولا بهذا الكلام.

"لا تؤمنْ بأيِّ حلالٍ، بأيِّ حَرام.

"اختبِرْ أنَّ كلَّ حرامٍ حلالٌ وكلَّ حلالٍ حَرام.

"اختبرْ أنكَ خالدٌ زائلٌ نائمٌ لا تنام.

"اختبرْ أنكَ غيرَ الأنامِ وأنكَ كلَّ الأنام.

"قيلَ لكَ إني قَــدْ مَنَـنْتُ على المُؤمِنِين إِذْ بَعَثْتُ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنفُسِهِمْ.

"ولكنني أؤكِّدُ أني لم أبعثْ أيَّ نبيٍّ وأيَّ رسول.

"ولم أَمُــنَّ على أحدٍ بأيّةِ نعمةٍ، بأيِّ فعلٍ، بأيِّ قَول.

"في كل كائن منه لهُ على قدر وعيِهِ رسول.

"كلُّ كائنٍ وعيٌ مغلَّفٌ بحُجُبٍ وأنا الوعيُ-الأحد.

"كيف أُرسِلُ رسولاً إلى أحدٍ وأنا في كلِّ أحد.

"الرسولُ الذي رسموا لكَ صورتَه هو انفعالات جماعتكَ ورغباتُ آبائكَ الأولين.

"صورةٌ راكَمها الجهلُ والخوفُ عبر السنين.

"رغباتُ جماعتكَ ورغباتُكَ كلها زائفة.

"ولكنها، إنْ لم تنتبِهْ، جارفة.

"أصلُ كلِّ شيءٍ رغبة.

"فرِّغْها بدون أذىً، بكلِّ مَحبَّة.

"لا حاجةَ لكَ في الشرائع.

"لا حاجةَ لكَ في المعابدَ أو في الجوامع.

"رغباتُـــكَ وانفعالاتُـــكَ ليست أنتَ، بل هيَ ثيابُــكَ وحِذاؤك.

"فاخلعْ نَـعلَـيكَ ولِباسَـــكَ ترَني أنا أنتَ لا أنتَ أنا ويحصلْ فناؤكَ-بقاؤك.

"اخلَـعْ عنكَ الرَّانَ وارْنُ إليَّ ورَنِيْ بعينِكَ الرابعة

"تَــلْــمُــسْـني في سمائكَ السابعة.

"أنا لستُ منفصلاً عنكم لكي أكونَ معكم أينما كنتم.

"أنا وعيُــكم أنتم ووعيُ ما ترونه أنه ليس أنتم.

"لكي تُحِسُّوا بي لا تحتاجون لأيِّ وسيط.

"فكلُّ وسيطٍ مُعيق.

"ألقُوا عنكم وهمَ الرسول ووهمَ الإله ولا تتَّبعوا أيَّ طريق.

آكس آن بروفانس، آذار 2013

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني