قطوف من شجرة الحياة 16

 

اسكندر لوقـا

 

دائمًا توجد في الحياة مفاجآت. وبمعنى ما فإن عجلات التاريخ لا تتوقف عن دورانها لتحمل إلينا جديدًا في كل لحظة. من هنا لا يجوز للمرء أن يتجاهل هذه الحقيقة، حقيقة حدوث تغييرات تتعلق بحياته الشخصية أو بسطح الأرض على حدٍّ سواء. وبالتالي من الخطأ أن يتجاهل أحدٌ تأثير هذه التغييرات على ما حولها، خصوصًا في زمن حدوثها، لأن مثل هذا التجاهل قد يرتب عليه، كما على بيئته، مسؤولية حمل تبعات تخطيه وضوح حقيقة أثبت التاريخ البشري موضوعيتها ولا يزال.

***

من المعادلات الوطنية التي لا تقبل المساومة بأي شكل من الأشكال، وفي سياق أي منطق، أنَّ الذي يفرِّط بذرة تراب واحدة من أرض الوطن هو خائن، ذلك لأن الأرض لا تقاس بأبعدها الجغرافية بل بما تعنيه في سياق المواطنة والالتزام بالدفاع عنها مهما بلغت التضحيات، على نحو الدفاع عن العِرض في العرف الاجتماعي وعلاقته بمفهوم الشرف. ولا أعتقد أن من يقبل التنازل طوعًا عن ذرة تراب واحدة من أرض وطنه، تحت أي إغراء معنويًا كان أم ماديًا، لن يجد مبررًا لنفسه إذا ما قبل يومًا التنازل عن وطنه.

***

مفهوم القيادة، في المفهوم العام لهذه المعادلة في المجال السياسي كما في باقي لمجالات التي تتعلق بإدارة كفة الحكم في أي بلد من بلدان العالم، يستند إلى مرتكزات فكرية نابعة من تجارب محكمة – إن صح التعبير – ذاتية كانت أم موضوعية. ومن تلك المرتكزات أن يكون للقائد، أيًّا كان وفي أي بلد كان، أن تكون له مثله العليا وأن يتحرر من أناه، بمعنى أن يضحي بالمؤقت في سبيل الخالد. وفي التاريخ البشري، ربما تعدَّدت الأمثلة في سياق هذه المعادلة، بيد أن الأكثر حضورًا في الذاكرة، الرجل الذي لا يمكن للمرء إلا أن يتوقف أمام اسمه خاشعًا، هو المهاتما غاندي صاحب عقيدة تبقى خالدة في الذاكرة الجمعية للبشرية، وربما لا أغالي إذا ما قلت بأنها تقارب مقولة: ووطئ الموت بالموت.

***

لا بد أن تكون لكل واحد منا وجهة نظر حول قضية تعنيه، وقد تطرح بحضوره على بساط النقاش. في سياق هذه الرؤية، من الطبيعي أن تتعارض وجهات النظر، بين مؤيد وغير مؤيد من الحضور، لسبب أو لآخر. ومع ذلك فإن مبدأ النقاش يبقى مفيدًا لأنه ربما شكَّل مدخلاً مقبولاً، وصولاً إلى قواسم مشتركة هدف المتحاورين منها حرصهم على مصلحة القضية أو القضايا المطروحة على النقاش، في حال توافرت النوايا الموضوعية لديهم، وذلك لعلاقة تلك القواسم المشتركة أولاً بحماية إرث الوطن التاريخي بمعناه الذي يجسِّد حضارته، وثانيًا لعلاقتها بوعي إنسانه في الزمن الراهن. وغالبًا، لا أحيانًا فقط، غالبًا ما يكون التشبُّث بالرأي أحد مظاهر النقاش بين المتحاورين لتقييم موقف أو لتقويمه فيعيد هذا الفرد أو ذاك "أناه" إلى مربع الاعتقاد بأنه وحده على صواب وسواه على خطأ. وتضيع الحقيقة.

***

بين أن نكون أو لا نكون مسافات شاسعة واقعية لا نظرية فحسب. أن نكون حقًا يعني أن نكون كما نحن نريد، أي أن نحقق وجودنا على الأرض وفق مشيئتنا. وأما ألا نكون فمعنى ذلك أن نكون أيضًا ولكن كما الآخرون يريدون لنا أن نكون، وحسب مشيئتهم، بمعنى أن نبقى مسيَّرين لا مخيَّرين فيما نراه صوابًا. بهذا المعنى يفقد الإنسان مقومات شخصياته، فيصير مجرَّد كائن حي لا كائنًا عاقلاً، يدب على الأرض كما باقي الكائنات التي تدب على الأرض بحثًا عن مأكل ومشرب لا أكثر. أن نكون يجب أن نكون محصنين بما نعتقد أنه يليق بإنسان قادر على وضع بصمة مؤثرة في بيئته على أقل تقدير، مهما قصرت أو طالت سنوات عمره.

***

إن نضالاً في العالم لا يمكن أن يستقر أو أن يثمر إذا كان نضالاً نظريًا فحسب. كما الفكرة التي تجول في الخاطر وتبقى في مكانها لا تغادره. النضال، خارج حدود النظرية، يكون عملاً مرئيًا وبالتالي ممارسًا على الأرض. ومن البديهي هنا التأكيد على أن درب النضال قد لا يكون حُكمًا ودائمًا مفروشًا بالورود، إذ قد يكون الدرب مليئًا بالأشواك التي تدمي أقدام السائرين عليه. وغالبًا ما يكون هذا ثمن الوصول إلى الغاية من النضال ممارسة على أرض الواقع لا نظريًا، مهما كانت بلاغة وحجَّة المتحدث عنها مبررة في نظره.

***

تشكل الوحدة الوطنية السلاح الأمضى في كل معركة يخوضها بلد من البلدان درءًا لخطر غزو أو اعتداء. وحتى تتحقق الوحدة الوطنية لا بد من توافر مستلزماتها وفي مقدمها تلاحم أبناء هذا البلد أو ذاك بمختلف أطيافه. وما دامت الوحدة الوطنية في البلد متينة، فلا عدوٌ قادر على النيل منه ولا هو قادرٌ على حرفه عن أهدافه، وبذلك لا يمكن أن يتعرض كفاح أبنائه الوطني والقومي لأي خطر داهم. ومن البديهي إذ ذاك القول بأن من لا يستطيع الدفاع عن تاريخه ووحدته الوطنية بكفاءة، لا يستطيع أن يدافع لا عن قيمه الإنسانية ولا عن قيمه الحضارية. في هذا السياق تندرج مفاهيم المواطنة والتزام قضاياه سواء ما كان منها معاشًا في الزمن الراهن أو في المستقبل.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود