مِنْ هناك
نور دكرلي
عندما
سأموت وأنتقل إلى الحياة الأخرى، سيقومون باستقبالي كمن خرج للتو من
حلبة مصارعة، وبعد أن استمتع بدوش ساخن، سأجلس أخيرًا فوق كنبة مريحة،
أمام شاشة كبيرة، لأتفرج عليكم منها.
سأشاهد الأماكن التي عشت فيها، والشوارع التي فرحت وحزنت وتشردت فيها،
والبلد الذي جعت فيه، دون أي شعور بالحنين، وهل حياة تنتهي بالموت
تستحق الحنين أصلاً.
أثناء ذلك، ستظهرين على الشاشة فأثبت الصورة وأقول للذين حولي:
-
هييييه... هذه أحببتها يومًا ما. نعم لقد أحببت غيرها، ولكن هذه كانت
الأخيرة، سأعرفكم على البقية لاحقًا، فإقامتنا تبدو طويلة هنا.
سيسألني أحدهم عن الشاب الذي يظهر معك، وأجيبه بأنه شقيقك. وأعيد تشغيل
الفيديو تهربًا من أسئلة أخرى ربما تحرجني أكثر.
بعدها سينكزني طفل صغير قائلاً:
-
عمو، أرجوك أعد المشهد قليلاً إلى الوراء، فقد مرت صورة أمي...
قرِّب الصورة قليلا. إنها هي... وهذا القبر الذي تجلس بجانبه يبدو بأنه
لي.
يتابع متباهيًا:
-
انظر... هذا الاسم المنقوش على الشاهدة... إنه اسمي.
وبينما أراقب عائلتي وأصدقائي الذي طالما راقبتهم من بعيد، وأتنقل بين
بيوت مدينتي المدمرة، ستصرخ امرأة تجلس بعيدًا في الخلف:
-
أرجوك ثبت الصورة هنا. هذا هو بيتي. لقد اشتقت له. أريد أن اطمئن عليه.
لكن رجلاً يقف بجانب الشاشة ويبدو من هيئته أنه المسؤول هنا سيقاطعها
بقوله:
-
مر على وجودك هنا سنتان وإلى الآن ما زلت تشتاقين إليه ولا تملين من
رؤيته. الرجل جديد هنا. دعيه يستمتع بالأمر.
هناك، ولأول مرة، سأتمكن من مشاهدة قذيفة تسقط فوق أحد البيوت بالتصوير
البطيء، سأمسك قلبي أثناء مشاهدة سقوطها متمنيًا أن لا تصيب أحدًا،
بينما سيقف الجميع متحمسًا منتظرًا نهاية اللقطة. وما أن تستقر القذيفة
فوق أحدهم حتى أغطي وجهي بكفي متأثرًا بموته، لكن البقية سيقفزون وتعلو
صيحاتهم وكأنه تم تسجيل هدف في إحدى المباريات الهامة، ويرددون بصوت
واحد:
-
إنه الآن يستمتع بدوش ساخن...
*** *** ***