منظومَةُ الرسم التخطيطي للتاسوعية
هيلين بالمر
منظومة التاسوعية
تحقِّقُ النجمة ذات تسع النقاط مسحًا تخطيطيًا للعلاقة بين قانونين
أساسيين في الصوفية (السرانية). قانون الثلاثة (الثالوث)، الذي يتماهَى
مع القوى الثلاث الحاضِرَة في بداية أي حَدَث، وقانون السبعة
(الثمانيات) الذي يحكُم مراحل تنفيذ هذا الحَدَث بمقدار ما ينبسِط هذا
الحدَث في العالَم الفيزيقي.
يُمثِّل مثلثٌ داخلي قانونَ الثلاثة في التاسوعية. فالمثلث ينقل فكرة
الحاجة إلى ثلاث قوى من أجل فعل الخلق، وذلك عِوَضًا عن قوتين اثنتين
مرئيتين هما السبب والنتيجة أي (العلة والمعلول). حوفِظَ على هذا
المفهوم في الثالوث المسيحي للآب والابن والروح القدس، وكذلك الأمر
بالنسبة للقوى الإلهية الثلاث الفاعِلَة في الخليقة وفقًا للهندوسية،
وتُدعَى هذه القوى بأسماء: براهما وڤيشنو وشيڤا. ويمكن تسمية هذه القوى
الثلاث أيضًا من خلال فعالياتها في فعل الخلق على النحو: الخلاَّقَة،
والهدَّامَة، والحافِظَة، أو أيضًا: الفعَّالَة، والمُنفعِلَة،
والمُوَفِّقَة (المُصالِحَة). أما غوردجييف وهو مَرْجِعٌ أساسي في
منهَج التاسوعية، فبِبَساطَة أطلقَ تسميةً لهذه القوى، على نحو: قوة
"واحِد"، قوة "اثنان"، قوة "ثلاثة". وكان صاحِبُ المُلاحَظَة التي
تُشير إلى أن الإنسانية عمياء إزاء هذه القوة الثالِثَة.
إننا نحتاج فهمًا دقيقًا لعَمَل هذه القوى الثلاث سوية في كيفية
مساعَدَتِها لحدثٍ ما في أن يحافظ على وجودِه على المدى البعيد، وذلك
عِوَضًا عن انهيارِه بلا جدوى، لأن القوى الثلاث تغيِّر من دلالاتِها
في فترات مُختلِفَة أثناء مراحِل تطوُّر حَدَثٍ ما. فعلى سبيل المثال:
إن القوة المُوَفِّقَة (المُصالِحَة) تكون حاضِرَةً في بداية الحَدَث،
وتصير على نحوٍ لا يمكن تجنبه فيما أسماه غوردجييف بالقوة الفعَّالَة،
وذلك خلال المرحلة التالية من تقدُّمِ الحَدَث في الزمَن. إن فهمًا
أكثَرَ اكتمالاً لرمزية التاسوعية يشير إلى التعامل مع أنموذج حركي
مستَديم. فالتاسوعية تشير إلى بعض الجوانب غير الواضِحَة للسياقات كتلك
اللحظة التي يكون ضروريٌّ فيها وجودَ تيَّارٍ داخِلٍ من الطاقة لكي
يدومَ تطوُّرُ الحدَث.
يمكِنُ أيضًا للمثلث المركزي للنقاط ثلاثة – ستة – تسعة، أن يكون
محاوَلَةً على نحوٍ رياضي في وصف العلاقة التي ترتبِط من خلالِها
القِوَى الثلاث الفاعِلَة في إبداع الخليقة، فهي تتوافق (تنسجِم فيما
بينها) لتعود فتصير قوة واحِدَة. يمكننا إيضاح ذلك حسابيًا بقسمة
العدَد "1" أو "الوحدة" على العدد "3"، الأمر الذي ينتج عنه كسرًا
رياضيًا ذا عدَدٍ نهائي متكرِّر إلى ما لا نهاية أي أنه
3/1=.......0.3333
حينما يبدأ حَدَثٌ، فإن قانونَ السبعة أو قانون الثمانيات يدخل في
الفعل. لقد حوفِظَ على قانون الثمانيات في السُّلَّم الموسيقي ذي السبع
نغمات، مع "دو"
"Dò"
الذي يتكرَّر، ويحكم تتابُعَ المراحِل حيث يتطوَّر فيها حَدَثٌ في
العالَم المادي. إن علاقةَ السبعة بالنسبة إلى الوحدة يمكن أن يُعبَّرَ
عنها من خلال قسمة الواحِد على السبعة الذي ينتج عنه هو الآخَر العشر
الدوري[1]
.......0.142857142857 والذي لا يحتوي على أيٍّ من مُضاعفات الثلاثة.
فالتاسوعية الكامِلَة هي دائرة مقسومةٌ إلى تسعة أجزاء متساوية،
تمثِّلُ اندماجَ قانون الثلاثَة مع قانون السبعة، والتي تتحرَّكُ فيما
بينَها بطُرُقٍ نوعية على امتداد الخطوط الداخلية للرسم التخطيطي[2].
عندما يُطبَّق أنموذج التاسوعية على الحالَةِ الإنسانية فإن المثلث
المركزي يوحي بوجود الثلاث نوى للقلق العقلي: الصورة (أو الجاذبية
الشخصية، النقطة "ثلاثة")، والخوف (النقطة "ستة")، ونسيان الذات
(النقطة "تسعة"). ولكل نواة عقلية هوى موافق لها. والرسم التخطيطي الذي
يتبَع لها، يشير إلى القلق العقلي والانفعالي للأنماط الثلاثة لكل
شخصية ذات نواة أساسية.
الأنماط التسعة
·
الكمالي
إنهم ناقدون لذواتِهم، وللآخَرين. وهم على يقين بأنه ما من طريقٍ صائِب
إلا واحد فقط. يشعرون أخلاقيًا بفوقيَّتِهم على الآخَرين. ويماطِلون
لخوفِهم من اقتراف خطأ ما. ويستخدِمون كثيرًا الفِعلَيْن: يجب، ويحتاج
لكذا... إلخ.
يستطيع الكماليون المتطوِّرون أن يكونوا عمِيقين على نحوٍ يتجاوَز
الحدود المألوفَة، وهم في الحقيقة أبطال الوجدان.
·
المانِح
يتطلَّبون الموَدَّة والقبول. ويسعَوْن إلى أن يكونوا محبوبين
ومقدَّرين من قِبَلِ الجميع، فيجعلون من أنفسِهم على نحوٍ يكونون فيه
لا غِنَى عنهم بالنسبة للآخَرين. يُصَمِّمون على إشباع حاجات الغير.
وهم مُتلاعِبون أيضًا. فلَدَيْهِم عدَّة أنَوَات – يُظهِرون "أنا"
مختلِف أمام كل صديق طيب. يغوُون الآخرين بخشونَة.
يعرِفُ المتطوِّرون ذوو الرقم "اثنان" كيف يمنحون الدعم والمُلاطَفَة
العفويَّيْن.
·
المُتمرِّس
يسعَوْن لأن يكونوا محبوبين من خلال قيامِهم بدَورٍ ما، ومن خلال
الفتوحات التي يحقِّقونها. وهم منافِسون مهووسون بصورة المنتصِر من
خلال مُقارَنَةِ أنفسِهم مع الآخَرين. وهم ماهِرون في المخادَعَة.
شخصية ذات نمط
A.
"يخلطون الأنا الحقيقي مع الهوية المهنية. وبمقدورِهم الظهور على نحوٍ
أكثر إنتاجية مما هم عليه فعلاً".
يستطيع المتطوِّرون ذوو الرقم "ثلاثة" أن يكونوا زعماء فعَّالين،
وحازِمين جيِّدين، ومُروِّجين ذوي كفاءة، ورؤساء فرق رياضية فائزة.
·
الرومانسي التراجيدي
إنهم منجذِبون لما هو بعيد المنال، مثالُهم ليس هنا والآن إطلاقًا. هم
تراجيديون، وحزينون، وذوو ميولٍ فنيَّة، وحسِّيون، ومتمركزون حول حبٍّ
غائب، وفي خسارة صديق.
إن المتطوِّرين ذوي الرقَم "أربعة" خلاَّقون في أسلوبِهم الحياتي،
وقادِرون على مساعدَةِ الآخَرين في تجاوُزِ مُعاناتِهم. إنهم ملتزِمون
بالجمال والحياة العاطِفية: في الولادة، والجنس، وانفعاليَّتِهم إزاءَ
الموت.
·
الراصِد
يُبقون أنفسَهم على مسافَةٍ انفعالية في علاقاتِهم مع الآخَرين.
يحافِظون على خصوصيَّتِهم، ولا يُوَرِّطون أنفسَهم في شيء البته.
الاستغناء هو آليَّةُ دفاعِهم ضد التورُّط في أيِّ شيء. ويشعرون
أنفسَهم مستنفَدين فيما لو التزموا بشيءٍ ما، وينطبِقُ الأمرُ نفسُه
فيما لو شعَروا بأنهم مُلزَمون بحاجات الغير. يُجزِّئون واجباتِهم، وهم
غير مكترِثين لا بالآخَرين، ولا بالمشاعِر، ولا بالأشياء.
يستطيع المتطوِّرون ذوو الرقم "خمسة" أن يكونوا محكِّمين ممتازين،
ومستشارين، وعقلانيي برجٍ من العاج، ورهبانٍ ممتنعين عن شرب أيِّ نوعٍ
من الكحول.
·
محامي الشيطان
إنهم جبناء، ويَقومون بالواجِب، وهم يعانون العذاب بسبب ريْبَتِهم.
مُمَاطَلَة – يحُلُّ الفكرُ محلَّ الفعل – يَخشَوْن اتِّخاذَ
مُبادَرَةٍ لأن تسليطَ الضوء عليهِم يُعَرِّضُهم للهجوم. يتماهَون مع
أسباب الظلم الاجتماعي، وهم ليسوا سلطويين، وناكِرون لذواتِهم، وأوفياء
للقضية التي يُؤمنون بها. والحقيقة أن هناك نوعين للنمَط "ستة"
أحدُهما: يضمُّ الرُّهابيون (الفوبيون)[3]،
وهم غالبًا ما يتردَّدون في اتّخاذ أي قرار، ولديهم شعور بأنهم
ملاحَقون، وينهارون عندما لا يجِدون مخرجًا لهم. أما النوع الثاني
للنمط "ستة" فهم المعاكِسون للرهاب (الفوبيا)، ولكن شعورهم مستمر بأنه
يُضيَّق عليهم، ويخرجون بالتالي لمواجهة الذعر بشكلٍ عدائي.
يستطيع المتطوِّرون ذوو الرقم "ستة" أن يكونوا لاعِبين ممتازين ضمن
فريقٍ رياضي، وجنودًا أوفياء، وأصدقاءً طيِّبين. وهم مستعِدّون للدفاع
عن قضية بالمقدارِ نفسِه الذي يعمَل فيه آخَرون في سبيل ربحٍ شخصي.
·
الأبيقوري
إنه شخصية پيتر پان
Peter
Pan،
الـ
Puer
aeternus
– الشاب الأبدي. الأبيقوريون مُولَعون بأشياء يُحبُّونها أو يقومون بها
لا عن واجِب، وإنما عن تولُّع. وهم عاشِقون متقلِّبون، ويستعمِلون غرض
متعتِهم مرةً واحِدَة، سطحيون، مغامِرون، يؤوِّلون الحياة من حيث
مذاقِها، ولدَيْهِم مشاكل مع الالتزامات، فهم يريدون إبقاء الخيارات
مفتوحة أمامَهم، ويريدون البقاءَ انفعاليًا في الأعالي. وهم مرِحون
عمومًا، يحفِّزون الوسَطَ المُحيط، وعادتُهم أن يبدأوا الأشياء بدون
إكمالها حتى النهاية.
إن المتطوِّرين ذوي الرقم "سبعة" تأليفيون جيِّدون بين الأشياء،
ونظريون جيِّدون، وهم من النماذج النهضوية.
·
صاحِب العمل
يَحمون الآخَرين إلى أقصى حد. ويتَّخِذون على عاتِقِهم الدفاعَ عن
أنفسِهم، وعن الأصدقاء؛ وهم ميَّالون للقِتال، ويتوَّلون القِيادَة،
ويُحِبُّون الشجارَ حتى العِبادَة. وما يحتاجون إليه غالِبًا هو أن
تكونَ الأشياء تحتَ سيطرتِهم. ولديهم مظاهِر واضِحَة للغَضَب والقوة،
ويكنُّون احترامًا كبيرًا للمُعارِضين الذين يُقاوِمون ويُصارِعون.
يقوم اتِّصالُهم مع الآخر من خلال ممارسة الجنس، ومجابَهَات وجهًا
لوجه. ويتجاوزون غالبًا حدودَهم الطبيعية في تعاطيهم للأشياء. وينعكِس
ذلك كلُّه من خلال أسلوبِهم في الحياة: فكذلك الأمر فيما نلاحِظُه
لديهم: كميات زائدة عن اللزوم دومًا، ويسهرون حتى ساعاتٍ متأخِّرَة من
الليل، ونموُّهم أعظمي.
إن المتطوِّرين ذوي الرقم "ثمانية" زعماءٌ ممتازون، خصوصًا في ممارسة
دور الخصم. وهم قادرون على منح دعمٍ هائل لأشخاص آخَرين، ويريدون أن
يجعلوا الطريقَ آمِنًا بالنسبة للأصدِقاء.
·
الوَسيط
إنهم مزدوِجو النزعَة على نحوٍ هوَسي. يرَوْن كلَّ وُجُهات النظَر.
يستبدِلون بسرعة رغباتِهم الخاصَّة برغَبات الغير، ويستبدِلون أيضًا
أهدافًا واقِعيَّة بنشاطات أخرى ليسَت ضرورية. لديهم نزعة لتخدير
أنفسِهم من خلال الطعام أو التلفاز ومن خلال المشروب. يعرفون حاجات
الغير بشكل أفضل من حاجاتِهم الخاصَّة: يميلون إلى التخيُّلِ الواهِم،
ليس لدَيْهِم يقين بأنهم يريدون البقاء هنا أو لا، أو أنهم يريدون
الانتماء إلى هذا فريق أو لا. لطفاء؛ يخرج غضبُهم بشكلٍ غيرِ مُباشَرٍ.
يشكِّل المتطوِّرون ذوو الرقم "تسعة" وسطاء ممتازين، ومستشارين،
ومفاوضين، ويتوصَّلون للكثير عندما يُركِّزون، ويتنبِّهون للمهمة في
مسارِها.
·
الأجنِحَة
إن النقطتين اللتين تبدوَان إلى كل جانبٍ من رؤوس المثلث، ثلاثة – ستة
– تسعة، هي تنوعات للشخصيات ذات النوى، وتُدعَى هاتان النقطتان اللتان
تظهَران إلى جانِبَيْ كل نَمَط من هذه الأنماط الثلاثة بالجناحين. وهذا
يعني بأن النقطتين لجناحَيْ الثلاثَة هما (الاثنان والأربعة)، وهما
يشتركان بقلق إزاء الصورة، ويعيشان أيضًا تنوعات السؤال "بماذا أشعر؟".
أما جناحا "الستة"، وهما (الخمسة والسبعة) فيَشترِكان بنوعٍ ما من
البارانويا الكامنة تحت مستوى وعي النمَط "ستة"، ويشتركان أيضًا بعادات
الخوف الانفعالية. وجناحا التسعة (الثمانية والواحِد) فيشتركان
باستعدادٍ مُسبَّق أساسي نحو نومٍ في نسيان الذات الذي هو نسيان
الأولويات الشخصية، وكذلِك الأمر فهما يشترِكان أيضًا باستعداد مُسبَق
نحوَ الغَضَب.
تُمثِّلُ أجنحة المثلث ثلاثة – ستة – تسعة، التغيُّر الذي يتمظهَر
خارجيًا، والقلق "النواة" للشخصية الذي يتغلغل داخليًا. ومن المحتمَل
في عِلاج "النواة" المهيَّأة مُسبقًا أن تأتي إلى السطح بقدر ما تجري
عملية الشفاء. ومن الممكِن أن هذا سوف يعني بأن "السبعة" (نمط الخوف
المُظهَر خارجيًا)، الأمر الذي يعطي في البدء الانطِباع بأنه لا يعاني
من الخوف. وعلى الأرجَح يصير خوفُه خفيًا وبارانوئيًا (نواة الستة)
حالما تضعف دفاعاتُه النفسية.
تُمثِّلُ النقاط ثلاثة – ستة – تسعة من المثلث تغيُّرًا خارجيًا
وداخليًا لذواتِهم في الأجنحة فقط. فعلى سبيل المثال، جناحا
"الثمانية"، أي "السبعة" و"التسعة" فهما لا يمثِّلان التغيُّر المُظهَر
خارِجيًا ولا داخِليًا لـ"الثمانية". ومع ذلك، فأجنِحَةُ أيةِ نقطةٍ
أخرى باستثناء الثلاث نقاط ذوات "النوى"، إنْ هي إلا مؤثِّرَة فقط
لأنها تمنَحُ تلوُّنًا لنمَط الشخصية هذا. على سبيل المثال، في فئة
الغضَب في قمَّةِ التاسوعية، "تسعة" الذي يفضِّل التعبير عن الغضَب
بشكلٍ غير مُباشَر، وعلى نحوٍ مستكين، إذا ما مالَ نحوَ جانب
"الثمانية" (صاحِب العمَل)، فإنه يثير غضبًا مستكينًا للنمَط "لا تضغط
عليَّ"، وذلك على نحوٍ فجائي وعنيد، أما إذا مال إلى جانب "الواحِد"
(الكمالي) فإنه يُسبِّب نقدًا لتفاصيل لا معنى لها، والتي سوف تكون في
حيِّزِ التنفيذ من خلال أساليبٍ غير مباشَرَة.
وعلى النحو نفسِه، فأحدُهم ذو نقطةٍ لا تحوي نواةً كتلك التي
لـ"الأربعة" (الرومانسي التراجيدي)، والتي تُعَبِّرُ عن المشاعِر
بطريقةٍ درامية، فإنه سوف يميل إلى "الخمسة" (الراصِد)، في وضعية تدعو
لتغلغل الكآبَة إلى الداخِل، أو نحوَ "الثلاثَة" (المتمرِّس)، في أكثر
من مجهود شديد الفعَالية للإبقاء على كش ملك
Xeque
للملانخوليا (السوداوية)[4].
فالتلوُّن الذي تمنحُه الأجنِحَة في هذه الحالات الخالية من "النوى"،
تساعِد على جعلِ كلِّ شخصيةٍ أكثر وضوحًا. والحق أنه لا يوجد شخصان
ينتمِيَان للنمَط نفسِه، ويكونان متماثِلين، عدا عن اشتراكِهما بالقلق
والاهتمامات نفسها. ففي الدروس حولَ التاسوعية، نعالِج تمييزًا
لاختلافات يُضفيها تلوُّنُ الأجنِحَة على أصحابِ النمَطِ نفسِه، وقد
أعطيتُ أسماءً لهذه التلوُّنات. فعلى سبيل المثال، أربعة لصالِح –
خمسة، سوف يكون صنفًا أكثرَ تحفُّظًا وخصوصيةً للأربعَة، بينما أربعة
لصالِح – ثلاثَة سوف يكون أربعة أكثر إشراقًا ومأساويةً، الأمر الذي
يُبقي البرمجَة فعَّالةً، ويرتبِط أيضًا بحالَةِ الملانخوليا
(السوداوية)، والحزن، والفقدان الذين يتميز بهم "الأربعة".
يتأثر إذن كل نمط من خلال جناحَيْن، وبالرغم من أن تلوُّن أحد الجناحين
يُسَيطِرُ على الشخصية، فهذا لا يعني أن الجناحَ الآخَر ليس موجودًا
كقدرة.
ديناميَّةُ الأنماط
يُطبَّق قانون الثلاثة أيضًا على واقع كون كل نمط شخصية يتكوَّن من
ثلاثةِ جوَانِب: الجانِب المُهَيْمِن الذي يسود في الحالات الطبيعية،
والذي يُدعَى بـ"النمط"، والجانب الذي ينشط عندما تدخل في فعل (أو
توضَع تحت ضغط "رهَقٍ عام"
estress
"وهو مجموعَةُ الاضطرابات الجسمية والنفسية المُتوَلِّدَة عن بواعِث
متنوِّعَة كالانفعال وضغوطات الحياة اليومية... الخ"، والجانِبُ
المُهَيْمِن الذي يدخُلُ المشهَد في حالات الأمان، أي (المُعاكِسَة
للظروف المؤدِّيَة لـ"الرهَق العام". ففي الرسم التخطيطي التالي، تكون
نُقطَةُ الفعل (المؤدِّيَة للضغط "الرهَق العام") في اتجاه السهم،
بينما الجانِب غير المؤدِّي للضغط "الرهق العام" فهو في الاتجاه العكسي
للسهم الآخَر المتَّجِه نحوَ النقطةِ نفسِها. وعلى هذا النحو، فكل
نمَطٍ هو في الواقِع اتحادٌ لثلاثة جوانب، وكل جانِبٍ منها عُرضَةٌ لأن
يُحفَّز من خلال حالاتٍ نوعية للحياة. على سبيل المِثال، عندما يكون
راصِد (بشكلٍ عامٍّ ساكن ومنزوٍ) تحت الضغط "الرهق العام"، فهو أو هي
يتحرَّك نحوَ وضعية "الأبيقوري" (للمفارَقَة فالأبيقوري أكثر انبساطًا
ومودَّةً، في مجهودٍ من قِبَلِه أي "الراصِد" في التقليص من حِدَّةِ
الضغط "الرهق العام" الـ
estresse،
فيَتَّصِلُ بذلِكَ مع الأشخاص). كما ينزَعُ الراصِد في حالَةِ الشعور
بالأمان إلى أن يُصبِحَ "صاحِب عمل" (يَقومُ بإدارةِ الآخَرين
ويُسَيطِرُ على فضائِه الشخصي).
العمَلُ في حالَةِ الشعور بالأمان، وفي حالَةِ الشعور بالضغط "الرهَق
العام"
في الواقع، يتغيَّرُ قَلَقُنا العقلي والانفعالي عندما نتخلَّى عن وضع
الحياة الآمِنَة فندخل في مَيْدانِ الفعل، وبالتالي، يولَدُ في درجةٍ
ما من التوتُّر صُنفٌ يعطي قيمةً أكبَر للشعور بالأمان فيما بين
المتحمِّسين للتاسوعية؛ فتبدو ردود أفعالِهم تجاه الشعور بالأمان أكثرَ
جاذبِيَّةً بشكلٍ غير محدود مقارنةً مع ردود أفعالِهم تِجاهَ
الفعل/الضغط "الرهَق العام"، ويوحي تحرُّك الاستراتيجية نحوَ الشعور
بالأمان بأن الطريق إلى الصحة يكمن في تعزيز أفضل الجوانب لنقطة الشعور
بالأمان. وينزَعُ المتحمِّسون للشعور بالأمان في التاسوعية إلى رؤيةِ
الحركَة على امتداد الخطوط باتجاه الأسهم نحوَ الفعل، أي نحوَ
الضغط/"الرَّهَق العام"، كتعميق لإكراهات (قهريَّات) النمط. ويبدو أن
دعمَ هذه الفِكرة يكمن في قيامِهم بمُناوَرَةٍ بسيطة ومنطقية بإعطاء
اسمٍ للجوَانِب الإيجابية لنقطةِ الشعور بالأمان، وللجوانِب السلبية
للشعور بالضغط "الرهَق العام"
estresse.
الأسهم
لا تشير مقابلاتي مع مُشارِكين في تحقيق الجدول (نموذج من التحقيق تخضع
فيه عيِّنة واحِدَة من الأشخاص لمقابلات مُكرَّرَة فترة معينة من
الزمن) إلى فرصة واضِحَة في التحرُّك نحوَ الشعور بالأمان مثلما هي
الحال حين الوقوع في حب شخصٍ ملائم ومتماثِل، الأمر الذي يُساهِم حتمًا
في تفتُّحِ أفضَلِ الميزاتِ لنقطة الشعور بالأمان. وللمفارَقَة، تستطيع
فرصَةٌ جيِّدَةٌ أن تُوَلِّدَ ردَّةَ فعل نحوَ الضغط "الرهَق العام"
estresse،
وذلك نظَرًا لافتقاد التجربة أو الشعور باللاأمان في التجارب
السابِقَة. وقد قمتُ بمقابلةِ أشخاصٍ ينزلِقون مُباشرةً نحوَ الجوانِبِ
السلبية لنقطتِهم في الشعور بالأمان، عندما يواجِهون وضعًا لحياةٍ
واعِدَة، ووثَّقتُ أيضًا قصصًا كثيرةً لأشخاصٍ ذوي طبعٍ تشكَّلَ من
خلالِ نموِّ أفضَلِ الجوانب لنقطة الفعل/الضغط "الرهَق العام"
estresse
لنمطِهم.
إن تعزيز القُدُرات الشفائية فيما يُدعَى على هذا النحو بنقطة الضغط
"الرهَق العام"، متلازِمَة مع تقنية الغشتالت[5]،
وممارسات التأمل التانتري[6].
وتجري فيها مناقشة الانفعالات السلبية المغروسة في الداخِل، والمسلَّم
بها لدى النفس. تكمن النية الخفية من خلف الحركة نحوَ الضغط "الرهَق
العام" في تصعيد أهوائنا بحذاقة حتى النقطة التي تفيض فيها، وتُحرِّر
قهريَّةَ (إكراه) عادةٍ سلبية، وذلك من خلال معايشتِها بشكلٍ كلي
وكامِل. ويمكن أيضًا فتح منفذٍ للغَضَب عِوَضًا عن إلغائه، أو يُمكِن
وضع تلميذ في حالَةٍ نفسية تهدف لإغضابِه إلى أقصى حد. أو يمكِنُ
لأنماطٍ متكبِّرَة أن نجعلَها تقوم بشطفٍ لأجزاءِ أرضية خشبية.
ويمكنُنا أن نجعَلَ أنماطًا جبانة تتأمَّل في مقبرةٍ محلية في ليلة ذات
قمرٍ مكتمِل. فمنهَج غوردجييف الذي يقوم على أن يدوس المرء ثفائنَه
المرجَّحَة، يوَضِّح فكرةَ التصعيد والعمل على مناقشة الطاقات الناتجة
عن الضغط "الرهَق العام"، على أنها بقدر ما يُمكِنُ لها أن تؤدّيَ إلى
النمو، فكذلك أيضًا تؤدي إلى تعزيز القُدرة على تحييد الانتباه عن تلك
التي تُدعَى بالانفعالات السلبية[7].
إن الارتباط بين التعزيز الاستراتيجي للهوى الانفعالي، والتعلُّم
المتزامِن على ممارسة الانفصال (عن موضوعات الأنا) عُبِّرَ عنها في
أسرار دلفي من خلال عبادة أبولو وديونيسيوس في معبد دلفي نفسه. فقد كان
ديونيسيوس يمثِّلُ العالَمَ الأنثوي لـ"سر حياة الدم، وقدرات الأرض"،
وكان معبودًا أثناء العام نفسه للتقويم تناوبيًا مع أبولو الذي كان
يجسِّد السِّمَات الذكورية للصفاء، والابتعاد، والانفصال (عن موضوعات
الأنا)[8].
تتطلَّبُ عِبادَةُ ديونيسيوس خضوعًا كليًا للانتباه إلى الإحساس
والشعور، حيث يُخصَّصُ هذا الانتِباه لاكتشاف ما إذا كان بوسعِ الإحساس
والشعور أن يُعَبِّرا عن ذاتيِهما كامِلاً، وإذا كان هذا الانتباه
نفسُه سوف يتَّجِه بشكلٍ طبيعي إلى الرغبة بالموضوعية وامتياز الشعور.
وعلى النحو نفسِه، فالمثال الأبولوني (نسبةً إلى أبولو) للابتِعاد،
والصفاء، فإن "رفض كل ما هو قريب جدًا" لا يتعلَّق فقط بوجود أسئلة
تطرحُ نفسَها بشَغَف لكي تطوِّرَ الصفاء، بل يتعلَّق أيضًا بحصولِ
تطوُّرِ حياةٍ انفعالية كامِلَةً ويُشكِّلَ إذَّاكَ الانفصالُ عنها
معنى ما[9].
أبولو، إله النور، والعقل، والتناسب، والتناغم، والعَدَد – إنه يُعمي
أولئكَ الذين يقترِبون كثيرًا من العِبادَة. لا تنظُر مباشرةً إلى
الشمس. اذهب حيث ثمة ظلٍّ خفيف تجد فيه حانةً (بارًا) ما، ولو للحظة
امنَحْ نفسَكَ زُجاجةَ بيرة (جِعَة) مع ديونيسيوس وذلك من حينٍ إلى
آخَر[10].
ترجمة: نبيل سلامة
*** *** ***