ماذا نحتاج أن نفعل؟
حوار مع فاندانا شيفا
سؤال من جون روبنز: يبحث الكثير منا اليوم عن طريقة لتحويل الكارثة
البيئية والوحشية البشرية التي نواجهها إلى فرصة لاستعادة إنسانيتنا
ومستقبلنا... في كتابك الجريء والمُلهم التراب وليس النفط
Soil NOT Oil
توضحين أن صُنع التربة الصحية وإنهاء اعتمادنا على
الوقود الأحفوري هي خطوات ضرورية لخلق مستقبل مستديم. ڤاندانا، أريد أن
أسألك: ماذا نحتاج أن نفعل؟ وكيف يحتاج تفكيرنا وسلوكنا للتغيير، لصنع
انتقال ديمقراطي من النفط إلى التراب؟
ڤاندانا شيڤا:
إن أبرز الأشياء التي ورثناها من عصر النفط هي طريقة التفكير الآلي...
منذ أن قدر الوقود الأحفوري على تشغيل الآلات، تحورت كل طريقة تفكيرنا
وصرنا نعتقد أن العالم آلة، وأن الطبيعة أساسًا هي شيء خامل وميت.
ومهما كانت القيمة المضافة، سنحصل على الزيادة نفسها مثلما نضيف من
المصادر الخارجية، سواء كان رأسمال أم وقود أحفوري أو كيميائيات
مستخرجة من الوقود الأحفوري.
إذًا، أول شيء بحاجة للتغيير هو تغيير النظرة العالمية وطريقة
التفكير... نحتاج إلى الانتقال من النظرة الآلية، التبسيطية، العسكرية
للعالم، إلى نظرة بيئية تدرك وتعترف بأننا جزء من الأرض.
نحن مواطنون أرضيون، والعناية بالأرض هي قمة إنسانيتنا وأيضًا قمة
مسؤوليتنا.
أعتقد أن ثاني شيء نحتاج لرؤيته هو أن العالم ليس عمليات تدفق خطية من
الاستغلال الذي يترك خلفه أراضي وأرواح عقيمة متصحرة.
في النهاية، قبل أن يتحول أي شاب إلى انتحاري فإن روحه قد تحولت مسبقًا
إلى صحراء قاحلة قبل أن يفكر بهذه الطريقة.
انظر إلى الأزمة الحالية، سواء كانت في نيجيرا أم في سورية... في السنة
الفائتة، أصدرنا من أجل معرض الغذاء العالمي في ميلان، بيانًا رسميًا
بعنوان "إحياء الأرض: ترابنا، أراضينا المشاعة، ومستقبلنا". ومع رؤيتنا
لكل هذه القوارب التي تجتاز البحر المتوسط حاملة اللاجئين، معظمها يغرق
وبعضها يصل... والآن تعقدت الأزمة وظهرت قضايا إعادة وطرد اللاجئين،
وقيام الاتحاد الأوروبي بدفع بعض المال إلى تركيا للاحتفاظ باللاجئين
في أمان.. لكن الشيء الذي لم يحدث هو الخطوة التي نحتاج حقًا للقيام
بها.. لماذا يهاجر السوريون؟ بالطبع هناك حرب.
لكن قبل الحرب، كان هناك انعدام استقرار آخر، وهو ما حدث سنة 2009 من
هجرة وانتقال لطبقة الفلاحين لأن جفافًا حدث في تلك السنة.
بالطبع عندما يحدث جفاف عادي مع ترب عضوية جيدة ومياه غير مُستنفذة
يمكنك النجاة ومقاومة الجفاف... لم تكن تلك أول مرة نرى فيها الجفاف...
لقد رأينا موجات أقسى في عدة مناطق... هذا يعني أن علينا أن نكون أكثر
حذرًا وعناية بالتربة وبالماء.
لكن بالطريقة نفسها التي قامت بها الثورة الزراعية الخضراء بتدمير ترب
إقليم بنجاب الهندي، تم تدمير ترب سورية... سورية هي جزء من الهلال
الخصيب الذي هو أصل الزراعة في العالم... ومع ذلك الجفاف الواحد في
سورية تم اقتلاع أكثر من مليون ونصف فلاح، تحولوا إلى لاجئين محليين
داخليين وانتقلوا إلى المدن... ولم يقدر المجتمع على مواجهة ذلك.
هذا ما حدث سنة 2009. وفي سنة 2011 بدأت الأسلحة تدخل إلى سورية ونحن
نرى نتيجة ذلك، والنتيجة صارت شيئًا عالميًا خارج نطاق السيطرة.. سواء
أكان مأساة أن نصف السوريين صاروا يعيشون في الخارج كلاجئين، أم مأساة
محاولة إيجاد بعض الناس الغاضبين لاستجابات عنيفة تجاه أزمة عنيفة.
جون روبنز: سمعتك وأنتِ تصفين كيف يرتبط الصراع والإرهاب مباشرة مع
تغير المناخ والتراجعات في خصوبة التربة... هذا الترابط لم يكن واضحًا
عند أغلب الناس، لكن من المعروف تمامًا أنه قبل الحرب في سورية، عانت
البلد من أسوأ موجة جفاف مسجَّلة... وهاجر أكثر من مليون ونصف سوري من
الحقول إلى المدن، فصنعوا اضطرابًا اجتماعيًا وزادت نسبة البطالة ونقص
الغذاء والماء، وأُجبر الفلاحون على ترك بيوتهم والهجرة إلى المدن حيث
بدأ العنف.
في هذه النقطة، لا أعتقد أن هناك أي شك بأن الجفاف، الذي كان أسوأ جفاف
مسجل في المنطقة، كان قويًا بسبب تغير المناخ العالمي (أعتقد بسبب رش
الكيمتريل المبرمج) وأن المجاعة الناتجة قد ساءت أكثر بسبب تناقص خصوبة
التربة، والسبب هو الانتشار الواسع للاعتماد على الكيميائيات الزراعية
من أسمدة ومبيدات... ڤاندانا، ماذا نحتاج أن نفعل اليوم؟
ڤاندانا شيڤا:
إن الذي نحتاجه، وأنا أكرر ذلك دائمًا: أن نصنع سلامًا مع الأرض.
ولذلك، في المؤتمر المناخي في باريس، الذي حدث مباشرة بعد تفجيرات
باريس، قمنا بزراعة "حديقة الأمل". وأخذنا عهدًا جماعيًا، وهو موجود
على موقع
seedfreedom.info
- عهد الحفاظ على الأرض والحفاظ على بعضنا البعض.
إذا لم نستردَّ إنسانيتنا، وهذا يعني استرداد قدرتنا على رؤية أنفسنا
كجزء من مجتمع الأرض، فلن نكون قادرين على معالجة الأزمة البيئية بما
فيها الأزمة المناخية. لن نقدر على إيقاف زعزعة المجتمع وتفكيكه أو
الحروب وظهور الإرهاب. لن نقدر على إيقاف وباء الأمراض وتدهور الصحة
الذي نراه اليوم.
كل هذا يعود إلى حقيقة أن الترب الزراعية صارت مستنفذة من المواد
المغذية، وإذا كانت التربة خالية من المغذيات الدقيقة والعناصر
النادرة، فالنباتات والمحاصيل ستكون خالية منها، وبالتالي جسمك لن يحصل
عليها. النقص في هذه العناصر الدقيقة هو الجوع الخفيُّ الذي لا يعالجه
معظم الناس وحتى لا يتحدثون عنه.
جون روبنز: أعتقد أنه إذا أردنا صنع السلام مع الأرض، واسترداد قدرتنا
على رؤية أنفسنا كجزء من مجتمع الأرض، فإن تناول الأطعمة الصحية
العضوية سيساعدنا.. ستعطينا المغذيات الدقيقة التي نحتاجها لنفكر بوضوح
ونفكر بعمق ونفهم أنفسنا بشكل كامل.
الأطعمة الصناعية المزروعة بالأسمدة والمبيدات الكيميائية لن تعطينا
الأساس الحيوي لنكون أشخاص كاملين الوعي، بل تجعلنا أقل وعي وأقل
حيوية.
وأعتقد أيضًا، إذا كنا سنتجاوب بفعالية تجاه المشاكل التي تصفينها،
فعلينا أن نتجاوز إدماننا على طريقة محددة من التفكير حول التقدم
والتطور البشري، وحول علاقتنا مع باقي الحياة على سطح الأرض.
ڤاندانا، أنتِ تتحدثين عن علاج الأزمة البيئية، عن إيقاف تفكيك
المجتمعات والحروب وظهور الإرهاب، وإيقاف أوبئة الأمراض في عصرنا... من
أجل إنجاز هذه الأهداف الحيوية الهامة جدًا، هل تعتقدين أننا بحاجة
لإيقاف التفكير بأنفسنا أننا قمة وأوج الخلق والمخلوقات، وبدلاً من ذلك
نعيد تأسيس شراكتنا مع الأنواع الحية الأخرى؟
ڤاندانا شيڤا:
طبعًا! طبعًا! هناك رمز جميل عن طوق إندرا، فيه كل حبة لؤلؤ تعكس صورة
كل الحبات الأخرى وكل الخلائق. إن كل جزء من شبكة الحياة، هو في الواقع
انعكاس لكل الأجزاء فيها. النسيج المتداخل بين العلاقات الأفقية عبر
التنوع الحيوي، يصل أصغر الجراثيم بأضخم الحيوانات الثديية.
وذلك مختلف جدًا عن فكرة أن الإنسان يجلس في القمة. الآن بالطبع،
الإنسان لا يجلس في القمة، مثلما تذكر إحدى النصوص القديمة: "نحن طعام،
وكل شيء طعام... كل شيء هو طعام لشيء آخر!". في النهاية ستعمل الجراثيم
وليمة من أجسادنا، ولو أننا فهمنا شبكة الحياة فعلاً بالطريقة العلمية
الحقيقية، لما قمنا أبدًا برسم ذلك الهرم والإنسان في قمته.
هذه الطريقة الخطية من التفكير والطريقة الهرمية، يجب أيضًا أن نرميها
لكي نخرج من عصر النفط ونعلن ولادة عصر التراب.
الإنسان حتمًا ليس في القمة، لكن الأمر ليس مجرد وضع الإنسان في القمة،
بل وضع فقط بعض الناس في القمة!
تذكرتُ الوثيقة البابوية سنة 1493. كان كولومبوس مسافرًا في البحر
ويريد الذهاب إلى الهند، لكنه أضاع طريقه وانتهت رحلته في أميركا
معتقدًا أنها الهند. وأطلق على سكانها الأصليين اسم هنود. بعدها قام
البابا وهو "وكيل السيد المسيح" بكتابة وثيقة فتوى إلى الملكة إيزابيلا
والملك فرديناند: "هنا، كل المناطق غير المحتلة من قبل الأمراء
المسيحيين هي ملكٌ لكم في كل العالم". بهذا تم تسليم أراضي قارة
بكاملها! أرضٌ لم تنتم أصلاً للبابا ولا للملك أو الملكة! لو أن المسيح
هنا لتحدث بلغة مختلفة تمامًا وقال إننا لا نمتلك الأرض بل نحن جزء من
الأرض وهي التي تمتلكنا.
إن العنف الذي قلوبنا ينعكس في العنف تجاه التربة، تجاه المياه، وننسى
أننا واحد. نحن إنسانية واحدة، عائلة واحدة على أرض واحدة.
جون روبنز: مع كلامك عن العنف في قلوبنا وعقولنا وانعكاسه في العنف على
التربة... أتذكر ما قلتِه سابقًا عن الأهمية الحاسمة للتربة الصحية
الحية... وأفكر بمنظمتك: ناڤدانيا. لمن لا يعرف،
Navdanya
هي شبكة من حافظي البذور والمنتجين العضويين
المنتشرين عبر 18 ولاية هندية، وقد قامت ڤاندانا بتأسيسها. لقد ساعدت
ناڤدانيا على تأسيس مئات من بنوك البذور المحلية عبر البلد، درَّبت
أكثر من خمسة ملايين فلاح على امتلاك السيادة في الغذاء واستعمال طرق
الزراعة المستديمة خلال آخر 20 سنة... وساعدت على تأسيس أضخم تسويق
مباشر، وشبكة التجارة العادلة للمواد العضوية في الهند.
ڤاندانا، عندما نفكر بالتربة الصحية والخصبة، ماذا تعلمتي من عملك في
ناڤدانيا؟
ڤاندانا شيڤا:
لقد أظهر كل عملنا في ناڤدانيا أنه كلما ازدادت شراكتنا مع كائنات
التربة، ازدادت كمية الطعام التي تقدمه لنا... كلما أنتجنا المحاصيل
بدون كيماويات وزدنا التنوع الحيوي، يزداد عدد الحشرات الملقحة
للنباتات وتزدهر. في مزارعنا، هناك من هذه الحشرات ستة أضعاف مقارنة
بالغابة المجاورة.
وثلث الطعام في المزرعة – قمنا بالحساب - يتم تقديمه لنا بواسطة تلك
الحشرات. إذًا، يجب علينا إنشاء شراكة مع كائنات التربة والحشرات
الملقحة.
أنتم تستخدمون مبيدات نيونيكوتينويدز، وتستخدمون النباتات المعدلة
وراثيًا، وتقتلون الكائنات الحية في التربة. أظهرت دراساتنا على قطن
Bt Cotton
المعدل وراثيًا أن 50% من كل الكائنات المفيدة قد
اختفت خلال 15 سنة من زراعته.
في خمس سنوات أخرى سيحلُّ الأمر! ليس هناك أية حشرة ملقحة على محصول
Bt cotton
لأن هذا النبات المعدل يُطلق السموم في كل خلية
طوال الوقت. من ناحية أخرى، عندما نزرع بذورًا طبيعية ودون استعمال
الكيماويات فنحن نقول للحشرات الملقحة "تفضلي هذا طعام لك".
وعندما نشارك طعامنا معها، فهي تقوم بمشاركتنا والخلق معنا. شبكة
الحياة هي شبكة طعام، وأكثر طريقة فاعلة لزيادة إنتاج الطعام الحقيقي –
ليس الطعام المزيف - هي فعلاً الشراكة مع الكائنات والأنواع الأخرى.
عبر عديد من السنوات التي مارستُ فيها الزراعة العضوية وقمتُ بالأبحاث
عليها، وجدت أن دورنا الرئيسي هو تغذية التربة بطعام متنوع صحي ومغذي.
والتربة عندها ستغذينا.
الزراعة العضوية تجدد خصوبة التربة باستمرار، وتزيد امتصاص التربة
للكربون بشكل واضح. في زمن يتم فيه تشويش المناخ العالمي بالكربون
الفائض في الجو، نجد أن قدرة الزراعة العضوية على سحب الكربون من الجو
ووضعه في التربة، حيث يزيد الخصوبة، أمر هام جدًا. هذا يقوم ببناء صحة
التربة وكذلك ينقص التغير المناخي. وحصلنا في ناڤدانيا على 120 إلى
160% زيادة من الكربون العضوي في التربة.
ليس علينا استخراج آخر قطرة من الخصوبة، ولا استهلاك آخر ذرة من
الكربون في تربتنا ووضعه في الهواء. هذه حقيقة: الزراعة المستندة على
الوقود الأحفوري تحاكي الوقود الأحفوري نفسه. إنها صناعة استخراجية
مستندة على استخراج النفط والغاز والفحم، وهذا ما يدمِّر الكوكب: بما
فيها كل الحروب التي تم إشعالها، بما فيها كل العنف وهو نتيجة لعدم
الاستقرار في الشرق الأوسط.
كل حروب الشرق الأوسط هي حروب لأجل النفط، حروب على الوقود الأحفوري.
كل العنف الذي نراه، قد يكون في شوارع بروكسل أو في المطارات أو في
باريس... في نهاية المطاف، تعود كلها إلى زعزعة المجتمع عبر صناعة
النفط الاستخراجية والحروب التي تولدها.
لكن الأسمدة الكيميائية المشتقة من الوقود الأحفوري هي أيضًا صناعة
استخراجية تعتمد على الأخذ وحيد الاتجاه من الفلاحين. ولأن التربة تموت
فإن مزارعنا الصغيرة تموت أيضًا. لكن الزراعة العضوية التي تستند على
قانون الإعادة، الإعادة إلى التربة، هي أيضًا تعيد إلى الفلاحين
حقوقهم.
في ناڤدانيا، مع الازدياد الكبير للكربون العضوي، وقيام المزارعين
بامتلاك بذورهم البلدية الخاصة بهم بدل الاعتماد على شركات شيطانية مثل
مونسانتو لشراء البذور المعدلة غير القانونية. لا يستخدمون كيماويات
الحروب بل يستخدمون خصوبة التربة الطبيعية ويزيدون خصوبتها... ويخلقون
أسواقهم الخاصة للتصريف، ولا يتم استغلالهم من قبل الأسواق العالمية
متعددة الجنسيات.
هؤلاء الفلاحون يربحون عشر أضعاف ربح الفلاح التقليدي، لأن الماء يدور
ويعود إليهم من جديد، بدلاً من الاستخراج وحيد الاتجاه حيث يتركون
للفلاح 1% فقط من الربح، وتأخذ الشركات الضخمة وهي السمسار الجديد 99%
من الأرباح.
*** *** ***
عن موقع علاء السيد
ڤاندانا
شيڤا
هي قائدة ومفكرة بيئية رائدة على مستوى العالم.. وهي مديرة
لمؤسسة في البحث
العلمي التكنولوجي والبيئي، ومؤلفة لعدة كتب من الأفضل مبيعًا
بما فيها كتاب
Soil Not Oil: Environmental Justice in an Age of Climate
Crisis،
وكتاب
Stolen Harvest.
وهي مؤسِّسة ناڤدانيا (تسع بذور) وهي حركة تدعم التنوع الحيوي
واستعمال البذور
الملحية.
حصلت على جائزة
Right Livelihood Award
التي تدعى كثيرًا جائزة نوبل البديلة... كما اختارتها صحيفة
TIMES
كـ"بطلة بيئية".. واعتبرتها
FORBES
واحدة من أكثر سبع نساء قوة في العالم.
تجمع ڤاندانا بين البحث الفكري الدقيق مع النشاط الاجتماعي
الفاعل والشجاع، وعملها
يتراوح بين التدريس في الجامعات عبر العالم وصولاً إلى العمل
مع الفلاحين في ريف
الهند.