|
الفلسفة العملية والنظرية في الهند والصين لعلي زيعور
يعتبر الدكتور علي زيعور من أبرز دارسي الفكر الهندي والصيني في المدرسة العربية، وهو قدَّم في هذا الصدد كتابًا حول الفلسفة العملية والنظرية في الهند والصين، خطاب العقل العربي في الفلسفات العربية والهندية والصينية، عن "دار النهضة العربية"، يعتبر من أبرز المراجع الرئيسية في قراءة هذه الفلسفات وتحليلها. يأتي هذا العمل كممثل لميدان الفلسفة الهندية داخل المدرسة العربية الراهنة في الفلسفة والفكر، وضمن "مشروع الفلسفة في العالم والتاريخ وللمستقبل"، و"كتتويج لتحليلات وترجمات وضعت في ذلك الميدان نفسه". يشير زيعور إلى اهتمامه المبكر بالفكر الهندي، الذي ازداد بعد تعرُّفه إلى كمال جنبلاط وتوثق العلاقة معه خصوصًا في ميدان دراسة الأديان، الشرقية منها، حيث احتلت الفلسفة الهندية موقعًا مركزيًا في فكر جنبلاط. تشارك زيعور وجنبلاط في دراسة الفكر الشرقي، وألَّفا كتابًا مشتركًا بعنوان البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإسلامية المتطرفة حيث كتب جنبلاط في مقدمة الكتاب: على أننا على يقين أن الوحدة تبرز في جميع الأديان، ولا نجدها فيها إلا عندما نتعداها، ونشعر أن بهذه الروح (المتفهمة المنفتحة) أيضًا يعيش أخ لنا كريم هو الأستاذ علي زيعور، عله يكون في بداية سلَّم المرقاة، لأنه يتحسس بضرورة التفتيش عن الحقيقة. في المقابل يقول زيعور عن فهمه والتزامه الفلسفة الهندية إن كتابات جنبلاط استدماجية للمعتقدي والصوفي وللهنديات بعامة. لذلك نعدُّ أشعار جنبلاط ذوبانية، ومتماهية، في التصوف الهندي. ومعرفة جنبلاط بالهنديات معيشة، فقد عاناها، وعاشها، وأفنى نفسه فيها، وأفناها في نفسه. يؤكد زيعور الاهتمام الذي أولاه مفكرون عرب للفكر الهندي، من مثل ميخائيل نعيمة الذي فهم المسيح والعذراء والألوهية بمعنى هندي أو تبعًا لتصورات ومرجعيات هندية، بما خالف المعتقد العام، فتسبب له بمشكلات مع الكنيسة، حيث "رفضت الأوساط الكهنوتية تصوراته المتهندنة". إلى نعيمة، يشير زيعور إلى جمال الدين الأفغاني وأحمد خان ومحمد إقبال، ومحمد عبده وغيرهم كثيرون من الذين أولوا الفلسفة الهندية الاهتمام وقدموا شروحًا وتفسيرات ساهمت في الإضاءة على هذه الفلسفات الشرقية. يشدِّد زيعور على أن الفكر مرتبط بالحياة، والحياة تطبيق عملي للفلسفة. هناك علاقة عضوية بين النظرية والواقع، بين العقل والتطبيق، بين الفكري والعملي. العقيدة والحياة مأخوذتان على أنهما واحد، ولغاية واحدة. في مقارنة سريعة بين الهندي والعربي وكذلك الغربي، نجد أن الله عند العربي والغربي يتحكم في مصير الإنسان، ويخضعه للثواب والعقاب خارج الزمن، أي في يوم الحساب، يوم الدينونة. والله يجعل هذا قبيحًا وذاك حسنًا من الأعمال، وقد يغفر أو لا يغفر. أما في الفكر الهندي فلا إله يشابه إله المسلم والمسيحي، فلا يؤمن الهندي بمعتقدات آخروية، ولا يطمع بالفوز بالحياة الأبدية. لا يرتبط مصيره بإرادة الله، بل بأعمال الشخص عينه. ليس الله مخلِّصًا، ولا واهبًا حياة أبدية في فردوس هو من غير هذا العالم. في اختصار، يمكن تلخيص الفلسفة الهندية بالعبثية والعدمية واللاخروية. في إشارته إلى بعض خصوصيات البوذية، يرى أن هذه العقيدة مركب لا شاطئ أمان، وأداة وليست الهدف المنشود. يمكن فهمها باللجوء إلى الاستعارات والصور التي تكلِّم الحدس. والراغب في التزام النظام البوذي، عليه المرور في مراحل إلى اجتياز نهر الوجود انطلاقًا من ضفة الجهل الروحي، والرغبة والموت، وصولاً إلى الضفة الأخرى المتمثلة في الحكمة المتسامية التي وحدها تعطي الإنسان تحررًا وخلاصًا. اعتبر العرب بلاد الهند بلاد الحكمة، والرياضيين الكبار والفكر المثمر. وقد تأثروا بالعقائد الدينية الهندية. في ميدان التصوف، يلاحظ الاقتباس والأثر الكبير للفكر الهندي على المتصوفين العرب، كما نراه عند الحلاج والبسطامي وابن عربي. مما لا شك فيه أن استعادة فكر الشرق الأقصى، سواء في جانبه الهندي أو الصيني، يكتسب اليوم أهمية، خصوصًا لجهة الجانب القيمي والأخلاقي والروحاني الذي يلتزمه. ازدهر هذا الفكر مجددًا في الغرب، وبدأ يأخذ موقعه بعيدًا من النزعات العنصرية التي كانت ترى إلى هذا الفكر من موقع دوني. لكن المسألة الأهم في استعادة هذه الفلسفة، إنما تكمن في هشاشة نظرية "صراع الحضارات" التي قال بها برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون، حيث يظهر أن ثمة ثقافة إنسانية عالمية، تنهل منها الخصوصيات هنا وهناك. وإن ما يقال عن صراع حضارات، ليس في حقيقته سوى صراع أصوليات متعصبة، ترى كل واحدة أن دينها أو مذهبها هو وحده حامل الحقيقة، فيما يقبع الآخرون في الضلال. فالفلسفة الهندية الصينية تعيد الاعتبار إلى الفكر الإنساني الشامل الذي تأثرت به الفلسفات الغربية والعربية الإسلامية. إن التطور التكنولوجي خصوصًا في ميدان ثورة الاتصالات والإعلام، يجعل العالم كله على تماس بعضه مع البعض الآخر، وهو يتيح مجالاً للتفاعل أكثر من أي وقت مضى بين هذه الفلسفات الشرقية، وسائر منابع الفكر في العالم. *** *** *** |
|
|