|
عَـجْـزْ
(مقطع من حديقة متخيَّلة، ثلاثة مقاعد خشبية ملونة على شكل نصف دائرة. أمامها نافورة ماء صغيرة. يقف خمسة مغنين شبان، بأقنعة خضراء على وجوههم "أقنعة تشبه أوراق الأشجار"، على المقعد الأوسط، وعلى المقعدين الآخرين يجلس ولد وفتاة؛ كلٌّ على حدة. الوقت مساءٌ غضّ...) *
الكورس:
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة، ما الجهل، ما المعرفة، ما المشيئة؟ "صمت"
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة،
الولد:
حسبْتُكِ نائمة. كنتِ جميلة مثل ضوء صغير في نسيج وردة!
الفتاة:
ها ذا أنت من جديد! ظننتكَ غائبًا. الولد: خلتني لن أعود أبدًا! لذلك اكتفيتِ ببيتٍ صغير كفمكِ؟ الفتاة: لم يسعني صمتُ كل يوم، فرأيتُ أراكَ في صوتٍ خفيض. الولد: وكيف رأيتني؟ الفتاة: فمًا مغلقًا مثل برعم بارد!
الكورس:
ما لم يحدث قط، الآن نراه مثل ضوء الصباح. الفتاة: أرأيت حريق البلدية، ودار محكمة الصلح القديمة؟ الولد: رأيته "صمت" الفتاة: صفْهُ لي.
الولد:
كان شمعة صفراء ضعيفة، الفتاة: ممَّ تأتي النار؟
الولد:
من الوحدة...، حينما الهواء مثل جدار يكون. الفتاة: من أطفأ النار؟
الولد:
الإهمالُ، أطفأها الإهمال!
الفتاة:
القوةُ، آه شمعةً صغيرة أطفأتِ القوةُ!
الولد:
الكسل مثل المشيئة مثل الجهل،
واليأس مثل النار تدفئ إذْ تحرقُ. الفتاة: ما يجعل البلدة بيتَ نارٍ. الولد: الضعف، والكثرةُ الحزينة. الفتاة: الضعف، والكثرة الحزينة!
الكورس:
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة، ما الدفء، ما الظلام، ما القوة؟
في الأفق نارٌ، في الأفق نارٌ لا مرئية، الفتاة: كيف تراني الآن؟ الولد: شمعة صغيرة، أضعفها نورها! الفتاة: شمعة فحسب! الولد: شمعة في جسدها ماء، ومن الماء فراشة... الفتاة: تقصد أنك تحلم بي فيما تراني وحيدة كشمعة! الولد: أقصد أني أراك الآن كمن يحلم بماءٍ لا يُرَى! الفتاة: لمْ أرَ جوعًا في عينيك. الولد: لمْ أرَ الفرح في عينيك.
الفتاة:
كنتَ وحيدًا إذن! الولد: كنتُ أتساءل... كيف الموت لا يُرى!
الكورس:
هي الحزينة عرَّتْها المخاوف.
الفقر صخرة، الفقر صخرة. ما الشمعة، ما الماء، ما الفراشة؟
رأت الحزن بيتًا يليق بانتظارها، الفتاة: كيف يصلح شارع بلا محكمة؟ الولد: مثلما تصلح محكمة بلا شارع! الفتاة: والناس بلا نظامٍ يقضون أيامهم؟ الولد: مثلما النظام بلا ناسٍ يقضي أيامه! الفتاة: لمَ اليأس؟ الولد: لمَ السؤال؟ الفتاة: لأنها الرغبة. الولد: لأنه العجز!
الفتاة:
أتكون النجوم فئرانَ اليأس، والسماء حظيرة العالم! "صمت" الولد: إني أرى، أرى فحسب.
الفتاة:
أنت تنسى، تنسى فحسب! الولد: نفع الغياب. الفتاة: أتقصدني بكلامك؟ الولد: أنا أعرِّفكِ بكلامي!
الفتاة:
أيتها السحب، أيتها السهول،
الكورس:
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة، الفتاة: أمن الحبِّ أن تنظر إلي وكأن ريحًا أخذتكَ؟ الولد: من القوة أن تحلمي فيما أنتِ يقظة. الفتاة: ومتى يكون الحبُّ؟
الولد:
حين يكون وجهكِ نائيًا. الفتاة: تحسبني شكلاً خفيفًا، فتحبّ شكلي فحسب؟
الولد:
خفيفة هي أيضًا الملائكة، منسجمة
الفتاة:
لستُ من الملاك في شيء. الولد: ما تعرفين عن الملاك لتنفي نفسكِ عن نفسه؟ الفتاة: ما تعرف أنت عن الملاك فتنسبني إليه؟
الولد:
أظنني أعرف الرقة... الفتاة: لم تخلط العاطفة بالإرادة؟ الولد: لأن الجسد والنفس شيء واحد. الفتاة: من قال بذلك؟ الولد: سبينوزا. الفتاة: سبينوزا؟ أتحبُّ سبينوزا؟
الولد:
باروخ سبينوزا. "صمت"
الكورس:
حسبنا ما قمنا به حتى الآن.
أكانت تفكر به وهي تحسب غيابه غيابًا كاملاً؟
حسبنا ما قمنا به حتى الآن، الفتاة: ما دفعك إلي بعد غيابك؟ الولد: الخوف. دفعني الخوف. الفتاة: الخوف!
الولد:
والحبُّ. الفتاة: والآن أنت سعيد، فأنا أسمع صوتك؟
الولد:
أنا خائف ألا يتجاوز صوتي حنجرتي! "صمت"
الفتاة:
الكثير من الأيام مضت، الولد: العزلة فقط؟ الفتاة: العزلة والعجز. الولد: كيف رأيت غيابي في صمتك الطويل؟
الفتاة:
رأيت نفسي.
لا شيء يوجع من لا يملك شيئًا، الولد: للظلام طاقة على كل حال. الفتاة: وللخائف أيضًا رغبةُ التخلص من الخوف...
الولد:
قد يصير الخوف بيت من يرغب،
الفتاة:
النار لا تنقذ ولا تطهِّر.
الولد:
بلى. هي تتظاهر، وفي الآن ذاته تخلق ما تحرق!
الفتاة:
أجسادنا، أهي ملكنا بحقّ!؟
الولد:
لأنها تحنُّ وترغب،
وإن بدت عمياء تتخبَّط، الفتاة: بأي نور تراني الآن؟
الولد:
بنور الحاضر. الفتاة: أتسمع صوت طائر في الجوار؟ الولد: لا أسمع. الفتاة: أحدهم يرغم طائرًا على الصمت الآن. "صمت"
الكورس:
تخيلوا، تخيلوا.
من غيركم يعرِّض للشمس قلبه الفتاة: وأضرمتم النار في المركز الثقافي؟ الولد: أضرمنا النار في المركز الثقافي. الفتاة: لكنها الكتب، هناك، كانت خيركم! الولد: كتب جوفاء، كتب بلا صوت. الفتاة: والكلمات التي كان يمكنها أن تصاحب خيالكم...؟ الولد: في مكان قذر لا كلمات تصاحب خيالنا. الفتاة: إذن، أشبه بقطيع هائج كانت أفعالكم؟ الولد: أجل، قطيعًا هائجًا كنَّا ولسنا نندم. الفتاة: أمن الحكمة ألا نندم؟ الولد: من الحكمة أن نصرخ. الفتاة: هاهو الحرق مآل صراخكم! الولد: بل الضوء؛ الضوء الذي يجعلنا في صمت نفكر. الفتاة: وماذا يمكن أن ترى في صمتٍ هو الرماد؟! الولد: أرى الغد الذي ينبغي جرُّه عنوة مثل حيوان يظلُّ يفلت. الفتاة: وأمسكتم أخيرًا بحيوانكم؟ الولد: أمسكنا بعقل راقص. الفتاة: وما رأيتم فيه؟ الولد: رأينا الغد لا يُرجى شفاؤه. الفتاة: تقصد أن رماد الكتب أسكنكم اليأس؟ الولد: لو كانت كتبًا بحق لما حالت سوادًا تالفًا! الفتاة: أنتم من أتلفتم صفاء عقلكم.
الولد:
نحن من نزعنا البرد عن جلودنا المنكمشة، الفتاة: "وأسقطتم تمثال الخوف"؟ الولد: أسقطنا الخيال، ولم نجد خلفه بيتًا جديدًا!
الكورس:
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة،
ما الخيال، ما البرد، ما البيت الجديد؟
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة، *
الولد:
كيف كان نومكِ؟
الفتاة:
بالكاد أذكر نومي... الولد: مظلة واسعة وتحتها رغبة الفقدان القوية! "صمت"
آه، إنه لمن المبكر حقًا
الفتاة:
كيف كان غيابكَ؟
الولد:
ليس الجمال ما ينقص، بل العطف!
الفتاة:
أيُّ قوةٍ حزْتَها حتى عبرْتَ غيابَك، كما
الكورس:
ما النوم، ما الزهرة، ما الفراغ؟
ما اللذة، ما العطف، ما الكآبة؟
ما الوقت إلا طفل كلُّ حين، الفتاة: أراك سئمتَ محادثتي؟ الولد: ... الفتاة: أراك ارتبكتَ. عن أية حيلة تبحث؟
الولد:
حيلة العاشق إذ يجرفه صمتُ قلبه،
أرغب لو أضيف زهرة الفتاة: ضمَّني إلى صوتك إذا شئت صحبة قلبي؟
الولد:
أرجوكِ امنحيني وقتًا كثيرَ الصفاء، الفتاة: أنا وقتك كلَّه. خذني كما تشاء.
الولد:
لستُ أجد قدرةً لأضمكِ إليَّ. الفتاة: حرًا أراك بلا قيد. الولد: قيدًا أراكِ، لا ترينه! "صمت" الفتاة: تأكدتُ الآن ماذا يفعل الضجر. الولد: أرى خوفي منك في ضجري مني.
الكورس:
ما لا تجرؤ القيام به في اليقظة، ما الضجر، ما الخوف، ما الرغبة؟
ما لا تجرؤ القيام به في الظلام، الفتاة: بدأتُ أخافكَ.
الولد:
الخوف سمة حبٍّ.
الفتاة:
مهلَكَ...
الولد:
يأسي أفقدني حرارةَ دمي،
أرى رماد الأيام القادمة؛
ستدمر الآمالُ الهوجاء كلَّ كلمة خفيضة،
الفتاة:
أرجوك أخفِهِ،
تذكُّرتُها. كان ذلك فيما مضى...
يا لخفَّتها! يا للنور الصامت ملأ عينيَّ الولد: أرى دمعة تتفتَّحُ داخل عينك مثل زرٍّ بلا لون. الفتاة: أرى طيفًا يقتربُ مني مثل نارٍ بلا وزن. الولد: ذاك هو أنا. "صمت"
الفتاة:
وحيدةً عدتُ،
الولد:
وحيدًا عدتُ،
الكورس:
أعينوا الوحيدة على الحبِّ.
ما لا تجرؤ القيام به، الفتاة:... وقتلتم شرطيًا!؟ الولد: أجل قتلنا شرطيًا، وكدنا نقتل طفلاً.
الفتاة:
أبوسعك تخيُّل بيت الشرطي خاليًا من حياته؟
الولد:
لم نقصد إيذاء عائلته ولا أصدقائه.
الفتاة:
ليس هو ما حسبتموه بؤسكم،
الولد:
لم نجد حقيقة لنقتلها.
قتلنا الذي أغضبنا،
الكورس:
لنمتلئ بالحبِّ كي لا نسيء إلى الألم.
لسنا نعرف جيدًا ما نكره،
لو وجدنا المرح ما حزننا، (ينهض الفتى، تنهض الفتاة. يختفيان خلف أوراق الكورس الخضراء. تعتم فجأة، وتحمل الريح المسموعة تساقط أوراق لا مرئية...) تمت المسرحية عامودا- 23/11/2006 *** *** *** |
|
|