ناصر حسين
ولد الفنان التشكيلي ناصر حسين في مدينة حلب 1971. تخرج من كلية الفنون
الجميلة بدمشق عام 1997. درس في جامعة زيغن بألمانيا عام 2003-2004 كما
درس أيضًا في أكاديمية الفن في دوسلدورف، بألمانيا، 2004-2006. أقام
العديد من المعارض الفردية والجماعية.
***
جدوى هذه العزلة
ضياء العزاوي
الحياة
اليومية بتفاصيلها المحدودة هي ما يتطلع إليها ناصر حسين فاحصًا العلاقة
بن المكان المجهولِ الخصائص وبين الكائن الإنسانيِّ الذي يأخذ في
الغالب حيِّزًا أساسيًا يشكل البؤرة البصرية لمعاينة اللوحة، ثم
لاستكشاف الفراغ والحساسية الواضحة للسطح الذي يوليه ناصر في الغالب
أهميةً أساسية. هناك بالتالي إيحاء بمحدودية الأبعاد في عملية الرسم
وقدرة على خلق مناخٍ مغاير.
إنَّ استقلالية الموضوعات التي يطرحها الرسام تخضع لرؤيته التجريبية،
حيث يستبدل الكائن الإنساني بقطع أثاث بسيطة خالية من أية خصائص قد
تسترعي انتباهًا ما، إلا أنها تتحول إلى حقيقةٍ بفضل الموضوع وتتلون
بنوع من الألفة التي تجعل من الفضاء رسمًا يحاور السطح بضربات فرشاة
واثقةً تقع بن تقنيتن، أصباغ الإكريلك أو الألوان المائية وبينهما
مساحة لا يمكن ردمها ما لم تكن للفنان القدرة على الموازنة بين مساحةٍ
تتميز بحساسيةٍ عالية ومكوِّن لونيٍّ مغرٍ يتمدد بتلقائية واضحة. هذه
القدرة في استخدام اللون مكَّنت ناصر من اكتشاف الأشياء المحيطة
وإخضاعها لبصرٍ متأنٍ يورط المشاهد بمناخ الألفة، أُلفة المنزل أو
المرسم، وكلاهما لا يكشفان عن محتوياتهما.
إنَّ محدوديةَ المكان تستدعي علاقاتٍ على شكل تساؤلات تارةً أو حوارًا
داخليًا طويلاً تارةً أخرى، وكأنَّ مرسم الفنان مخصَّص للحديث مع الذات
ومراقبة الأشياء بهدوء بعيدًا عن أية علاقة مع الخارج. فالضوء داخليٌّ
ومقتصد جدًا بينما تحدد الظلالُ المكوناتِ المرسومة بخجل، وكأنَّ هناك
رقابة بصرية تخشى الإفصاح أو كلامٌ لا زالت تعبيراته متلكئة بفعل الكشف
عنها. تتماهى لوحات ناصر بانغلاقها الداخلي مع خصوصية البيت العربي،
واجهةٌ مغلقة وداخلٌ يفسح المجال للأزهار متأملاً الليل والنهار وهما
يتعاقبان حول هذه المساحة المغلقة. يسير ناصر بقناعته الواثقة بجدوى
هذه العزلة وقدرته على تحويلها إلى حياة بديلة نابضة وقادرة على
الإجابة عن تساؤلاته اليومية أو ترميم ذاكرته بعيدًا عن وطن يتمزق، وهو
الأمر الذي يمنحه القوة بدلاً من رثاء الذات وإعادة رسم جداريةٍ لدراما
إنسانية يتحمل عبئ تدفقها في حياة تضيق عزلتها. وفقًا لهذا المنظور،
يقف ناصر على الضد من فناني جيله وهنا يكمن تميُّزه الفني.
لندن، آب، 2015
*** *** ***