|
الكون المرئي بين رؤيتين: تقليدية وتجديدية
نشر ألبرت آينشتين Albert Einstein في بداية القرن العشرين، وبصيغيتن، نتائج أبحاثه وتأملاته حول طبيعة الحركة. ظهرت الصيغة الأولى سنة 1905 وركز على الزمان والمكان والسرعة ولم تتطرق إلى لا إلى التسارع ولا إلى قوة الثقالة أو الجاذبية وسميت بالنسبية الخاصة، وهي النظرية التي استند إليها العالم ديراك Dirac سنة 1928 وبتشبيكها بالفيزباء الكمومية أو الكوانتية physique quantique من أجل صياغة معادلته الشهيرة التي حملت اسمه وسنتناولها في سياق البحث. ومن ثم نشر آينشتين سنة 1915 الصيغة الثانية لنظريته النسبية التي تناولت موضوع الجذب الثقالي attraction gravifique. ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر ديراك آخر في الوسط العلمي ليتمكن من وصف سلوك الجسيمات الكوانتية particules quantique داخل حقل أو مجال من الثقالة الكثيفة gravité intense، وهنا تجلت المشكلة أو المعضلة العويصة التي تعيق توحيد النظريتين النسبية والكوانتية. حصلت انعطافة حادة في العقل الجمعي البشري بشأن الكون بفضل آلية انتشار المعرفة والمعلومة العلمية بواسطة وسائل التعبير العلمية والتربوية والتكنولوجية الحديثة، خاصة في العقود الأربعة المنصرمة، أي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين. فلم تعد مفردات كالمادة والطاقة والزمان والمكان والقوة والواقع، تحمل القيم والتفسيرات نفسها، وبالتالي بات من الضروري مراجعة مداركنا وتصوراتنا لهذا الكون المرئي وما يتعلق به من مفاهيم ومعطيات، خاصة فيما يتعلق بمفهوم تعدد الأكوان. لقد سمع الجميع بحدث فيزيائي شهير اسمه الانفجار العظيم Big Bang والذي يعتبر بداية لتوسع أو تمدد الكون. ولكن لا يوجد كثيرون يعلمون بكيفية تقديم العلم ووصفه لتاريخ الكون. فلم تبن هذه القصة في يوم واحد! بل كانت نتيجة لعمل طويل قام به الآلاف من الأشخاص الذين فقد بعضهم حياته، مثل جيوردانو برونو Giordano Bruno، الذي أحرق حيًا من قبل محاكم التفتيش في البندقية "فينيسيا" في 17 شباط "فبراير" سنة 1600. ولكن يجدر بنا القول إن هذه القصة عن الكون كما نفهمها الآن تبدو غريبة جدًا، وغير قابلة للتصديق، وبالتالي هي ليست بديهية. في العصور القديمة الشعوب القديمة عمومًا تصورت السماء ثابتة، كما تصورت تلك الشعوب كذلك بأن الكون كان موجودًا دائمًا، أي أنه أزلي وأبدي وليس له بداية ولا نهاية. أما في الهند، فقد أعتقد الفلاسفة هناك بأن الكون لانهائي. بينما كانت النظرة إلى السماء في أوروبا، تبدو وكأنها قبو مليء بالنجوم، وهي كواقع مادي، تبدو ككرة ضخمة ولكنها محدودة الأبعاد زرعت فيها النجوم. وبالنسبة لبعض الشعوب الأفريقية، كانت درب التبانة، أي مجرتنا، "بمثابة العمود الفقري للوجود، وإنها تدعم السماء وتمنعها من الانهيار". وبالنسبة لبعض الشعوب الهندية الأمريكية، كانت في السماء أربع شجرات ضخمة يستند عليها الكون... ومن اللافت للانتباه أن كل هؤلاء الناس دفعوا للاهتمام الدقيق بالأشياء السماوية، وبعد قضاء الآلاف من الليالي الطوال للتدقيق بالعين المجردة، لمعرفة ما كان يحدث تشكلت لديهم قناعات بدائية لكنها قابلة للتطور، فقد كانوا يعرفون مسبقًا أن هناك 6 "نجوم تائهة"، وإن بعض الكواكب يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وتجولت أنظارهم في الأبراج، وتوصلوا إلى ما عرف لاحقًا بمدار الشمس، ومعرفة مجموعات من البروج. ما عدا في الهند حيث كان ينظر إلى الكون على أنه كان موجودًا دائمًا، كان لدى جميع الشعوب القديمة نظرياتهم الكونية، بدءًا بسفر التكوين، وخلق العالم. وأشهرها ما جاء في الكتاب المقدس أي التوراة، الذي يقول إنه تم خلق الكون على يد إله واحد. وكل من تجرأ على الطعن بهذه النظرية كان مصيره الموت على خشبة المحرقة. ولكن مع ذلك، بدأت الأبعاد الحقيقية للكون تترسخ تدريجيًا. وبفضل تردد بعض العلماء بقبول الرؤية الغيبية بدأ الناس يتعرفون أكثر فأكثر على الكون بصيغته العلمية. وكان إيراثوستين Erathostène أول من تمكن من حساب قطر الأرض بدقة رائعة حوالي 200 سنة قبل الميلاد - كانت نسبة الخطأ لا تتجاوز 100 كم فقط! وكان إيراثوستين Erathostène مديرًا لمكتبة الإسكندرية العظيمة، والتي كانت منذ ما يقرب من ثمانية قرون أكبر مكتبة في العالم في ذلك الوقت. ولكن تم تدميرها في سنة 685، وحرق الكتب الثمينة من أجل (تسخين الحمامات العامة!)، وكانت بحق أكبر كارثة في تاريخ البشرية. وبذلك فقدنا مصدرًا هائلاً من المعرفة بسبب حماقة بعض البشر المتعصبين. كان كثيرون يعرفون أن الأرض كبيرة جدًا، ولكن هناك العديد من الكواكب المشابهة لها ومنها ماهو أكبر منها بكثير ولها أقمار وتوابع كقمرنا لاسيما في الكواكب البعيدة جدًا. يبدو أن هذه المعرفة ضاعت أو فقدت خلال العصور الوسطى، ولكن ليس تمامًا، حيث تجدر الإشارة إلى أن كولومبوس كان يعرف حسابات إيراثوستين Erathostène، لكنه خدع من حوله وأخفى معرفته بهذه الحقيقة العلمية وجعلها معلومة خاصة به لم يعرضها عندما قدم مشروعه للذهاب إلى جزر الهند من ناحية الغرب، كما لو أن الأرض كانت كبيرة جدًا وبلا حدود. كان اختراع التلسكوب من قبل غاليليو في عام 1609 هو الذي أحدث ثورة في علم الفلك، ووجدت المجموعة الإنسانية نفسها مضطرة لقبول أن الكواكب تدور حول الشمس كما أثبتت ذلك الأقمار الصناعية فيما بعد (وقد نجح غاليليو في اكتشاف الأقمار الأربعة الكبرى التابعة لكوكب المشتري). العصور الحديثة طيلة قرنين من الزمان، كان الناس يراوحون في المكان نفسه فكريًا فيما يتعلق بتصورهم للكون؛ فهو لا يتعدى النظام الشمسي والنجوم. ولا أحد يعرف ما هي المسافة التي تفصلنا عنها حيث بقي ذلك سرًا. إنها بعيدة جدًا، لأنه بخلاف ذلك كان ينبغي أن نجد فرقًا في زاوية الرؤية عند رصدنا النجمة نفسها بتلسكوبين متباعدين عن بعضهما، أو على نحو أفضل، أن يتم الرصد بتلسكوب واحد، ولكن مرة كل ستة أشهر (بما أن الأرض تدور حول الشمس في سنة واحدة، وأنها تبعد عن الشمس 150 مليون كيلومتر، كان ينبغي أن نجد أنه بعد مرور ستة أشهر فإن المسافة بين موقعين بالنسبة للأرض تكون 300 مليون كيلومتر). لكننا لم نجد مثل هذا الفرق. ظهر السبب في القرن التاسع عشر. تطلب الأمر أداة قياس دقيقة للغاية، واختيار نجمة قريبة بما فيه الكفاية. وجدنا من خلال القياس المباشر (اختلاف في زاوية الرؤية، سميناه المحور المتوازي parallaxe) أن المسافة مع أقرب نجم هي: أربعة وأربعون ألف مليار كيلو متر، أو ما يعادل ثلاثمائة ألف مرة المسافة بين الأرض والشمس. واليوم، تستخدم وحدات قياسية أكثر عملية من الكيلومترات. مثل السنة الضوئية L'année-lumière، والتي على الرغم من اسمها فهي طريقة لقياس المسافة، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، أو حوالي عشرة آلاف مليار كيلومتر. إن نجمة Alpha du centaure ألفا دوسنتور، هي أقرب نجمة (مرئية في نصف الكرة الجنوبي)، وتقدر المسافة التي تفصلها عنا بـ 4.3 سنة ضوئية. أي أننا نراها كما كانت عليه حالها قبل أربع سنوات وأربعة أشهر تقريبًا. بينما تبعد الشمس عنا، بـ 8 دقائق ضوئية: أي إننا نراها كما كانت قبل ثماني دقائق! والـ parsec بارسيك، التي هي المسافة التي يكون الاختلاف في زاوية الرصد (المحور المتوازي parallaxe)، بعد انقضاء ستة أشهر، يساوي ثانية في القوس une seconde d'arc (أي 1/3600e درجة زاوية). والبارسيك تساوي حوالي 3 سنوات ضوئية. وكما نرى فإنه لقياس المسافة مع النجوم القريبة، يتعين علينا معرفة قياس الزوايا بنسبة 10/1000 من الدرجة. وبالنسبة للنجوم البعيدة؟ في هذه الحالة، فإن أفضل التلسكوبات في العالم، بما في ذلك التلسكوب الفضائي هابل télescope spatial Hubble، تكون عاجزة، نظرًا للمسافات البعيدة جدًا للنجوم: وتطلب الأمر منا أن نتعاطى معها بشكل غير مباشر. وأبسط فكرة هي أنه كلما بدا النجم أقل إضاءة، فإنه يكون أكثر بعدًا، على الأقل في أول تقدير تقريبي. ولصقل هذا التقدير التقريبي، يتعين علينا أن نعرف ما هو السطوع الفعلي للنجوم، أو ما نسميه مقدار النور الحقيقي في تلك النجوم leur magnitude vraie. ولكن كيف لنا أن نعرف ذلك؟ هنا لا بد لنا من الاستشهاد بـ أوغست كونت Auguste Compte، وهو الفيلسوف الذي بحث عن حدود المعرفة البشرية، والذي أكد في العام 1840 أنه سيستحيل على الإنسان وإلى الأبد معرفة تكوين وتركيبة النجوم. وبعد ثلاث سنوات من وفاته اكتشف العلماء أن ذلك ممكن، وذلك عن طريق تمرير ضوء النجوم من خلال موشور، ليظهر الضوء على شكل قوس قزح، ونتج عن ذلك أيضًا خطوط مظلمة أو داكنة، والتي كشفت بعد فحص تكوينها! وتبين بعد الفحص أنه لم يكن لدى النجوم نفس الألوان ولا نفس التكوين، بل ظهر أساسًا أنها تحتوي على 90-99٪ من الهيدروجين hydrogène والباقي من الهيليوم hélium وآثار من العناصر الأخرى. وهذا يعني أن اوغست كونت Auguste Compte أخطأ في اختيار مثاله. ثم بدأت عملية طويلة من المسح الكوني d'arpentage cosmique باستخدام هذه التقنية، أي طريقة التحليل الطيفي spectroscopie. وعلى نحو تدريجي، وانطلاقًا من النجوم القريبة التي باتت مسافاتها وتكوينها معروفًا الآن، تبين أن بإمكاننا تحديد أنواع الأطياف ونوعيات النجوم التي كانت معروفة، ويمكننا تحديد مقدار النور الحقيقي لها magnitude vraie. لذلك، فإنه كان كافيًا لنذهب أبعد من ذلك انطلاقًا من ألوان الطيف القادم من نجم ومن سطوعه الظاهر sa magnitude apparente (أي سطوعه المقاس على الأرض)، إذ سيكون بوسع المرء حساب حجمه الحقيقي، وبالتالي مسافته التي تفصله عنا! وهكذا ظهرت الأبعاد الحقيقية لمجرتنا: أي أن قطرها هو حوالي 100.000 سنة ضوئية. ولغاية أواخر القرن التاسع عشر، كنا عند هذا الحد من المعرفة، وكان الكون، عند الكثيرين ليس سوى مجرة درب اللبانة، وهذه المجرة فريدة من نوعها ووحيدة؛ وكان عمل الفلكيين بسيطًا، فكل ما كان عليهم فعله هو وضع "خريطة الكون كله" المحددة بمجرة درب التبانة. وكان علماء الفلك في ذلك الوقت رسامين لخرائط، وليسوا منظرين. معجزة لا يزال هناك، مع ذلك، مشكلتان "ثانويتان": أولاً، لم نكن نعرف كيفية عمل النجوم. وما هو مصدر قوتها المذهل؟ فكل متر مربع من سطح كوكبنا يتلقى يوميًا حوالي 1 كيلو واط من الطاقة الشمسية. وإن إجمالي ما نحصل عليه من الطاقة من الشمس، يسقط في الصحاري، حيث الطاقة المنتشرة فيها تفوق آلاف المرات كل ما نحتاجه من الطاقة... والشمس تبعد بحوالي مائة وخمسون مليون كيلومتر عن الأرض! ولم تعد نظرية "كرة النار" صالحة، لو كانت الشمس مكونة من عنصر الكاربون، فإن الاحتراق فيها من شأنه أن يستمر أقل من ألف سنة. ولكن الشمس مكونة من الهيدروجين، وليس الفحم وهذا هو سر استمرارها... ثم كانت هناك مشكلة مع هذه الأجرام أو الأجسام الغامضة، التي أعتبرت بأنها الغمامات أو "السدم" nébuleuse، والتي من الواضح أنها لم تكن نجومًا، ومع ذلك يمكننا مشاهدتها ورصدها في جميع أنحاء السماء. فقط عندما تم بناء التلسكوب الكبير على جبل ويلسون (ويبلغ قطره 2.54 م)، في كاليفورنيا، سنة 1917، بات بإمكاننا أن نميز، في مجرة آندروميد، نجومًا صغيرة قليلة. أغلب السدم، والمجرات، كانت عبارة عن عناقيد أو حشود من النجوم ولكن على أية مسافة كانت تتواجد؟ اعتقد معظم علماء الفلك أنها كانت تتواجد في مجرة درب التبانة. هنا حدثت معجزة صغيرة: ففي عام 1912، بدأت عالمة الفلك الشابة، هنرييتا لوفيت Lewitt Henrietta (أو leawitt)، تحلم. وكانت وظيفتها أخاذة: كانت مكلفة بتحديد وتصنيف القياسات ودرجات السطوع والمسافات لبعض النجوم المتغيرة، المعروفة باسم "céphéïdes"، لأننا نجد الكثير منها في كوكبة سيفييه la constellation de Céphée. إن هذه النجوم المتغيرة variables هي واحدة من عجائب الطبيعة: فبدلاً من "احتراقها" بانتظام مثل شمسنا، نجد أنها غير مستقرة. فلمعانها يختلف بانتظام مع مرور الوقت وهو لمعان متذبذب. فعلى سبيل المثال، نجد أن نجمة ميرا (المدهشة أو العجيبة) في برج الحوت، تشهد تبدل تألقها من العادي أو البسيط إلى المضاعف في غضون أشهر قليلة! وقد أزعج هذا التشخيص العالمة الشابة هنرييت، حيث بدأت تضع على الرسم البياني حالة السطوع (درجة النور الحقيقي magnitude vraie) للنجوم وفقًا لفترة من التذبذب الضوئي. ولم تصدق العالمة عينيها، فقد جاء الرسم البياني على شكل خط مستقيم! كان السطوع الحقيقي للـ céphéïdes عبارة عن وظيفة أو دالة مباشرة fonction directe عن فترة ديمومتها. بات من الممكن، فقط من خلال مراقبة céphéïde واحدة وقياس مدة عملها ودرجة تألقها الظاهري éclat apparent تحديد سطوعها الحقيقي، وبالتالي المسافة التي تفصلها عنا! والحال أن الـ céphéïdes ليست نادرة، وتوجد بكثرة في مجرة أندروميد. وقد قدرت تلك المسافة بمليوني سنة ضوئية! مما يعني أن تلك الحشود النجمية تقع خارج مجرتنا وتتبع لمجرات أخرى أي أن الكون المرئي لا يقتصر على مجرة درب اللبانة، بل يحتوي على عدد لا يحصى من المجرات الأخرى، "الأكوان الجزر les univers-îles"، كما كانت تسمى في ذلك الوقت... كان الكون أكبر بعشرات، أو مئات، أوآلاف أو ملايين المرات مما يمكن للمرء أن يعتقد أو يتصور. وبعد ذلك تم العثور على عدد كبير من الـ céphéïdes، في السدم والمجرات الأخرى، وغدا القياس يتم من خلال عشرات ومئات الملايين من السنوات الضوئية لتحديد أبعاد الكون... ولكن كان ذلك مجرد خطوة! حياة وموت النجوم وبعد حين جاء الدليل الأول... ليس من علم الفلك، بل من الفيزياء النووية la physique nucléaire. في سنوات الـ 1920، ظهرت نظرية الكم أو الكوانتا théorie quantique التي نشأت لفهم الذرة، وأيضًا لفهم أداء النجوم: كانت النجوم بمثابة قنابل نووية حرارية عملاقة thermonucléaires. ففي كل ثانية تفقد الشمس أربعة أطنان من كتلتها، وتحولها إلى الطاقة الضوئية. وفي قلبها، عند أكثر من مائة مليون درجة، تندمج ذرات الهيدروجين أو تلتحم لتشكل ذرات الهيليوم. والحال أن كتلة ذرة الهيليوم أصغر من ذرات الهيدروجين التي ولدت خلال ردة فعل الانصهارالنووي... ثم يتم تحويل الاختلاف في الكتلة إلى طاقة وفقًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E = MC2 أي الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء. في هذه المعادلة، E هي الطاقة المنطلقة في جول م Joules, m، بالغرامات وc هي سرعة الضوء في متر في الثانية (soit c =3x108). بسبب هذا العامل الذي ينبغي رفعه إلى مربع العدد، فإن فقدان كتلة، مهما كان ضئيلاً (4 طن في الثانية الواحدة) فإنه سيؤدي إلى إطلاق هائل من الطاقة، وبهذا يمكننا فهم مدى قوة الطاقة الشمسية. ولذلك، بات من الممكن، بالنظر لمعرفتنا بآلية التفاعلات النووية المستخدمة في الشمس والنجوم ، أن نحسب كتلتها، وأيضًا عمرها ومدة حياتها. وهكذا بفضل ضوء الشمس: تم تقدير عمر الشمس بـ 5.5 مليار سنة، وأنها لا تزال تضيء سماءنا لمدة خمسة مليارات سنة قادمة وربما أكثر. لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لجميع النجوم. وهنا يتم تطبيق منطق غريب: فكلما كان النجم كبيرًا، كلما عاش عمرًا أقصر. فالنجوم الكبيرة جدًا، و"العمالقة الزرقاء" توجد فيها تفاعلات نووية مكثفة جدًا وتبذر رأس مالها الثمين من الطاقة، بعد بضعة مئات الملايين من السنين على الأكثر. وفي المقابل، أمام النجوم الصغيرة تمتد حياة طويلة وهادئة تقدر بعشرات المليارات من السنين. وبالتالي، فإن النجوم والمجرات تولد وتموت كالبشر وككل شيء في الكون المرئي. فكيف تولد النجوم؟ من عمليات التكثيف، التي تحدث تحت تأثير الجاذبية، من الغيوم الضخمة "الأغبرة" (غاز الهيدروجين في الغالب) التي تم العثور عليها هنا وهناك في المجرة (والسدم التي ليست مجرات أخرى هي مثل هذه الغيوم). وهكذا يمكننا تحديد عمر مجرتنا: حيث قدر بحوالي 10 إلى 15 مليار سنة. فالشمس أكثر شبابًا مرتين من العمر التقديري للمجرة، كما انها تشكل جزءًا من الجيل الثاني من النجوم في المجرة. فكل جيل يحتوي على أقل قدر من الهيدروجين من سابقه وأكثر قدر من الهليوم من الجيل السابق من النجوم، وذلك لأن الهيليوم هو "رماد" من التفاعلات النووية الحرارية réactions thermonucléaires. بيد أن ولادة نجوم الجيل الثاني هو أكثر تعقيدًا، وفي الحقيقة إن السحب الكثيفة من الهيدروجين من الكثافة بمكان أنها كانت قادرة على توليد الجيل الأول من النجوم في المجرة، فالغيوم الكونية الأخرى، الأقل كثافة، تحتاج إلى "دفعة" إضافية لتتكثف وتؤدي إلى خلق نجوم أخرى. وإن الذي سيعطي هذه الدفعة الإضافية ناجم من جراء انفجار نجم، أو "سوبر نوفا" super nova. وهذا ما حدث بالقرب من شمسنا: فمما لا شك فيه أن نجمًا هائلاً سوبر نوفا قد انفجر، قبل ستة أو سبعة مليارات سنة، في جوارنا الكوني، الذي لا يتضمن سوى سحابة كبيرة من الهيدروجين والهليوم حيث سببت موجة الصدمة الناجمة من هذا الانفجار الهائل، انهيار السحابة، وهذا ما قاد إلى خلق الشمس، ولكن ليس هذا فقط. ففي الواقع، إن انفجار سوبر نوفا، ومن قلب الحرارة الرهيبة للنجم وهو في حالة الإنفجار، التي تصل إلى بضعة مليارات من الدرجات، وفي خضم التفاعلات النووية الأخرى المحتملة: نلاحظ أنه بدلاً من تحويل الهيدروجين إلى الهيليوم، كما هو الحال في نجم عادي، يمكنها تحويل الهليوم إلى أكسجين، والأكسجين إلى الكربون، وتفاعلات أخرى. والتي يمكنها في الواقع أن تنتج حتى ذرات لعناصر ثقيلة مثل الحديد والذهب، علمًا بأن الذرات لم تكن موجودة من قبل. ولأن الذهب موجود على الأرض، فإننا نستنتج أنه لا يمكن أن ينتج هذا المعدن الثمين إلا بدرجات حرارة تشبه تلك السائدة في السوبر نوفا وهي في حالة انفجار، ونحن نعلم أن مثل هذا الحدث قد وقع. وقد خلق هذا الحدث كل الذرات والجزيئات التي تؤدي في النهاية إلى ولادة الكواكب والأرض. وهكذا فإن المواد التي ذكرناها كانت قد ولدت في قلب نجم. السيناريو يبدأ في التبلور: الكون يتطور، وتركيبته الكيميائية تتغير مع مرور الوقت. في البداية، (ولكن عن أية بداية نتحدث وماذا نقصد بالبداية بالضبط؟)، لم يكن هناك سوى الهيدروجين والهيليوم، ولا شيء آخر. نجوم الجيل الأول تولد ومن ثم تنفجر. والمواد المصنعة في قلب النجوم تنفجر، وتطلق في الفضاء بسرعة هائلة، حيث تثري الغيوم الكونية بالعناصر الأثقل التي تأتي منها نجوم الجيل الثاني ومنها شمسنا. إذن هل الكون محدود أم لا؟ واستمرت أعمال المسح الكوني، ولكن هذه المرة على صعيد آخر: كان المطلوب تعداد المجرات، وتحديد المسافة وذلك باستخدام طريقة الـ céphéïdes التي اقترحتها العالمة هنرييت لفيت Lewitt. عند ذلك دخل للمشهد العبقري الصغير، إدوين هابل Edwin Hubble. فلم يكتف هذا العالم، في عام 1923، بتحديد المسافة بيننا وبين مجرة آندروميد la galaxie d'andromède باستخدام طريقة الـ céphéides، بل إنه اكتشف ظاهرة غريبة في عام 1929 ألا وهي ظاهرة الانزياح الطيفي؛ فكلما كانت المجرة بعيدة، كلما انزاح طيفها أكثر نحو الأحمر. إن أطوال الموجات من "الخطوط الطيفية" للهيدروجين وعناصر أخرى هي أطول مما ينبغي. فما هو السبب؟ فسر هابل Hubble هذه الظاهرة قائلاً: كلما كانت المجرات البعيدة ، كلما ابتعدت عنا بسرعات عالية. ويتم ذلك بسبب وجود تأثير بسيط جدًا هو ما يعرف بتأثير دوبلر l'effet doppler. فعندما تتجه نحونا سيارة شرطة أو سيارة إطفاء الحرائق في سرعة عالية، يكون صوت صفارات الانذار المنطلق منها أكثر حدة plus aigu مما لو كانت تبتعد عنا. وهذا هو، تأثير دوبلر l'effet doppler، وهو ينطبق على جميع الموجات، الموجات الصوتية، والموجات الضوئية أو موجات الراديو. وبالنسبة لهذه الأخيرة فإن حدة صوتها "تتناسب مع انزياحها نحو اللون الأزرق، والصوت "الحاد grave" ينزاح نحو اللون الأحمر. ومن خلال قياس المسافات والانزياح نحو الأحمر بشكل منتظم للمجرات الأقرب إلينا (نسبيًا)، اقترح العالم الفلكي هابل "ثابت هابل constante de hubble"، الذي يربط الانزياح الطيفي أو اللوني بمسافة المجرات؛ فكلما كانت منزاحة أكثر نحو الأحمر، كلما كانت أبعد وكلما ابتعدت أكثر عنا. وهناك أحد من أمرين، فإما أن مجرتنا تحتل مركز الكون وكل شيء يفر منا، وهو موقف ليس إنساني الشكل أو ليس تشبيهوي أو تجسيموي anthropomorphique ولا يمكن تقبله في الواقع insoutenable، أو يبدو الكون كما لو أن المجرات رسمت على "منطاد ballon de baudruche" (رباعي الأبعاد) وهو ينتفخ تحت تأثير وجود "تمدد أو توسع للكون expansion de l'univers". وبالتالي فإن الكون تمدد و توسع، مما يعني أنه لديه أصل أو بداية داخل الزمن، وإن معكوس ثابت هابل يعطي مباشرة عمر الكون: من 13 إلى 15 مليار سنة. في ذلك الوقت، كان الكون صغيرًا جدًا، وحارًا جدًا، كما لو كان قد نجم عن انفجار عنيف cataclysmique explosion. وسيكون هذا الانفجار الكبير هو البيغ بانغ BIG BANG، وهو التعبير الذي انتشر في لمح البصر في جميع أرجاء العالم. ومن ثم لم يعد علم الكونيات أرضية صالحة لنشاطات مساحي الأراضي، بل أصبح ساحة رئيسية للمنظرين في مجال الفيزياء النظرية وعلم الأكوان. وستتكاثر أعداد هؤلاء المنظرين بوفرة. وسوف تتحاذى النظريات أكثر فأكثر ويزداد عددها، في محاولة لتفسير هذا الانزياح نحو الأحمر بفعل سبب آخر غير تأثير دوبلر. ووفق نظرية التعب الضوئي théorie de la fatigue de la lumière؛ فعندما ينتشر الضوء على مسافات هائلة غير قابلة للقياس، "فإنه سيتعب"، ويفقد جزءًا من الطاقة، وبعد ذلك سوف يتحول إلى اللون الأحمر (الفوتونات ذات الانخفاض الأقل وتيرة لديها أقل طاقة، وفقًا لنوعية العلاقة الكمومية أو الكوانتية E=h). الطاقة المفقودة سوف توجد مرة أخرى من جراء الخلق العفوي للمادة، والتي من شأنها أن تملأ الفراغ المجري vide galactique تدريجيًا. وفي هذه النظرية أن الكون ثابت وغير محدود، وهو نفسه تقريبًا في كل مكان وفي أي وقت. فما هو الصحيح وما هو الخاطئ في هذه الأطروحة؟ ومن هو على حق؟ إن هذه الملاحظة سوف تعني نهاية كل تلك النظريات الجميلة، وترك واحدة منها فقط هي، نظرية الانفجار العظيم Big Bang. في عام 1965 تم اكتشاف أن خلفية السماء، حيث لا يوجد أي كائن جسم أو جرم سماوي، تنبعث منها موجات الراديو في ترددات ملليمترية fréquences millimétriques. إن طيف من "ضجيج الخلفية الكونية Bruit de rayonnement fossile" هو بالضبط نفس الطيف الناجم من "الجسم الأسود" بدرجة حرارة 3 درجات كلفن، أي -270 درجة مئوية. فماذا يعني هذا؟ إن "إشعاع الجسم الأسود rayonnement du corps noir" هو مصطلح خاص وغامض استخدمه الفيزيائيون لوصف الإشعاع المنبعث من جسم ساخن: من الصلب أو الفولاذ المنصهر عندما يسطع الضوء البرتقالي الجميل، ومن داخل فرن للانحلال الحراري four à pyrolyse نشط حيث يكون الشعاع هو الأحمر الداكن، وفي الواقع أن كل جسم ليس في درجة الصفر المطلق (0°K soit -273,18°C) يبعث إشعاعًا. وبالنسبة لجسم باردًا جدًا، فإن هذا الإشعاع لم يعد واضحًا أو مرئيًا، بل هو حتى ليس في نطاق الأشعة تحت الحمراء، بل ضمن موجات الراديو وبالتالي فإن الأشعة الكوزمولوجية rayonnement cosmologique تقيس درجة الحرارة الكونية المتبقية في الكون: 3°K 3 ° ك. إن درجة الحرارة هذه هي على وجه التحديد تلك التي يتم تحديدها وقياسها من خلال محاكاة تبريد الكون منذ الانفجار العظيم. ويبدو أننا قد نكتشف من خلالها الهيكل الحقيقي أو البنية الحقيقية للكون. الكون هو إذن محدود في الفضاء، وهو محدود في الماضي. فهل هو كذلك في المستقبل؟ ما هو شكله الطوبولوجي؟ ماذا نعني بالقول إنه بمثابة "فقاعة تتوسع في أربعة أبعاد"؟ هل تختلف سرعة التوسع أو التمدد مع الوقت أو بمرور الزمن؟ لم ينته العلماء في التخمين والافتراض بشأن هذه التساؤلات. تجدر الإشارة هنا أيضًا إلى حجة غريبة فيما يخص محدودية الكون. في البداية، يبدو طرح سؤال كهذا ساذجًا: لماذا تكون السماء مظلمة ليلاً؟ إذا كان الكون لانهائي، ويحتوي على عدد لا حصر له من النجوم؟ هل يمكن أن يعتقد أن وراء كل نقطة في الفضاء ينبغي أن يكون هناك نجم ما، وبالتالي فإن هذه النقطة يجب أن تلمع أو تسطع. وبدلاً من أن تكون السماء سوداء، فإنها ستكون كأنها فرن! والخلاصة: هل الكون محدود؟ في الواقع، هذا منطق بسيط، وعلينا تجنب التبسيط. التفسير الحقيقي لواقع لماذا السماء سوداء يتطلب حججًا وتوضيحات معقدة جدًا مستمدة من نظرية النسبية العامة. لذلك كل شيء واضح؟ خلاصة القول إن الكون المرئي ولد قبل حوالي 15 مليار سنة – وربما أقدم من ذلك بكثير – من جراء انفجار عظيم مذهل fanstastique explosion، اشتهر باسم الانفجار الكبير le big bang. ينبغي التحذير بأنه لا يجب علينا أن نتصور وقوع انفجار تقليدي في الفضاء، بل علينا أن نتخيل انفجارًا للفضاء نفسه؛ بمعنى من المعاني، إن الانفجار الكبير لم يحدث في موقع معين من المكان الكوني، ولكن في كل مكان في آن واحد. أما بشأن السؤال لماذا هذا الانفجار العظيم، فإن النظرية السائدة تقول إن ذلك نجم عن "تقلب كمومي أو كوانتي fluctuation quantique" ضخم تعلمنا فيزياء الكم أو الكوانتا لا نعرف عنه الكثير اليوم بعد ولكننا نعرف أنه (وفق مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج principe d'incertitude de Heisenberg) لا يمكننا قياس طاقة لجسيم أو مجرد جزء من الفضاء بدقة لامتناهية في زمن محدد أو محدود؛ فحالة عدم اليقين بشأن الطاقة تصبح كبيرة جدًا إذا ما حاولنا قياس ذلك في فترة زمنية قصيرة جدًا. أما في فترة زمنية تعادل صفر، فإن الفاصل الزمني للطاقة هو... ما لا نهاية. ومن هنا حدث الانفجار الكبير، الذي تتوافق فيه الطاقة مع حالة عدم اليقين للقياس "خلال زمن بلانك temps de Planck"، وهو أصغر فاصل زمني للوقت يمكن تخيله وله معنى فيزيائي بالمعنى المادي. في البدء كان الكون حارًا جدًا، في لحظة ما فريدة. ومنذ ذلك الحين، فإن الكون يتوسع باستمرار مع تزايد برودته. ويمكن قياس درجة حرارته الفعلية: 3°K 3 ° ك. إن المجرات في هذا الكون المرئي تتحرك بعيدًا عنا وكلما ابتعدت أكثر ازدادت سرعة ابتعادها. إذن فقياس (بموجب تأثير دوبلر par effet doppler) سرعة الركود vitesse de récession هي التي تعطي المسافة بينهما ولكن لا تزال هناك بعض المشاكل. وربما تتسبب تلك "المشاكل الصغيرة" بتدمير صرحنا الكوني النظري الجميل. النموذج القياسي أو المعياري ومشاكله لذلك ترسخت فرضية أنه كان هناك بيغ بانغ-انفجارعظيم. ولكن متى وقع؟ إن ذلك يعتمد على معدل توسع الكون. ومن المرجح أن هذا الإيقاع يؤدي إلى التباطؤ مع مرور الوقت، ولكن في الحقيقة، وبسبب قوة الجاذبية بين المجرات، وكتلة الكون نفسه، قد "يكبح" ذلك التوسع الكوني. إن ثابت هابل La constante de Hubble، الذي يربط بين سرعة الركود (التباعد) للمجرات مع المسافة بينهما، يمكن أن يمنحنا إمكانية إعطاء عمر تقديري للكون. والذي هو حوالي 15 مليار سنة. العقبة الأساسية أمام هذا التقدير تكمن في صعوبة تحديد قيمة ثابت هابل الذي أعيد تقديره عدة مرات في فترات زمنية متتالية، كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الاجراء يفترض أن ثابت هابل هو ثابت (في المكان والزمان). *** *** *** ٭ ايميله: jawadbashara@yahoo.fr
|
|
|