مأساةُ بلد...
نسرين الخوري
مأساة بلد...
أمامَ طاولةِ الضياع
سأرتشفُ الكثيرَ من كأسِ الحسد
وأغمِّسُ رأسَ حربتي
بخمرهِ العقيم...
وأصارحكم يا إخوتي:
بأنني أحسدكم
أنتم الذين تقدرون أنْ تسيروا
إلى يسارِ الطريقِ أو اليمين
مسلمينَ الرايةَ لشريعةٍ في غاب
تصوِّرُ، بفظاعةٍ، أجنحةَ السراب
كفراشاتِ ربيع.
أحسدكم أنتم الذينَ ترقدون
على يسارِ البساطِ أو اليمين
دونَ أنْ يقضَّ مضجعكم
خوفُ الظنون
أو يُسلبَ من جفنكم أمنُ الضمير.
دونَ أنْ تتقلبوا مع فزعةِ الكابوس
أو تُؤخذوا بفلسفةِ التهويل.
أحسدكم لأنكم
تؤمنونَ في الصميم
بأنَّ دماءكم هي وحدها الحمراء
ووحدها التي تثيرُ حميَّةَ البلد
ووحدها التي تشعُّ حرارةَ الغضب
وتجيدُ تطهيرَ النزيف.
أحسدكم لأنكم تثقون
بأنَّهُ فقط على الطرفِ النقيض
تتدحرجُ الكرياتُ السود
وتلعبُ شياطينُ التخوين
لتشوِّهَ المسير
وتعرقلَ المساعي نحوَ تخليصِ البلد.
وأنا الضياعُ مأساتي
وسأستمرُ في فعلِ الحسد...
لأحسدَ الترابَ
لأنَّهُ في المعركة
- لو تعلمون –
هو الوحيدُ المستفيد.
* *
*
أيقظوا الإله
أيقظوا الإله
أو فلتدفنوه.
فحدادُ مئةِ عام
كذبةٌ كبيرة
وخدعةٌ منظمَّة
صيَّرتْ بكاءنا ملهاةً للدهور.
يا سادتي الكرام
أجسادنا المكبَّلة
لم تعدْ قادرةً على صنعِ المزيدِ من الكفن
ولا على تمثيلِ دورِ الحزنِ والنواح
ولا اللَّطمِ على إيقاعٍ من شجن.
ياسادتي متى تفهمون؟؟
هي لعبةٌ مريبة
وأسلوبٌ معيب
أن تجعلونا نرتدي السوادَ على مرِّ العصور
أن نكتمَ صراخَ الروحِ بجدرانِ القبور
أن تمنعوا ماءّ الحقيقة
عن أرضنا التي صارتْ تفوح
برائحةِ العفن.
يا سادتي الأسياد.
باسمِ الذين قتلوا
وكلَّ يومٍ يُقتلون
أدعوكم أن توقظوا إلهكم
أو تدفنوه.
فرائحةُ الموتِ واخزة
تنخرُ حتى جماجمَ الأموات
تغيِّرُ تركيبةَ العظام
تعكرُ لنا صفوَ الدماء
تشوِّهُ أجنَّةَ النساء
وتمنعُ الحياةَ عن كوكبِ الحياة.
***
*** ***