|
التقنية الشعرية في سلاماتٍ مطرية!
النصُّ الشّعريُّ وِحدةُ التعبيرِ عن الجَمال، في صورٍ شِعريةٍ تُشكِّلُ قَوامَ النصِّ ونبْضِهِ، كوْنَها البُنيةَ العميقةَ التي تَحمِلُ مُعطياتِ الإحساس، الذي هو (مصدرٌ مُكثّفٌ عن الأشياءِ والعالم)، كما يقولُ ديموقريطس. إصابةُ التحوُّلِ معَ إطلالةِ العصْرِ الحديثِ ومُعطياتِهِ الحداثويةِ، التي تَكمُنُ في صياغةِ الصوَِر التعبيريةِ والمَجازاتِ اللغويةِ، والتي تَخلقُ حالةً مِنَ التوتُّرِ وقلَقِ المَعنى، معَ رؤيةٍ تعتمِدُ التقنياتِ الفنيةَ الأسلوبيةَ والانفتاحَ الحضاريَّ، أخذَتْ تُشكِّلُ عوالمَ لا تَعرفُ السكونَ، بهواجسَ تجريبيةٍ طالتِ الرؤيةَ والمَوْقفَ إزاءَ العالَمِ والأشياءِ، وأخذَتِ القصيدةُ اتجاهاتِها، مِن حيثُ الدلالة والموقف. إنه مُغامرةُ التجريبِ التي تعتمدُ التشكُّلَ الصُّوريَّ واللغويَّ، معَ رؤيا تَجْمَعُ ما بينَ الحُلمِ الشفيفِ واليقظةِ الداهِشة، لذا؛ فهو (رؤيا بفعلٍ)، على حدِّ تعبيرِ أدونيس... وسَلامي لكَ مطرًا؛ المجموعةُ الشعريةُ التي نَسَجَتْها أناملُ الشاعرةِ آمال عوَّاد رضوان، وأسْهَمَتْ دار الزهراء للنشر والتوزيِع في إصدارِها منشورًا معرفيًّا مُضافًا /2007، غلَبَ عليها الطابعُ التأمُّليُّ الوجداني، وسادَها بوحٌ عميقٌ، عبْرَ آلياتٍ وتقاناتٍ فنيةٍ شَغلَتْ سُطورَها. في قصيدة سلامي لك مطرًا (ص 36) تقول:
يا مَنْ تَرتَسِمينَ بَتولاً الشاعرةُ آمال عوَّاد رضوان تُؤسِّسُ لقوْلٍ شِعريٍّ يُناهضُ الوجودَ بالمغامرة، مِن خلالِ الحضورِ المُكثَّفِ، والانزياحيةِ الدلاليةِ، وهاجسٍ متوترٍ يُؤطِّرُ الحَدَثَ الشعريَّ بتقنياتٍ فنيٍّة، ابتداءً مِنَ العنوان النص المُوازي الرامز، الذي تَشَكَّلَ مِن جُملةٍ اسميةٍ، حَمَلَتْ رمْزَها (المطر) روحَ الحياةِ كخيارٍ جَماليٍّ، وتَقنيةٍ فنيةٍ وظَّفتْها الشاعرةُ، كي تَنقلَ المُتلقي إلى المعاني والدلالاتِ التي تَكمنُ وراءَ اللفظِ، الذي هو مصدرُ الخصْبِ والنماء. إضافةً إلى أنه طاقةُ تثويرٍ لعوالم الطبيعة، كي تتجاوز ص 39 لقصيدة سلامي لك مطرًا بقولها:
يا مَنْ لذا؛ فهو حمَلَ هُويةَ المَجموعةِ التي ضمَّتْ في حاضنتِها استحقاقاتٍ شِعريةً، فرَضَتْ نفسَها (تفعيلةً ونثرًا)، وهي تَخلقُ عوالمَها الدرامية، التي تُخرجُ نصوصَها مِن حيِّزها الضيِّقِ، إلى أفقٍ فضائيٍّ مُتَّسِعِ المَعنى، إذ انفتاح النصِّ على أسلوب السردِ مِن أجلِ امتدادِهِ الزماني، الذي تمركزَ في مَقاطِعِه المُتناوبةِ، التي فيها تشتغلُ الشاعرةُ على نحتِ الجُملةِ الشعريةِ، مِن أجلِ تطويعِ الإيقاعِ النصيِّ، بتجريبيةٍ أسْهمَتْ في خلقِ الفجواتِ بينَ الدَّالِّ والمَدلولِ الشعرييْن، وهي تجنحُ إلى كسْرِ المَقاييسِ كتعريفِ الفِعلِ، مِنْ أجلِ مَنْحِهِ ثِقلاً، وشَحْنِهِ ديناميًّا، وتوظيفِ تقانةِ التقنيةِ دلالةَ الحذفِ والوقفة الزمنية التأملية، التي تعني القفزَ على الزمنِ الشعريِّ، فضلاً عن أنها تُشكِّلُ وسيلةً تعبيريةً ترمزُ للمحذوفِ مِنَ التعابيرِ، والتي تُفسِحُ المَجالَ للمُتلقي، كي يُسْهِمَ في بناءِ النصِّ، فضلاً عن إضفائِها جوًّا نغميًّا مُضافًا، غلبَ عليهِ توجُّهًا تأمليًّا يقومُ على التمركزِ داخلَ الذاتِ، للكشْفِ عن كوامِنها، والانطلاقِ صوْب الموضوع (الآخر)، الذي يُشكِّلُ مُحيطَها، والذي يُؤطِّرُ عوالِمَها والوجودَ. في قصيدة سماوية غوايتي (ص 42) تقول:
في ضبابِ الأُفُقِ الهاربِ مِنكِ النصُّ عندَ الشاعرةِ آمال عوَّاد رضوان يَقومُ على إنتاجِ شِعريتِهِ، مِنْ خلالِ تَفاعُلِ الجزئياتِ ببناءٍ ذاتيٍّ مُعبِّرٍ عن كوْنِ الشاعرة الشعري بلغةٍ إشاريةٍ، معَ استثمارِ بعضِ الثنائياتِ (الحزن-الفرح، لقاء-غياب)، والتي تُجَسِّدُ الحوارَ الداخليَّ (المونولوجي)، فهي تعتمدُ بناءً شعريًّا دراميًّا يقومُ على مُدرَكاتٍ عقليةٍ، تكشِفُ عن وعيٍ شِعريٍّ، يَقومُ على وحدةٍ موضوعيةٍ امتازَتْ بسلامةِ إيقاعِها وصِدْقِ عاطفتِها، كوْنَها تعويض عن حزنٍ يُغلِّف الذات، مع تكثيفِ الصورةِ، وشحْنِها بإيحاءاتٍ تُحرِّكُ الخزانةَ الفِكريةَ لمُتلقِّيها، وتُدغدغُ وجودَهُ. وفي قصيدة خرافة فرح (ص 27) تقول:
براءةُ الفجرِ *
ظِلالُنا الهارِبَةُ *
أَتراها الشاعرةُ آمال تُوظِّفُ التعبيراتِ المَشحونةَ بطاقةِ التوتُّرِ، مِن أجلِ المُحافظةِ على العاطفةِ المُتمرِّدةِ على الواقع، للإفلاتِ مِن وحشيَّتِهِ، ببناءٍ فنَّيٍّ تركيبيٍّ يَعتمدُ معماريةً مَدروسةً، ومُتميِّزةً بتناسُقِ الصورِ بوحدةٍ موضوعيةٍ مُتَّزنةٍ، فضلاً عن اعتمادِها الرمزَ لتطويرِ الفِكرة، معَ مُحاولةِ التجاوزِ، وخلْقِ إيقاعٍ مُتحرِّكٍ، مُوزَّعًا بلوحاتٍ مَقطعيةٍ، إضافةً إلى توظيفِها تقاناتٍ فنية، مِن أجلِ إثراءِ النص، وإنقاذِهِ مِنَ الغنائيةِ المُباشِرةِ، وتحويلِ صُوَرِهِ مِن نبضِها الفِكريِّ إلى النبضِ الجَمالي الشفيفِ، فنثْرُ الحُروفِ أفقيًّا وعموديًّا لهُ دلالتُهُ الفنيةُ والمَضمونيةُ، تَنحصِرُ في خلْقِ مناخٍ مُلائِمٍ للحالةِ النفسيةِ للشاعرةِ، فالانفراطُ (عموديًّا) والتعثُّر (أفقيًّا)، وهذهِ حقيقةٌ واقعةٌ تُحقِّقُ إيحائيةً تتساوقُ معَ المَعنى العامِّ للفظة. وإزاءَ توزيعِ حُروفِ اللفظةِ، تَنقلُنا الشاعرةُ آمال عوَّاد رضوان إلى منظورٍ هَندسِيٍّ حَداثَويٍّ، يُسْهِمُ في تعميقِ المَعنى، ويَكشِفُ عن وعي الشّاعرةِ بالمُفردةِ مِعماريًّا وتشكيليًّا، فضْلاً عن أنَّ حضورَ الذاتِ في النصِّ الشعريِّ بهَواجِسِها، يَكشِفُ عن بُنى النصِّ الداخليةِ، ويُسَهِّلُ عمَليةَ التأويلِ، ومُلامَسةَ الأبعادِ الجَماليةِ التي يُحَقِّقُها المَشهَدُ الشعريُّ. الشاعرةُ آمال عوَّاد رضوان تُقدِّمُ نسَقًا شِعريًّا، يقومُ على انتزاعِ الصُّوَرِ التي تَميَّزَتْ بحِسيَّتِها المُتوالدةِ في الذهن، وهي صُوَرٌ مقصودةٌ لذاتِها، ومُتميِّزةٌ بعُمْقِ دَلالتِها، فضلاً عن المُفارقةِ السرديةِ التي تَعتمدُها، والفِعلُ الدراميُّ المَبنيُّ على تعدُّدِ الأصواتِ، معَ استغناءٍ عن التفعيلةِ الخليليةِ كوحدةِ بناءٍ، واعتمادِ تقنيةِ السطرِ الشعريِّ المُكثَّفِ، مِن خلالِ استخدامِ اللفظِ سِياقيًّا وتركيبيًّا، مِن أجْلِ إثراءِ الصورةِ وكثافةِ المَعنى، معَ وحدةٍ موضوعيةٍ تُحقِّقُ الُمتعةَ والمَنفعةَ الناتجَتيْنِ مِن التأمُّلِ في بُنيةِ النصِّ وجَمالياتِهِ. لذا؛ فهي تلجأ إلى إلهاميةِ الرؤيةِ الشعريةِ، معَ تركيزِ وتكثيفِ هذه الرؤيةِ، باعتمادِ الإشاراتِ الرمزيةِ الخلاقةِ لمَشاهدَ منسوجةٍ بدِقَّةِ تَخيُّلِ دونَ ضياعِ المَعنى، إذ إنَّ التكثيفَ الدلاليَّ والإيحائيَّ جَعلَ مِنَ النصِّ مُلامِسًا لروحِ المُتلقي وفِكْرِهِ، ومُسْهِمًا في تحفيزِ مخيلتِهِ، باستخدام لغةٍ تحملُ دلالاتِها، وتَكشِفُ عن انفعالاتِها الداخليّة، كوْن التجربة الشعرية تعني إدراكًا حسِّيًّا وعاطفيًّا لمُجمل الحياة، إذ إنَّها تعبيرٌ لتحقيقِ خلودِ الأشياء، عبْرَ فِكرٍ يُحدِّدُ الصورَ، التي هي (تأويلٌ ذهنيٌّ للموضوعاتِ الحسيَّة)، على حدِّ تعبيرِ هيكل. في قصيدة سلامي لك مطرًا (ص 37) تقول:
أنا مَنْ أَثملني السهرُ الشاعرة آمال عوَّاد رضوان تُمارسُ الارتقاءَ في جُملتِها الشعريةِ المُتصاعِدة، ضمنَ بناءٍ متوازنٍ في جُمَلِهِ وصُوَرِهِ، مِن أجلِ تحقيقِ اللذَّةِ الجَماليةِ المُتَّكئةِ على دلالةِ الانتماءِ، في جميع انثيالاتِها وبوْحِها الشعري، باعتمادِ الإيحاءِ بالصورةِ الشعريَّةِ، بوَصْفِها فعالية لغوية تُسْهِمُ في انتشالِ اللفظةِ مِن إنشائيَّتِها صوْبَ مَجازيَّتِها التصويرية، ومِن ثمَّ خلق (رؤيةٍ فكريةٍ وعاطفيةٍ في لحظةٍ مِنَ الزمن). *** *** *** |
|
|