قطوف من شجرة الحياة 22

 

د. اسكندر لوقــا

 

قد يختلف اثنان أو أكثر عند تعريف العمل المفيد. البعض من الناس ينظرون إليه على أنه عمل يعود عليهم حصرًا بالنفع، والبعض منهم ينظرون إليه على أنه واجب ينبغي أن يؤديه الإنسان في حياته من أجل أن يصيب نفعه كل الناس. وبين معادلة الأنانية والغيرية بهذا المعنى - إن صح التعبير – ربما يصعب تعريف العمل المفيد ما هو بالضبط. بيد أن هذا لا يمنع من القول بأن عملاً مفيدًا ما، سواء أكان باتجاه الذات بمعناه الأقرب إلى الأنانية، أو كان باتجاه الغير بمعناه الأقرب إلى الغيرية، يبقى عملاً مطلوبًا وإن يكن تقييمه بنسبة ما لصالح هذا الجانب أو ذاك.

***

في أحاديثنا الدارجة وليس في أدبياتنا فقط، كثيرًا ما نردد القول الشهير: لسانك حصانك إن أنت صنته صانك وإن أنت خنته خانك. ولا أعتقد أن قولاً كهذا يناقض الحقيقة، بل هو كل الحقيقة بمعانيها كافة. وفي الحياة عمومًا كما نعتقد، يتناقل الناس، أيضًا في أحيان كثيرة، ما نُقل إليهم وليس ما سمعوه هم أنفسهم، ومع ذلك لا يتورعون عن نقله إلى الغير كما لو أنهم كانوا شهودًا عليه. في سياق هذه الممارسة، غالبًا ما يتعرَّض البعض من أفراد المجتمع لمواقف حرجة اجتماعية وإنسانية تكون مؤلمة في بعض الحالات. والأمثلة أكثر من أن تحصى عن أناس شُهِّر بهم ودفعوا أثمانًا باهظة من سمعتهم لا لسبب موضوعي فكانوا بذلك ضحايا ألسنة السوء جهلاً أو تجاهلاً من قبل أصحاب النوايا الغيربريئة.

***

قد يندرج التأمل أحيانًا كظاهرة في حياة المرء تحت عنوان الواقعية وذلك بغية تحقيقه هدفًا منشودًا. بيد أن التأمل وحده، من غير المعقول أن يكون البديل عن خطوة عمليَّة بالفعل لا بالقول في الحياة، وهي خوض تجربة قد تكون متاحة أمام هذا الفرد أو ذاك ولكنه مع هذا يتردد في الإقدام على خوضها لسبب من الأسباب. من هنا كثيرون من الناس عندما يعيشون حالة ترقب أو تأمل، من دون أن يقوموا بخطوة إلى الأمام باتجاه ما يسعون إلى تحقيقه، يقعون في فخ انتظار الحظ أو النصيب. وهنا، بمقدار ما تزداد ساعات هذا الانتظار يكون حجم الخيبة واليأس. ومن الطبيعي حينئذ أن يعاني المرء من حالة فقدان الثقة بالنفس، وبالتالي لا بد من أن يعاني من تبعات ضياع فرصة وصوله إلى ما سعى أو ما يسعى إليه.

***

ليس اعتباطًا أن يحاول أحدنا الفصل بين الحب والمحبة طلبًا للمعرفة. الحب، كما هو اعتقاد الأكثرية من المعنيين بالشأن النفسي أو الاجتماعي، هو جانب من جوانب مشاعر المرء باتجاه فرد يختاره ليكون شريك دربه في الحياة، وذلك بغض النظر عن العلاقة التي تتأثر هذه المعادلة، فيما بعد، بتبعات الأنانية بشكل أو بآخر، بينما المحبة تتخطى الـ "أنا" الضيقة وصولاً إلى مدى أوسع من العلاقة بين اثنين تحديدًا، وقد لا تحد أبعاد مثل هذه العلاقة لتشمل البشرية بكل أطرافها. المحبة، بهذا المعنى، تصب في حقل الممارسة الأصعب في حياة الإنسان الباحث عن ذاته في ذوات الآخرين، ولهذا الاعتبار تبدو المحبة أقلَّ ظهورًا على سطح العلاقات الإنسانية – الإنسانية عمومًا وذلك لصعوبة ممارستها، بينما الحب قد يعثر عليه عابر سبيل على رصيف شارع من شوارع مدينته أو أحد أحيائها، وأحيانًا كثيرة، من خلال نظرة حالمة على وجه يصادف صاحبه على غير موعد أو من خلال ابتسامة على شفتيه تقول له كلامًا بصمت.

***

كثيرون بين من نعرف يدَّعون الحكمة لاعتبارات تخصهم وحدهم. وكثيرون أيضًا يعتقدون أن هذه النعمة أعطيت لهم لا غير، بالتالي، قد خلقت من أجلهم ولا يحق لأحد سواهم أن يدعيها لنفسه. إنه الغرور وخداع النفس لا أكثر ولا أقل. فالحكمة من حيث أهميتها جديرة بأن تكون للعقلاء القادرين على التعامل معها بتفهم دورها في الحياة لأن هذه الاستطاعة، من حيث المبدأ، غير متاحة للناس كافة. من هنا فإن الادعاء بامتلاك الحكمة من قبل غير القادرين على استيعاب تداعياتها على أرض الواقع لا بد أن تنقلب لديهم إلى عامل إساءة ليس للغير فحسب بل حتى للمدعي بامتلاكها في حين هو أحوج ما يكون غالبًا للتعقُّل في سياق بناء علاقاته مع الغير قبل الخوض في اختبار نتائج التبجح.

***

ليست قاعدة العلاقات الإنسانية–الإنسانية، في الحالات كافة، الدفاع عن المصالح الشخصية لا غير. أحيانًا تبدو هذه العلاقات في صورة بعيدة كل البعد عن مثل هذه المصالح وبذلك تتضح على نحو غيريٍّ. وعلى الوجه الآخر، يسعى البعض من الناس لجعل هذه العلاقات محصورة في خندق المصلحة الشخصية لا أبعد من ذلك، فتكون الغلبة حينئذ حكمًا لمسار الأنانية في نهاية المطاف، في حين أن وقائع تاريخ البشرية الموضوعية توضح، بما لا يقبل الشك، أن العلاقات الإنسانية–الإنسانية، من حيث المبدأ، وجدت لتجعل الناس كافة يسيرون على درب العمل والبناء معًا يدًا بيد، لا من أجل خدمة الذات فحسب، بل أيضًا ليكون لها معناها الحقيقي ودورها الفاعل على مستوى البشرية. في سياق هذه المعادلة، ثمة أمثلة لا تعد عن إمبراطوريات تناثرت وأخرى أبيدت لإصرار البعض من حكامها على إمكانية التصفيق بيد واحدة أو الطيران بجناح واحد.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني