الرِّسَالَةُ العَاشِرَة
إلى كَاسَانْدْرَا
غياث المرزوق
قَالَ لَهَا:
«إِنَّ العُقُولَ، أَيًّا كَانَ ذَكَاؤُهَا،
لا تَرْتَاحُ وَلا تَسْتَكِنُّ إِلاَّ في التَّحَدِّي.
وَهٰأَنَذَا لا أَسْتَشِفُّ في سَرَائِرِ النَّاسِ،
أَيْنَمَا وَلَّيْتُ وَجْهِي،
إلاَّ نُزُوعًا خَفِيًّا نَحْوَ التَّحَارُبِ،
لا نَحْوَ التَّقَارُب».
قَالَتْ لَهُ:
«لَكَ أَنْ تَقْبَلَ هٰذَا التَّحَدِّي، إِذَنْ،
لِكَيْ تَسْتَمْرِئَ الشُّعُورَ بِنَشْوَةِ النَّصْر،
وَلِكَيْمَا تَعِيشَ الحَيَاةَ، بِأَسْمَى مَعَانِيهَا.
اُنْظُرْ إِلى تِلْكَ الشَّمْعَةِ اليَتِيمَة:
كَيْفَ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَدَّى الظَّلام،
وَكَيْفَ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُحَدِّدَهُ، كَذٰلِك».
بِالتَّنَاصِّ مَعَ إِمِيلْ تْشِيُورَانْ وَآنْ فْرَانْكْ
/... لَمْ أَرْتَقِبْ أَحَدًا،
وَلَمْ أَسْمَعْ بِصَوْتٍ يَصْطَفِي جَسَدًا،
فَتَحْمِلُهُ الزُّنُودُ
- حَتَّامَ تَسْحَمُّ الرِّمَالُ إِزَاءَ مَحْرَقَةٍ؟
- وَمَغْرَقَةٍ؟
- وَمَهْرَقَةٍ؟
فَلا شَيْءٌ تُشَيِّئُهُ المَشِيئَةُ، بَادِئًا أَبَدًا،
وَلا فَيْءٌ تُسَيِّرُهُ المَسِيرَةُ،
أَوْ تُحَدِّدُهُ الحُدُودُ
***
/... لَمْ أَرْتَقِبْ أَحَدًا،
وَلَمْ أَلْحَظْ بَتَاتًا، في الرَّدَى، كَمَدًا
وَهَا، قَلَقٌ يُعَاوِدُنِي كَعَادَتِهِ القَدِيمَهْ
/... أَرَقٌ
يُرَاوِدُنِي، كَمَا الزَّلْخَاءُ، عَنْ نَفْسِي،
- وَعَنْ يَأْسِي،
- وَعَنْ أَيْسِي،
وَهَا، فَلَقٌ يُنَاهِدُنِي بِنَهْدَتِهِ الأثِيمَهْ
/... حَدَّقْتُ في بَوْحِ المَدَى أَمَدًا،
لِيَتَّضِحَ الشَّتَاتُ قَصِيدَةً وَصَدًى،
وَيَتَّضِحَ الصُّدُودُ
***
/... لَمْ أَرْتَقِبْ أَحَدًا،
وَلٰكِنِّي رَأَيْتُ الآبَ يَنْتَجِلُ الإِشَارَةَ وَاحِدِيًّا،
أَوْ «حَدِيًّا»،
بِاسْمِهِ عَدَدًا،
تُعَدِّدُهُ الرُّدُودُ
/... لَمْ أَرْتَقِبْ أَحَدًا،
وَلٰكِنِّي رَأَيْتُ الاِبْنَ يَرْتَجِلُ البِشَارَةَ
رَافِضِيًّا،
أَوْ «رَضِيًّا»،
بِاسْمِ مُنْتَحِلٍ فَضَاءَ رَبِيبِهِ، عَمَدًا،...
يُحَوِّرُهَا، بِعَكْسِ الجَاذِبِيَّةِ، صَامِدًا صَمَدًا
وَيَنْثُرُهَا سَحَائِبَ مِنْ خِضَابِ
الفَحْمِ،
وَالفُوسْفُورِ وَالغَازِ المُكَلْوَرِ
وَالمُبَلْوَرِ،
ثُمَّ يَنْشُرُهَا
كَتَائِبَ في
جِهَاتٍ أَرْبَعٍ،
مَدَدًا
وَيُمْطِرُهَا، بِلا هَدَفٍ، عَلى
مُدُنٍ ثَوَاكِلَ،
أَوْ مُرَمَّلَةٍ،
فَتَسْطُرُهَا الجُنُودُ
***
/... اَللَّيْلُ جُرْحٌ نَازِفٌ،
أَوْ عَازِفٌ، مُتَآزِفٌ، لا يَنْتَهِي،...
وَالخَيْلُ، بَعْدَ اللَّيْلِ، تَعْرِفُنِي كَسَابِلَةٍ مُكَبَّلَةٍ،
رَثِيمَهْ
وَالوَيْلُ يَسْتَجْلِي، وَيَسْتَحْلِي، شُعَاعًا رَاسِمًا
بَلَدًا،...
بَلَدًا يُؤَنِّبُ، في النَّوَى أَوْ في الجَوَى، بَلَدًا،
فَيَرْسُمُهُ بِأَصْفَادٍ، وَأَضْدَادٍ، وَأَنْدَادٍ،
وَتَرْتِمُهُ مَلائِكَةٌ
مُحَنَّكَةٌ، وَتَرْجُمُهُ
شَيَاطِينٌ
رَجِيمَهْ
/... حَدَّقْتُ في بَوْحِ المَدَى أَمَدًا،
فَلَمْ أُبْصِرْ سِوَى شَيْئَيْنِ لَيْسَ بِوُسْعِ أَيِّهِمَا
ﭐلوُجُودُ،...
عَلى بِسَاطِ الرِّيحِ مُنْفَرِدًا وَمُنْجَرِدًا،
لِيَتَّسِعَ الوُجُودُ
***
/... لُغَةٌ مُغَلَّلَةٌ، مُغَلَّقَةٌ،
وَشَعْبٌ، في الغَلِيلِ، «مُشَعَّبٌ»
/... لُغَةٌ مُعَلَّبَةٌ، مُلَعَّبَةٌ،
وَشَعْبٌ «أَعْلَبٌ»، بَلْ «أَلْعَبٌ»
لا يَعْدُوَانِ كَتَوْأَمَيْنِ، عَلى ضِفَافِ النِّيلِ،
أَوْ في الجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَالغَرْبِيِّ مِنْ شَطِّ الفُرَاتِ،
وَلا يُعِدَّانِ النَّشِيدَ، عَلى الأَقَلِّ، مُنَاشِدًا
عَرَبًا،
بِغَضِّ الطَّرْفِ عَنْ مُسْتَعْرِبٍ أَوْ عَارِبٍ
أَوْ، في الحَقِيقَةِ، بَائِدٍ مُتَسَائِدٍ مِنْ جُرْهُمٍ
أَرَبًا،
/... وَلٰكِنْ
يَجْمَعَانِ، هُنَا، «هَجِيلاً» مِنْ كَوَاكِبَ
أَوْرَثَتْ حَوْبَاءَهَا لِلْعَابِرِينَ،
كَلالَةً أَوْ دِنْيَةً،
وَيُجَمِّعَانِ، هُنَاكَ، جِيلاً مِنْ مَسَاكِبَ
لَمْ تَرِدْهَا دَمْعَةٌ مُخْضَلَّةٌ، دَأَبًا،
فَتَحْتَرُقُ الوُرُودُ
***
/... هِيَ وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ،
مِنْ حُلُمٍ مِنَ المَاضِي أُسَيِّبُهَا، إِذَنْ،
لَكِ يَا كَاسَانْدْرَا
فَتَسَيَّبِي، مَا شِئْتِ، نَحْوَ السَّاحِلِ التَّتَرِيِّ،
وَالخَزَرِيِّ،
في هَرْجٍ، وَفي مَرْجٍ،
لِتَلْقَيْ سَيِّدَاتِ المَوْجِ يَقْصُصْنَ المَجَازِرَ
قِصَّةً قَمَرِيَّةً
وَيُدِنَّ كِسْرَى
هِيَ قِصَّةٌ لَمْ أَدْرِ إِنْ كَانَتْ تَدُورُ عَلى المَدَارِ
مَرِيَّةً
بَلْ أَنْتِ أَدْرَى
/... حَدَّقْتُ في بَوْحِ المَدَى أَمَدًا،
كَمَنْ وَهَبَ الضِّيَاءَ حَيَاتَهُ عُرْيَانَ،...
وَالأَحْلامُ تَتْرَى
كَمْ كَانَ يُعْجِبُنِي ضِيَاؤُكِ حَائِدًا، مُتَحَدِّيًا وَلَهَاْ
وَيُعْجِبُنِي حَيَاؤُكِ، حِينَ
يَخْتَصِرُ الأُنُوثَةَ كُلَّهَاْ
/... في كِلْمَةٍ،
لَكِ يَا كَاسَانْدْرَا
يَا بِنْتَ عُرْسِ الأَمْسِ مِنْ بَأْسٍ إِلاهِيٍّ
وَمِنْ تَوْقٍ «سِجَالِيٍّ»، خَفِيٍّ، أَوْ جَلِيٍّ،
نَحْوَ بُوصَلَةٍ مُؤَصَّلَةٍ تَدُلُّ عَلى هَدِيرٍ آدَمِيٍّ،
قَبْلَ أَنْ تُغْوِيهِ هِيدْرَا
هِيَ وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ، لا تَسْتَيْقِظِي رَغَدًا،
/... وَلٰكِنْ
أَطْبِقِي جَفْنَيْكِ مُعْتَكِفَيْنِ، عِنْدَ الرَّيْبِ،
لا خَوْفٌ عَلَيْكِ، مِنِ انْكِسَارِ الغَيْبِ،
أَوْ مِنْ هَيْكَلٍ تُفْتَضُّ فِيهِ شَعَائِرٌ بَدَدًا،
وَتُنْتَقَضُ الوُعُودُ
***
/... اَلْوَعْدُ، حَظُّكِ في النُّبُوءَةِ،
بَازِخٌ، أَوْ بَاذِخٌ،
بَلْ آخِذٌ، بِالفِعْلِ، شَكْلَ حَمِيَّةٍ لا تَرْعَوِي
/... اَلْوَعْدُ
مَنْشَؤُهُ «أَﭘُولِّيٌّ»، أُصُولِيٌّ
وَمَبْدَؤُهُ فُحُولِيٌّ، وُصُولِيٌّ،
يُجَمِّلُ، في صَهِيلِ الجِنْسِ، سَحْنَتَهُ
وَصَرْخَتَهُ وَرَغْبَتَهُ الجَمُوحَ،... وَيَنْضَوِي
لِلْعَيْنِ تَحْتَ «يَدَيْنِ» بَاهِيَتَيْنِ، دَاهِيَتَيْنِ،
مِنْ شِعْرٍ وَمُوسِيقَى،...
/... وَلٰكِنْ
حِينَ حَاوَلَ أَنْ يُسَدِّدَ أَمْتَهُ، سَدَدًا،
أَبَيْتِ بِكُلِّ مَا أُوتِيتِ مِنْ جَأْشٍ، وَمِنْ جَيْشٍ،
وَرُحْتِ تُشَازِرِينَ الشَّمْسَ في وَسَطِ الأُولِمْپِ
وَتَعْبُرِينَ الأَمْسَ، في دَعَةٍ، شَمَالاً أَوْ جَنُوبًا،
غَيْرَ آبِهَةٍ بِلَعْنٍ مُسْتَبِدٍّ، أَوْ مُبِدٍّ،
بَعْدَ أَنْ تَعِدَ البُدُودُ
***
/... هَا أَنْتِ تَبْتَدِعِينَ بُدًّا،
في الجَمَالِ، وَفي الهُبَالِ، وَتُبْدِعِينَ قَصَائِدًا،
وَحَصَائِدًا، وَمَصَائِدًا رُتَبًا،...
وَكَمْ،...
كَمْ كَانَ يَأْسِرُنِي حِدَاؤُك صَائِدًا، مُتَصَدِّيًا، غَضَبًا
وَيَأْسِرُنِي نِدَاؤُكِ، لا أَبَا لَكِ،
حِينَ يَبْدُو حَادِيًا لَهَبًا
/... وَيَدْنُو
مِنْ مَجَازِ الحَرْفِ، أَوْ حَرْفِ المَجَازِ،
لِيَسْتَجِدَّ الجِدَّ في وَجْدٍ، وَفي وَكْدٍ، وَفي وُكْدٍ،
وَفي عُذْرِيَّةٍ جَذْرِيَّةٍ، جَبْرِيَّةٍ، أَبَدِيَّةٍ،...
فَلْتُوفِدِي، لَوْ كَذَّبُوكِ وَعَذَّبُوكِ، اليَوْمَ،
مِنْ تَبْرِيحَةٍ وَتَبَصُّرٍ، وَفْدًا،
لِكَيْ تَفِدَ الوُفُودُ
***
/... هِيَ فِكْرَةٌ كَأْدَاءُ لا شَيْءٌ يُجَسِّدُهَا،
سِوَى شَيْءٍ «أَلَائِيٍّ»، بَلائِيٍّ، وَلائِيٍّ،
وَيُوقِدُهَا،
أَمَامَ العَاشِقِينَ
تَطَاوُلٌ، وَتَسَاؤُلٌ في كُلِّ
شَيْءٍ،
في الخَفَاءِ، وَفي الجَهَارِ،
/... وَخَاصَّةً،
فِيمَا يُغَلِّلُ، أَيْنَمَا وَلُّوْا مَحَاجِرَهُمْ، وَهِيجَ
الاِبْتِكَارِ
وَمَا يُكَبِّلُ، كُلَّمَا اسْتَلُّوْا حَنَاجِرَهُمْ، أَرِيجَ
الجُلَّنَارِ
وَمَا يُجَافِي الضَّوْءَ "مُخْتَمِرًا" بِأَطْرَافِ
النَّهَارِ،...
وَمَا يُنَافِي النَّوْءَ مُنْهَمِرًا عَلى الأَرْضِ
البَوَارِ،...
/... إِذِنْ،
تَحَدِّي أَيَّمَا حَدٍّ مُحَدٍّ، زَائِدٍ عَنْ حَدِّهِ،
وَتَنَفَّسِي الصُّعَدَاءَ،
ثُمَّ تَغَمَّدِي، مُزْدَانَةً، أَلِفَ الإِبَاءِ، وَمَدِّهِ،
فَالطَّاعَةُ العَمْيَاءُ مَأْثِرَةُ القَطِيعِ، وَشَارَةٌ
في قَدِّهِ،
وَبِكُلِّ أَدْيَانِ السَّمَاءِ مَعَالِمُ
التَّمْيِيزِ نَاسُوتِيَّةٌ،
مِنْ عَهْدِهِ،
/... فَلْتَفْخَرِي، فَخْرًا،
فَإِنَّ مَعَالِمَ
التَّمْيِيزِ فِيكِ ثَلاثَةٌ:
«عِرْقِيَّةٌ»، «طَبَقِيَّةٌ»، «أَبَوِيَّةٌ»،...
وَثَلاثَةٌ أُخْرَى تُوَزِّعُ، في البَرِيَّةِ، سَرْءَهَا، بَلْ
هَرْءَها،
/... بَلْ خُرْءَهَا،
قُومِي، كَاسَانْدْرَا، وَافْرُدِيهَا كُلَّهَا، "فُرَدًا"،
لِتَنْكَسِرَ القُيُودُ
***
/... يَا وَرْدَةً عَذْرَاءَ لا تَسْتَسْلِمِي، أَبَدًا،
فَهَا، شَبَحٌ يَنُوءُ بِكَلْكَلِ الرُّؤْيَا، عُزُوفًا، أَوْ سُدًى،
صَدَّقْتِ، مَا صَدَّقْتِ،...
لا أَلَمٌ يَسُومُ القَلْبَ خَسْفًا، أَوْ «خُسُوفًا»،
في الزَّمَانِ،
فَقَدْ يَحُومُ عَلى الشَّغَافِ، مُؤَابِدًا وَمُنَاكِدًا،
قَيْدَ المَكَانِ،
وَقَدْ يَدُومُ هُنَيْهَةً، أَوْ «سَاعَةً»، أَوْ لَيْلَةً،
أَوْ بِضْعَةً مِنْ أَشْهُرٍ «حُرُمٍ»،
/... وَلٰكِنْ،
في النِّهَايَةِ، سَوْفَ يَرْفَعُ رَايَةً بَيْضَاءَ، لا شِيَةٌ
عَلَيْهَا،
شَاءَ ذٰلِكَ، أَمْ أَبَى،...
لِيَحُطَّ نَجْمٌ «كَامِنٌ»، وَيَخُطَّ ضِحْكَتَهُ، وَنَظْرَتَهُ
إِلَيْهَا،
فَانْظُرِيهِ، إِذَنْ، يُعَانِقْ ثَوْرَةً وَثَّابَةً،
وَغَدًا،
لِكَيْ تَثِبَ البُنُودُ
***
/... يَا وَرْدَةً عَذْرَاءَ لا تَسْتَسْلِمِي،
لَكِ أَنْ تُرِينِي اليَوْمَ إِنْ صَنَعَتْ ذُرَاكِ
غَمَائِمًا،
اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ الرِّسَالَةَ،...
فَانْشُرِينِي في «الخَمَائِلِ»، إِنْ أَرَدْتِ،
حَمَائِمًا،
أَوْ قُبَّرَاتٍ آمَّةً، أَوْ هَامَّةً، كَيْمَا أَرَاكِ،
هُنَاكَ ظِلٌّ مُسْتَهِلٌّ، مِنْ عَلى يُسْرَاكِ،
رُوحِي قَبِّلِيهِ، وَجَلِّلِيهِ، وَرَتِّلِيهِ، كَسُورَةٍ
حُبْلَى بِكَامِلِ سَوْرَةٍ،...
إِذْ أَنَّ قَلْبًا كَانَ يَغْرِسُ غَرْسَهُ، عَمْدًا،
وَكَانَ يَحِيدُ عَنْ بَارُودَةٍ مَزْهُوَّةٍ، حَيْدًا،
وَعَنْ دَمِهِ يَذُودُ
*** *** ***
دبلن، واشنطن،
فبراير (شباط)، مارس (آذار) 2006