خرائب ملحميَّة
3
فيصل زواوي
*
1
صباحًا
أفتِّش بأغوار مُقلتي
عن عَبرة متيَّمة بي
لكن حنين القلب الضَّنين
لتقبيل جمرة شهيَّة الشَّفتين
احترق وتفحَّم
من التضوُّر وحدة
الآن أقرأ في كفِّ الرَّماد
مصير وردة باراكيلسوس
وأطفئ الصَّباح
لعلِّي مع الزَّوال
أُبعث من جديد.
*
أثير
أودُّ التحدُّث إلى الأثير
لكن فمي نهَشته الأقفال
وأذناي محشوَّة بالمسامير
أودُّ التحدُّث إلى الأثير
والبرق الثَّائر
والبحر المرير
لكنني عُقاب أسحم
نذير من أشأم الأساطير
أودُّ التحدُّث إلى تأوُّه الأثير
من تربُّص الزَّاحفين
على أطلال المسير
من فرط انسلالي
من تيه أغلالي
ضحكتي سوداء
سمعي سحيق
لكن أودُّ التحدُّث إلى الأثير.
*
الظِّلُّ
هُوَ ذا ظلُّ المسرح الشَّارد،
يتكئ على الحانة الواهنة.
أراه وعنكبوتًا معلَّقًا،
كل ليل يقوم من غباره.
أسمع قهقهات كؤوسه
وأشمُّ سكرات أنفاسه
وأظلُّ، أظلُّ
أتراوح، أترواح
بين إذكاء صقع احتضاره
ونسج دخان انتظاره
كيف لي أن أهجع
فوق صدري الذي
لا زال يكابد أوزاره؟!
كيف؟!
*
حياة آخرة
لا بدَّ أن لك قلب من أقدس
الأسماء
يسعُ كل تسابيح السَّماء
لكي لا تنفرط
منك رهبة الآكام
وخلوة الغابات
تفزع من أعمق أعماقها
والصَّحارى الحارَّة
من نبرة صوتها الموحوش
بشهيق رمالها
لا بدَّ أنك جنان الأماني
الموءودة باليوم الموعود
لكي لا تتمرَّد القبائل
الغافية
الصَّاحية
على الثَّأر من كوابيسها
لا بدَّ أنك مَلهمة الشَّبع
لكي تبقى الشُّعوب
تكافح نوبات جوعها
لا بدَّ أنك صيحة الأكوان
لكي يُرجى وجع أصدائك
في صدورٍ طافحةٍ بخواءِ جاهها
لا بدَّ أنك حصَاد الأحجيات
لكي تندى لك العقول النَّابغة
من فرط كبْت الحُجج لأنفاسها
لا بدَّ أن لك حياة أخيرة وليست آخرة
لكي تبدو بيني وبينك الموت
ساحرة.
*
غرفتي
في غرفتي كهف وهوَّة وجلمود
كتبٌ ذرتها الأيَّام
من على ضفاف البصر
وشمسٌ باهتة وفانوس
في غرفتي قمرً من الفلِّين
وأشباحُ قصرٍ رمليٍّ
يتهامزون
على فتاةٍ حسناءٍ بلا وجه
ترقد في حلفاءِ التَّابوت
في غرفتي يُبحر البحر
على متن فُلكٍ فوق الغيوم
ويعصفُ المساءُ المنطفئ
سوادَ الثلوج
في غرفتي كرسيٌ كهربائي
مُعاق
وتلفزة صلعاء
تضع على رأسها هرًّا
من وبر
ومذياع خلع لسانه
وانتحر
في غرفتي كم تشرَّدت
كم تمرَّدت على خذلان وعيي
في شوارع مخمورة بالدِّماء
كم نجحت في عبور
متاهات الجثث
وكم تفاديت
خصور القنابل الموقوتة بمس
وكم أغمضت أذناي
عن نباح الرَّصاص المسعور
في غرفتي باب مارد
وجدار يكاد ينقضُّ
سرير يهذي
ونافذة مُلقاة
تطلُّ على غرفتي.
*** *** ***