يوميات آنسة روضة
2
أميرة سلامة
1
ما فارقة!
في الأيام الأولى حاولت حفظ أسماء الأطفال الجدد، ولأكسر الجليد بيني
وبينهم، سألتهم عما يحبون من الفواكه، والألعاب، وبدأ كل طفل يقول اسمه
وما يحب، وتوقَّف الدَّور عند محمد الهادئ جدًا، الذي بقي صامتًا،
فسألته عن اسمه؟ فلم يجب؟ قلتُ له: اسمك محمد مو؟ فلم يبالي أبدًا بي
ولم يعبِّرني ولا بنظرة، فناديته من جديد: محمد مو؟ وكنت أظن أني مخطئة
باسمه، فنظر إليَّ نظرة مليئة بالأمل والتفاؤل والفرح ورد بكل هدوء:
"آنسة شو مابدَّك ناديلي... ما فارقة"!!!
2
كلب وعظمة
أثناء قراءتي للقصة أصرَّت طفلة على مقاطعتي مقلِّدة الكلب وصارت تنهض
وتقفز في وجهي: هاو هاو هاو هاو، سألتُها ما اسمك: فقالت: كلب
هاووووووووووووووووووووووو. خفت أن يقلدها الصف كله لو ابتسمتُ لها، مع
أن منظرها كان مضحكًا جدًا، وصوتها لطيفًا، وحركاتها متقنة للدَّور
تمامًا، لكني أمسكتُ نفسي قائلة: حسنًا... أيها الكلب الجائع خذ هذه
العظمة والتهمها. ومددت يدي إلى الحقيبة مفتعلة أنِّي أخرجت العظمة
منها ومددت يدي ووضعتها أمامها على الطاولة، فإذ بها تجلس وتأكل
العظمة، طوال الوقت إلى أن انتهيت من الحكاية بالسلامة!
3
الساحر
عباده الذي لم يتجاوز من العمر خمس سنوات قرر اليوم أن يترك كرسيه
ويصعد على المقعد بحجَّة أنه يوجد على مقعده ماء. فنهضتُ أتفقد
كرسيَّه، فوجدته جافًا، فقلت، عبادة لا يوجد ماء على مقعدك، فأجاب:
آنسة هاد ماء سحري ما حدا بيشوفو غيري!
4
شكوى
كل صباح تدخل صديقتي إلى صفها وهي تحمل دمية خشبية تدعى "زقزوق"، وبعد
السلام والتحيات يقترب طفل من زقزوق غاضبًا يعاتب الدمية: "مبارح
حاكيتك عالتلفون ليش ما رديت؟ انا زعلت منك ونمت زعلان". تفاجأت
المعلمة صديقتي وتقمَّصت دور زقزوق وقالت بلسان الدمية: "حبيبي ما
سمعتك لأني كنت عم اكتبلك غنية حلوة بس ماقلتلي شو كان بدك تقلي؟".
ردَّ الطفل: كان بدي ياك تقول لماما تْحط أخي مع الإرهابيين لأنو كسرلي
ألعابي"!
5
نكز
ضرب زين كفَّه بكفِّي بقوة، فمثَّلتُ أنِّي متفاجئة من هول الضربة،
فنهضت صديقته بحماسة، تنكزه على ظهره ولما استدار زين أشارت له بإبهام
يدها اليسرى بـ لايك وهي تمدها مبتسمة قائلةً: "حبِّيتك زين... حبِّيتك
زين... هيك دايمًا قوّيلا الكف"!
6
مظاهرة
أحببت أن أكسر عادة ضرب الكف بالكف مع الأطفال لدى دخولي إلى الصف كما
عودتهم، وآثرت أن أقرأ القصة مباشرة وحين رأى الأطفال أني فتحت الحقيبة
لأقرأ القصة قال الياس وحده آمرًا إياي بلهجة عتب: "سلمي آنسة أميرة...
سلمي!". فقلتُ له: "لا اليوم أنا تعبانة، بلا سلام، رح إقرا القصة
دغري". وإذا بالصوت صار اثنان، ثلاثة، أربعة، حتى تضاعفت الأصوات
تدريجيًا، وعلا الصراخ: سلمي سلمي سلمي
سلميييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي وسلمت وأمري لله بقى!
7
جاد!
رقص طفل في الصف رقصة رائعة كرجل صغير تمامًا، فسألته عن اسمه (بخجل)
لأنِّي سألته الأسبوع الماضي ونسيت، فرفع حاجبه الأيمن ممتعضًا قائلاً:
"يعني ما كنتي تحفظي اسمي لهلق"؟!
8
ليكني هون
أثناء تبادلي الحديث مع المعلمات في الممر، عبر الأطفال على شكل قطار،
بالقرب منا إلى الباحة ولم أنظر إليهم وإذا بطفل ينادي بأعلى صوته:
"آنسة أميرة ليكْني هون"!
9
ضحكة
لاحظتُ أثناء قراءة القصة، أن أنف طفل يسيل بشدة، حتى انقلب وجهه إلى
عبوس، فتركت القصة لأمسح أنفه، قائلة: "خود نفس قوي وبعدين شد"، ثم
وضعت المحارم على أنفه، فلم يحرِّك ساكنًا... حمَّسته: "إي تنفس تنفس
وشد بعدين"، فتنفس ولكن بدلاً من أن يزفر بقوة من أنفه، صار يصرخ:
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ... مما أضحك أصدقاؤه كثيرًا وصار الشاطر
يْفَهمو: "من أنفك يا فلان مو من تمك". فقلتُ له: "إي شو أنا عم إفحص
زلاعيمك حتى عم تقول آآآآآآآآآآآآآآآآآ"؟ فضحك وأفرزت الضحكة بشكل عفوي
ما عجزنا عن تعليمه إياه، فارتاح وتابع قصتي ووجهه مشرق!
10
نسيان
تتحدث القصة اليوم عن "أفراد الأسرة" فطلبتُ من كل طفل أن يعرِّفنا
باسمه وباسم أبيه وأمه، فرفع "وئام" يده وبدأ يقول: "مرحبا أنا وئام
اسم أمي عفاف وأبي... أبي... أبي؟؟؟ وأبي؟؟؟ لك نسيت شو اسم البابا يا
آنسة"!
11
آلتيكو
رأيت الطفلة ترخي نفسها شيئًا فشيئًا عن مقعدها لتلتصق برفيقها المنزعج
من الوضع، فقلتُ لها: "حبيبتي رح يفوت رفيقك بالحيط وإنتي عم تدفشيه
ارجعي لمحلك واسندي ضهرك"، فعادت إلى مكانها وما هي إلا ثواني، حتى
"رجعت حليمة لعادتا القديمة" والتصقت به من جديد، فسقط قلمه على الأرض،
وانحنى ليلتقطه، وما إن رفع رأسه ليعود إلى مقعده حتى ضرب رأسه
بأسنانها فضربتْه وشكته وهي تشير إلى أسنانها العلوية بألم: "آنثة
أميرة ضربلي ثناني" فقال لها: "إي شو ساويلك إذا كنتي آلتيكو؟".
12
خيارة
ابتكر الأولاد اليوم تحيات غريبة بدلاً من ضرب الكف بالكف، فالطفل لم
يمد كفه اليوم بل قرَّب رأسه من يدي وصار يهزُّه، فضحك الجميع لذا قرر
رفيقه أن يمدَّ إليَّ سبَّابته فقط علَّهم يضحكون أكثر، أما الأخرى
ففضَّلت السلام بخنصرها، لكني لم أكن أتوقع أن تُخرج رفيقتها الخيارة
وتصافحني بها، فصافحت الخيارة قائلة: "أهلين خيارة كيف الصحة؟ ثم
وضعتها على الطاولة جانبًا"، وإذ بصاحبة الخيارة تعترض لأني لم أضرب
كفي بكفِّها، فقلتُ لها: "السلام مرة وحدة بس، وإنتي تركتي خيارتك
تسلِّم عليّ، مشان هيك مافي إلك اليوم مني سلام". فحزنت جدًا وقالت:
"عفوًا آنسة أميرة"، فصافحتها ومشي الحال، وإذا بـ"كمال" يقول بصوت
رجولي وهو يتوجَّه إلى حقيبته المعلقة على الحائط، تاركًا مقعده: "آنسة
أميرة فيه معي إلك هدية"، وبثوانٍ أخرج "الستيكرز" المتعدد الصور،
وانتزع القطة منها وألصقها على قميصي، قائلاً: "مبرووووووووووووووك"!
13
عقاب
هجم طفل يخنق طفلاً آخر بيديه الاثنتين، فانزعجت جدًا وسألته: "ليش
عملت هيك؟" فنظر إليَّ بتحدٍ غريب دون أن يرمش بعينيه فقلتُ له: "اذهب
قف هناك ثم تعال واعتذر"، فرفض وبقي جالسًا يتحداني، فقلتُ له: "المرة
الجاية رح إضرب كفي بكف الكل ما عدا كفك"، فذهب إلى المكان الذي أشرتُ
عليه بسرعة، معتذرًا!
14
سؤال مشروع
ما إن رفع طفل مريول الروضة عندما دخلت صفه يريني قميصه الجديد، حتى
ارتفعت المراييل كلها، وما عليَّ إلا أن أتفاجأ وأدهَش وأقول:
"ياااااااااااااه شو حلو... وأنت حلو... حلو... حلـ ..ح...". فقال
أحدهم: "آنسة أميرة صرت أعرف إمشي بالقلم فوق النقط..." فاندهشت أيضًا
"يااااااااه برافو"، وقال آخر: "بتعرفي إنو ستي شقّولا بطنا؟". فتساءلت
"آ... عملت تاتا عملية؟" فوافق بإيماءة من رأسه، فقلتُ له: "سلِّم كتير
ع تاتا وقلها الحمد لله ع السلامة بتقلك آنسة أميرة"، فقال: "طلعت ع
السما كيف بدك قلها؟!".
15
حركشة
ركضت طفلة صوبي في عمر الثلاث سنوات قائلة: "آنسة أميرة قولي لأحمد عم
يتحركش فيي"! فسألتها "كيف يعني؟ شو ساوالك" فقالت: "عاملني دربكة هيك"
وصارت تقلد ضرب الدربكة بكفيها!
16
قبضتان
جمع "أكرم" قبضته على شيء وناداني فرحًا وهو يستدير نحو الطاولة واضعًا
ما في قبضته بحذر شديد في قبضتي: "آنسة أميرة خبّيتلك شي". فاقتربت
بفضول شديد، وساد صمت في الصف وتوجهت أنظار الأطفال كلها نحو قبضتينا،
وإذا به يعطيني بقايا ممحاة قامت بواجبها على أكمل وجه لتصبح الأخطاء
الممحيَّة أحلى هدية؟!
17
طوشة
يحب باسل ذو الثلاث سنوات الاصغاء إلى القصة ولكن الطفلة التي تجلس
قربه تلعب بخصلات شَعرها طوال الوقت، إيد طالعة وإيد نازلة، تضع الخصلة
في شعرها وتمصُّها ثم تعيد الكرَّة، وإذا بباسل يقف معترضًا بصوت عالي:
"إي طَوَشتيني بشَعرك"!
18
أضاع يوسف ذو الثلاث سنوات الجاكيت الخاص به فركض صوبي يقول: "آنسة
أميرة بردان" وإذا بـ"اسبيرو" يركض ويعطيه معطفه ويُلبسه إياه!
19
"مانيكور"
انتعلتُ اليوم الجزمة الطويلة وما إن دخلت إلى الصف حتى نهضت الفتيات
يرينني جزماتهن، بينما الصبية أظهروا لي أحذيتهم العادية قائلين: "آنسة
حلو البوط أنا ما عندي جزمة". ورفع آخرون مراييلهم ليروني قمصانهم
الملونة الجميلة. أما "إيلياني" الشقراء فنظرت إلى أظافرها المطلية
بالمانيكور الأحمر وقالت: "يا آنسة ما لحّقنا نشيل المانيكور"!
20
نشكوكي
في مسرح العرائس كانت الشخصية دوزي تقول للأولاد إنها ستلتهم قطع
الشكولاته، وتطلب منهم: "أوعى تشكوني للماما... سامعين... لا تشكوني".
فرد طفل: "رح نشكوكي ماااااااااااااااااااااااااااما"!
21
بطاطا
بعد عطلة الربيع، سألت الأطفال ماذا فعلتم في العطلة؟ أجابني صبي أشقر
لا يتكلم أبدًا وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها صوته: "رحنا عند
التاتا وأخدنالا بطاطا حلوة...". فتابعت الحديث معه متسائلة: "وشو
عملتوا بالبطاطا قليتوها؟". فقال لي: "الحلوة مو للقلي يا آنسة الحلوة
للشوي"!
22
لبنية
بعد انتهائي اليوم من تقديم اسكتش الدمى لأطفال الأربع سنوات، خرجت من
خلف الستار وبيدي التمساح تمتم نسلِّم على الأطفال، وإذ بـ "زين"
يُدخِل يده في فم التمساح مما أدَّى إلى خلع سنِّ اللعبة ووقوعه بيده،
فقال زين بحزن وهو يعطيني السن: "آنسة أميرة انخلع سنّ التمساح مو
بقصدي"، فقلتُ له "معليش هاي أسنان لبنيَّة وبكرا بيطلعلو أسنانو
الدائمة القوية، متلكون يعني". فعادت البهجة إلى وجهه وضحك!
23
ليش؟
سألني "الياس" بعد سماع حكاية الكانغورو التي ولدت بلا جيب ولا تقدر أن
تحمل ابنها: "آنسة ليش الله ما خلقلا جيبة؟ نسي شي؟".
24
عنف
بعد إغلاقي باب الألمنيوم في الصف، انزلقت كرتونة على الأرض، مثيرة
ضجَّة لذيذة، مما جذب أنظار الأطفال نحوها، فاغتنمتُ الفرصة لعرض مشهد
إيمائي، مفتعلة فيه حركات المهرج في الأقدام، واقتربتُ من الكرتونة
أؤنِّبها على الضجة والسقوط، مشيرة إليها إيمائيًا بسبابتي أن تعود إلى
الطاولة، مفتعلة انتظارها لتمتثل إلى أمري، وبما أنها لم تنصع إلى
أمري، صرت أهزُّ قدمي بنفاذ صبر، مستغربة تمرُّدها، مكررة أمري بإشارة
من سبابتي، مما أثار حفيظة الأطفال فتجاوزوا عنفي الإيمائي إلى عنف
حقيقي وصاروا يصرخون "بصوت واحد": "كَفّين كفين كفين...". رفضت بإشارة
من رأسي طلبهم، وصرتُ أخفف من ملامح الغضب على وجهي ورخيت ذراعي
المشدودة وسبابتي، وطبطبْتُ على الكرتونة وأمرتها إيمائيًا وبلطف مرة
أخرى أن تعود إلى مكانها، لكن الأطفال ألحُّوا أكثر وتصاعدت شيئًا
فشيئًا نبرة العنف في الصف: "كفّين كفّين كفين...". حضنتُ الكرتونة،
فعاد الصمت والهدوء، ورفعتها بلطف إلى مكانها مبتسمة، وكلما ابتعدت عن
الكرتونة خطوة، أستدير بحزم بغتة، كي أتأكد من أنها لن تغافلني مرة
ثانية وتنزلق، مما أثار ضحكة عارمة محَت كل مظاهر الكفوف المحتملة!
*** *** ***