مرة أخرى حول ثقافة الحوار
ندره اليازجي
يتمثل
هذا البحث في إقامة تأليف بين المقولات الأربع التالية:
1.
الحوار بوصفه السبيل المؤدي إلى التفاهم.
2.
ثقافة التسامح بوصفها تجاوزًا للإدانة والإدانة المضادة.
3.
المبادئ التي تتضمَّن فيها حقيقة الحوار والتسامح.
4.
الأنسنة بوصفها شمول الإنسانية.
أولاً: الحوار بوصفه السبيل المؤدي إلى التفاهم
يتمثل الحوار، الذي يتحقق بين الإنسان ونفسه على مستوى اليقين الذي
يعتمده لتأسيس معتقده أو وجهة نظره أو محاكمته أولاً، وبينه وبين
الآخر، أيًا كان هذا الآخر، على مستوى الاعتراف والقبول به وفهم موقفه
الفكري أو المبدئي ثانيًا، في ضرورة تأسيس بنية عقلية منفتحة، مكوِّنة
وواعية تصلح لإجراء تفاهم معمَّق بين أبناء وبنات الناس، ويهدف إلى
إرساء قاعدة يتوطد عليها صرح مجتمع إنساني تتكامل أبعاده ومستوياته
العديدة والمتنوعة في المحبة، والحكمة، والتسامح، والتحمل، والسلام،
والطمأنينة والازدهار، ويتجاوز الأطر المحدودة، والمناهج أحادية البعد
التي أشرطت العقل والنفس والروح، وحالت دون تطوير الوجود الإنساني
والسمو به إلى مستويات مثالية، وأدَّت إلى عدم تحقيق المغزى الروحي
الكامن في الوجود على مستوى الواقع الطبيعي والإنساني والكوني، وإسقاط
المعنى والقيمة المتأصلين في جوهر الحياة.
في هذا المنظور، أسعى إلى تقريب وجهات النظر العديدة في إطار التأليف
الحواري الذي يُبنى على أساس عقلي، ونفسي وروحي واع، وعلى معرفة الطريق
المؤدي إلى التلاقي مع الآخر والتفاهم معه على أساس الاعتراف بالتنوُّع
المتأصل في جوهر المبادئ الإنسانية، والمبادئ الطبيعية والمبادئ
الكونية التي أبدعها الوعي الكوني الماثل في الإلوهة، وهدف إلى تحقيق
تأليف بينها يشير إلى تكاملها وتآلفها في حقيقة واحدة سامية. والحق، إن
هذا التأليف واجب مُلقى على عاتق الإنسان... وواجب يدعوه إلى توحيد
نطاقات ومستويات المبادئ المذكورة.
لمَّا كان الحوار يتألق في تكامل المواقف الفكرية، والنفسية والروحية
التي تشير بدورها إلى تنوُّع المبادئ وتوافقها في انسجام يكمن في وحدة
تأليفية تجد أصولها في عمق الوعي، والحكمة والمحبة، فإني أسعى جاهدًا
إلى تحقيق ما يوجد، على نحو حضور، في عمق كياني، على نحو كمون، لأعاين
وأحيا هذه الوحدة الضمنية والجوهرية التي تجمع الإنسانية كلها في حقيقة
واحدة متنوعةٍ في ظاهرها وفي مستويات تعبيرها، ومتكاملةٍ في جوهر
رموزها وتمثلاتها.
في هذا المنظور، استطعت أن أتمثل الحضارات والثقافات والأديان،
وتأليفها في تكامل توحيدي يُبدع مني إنسانًا منسجمًا في كياني،
ومتوازنًا في صميمي، ومتفهمًا للتنوُّعات الحضارية، والثقافية
والروحية، ومحبًا للإنسانية جمعاء.
علمتُ أنني أمثل ثقافة عقلية وروحية ومعرفية شاملة ومتنوعة في ظاهرها
ومتكاملة ومتآلفة في جوهرها، تحيا في داخلي وتُمدني بقوة الحياة
الواعية وتوازن الشخصية الحكيمة. وحدستُ ببصيرتي ما تشتمل عليه حديقة
كياني من مفاهيم، وقيم ومبادئ لا تتحقق في وحدة، ولا تتكامل في انسجام
ما لم أكن قادرًا على إبداع تأليف بينها يتناغم في نطاق تنوعات الروعة
التي تنضوي تحت كنف الحقيقة الواحدة وبهاء اللقاء المضيء بألق المحبة
والوعي والحق. إن العقل، الذي يزدهي بجمال التنوع، يتألف في غبطة النور
وسمو الروح.
في هذا المنظور، أدركت أن المفهوم السامي والمغزى العميق يكمنان في
الوجود الإنساني، ويتجليان في المقولات الثلاث التالية:
-
أولاً:
يشير واقع الحضارات والثقافات والأديان إلى تنوع ظاهري وتكامل أو
انسجام يتألف في حقيقة واحدة.
-
ثانيًا:
يشير واقع وجودنا، على مستوى كوكب الأرض، إلى التنوع الظاهري والوحدة
الباطنية والجوهرية.
-
ثالثًا:
يشير التنوع إلى الحكمة السامية التي تؤكد أنه قانون واحد أو مبدأ
إنساني واجتماعي واحد، وقانون أو مبدأ طبيعي واحد، وقانون أو مبدأ كوني
واحد.
في سبيل تحقيق الحوار الواعي، أود أن أورد بعض المبادئ التي تدعو إلى
التفاهم الذي يؤدي إلى اللقاء ضمن نطاق الاعتراف الكامل بالآخر والقبول
الكامل به.
-
أولاً:
المحبة، التي تتجاوز مركزية الأنا، تعد السبيل الأول والأهم لتحقيق
الحوار، والأسلوب الأفضل الذي يؤدي إلى التسامح العقلي والروحي الذي
يشير، بدوره، إلى الإصغاء الكامل والهادئ والرصين الذي ينتهي بالفهم
الكامل لما يعرضه الآخر أو يقدمه. في المحبة أفهم ما يقوله الآخر، أو
ما يؤمن به، أو ما يفكر به على نحو يجعلني ألتقي معه في أكثر من رأي أو
مبدأ ضمن نطاق الوعي والحكمة. لذا، كانت محبتي للآخر ومحبتي للحقيقة
تمثلان الطريق الذي أسلكه باتجاه الوعي الكوني الماثل في الألوهة. هذا،
لأن الحياة الأبدية لا تفتح بابها إلا لمن كان محبًا للآخر لسبب هو أن
محبتي للحقيقة المطلقة تتمثل في محبتي للآخر.
-
ثانيًا:
العقل المنفتح والقلب المنفتح اللذان يعتمدان الحوار الواعي وغير
المتحيز، ويتجاوزان الانفعالات السلبية والإشراطات التي تقيِّد الفعل
المكَّون والمحتجز داخل قوقعة الأنا المغلقة، وداخل القلب المغلَّف
بنسيج الحب الانفعالي الملازم لعنصرية الأنا التجمعية المتصلبة.
-
ثالثًا:
العقل المكوَّن الذي يعيد النظر في مورثات الماضي العمودية التي ترفض
التطور الأفقي، ويتحرر من القيود التي فرضتها التفاسير الحرفية
والاجتهادات المتصلبة والراسخة في مكانها وزمانها، ويتجاوزها إلى
عقلانية روحية مستنيرة تتأمل الرمز لتعاين أو تستغرق في عمق باطن أو
جوهر المعنى المضمون.
-
رابعًا:
الاعتراف بأن جميع الحضارات والثقافات والأديان روافد تصب في نهر
الإنسانية الوامع والعميق الذي يعد كتاب الأبدية وسجل تاريخ الروح على
الأرض.
-
خامسًا:
الإرشاد الحكيم الذي يشير إلى عدم توطيد أسس القطب الواحد في نطاق
معرفة الحقيقة المطلقة، أو امتلاكها أو احتكارها وحرمان الآخر من هذه
المعرفة.
-
سادسًا:
السعي إلى تحقيق حوار يقوم على عقلانية روحية يتميز بها العرفانيون
الذين ينتمون إلى جميع الفئات المستنيرة.
-
سابعًا:
كما أن الناس يختلفون فيما بينهم بصدد القضايا الروحية، كذلك يختلفون
أيضًا بصدد القضايا الأخرى، اقتصادية كانت أم اجتماعية أم سياسية أم
فكرية... إلخ. فما من قضية إلا ويدور حولها الاختلاف دون أن يتحوَّل
إلى خلاف أو نزاع. والحق، يعد الاختلاف واقعًا طبيعيًا يعود، بأصله،
إلى وجود التنوع، ولا يُحل إلا بالحوار.
-
ثامنًا:
في هذا المنظور، يتركز اهتمام الحكماء على القضايا الإنسانية التي، وقد
بلغت ذروة التفاهم بين الفئات المختلفة، تصبح الغاية المثلى التي
تريدها الحقيقة السامية المطلقة. وهكذا، يتجنب الحكماء البحث في الوجود
قبل الموت وبعده لتبقى قضية تعود لنطاق الحقيقة السامية المطلقة.
ثانيًا: ثقافة التسامح بوصفها تجاوزًا للإدانة والإدانة المضادة
دخلتُ إلى عمق كياني باحثًا عن حقيقة مبدئي وأحالة فكري. وجدت تنوعًا
من الآراء ووجهات النظر، وحدستُ وجود وحدة إنسانية شاملة. أدركت أن
عقلي تأليف الثقافات ومعارف عديدة ومتنوعة شكلت كياني وكوَّنت شخصي.
أدركت أنني أمثل ثقافة إنسانية متنوعة في ظاهرها ومتكاملةً في باطنها
أو في مضمونها، وتتألف في وسطها ثقافتي العربية الخاصة.
علمت أن الثقافات، والحضارات، والأديان والقيم الأخلاقية والروحية في
تفاهم متسامح، وأن علومي ومعارفي ومبادئي لا تتشكل بمعزل عن هذا اللقاء
المتَّسم بالتفاعل والحوار المتسامح الحافل بالموقف الفكري الإيجابي.
أدركت أن التاريخ الإنساني، الذي يتَّصف بثقافة التسامح، يتمثل بنهر
الإنسانية الذي يحمل، عبر روافده، تراث الحضارة الإنسانية حيث تلتقي
الثقافات وتتَّجه إلى توطيد أساس مستقبل أكثر إنسانية، وتتفاعل العقول
البشرية على نحو إيجابي باتجاه المحبة، والوعي، والحرية والمعرفة،
وتتكامل في نطاق حقيقة إنسانية متسامحة تتألف بالفهم الحقيقي المبدئي
ومبدأ الآخر.
بدأت، وأنا ممتلئ في داخلي ومستغرق في تأمل عقلي واع ومستنير، بدراسة
وجهات النظر المتنوعة، مذهبية كانت أم عرفانية، أم سياسية، أم
اجتماعية، أم علمية، أم اقتصادية أم غير ذلك.
أدركت أن الإنتماء المتطرف والمنفصل يحتمل ألاَّ يساعدني على تحقيق
ثقافتي الإنسانية المتسامحة، وبالتالي يُحتمل ألاَّ يمُدني بالإرادة
الحرة من كل إشراط، وبالقدرة على تبنِّي ثقافة إيجابية منفتحة إزاء
الآخر. وفي القرار الواعي الذي اتخذته، أصبحت صديقًا مخلصًا، ودودًا
ومحبًا ومتفهمًا لجميع التيارات الثقافية، والحضارية والمبدئية، دون أن
أضيِّق على نفسي في نطاق وجهة نظر معينة، إذ يُحتمل أن تُلزمني على
اتخاذ موقف عدائي، أو نزاعي أو صدامي مع أنصار أو أتباع وجهة نظر أخرى.
وفي هذا المنظور، أدركت أن مثالية وجودي وحضوري في عالم الأرض تسعى إلى
التحقيق في نطاق ثقافة الإنسانية متسامحة.
تيقنتُ أن الغاية الأسمى والمغزى الحقيقي لوجودي يكمنان في الوعي الذي
يشتمل المعرفة، والمحبة، والتقييم الوجداني والمحاكمة المنطقية الخالية
من الإنفعال. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، اكتشفت طريقي، واتخذت قراري
الماثل في إرادتي الحرَّة التي أشارت، وما زالت تشير إلى عملية البحث
عن الحقيقة عبر إنسانية أبعادها ومستوياتها، وعبر السعي إلى معرفة
جوهرها عبر ثقافة منفتحة ومتسامحة.
في هذا النطاق الفكري الإيجابي والمتسامح، جعلت من عقلي حديقة أزرع
فيها أنواع العلوم، والمعارف، والمبادئ، والعقائد، والثقافات التي
كوَّنت، وما زالت تكوِّن مني إنسانًا متحيزًا لثقافة التسامح، وأرى
الإنسانية كلها في كياني، وأعاين الكون كلَّه في داخلي، وأسعى إلى
تحقيق فضيلة عقلانية، إيجابية ومتسامحة، وأتميز بوعي يرشدني إلى محبة
الإنسان دون النظر إلى لونه، أو عرقه، أو وطنه، أو مذهبه، أو أسلوب
تفكيره، أو وجهة نظره أو عقيدته أو نوع عمله. وهكذا، جمعت المعارف
المتنوعة في نسيج واحد متعدد ألوان خيوط الحياكة.
في هذا المنظور، أعترف بوجود إنسانية واحدة تنسجم في مجمل كياناتها،
على جميع الشعوب عبر تعدد أنواعها، وأعراقها، وثقافاتها وعلومها. لذا،
توجد إنسانية واحدة شاملة، هي الإنسنة، تتنوَّع في مستويات صياغة
التعبير عن قيمها ومفاهيمها المتكاملة في واقع وجودها.
هكذا، تتنوع الحضارات، والثقافات والمبادئ الروحية في نطاق إنساني
متكامل. وهكذا، يعترف الإنسان الواعي والمتكامل في كيانه، والمجتمعُ
المتكاملُ في ثقافته المتسامحة بالإنسجام الكامن في كيان المجتمعات
الإنسانية الأخرى، المعبَّر عنه بالتكاملية الإنسانية الضمنية ولقاء
الشعوب في وجودهم مع بعضهم، بحيث يلتقي الآخر مع الآخر في عالم يسوده
مبدأ التسامح وثقافةُ الحوار الإيجابي.
في هذا النطاق الفكري الإيجابي، والمنفتح والمتسامح، تعمقت في دراسة
المناهج الفلسفية باحثًا عن الحقيقة. وبالمثل، تعمقت في دراسة مدارس
علم النفس التنوعة ساعيًا إلى فهم نفسي خاصة وفهم ديناميكية النفس
الإنسانية عامة، وهادفًا إلى بلوغ التكامل والتوازن في داخلي.
وفي السياق ذاته، درست الأديان لأكتشف الحكمة المنطوية فيها، والمبادئ
العرفانية الرائعة لأتمثلها في واقع حياتي. وأخيرًا، درست العلوم عامة
لأفهم حقيقة القوانين الطبيعية، والإنسانية والكونية، وأدرك سر المعجزة
الكامنة في جوهر الوجود.
وفي هذه الدراسة المعمقة، علمت أنني أسعى إلى تمثُّل ثقافة متسامحة
تتيح لي فرصة الإطلاع على مبادئ الآخرين وفهمها واحترامها.
وهكذا، أدخلت الآخر إلى دائرة وعيي، وهدفت إلى تحقيق المشاركة الفاعلة
بيني وبينه، وبناء جسر معرفي بيننا.
أدركت حقيقة مبدأ التسامح، وعلمت أنه الأساس والقاعدة التي يتوطَّد
عليها صرح الاعتراف الكامل والقبول الكامل بالآخر. والحق، إن الآخر
يشكل عنصرًا مكوِّنًا، رئيسًا وهامًا في بناء كياني داخل نطاق العلوم،
والمبادئ، والمعارف المتنوعة التي يمُدني الآخر بها.
وفي هذا المنظور، علمت أن جميع الحكماء، والمبدعين، والمفكرين
المثاليين، والعلماء النظريين الإنسانيين قاموا بدور أساسي في تكوين
كياني. هذا، لأن الآخر، الذي حقق إنسانية وروحانية معرفته وكونية
وجوده، جعلني ما أنا عليه من معرفة وفضيلة، وأخلاق، وعلم وخير.
هكذا، تكون إيجابية الشعور والتفكير بأهمية وجود الآخر المتميِّز
بمبادئ ثقافة التسامح في وجودي. وهكذا، يكون الإنسان الموهوب بثقافة
التسامح صديقًا لنفسه ولغيره.
بالإضافة إلى ما ذكرت، أعتقد أن المبدأ الذي عليه ثقافة التسامح، يتحقق
على مستويين:
-
مستوى أخلاقي أحقق فيه سمو كياني الإنساني الممتلئ بالمحبة، والتعاطف
والمشاركة، وأتجاوز الموقف السلبي الذي يحول دون تحقيق هذا المستوى.
-
مستوى عقلي أحقق فيه حكمة منطقي وصدق محاكمتي التي تقضي بفهم الآخر، أي
فهم موقفه الفكري، ووجهة نظره ومبدئه فهمًا صحيحًا لسبب أصيل يدعوني
إلى احترام الإختلاف الظاهري، والإعتراف بالتنوع الذي يُغني الوضع
الإنساني في كل حقل من حقول المعرفة وفي كل حالة تتوقَّف فيها الروابط
والعلاقات الإنسانية المتسامحة.
يشير هذان المستويان إلى تجرُّد ثقافة الحوار والتسامح من الإدانة
المضادة. والحق، إن التسامح لا يشير، من قريب أو من بعيد، إلى تعالي
إنسان يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة. هذا، لأن ثقافة التسامح ليست
مجرد موقف يتعالى فيه إنسان على إنسان. لذا، تعتبر هذه الثقافة تفاعلاً
حقيقيًا بين الإنسان والإنسان وبين المجتمعات الإنسانية المتنوعة.
وتتألف هذه الثقافات المتسامحة في احترام الإنسان عبر امتداد كيانه،
وتعميقه وتوسيعه باتجاه الآخر. وإذا كان الآخر هو من يساعدني على تثقيف
إنسانيتي وتحقيقها بموهبة معيَّنة، فإن إنسان ثقافة الحوار والتسامح
كائن يتجاوز الإدانة والإدانة المضادة، ويُمد إنسانيته وبوسعها بعمق
إلى الآخر المتميِّز بإنسانية مماثلة.
ثالثًا- المبادئ التي تتضمَّن فيها ثقافة الحوار والتسامح
تتحقق ثقافة الحوار والتسامح في المبادئ التالية التي تتوطَّد عليها
أسس الحياة الإنسانية الهادفة إلى بلوغ مثالية الوجود الإنساني.
-
محبة الإنسانية جمعاء بغض النظر عن الجنس، واللون، والعنصر، والمعتقد
والدين.
-
توحيد نطاقات الفكر الإنساني ووجهات النظر المتنوعة في دراسة مقارنة
تتضمَّن في وحدة تأليفية للدين بمفهومه الروحي، وللفلسفة بمفهومها
الإنساني والمثالي، وللعلم بمفهومه النظري والطبيعي والكوني.
-
تعمُّق وتوسع في دراسة القوانين الطبيعية، والإنسانية، والإجتماعية،
والولوج إلى نطاق أو مستوى القوانين والمبادئ الكونية التي تشملها.
-
الشعور الكامل بالقيمة والمعنى الكامنين في الوجود، والحْدسُ بالمعرفة
في مفهومها العرفاني الذي يشير إلى وجود وعي كوني يشمل جميع القوانين
والمبادئ.
-
التجربة النفسية أو العقلية المتسامية أو الروحية المُختبرة التي تتألف
في عرفان وجداني يتجلَّى في تحقيق الشعور الأسمى بتكامل الوجود الطبيعي
والإنساني والكوني.
-
واقع الحضارات، والثقافات والإنجازات الكبرى الرائعة، والتنوعة في
نطاقات اختصاصها مقولة تشير إلى وجود تنوُّع ظاهري للمواهب، وتؤكد وجود
حقيقة جوهرية واحدة، وعقل إنساني جماعي وشامل، وروح كونية فاعلة في
التاريخ الإنساني.
-
العقل المنفتح والقلب المنفتح سبيل إلى لقاء الإنسانية في حوار تبنِّي
الاعتراف الكامل بالآخر والقبول الكامل به، وإلى تفاعل العقل الخاص مع
العقل العام في قاعدة واحدة مشتركة تساهم فيها العقول الفرديةُ
الموهوبة، وتشير إلى احترام التجارب المعرفية والروحية الأخرى التي
اختبرها حكماء آخرون في أنحاء العالم.
-
تأسيس بنية عقلية ونفسية منفتحة ومكوَّنة تصلح لإجراء حوار بين أبناء
وبنات الناس لقبول الآخر والاعتراف به، وتتجاوز الاطر المحدودة
والمناهج أحادية البعد.
-
تمثُّل الانسان والطبيعة والكون في نسيج واحد متنوع خيوط الحياكة،
وتحقيقُ هذا التمثل في وصال مع الحقيقة السامية المطلقة عبر الطبيعة
والإنسان.
-
الإعلان العالمي لواجبات الإنسان الذي يشتمل على الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان، ويدعو إلى تحقيق تربية إيجابية فاعلة تجعل من الواجب أمرًا
أخلاقيًا وعقليًا وروحيًا.
-
المثالية بوصفها تطويرًا للواقع المُعاش أي كما يجب أن يكون على نحو
تحوُّل من الوجود إلى الوجوب.
-
السعي المثابر والهادف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية الملازمة لكرامة
الإنسان وحريته الماثلين في الوعي. وهذا يعني التطوير الدائم لتحسين
الأوضاع البشرية في نطاقاتها ومستوياتها المتنوعة.
-
توطيد التفكير المنطقي لبلوغ محاكمة سليمة تنقذ العقل من تحديدات
الإشراطات العديدة وصلابة المعتقدات الكثيرة التي كوّنت عقل الإنسان
ونفسه، وحالت دون تطويره أو تعديله إلى عقل واع ونفسٍ صافية ترقى إلى
حكمة الروح.
رابعًا- الأنسنة بوصفها شمولاً إنسانيًا
الإنسانية جامعة شاملة، وشمولها يتحقق في الأنسنة الماثلة في كيان
الإنسان. إنها تمتد إلى الكون المادي والروحي، وتتَّسع بعمق في
نطاقهما. وشمول الأنسنة بجعل البشرية أسرة كبرى تنعم في كنف الحقيقة
الواحدة. فإذا الناس جمعيهم إخوة يجتمعون في الجوهر الإنساني الواحد.
وكل إنسان أخ لكل إنسان، وجميع الناس يلتقون في أنسنة الإنسان الواحد
بوجود واحد وصور كونية متعددة من ناحية الشكل. والحق، إن محبة الإنسان
تكمن في عظمة شمول الأنسنة الجامعة، ويتأس مبدأها على أن جميع الناس
باختلاف أعراقهم وألوانهم يؤلفون جسدًا واحدًا هو مادة واحدة، ودورها
واحدة لا تتناقض في كيانها.
المحبة قوة فاعلة في الإنسان، ترشده إلى رؤية نفسه في الآخر، وإلى
معرفة نفسه من خلال الآخر، ومحبةُ المعرفة الماثلة في الحكمة تشير إلى
الشعور الفائق بوجود الكثرة في الوحدة. وهكذا، ليس ثمة وجود المركزية
الأنا. وعلى غير ذلك، توجد تنوعات تتمثل في كيان إنساني واحد يبلغ درجة
الإلتقاء المطلقة في الإنسنة.
تتحقق الأنسنة في شعور الإنسان بعالميتها وشمولها وكونيتها. ولما كان
الإنسان قد وُجد بأنواع عديدة في أنحاء العالم، فإن أنسنة الكائن تتخلل
جميع الأمم، وتنبث في جميع الشعوب في جوهر الإنسان الواحد، المجرَّد
والمطلق بأنسنة والواقعي بفرديته.
بحثنا مبدأ الأنسنة على احترام الإنسان، وتقديره وإعلاء شأنه. فلا يحق
للإنسان أن يعبث بأنسنته في الإنسان الآخر، أو يعتدي عليه، أو
يستغلَّه، أو يستعبدُه، أو يحقد عليه، أو يكرهه أو يحطَّ من قيمته.
هذا، لأن الإنسان، الذي يختص بهذه الصفات السلبية، يقترف جريمة شنعاء.
والحق، إن الإنسان، الذي يكره غيره، يكره الأنسنة الماثلة في كيانه،
والإنسان، الذي يقتل غيره، يقتل الإنسان الكامن فيه. لذا، لا يحق
للإنسان أن يقتل أو يكره الأنسنة الماثلة فيه وفي الآخر للأسباب
التالية:
-
إن كنَّا نعتبر الانسان ثمرة تطور الحياة الكامنة في الطبيعة، فإن
الحقيقة تشير إلى أهمية وجوده. وعلى سبيل المثال، تشير العناية بالشجرة
إلى تحقيق الغاية الماثلة فيها. وتتجلى هذه الغاية في ثمرة هي نتاج
وجود الشجرة. لذا، لا يحق لنا أن نقضي على الإنسان، ثمرة تطوُّر شجرة
الوجود الأرضي والغاية الناتجة عن هذا التطور. لقد فعلت الطبيعة الحية
بالطاقة الروحية أحقابًا زمنية طويلة لإثماره أي لإبداعه. إذن، فالغاية
التي وجدت من أجلها الطبيعة الحية غاية نبيلة وجليلة تستحق الاحترام،
والمحبة والتقدير.
-
إن كنَّا نعتبر الإنسان الصورة المصغرة للحقيقة السامية المطلقة، وغير
المنظورة، وغير الموصوفة، وغير المحدودة واللاَّنهائية، فإنه يستحق
التقدير، والمحبة والتكريم على نحو إجلال وتوقير لحياة الروحية الماثلة
في كيانه. فالإنسان، الذي يحيا ضمن نطاق الوجود الحي، كائن يتجاوز
المحدود. وليس شعوره بلا محدودية وكونية غير دليل على حقيقته ولا
محدوديته. وفي هذا المنظور، نعلم أن إهانة الإنسان، أو كرهه أو قتله.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير إهانة الإنسنة إلى إهانة الحقيقة. هذا، لأن
التطور بعد وجود الإنسان تطور عقلي، ونفسي وروحي. لذا، كان أي اعتداء
أو أي تقليص لقيمة الإنسان ومعنى وجوده اعتداءً على العقل والروح
وتقليصًا لهما.
-
إن كنَّا نعتبر الإنسان مثالاً شاملاً لأنسنة جميع الناس، فإن كل إهانة
تلحق به، تلحق أيضًا بالجنس البشري بأجمعه. هذا، لأن احترام أنسنة
الكائن الفرد يعني احترام الإنسانية كلها، والعناية به تعني العناية
بالبشرية كلها ولمَّا كانت محبة الإنسان الفرد تعني محبة الإنسانية
جمعاء، فإن مبدأ الوجود حقيقة تستحق الجهد والتحقيق.
إن شمول الإنسان الذي يمتد ويتَّسع من مركزية الأنا، إلى مركزية
الأسرة، إلى مركزية الفئة، إلى مركزية المجتمع، إلى مركزية العالم،
وأخيرًا إلى مركزية الكون دليل على أنه كائن أرضي وكوني. وإن كونه
ينتمي، في واقعه، إلى عالم واحد وكون واحد يعني أن الأخوة الإنسانية لا
تتعارض مع كونه ينتمي إلى وطن. هذا، لأن الانسان يشع في اتجاهات أربعة:
1.
من كيانه إلى ذاته لكي يحقق كمون هذا الكيان.
2.
من كيانه إلى المجتمع لكي يحقق إنسانيته في اجتماعيته.
3.
من كيانه إلى العالم لكي يحقق أنسنته.
4.
من كيانه إلى الكون لكي يحقق حضوره الكوني، أي روحانية وجوده.
هكذا يكون الإنسان فردًا بطاقة تُمده بقدرة فائقة لتحقيق تأليف بين هذه
المبادئ الأربعة.
وفي هذا المنظور، نعلم أن الإنسان يمثل مركز لقاء اللانهاية الكبرى
واللانهاية الصغرى. إنه لا نهاية ثالثة تشير إلى مكان لقاء اللانهايتين
المذكورتين. هكذا، نفهم عظمة حضور الانسان في عالم الأرض.
*** *** ***