|
الجلال والجمال في الإنسان الكامل
وقال لي: الكونُ كله
لم يكن من المستغرب أن يطرح الفكر العربي-الإسلامي مفهوم الإنسان الكامل؛ وهو الفكر الذي جعل من الكمال جوهرًا ومحورًا لمنظومته المعرفية والقيمية. ولم يكن من المستغرب أيضًا أن يرى في الإنسان الكامل مثلاً أعلى في الجلال والجمال، على الصعيد الإنساني. فكل المقدمات المنطقية كانت تؤدي إلى ذلك. مما يعني أن هذا المفهوم هو نتاج طبيعي منطقي لبنية فكرية وجمالية تتمحور حول الكمال وتتأسس عليه. ونحن، إذ نؤكد ذلك، لا نغفل عن أن أسطورة الإنسان الكامل أسطورة شرقية متأصلة، نجدها متمثلة في الإنسان الأول عند المزدكية، وفي الإنسان القديم عند المانوية المستعربة، وفي "آدم قدمون" في كتب القبالة اليهودية[1]. ونجدها، في مرحلة مبكرة، عند الزرادشتية، حيث إن صورة العجل الأول التي تصادفنا مرارًا في الجاتا تظلُّ صورةً غامضة غموضًا كاملاً إذا لم ير المرءُ فيها صورةً موازية لصورة الإنسان الكامل[2]. ولم يكن الفكر العربي-الإسلامي، بطبيعة الحال، بمنأى عن التأثر بذلك، وليس بالإمكان غضُّ النظر عن هذا التأثر أو إغفاله. غير أننا لا نرى أن التأثر هو الأساس في وجود مفهوم الإنسان الكامل في هذا الفكر. إذ إن البنية العامة، لهذا الفكر، التي يُعدُّ مفهوم الكمال جوهريًا فيها، كانت تفترض مفهوم الإنسان الكامل. فهو، بهذا المعنى، مفهومٌ عربي-إسلامي بقدر ما هو مزدكي أو مانوي... إلخ. بل يمكن القول إن الفكر العربي-الإسلامي قد أعطى هذا المفهوم غنى وتنوعًا وشمولاً لم تكن له من قبل. وينهض ذلك من ثلاثة اعتبارات: معرفي وأيديولوجي وجمالي. وهو ما سوف يتوضح من خلال هذا المقال. إن ما كُتب عن الإنسان الكامل، في هذا الفكر، يُعفينا من الحديث عن نشأته الأولى في القرن الثالث الهجري، وعن الدواعي الدينية والفلسفية التي دعت إليه. غير أنه لا يُعفينا من استعراض الأشكال التي تمظهر بها الإنسان الكامل، هذه الأشكال التي يمكن حصرها بثلاثة، وهي: الشكل الاجتماعي، الشكل الفردي، والشكل الكوني. وعلى الرغم من الفوارق الأيديولوجية بين هذه الأشكال، إلا أنه لا يمكن الحديث عن قطيعة معرفية أو جمالية فيما بينها فثمة بنية معرفية وجمالية تختلف وظيفتها الأيديولوجية من مرحلة تاريخية إلى أخرى، أو في المرحلة نفسها. إذ إن المحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي اللذين يحملهما فكر واحد ليس من الضروري أن يكونا متساوقين، أي على درجة واحدة من التطور، بل غالبًا ما يكون أحدهما متقدمًا والآخر متخلفًا. وبعبارة أخرى إن الانتماء إلى نفس الإشكالية وإلى نفس الحقل المعرفي لا يعني بالضرورة الانخراط في نفس الأيديولوجية[3]. وبما أن الأمر كذلك، فليس من الضروري أيضًا أن يتساوق كل من الجمالي والأيديولوجي. وهو ما نلحظه واضحًا في الإنسان الكامل على المستوى الجمالي. وقبل استعراض تلك الأشكال، لا بد من الإشارة إلى أننا لن نتوقف إلا عند السمات التي ترتبط بموضوع هذا المقال، أي أننا لن نتعرض لتلك الأشكال إلا بما يخدم الحديث عن الجلال والجمال في الإنسان الكامل. · الشكل الاجتماعي: لقد كان للوظيفة الاجتماعية حضور متميِّز وفعَّال عند القائلين بالشكل الاجتماعي، حيث بدا أن الإنسان الكامل يوجد، في الأساس، من أجل المجتمع. فهو الذي يخلِّص المجتمع الإنساني من المفاسد والنقائص والشرور، ويسير به إلى الكمال، فيكون مجتمعًا مماثلاً، بحق، لمجتمع السماء. ولهذا فقد اعتبره الفارابي "العضو الرئيس" في مدينته الفاضلة، واعتبره أخوان الصفا والكرماني – والفكر الشيعي عامةً – على أنه الإمام، ورأى فيه ابن باجة إنسانًا إلهيًا. يحدِّد الفارابي إنسانه الكامل "العضو الرئيس" بعدة سمات منها ما هو عقلي، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو فردي[4]. فمن الجانب العقلي، يُشكِّل الاتصال بالعقل الفعَّال جوهرًا لا غنى عنه في تحديد الإنسان الكامل. فإذا كان الاتصال يتمُّ بالمخيلة، فإن هذا الإنسان يكون نبيًا، وإذا تم بالعقل المنفعل فإنه يكون فيلسوفًا حكيمًا. وفي الحالين فإنه في أعلى المراتب الإنسانية، وفي أعلى درجات السعادة. وغنيٌّ عن البيان أن هذا لا يكون إلا إذا كان العقل والعاقل والمعقول، في الإنسان الكامل، شيئًا واحدًا. وهذا، كما هو معلوم، من السمات الإلهية عند الفارابي. أي أن الجانب الإلهي جوهري في وجود الإنسان الكامل، غير أنه ليس كافيًا لكي يكون هذا الإنسان عضوًا رئيسًا، فلا بد من أن يحصل له اثنتا عشرة خصلة أو صفة ذات بعد اجتماعي وفردي، تتمحور كلُّها حول الكمال الحسي والمعنوي، ونذكر منها: قوة الأعضاء وتمامها، جودة الفهم والتصور والفطنة، حُسن العبارة، محبة الصدق والكرامة والعدل، قوة العزيمة والجسارة، والزهد بالشهوات كافة. وقبل هذه الخصال، لابد من توفُّر أمرين اثنين، هما: أن يكون بالفطرة والطبع مُعَدًّا لهذه الخصال، وبالمَلَكة الإرادية أيضًا. فالإنسان الكامل، إذًا، هو من احتاز على أجناس الكمالات الإنسانية من حسية ومعنوية، فضلاً عن الكمال الروحاني، وهو الاتصال والاتحاد بالعقل الفعَّال. مع توكيد أن اتصافه بهذه الكمالات هو في الدرجة القصوى من الأفضلية. إذ إن "له من كل ما يشارك فيه غيره أفضله"[5]. إن توفر هذه الكمالات فيه هو الذي يجعله عضوًا رئيسًا، ويجعله أيضًا سببًا في وجود المجتمع الفاضل. يقول الفارابي في ذلك: وكما أن القلب يتكوَّن أولاً ثم يكون هو السبب في أن يكون سائر أعضاء البدن، [و] هو السبب في أن يحصل لها قواها وأن تترتَّب مراتبها، فإذا اختلَّ منها عضوٌ كان هو المُرفِد بل يزيل عنه ذلك الاختلال كذلك رئيسُ هذه المدينة[6]. وبهذا فإن المجتمع الفاضل يتأسَّس أولاً على الإنسان الكامل الذي يمدُّه بالكمال القِيَمي. ولأن الفارابي يَعي أن وجود مثل هذا الإنسان أمرٌ في غاية الصعوبة، وغير متيسِّر للناس كافة، فإنه يقرِّر أن اجتماع هذه كلها في إنسان واحد عُسْرٌ، فلذلك لا يوجد مَنْ فُطِر على هذه الفطرة إلا الواحد بعد الواحد والأقلُّ من الناس[7]. وهو ما يدفع الفارابي إلى أن لا يرى مانعًا من أن تتوزَّع هذه الخصال على عدَّة أشخاص. وحين لا يتيسر مَنْ هو خليقٌ بها، يكون المجتمع قد دَخَلَ طورَ الهلاك[8]. لقد كان الفارابي مَعْنيًا بإصلاح مجتمعه الذي يراه فاسدًا وآيلاً للهلاك، هو ما جعل إنسانه الكامل ذا وظيفة اجتماعية–حضارية في المقام الأول. وفي هذا يكمن المضمون الأيديولوجي له. هذا المضمون الذي يتبدَّى أيضًا في شخصية الإمام، في الفكر الإسماعيلي والشيعي عامةً، الذي يرى أن الوظيفة الاجتماعية ذات البعد السياسي الواضح من أولى مهام الإمام الذي هو الآخر يهدف إلى نفي الفساد والنفاق والرياء والمخالفة الدينية – أو الأصح المخالفة المذهبية – من المجتمع الإنساني. وهو حين يظهر – ولا يظهر إلا بقَدَر – يصير العالم بأسره لذلك الشخص جسمًا وآلة وجنودًا وأعوانًا، ويكون هو منه بمنزلة الرأس الذي هو مكان العقل[9]. وليس هذا فحسب. بل إن البشر – أو الإنسان الجزئي – قد خُلِقوا من أجله هو[10]. ولا يختلف الإمام، من حيث الجوهر، عن العضو الرئيس. فكلاهما يستعلي على ما هو مادي وشهوي، ويتصل بالروحانيات أو العقل الفعَّال، ويتصف بالكمالات الإنسانية. يقول إخوان الصفا: وهو الذي صحَّت آلاتُه وكَمُلَت له ذاته وخَلَع سوءَ عاداته، صحَّت له القوةُ المتخيلة وصَدَقَتْه فيتخيل بها الأشياء الغائبة عنه بالزمان والمكان، ثم يتصورها وينظر إليها، ويخاطبها، ويقبل عنها إذا أجابته، فيكون بذلك مستحقًا للمنزلة العالية والرتبة السامية[11]. ويؤكد الكرماني أن هذا الإنسان هو مجمع الفضائل الطبيعية التي هي أسباب في نيل السعادة الأبدية وهو فيها على أمرٍ يكون به على النهاية في جميعها[12]. ثم يذكر الخصال نفسها التي كان الفارابي قد حدَّدها في إنسانه الكامل. حتى إنه يذكر بعضها حرفًا حرفًا[13]، ليصل إلى القول إن: من يكون بهذه المنزلة من الوجود لا يكون إلا تامًا مؤيداً فاضلاً[14]. غير أن ما يختلف فيه أخوان الصفا والكرماني – والفكر الشيعي عامة – عن الفارابي هو أن المعلم الثاني قد جعل من إنسانه الكامل أساسًا للمجتمع الإنساني الفاضل، وجعل له وظائف اجتماعية–حضارية، لا مذهبية أو سياسية، في المقام الأول، كما جعل منه إمكانية موجودة بالقوة في الناس كافة، وإن يكن وجودها بالفعل فيهم نادرًا وعسيرًا. على حين أن الفكر الشيعي يحدِّد هذه الإمكانية بآل البيت وحسب، لا في الناس كافة؛ كما يجعل من إنسانه الكامل أساسًا في الوجود، لا في المجتمع وحسب. وذلك فضلاً عن جَعْله الوظيفة الدينية–المذهبية والسياسية في المقام الأول من وظائف هذا الإنسان أو الإمام. وعلى الرغم من أن ابن باجة يتوافق بعامةٍ وما طرحه الفارابي، إلا أنه، في نظرته إلى الإنسان الكامل، أقلُّ مثالية وطوباوية. فقد نظر ابن باجة إلى مشروع الفارابي الحالم بعين الواقعية التي أملتها عليه أوضاع مجتمعه، فعاش حلم الماضي، حلم الفارابي، كحلمٍ للمستقبل ولكن بصورة أكثر كمالاً[15]. حيث تخفَّف من مركزية الإنسان الكامل بالنسبة إلى المجتمع، وجعله مرتبطًا بالحصول على الكمال العقلي النظري، مما يوحي بنبرة فردية على الرغم من انضوائه تحت الشكل الاجتماعي. يقول: الإنسان الكامل الفطرة هو الذي فُطر على أن يكون لنفسه[16]. غير أن هذه النبرة الفردية هي نبرة الاغتراب والتوحُّد لا نبرة الغنوص. وهو ما دفعه إلى أن يرى في الناس الكُمَّل متوحدين أو نوابت في مجتمع النقائص والفساد. وعلى أية حال، فإن ابن باجة يرى أن الاتصاف بالفضائل الشكلية أمرٌ بدهي وضروري في الإنسان الكامل. حيث يقول: لذلك كان الإنسان الإلهي ضرورة فاضلاً بالفضائل الشكلية فإنه إن لم يكن فاضلاً بهذه الفضائل وخالفت النفسُ البهيمية فيه العقل، كان ذلك الفعل إما ناقصًا أو مخرومًا أو لم يكن أصلاً[17]. ولكن هذه الفضائل ليست غاية في ذاتها، بل هي إحدى الوسائل الضرورية للوصول إلى السعادة القصوى التي لا يمكن بلوغها من دون الاتصال بالعقل الفعَّال. يقول ابن باجة في ذلك: وإذا بلغ الغاية القصوى، وذلك بأن يَعْقل العقول البسيطة الجوهرية... كان عند ذلك واحدًا من تلك العقول، وصَدَق عليه أنه إلهي فقط[18]. وعلى الرغم من أن ابن باجة قد تخفَّف من مركزية الإنسان الكامل التي نراها عند الفارابي، إلا أن هذا لم يمنعه من القول مخاطبًا إنسانه الكامل: كل إنسان وكل موجود كائن فاسد نحوك، وبوجودك صار أولئك موجودين وبوجودك أولاً صرتَ أنت كائنًا[19]. فلا فضل لأحد عليه، وله الفضل كلَّه على الجميع. · الشكل الفردي: بالنسبة إلى الشكل الفردي للإنسان الكامل فيمكن التوكيد أن الحلاج من أوائل الذين تمثلوا عمليًا هذا الشكل، فكانت حياتهم ممارسة فعلية له. وفي أخباره وأشعاره ما يؤكد أن الرجل كان يهدف إلى التجرد مما هو مادي وشهوي، وأنه كان يحاول العيش بمخيلته – بحسب المصطلح الإسلامي – ولهذا فقد كان قتله خلاصًا فرديًا له من عالم الظلمة والعدم، وكأن خصومه قد أسدوا إليه خدمة جليلة حين صلبوه. والحق إن الحلاج واحد من أطراف المحاولات الصوفية الفردية للعيش في العوالم الروحانية والنورانية، مع ابتذال كل ما هو جسماني وظلماني. يقول: الفراش يطير حول المصباح. ويعود إلى الأشكال، فيخبرهم عن الحال بألطف المقال، ثم يمرح بالدلال طمعًا في الوصول إلى الكمال[20]. ويقول أيضًا: خاطَبَني الحقُّ من جناني فكـان علمي على لساني قرَّبني منه بَـعْد بُــعْدٍ وخصَّني الله واصطفاني[21] وعلى الرغم من أهمية الحلاج، بالنسبة إلى هذا الشكل، غير أن المنظِّر الفلسفي له هو الشيخ الرئيس ابن سينا الذي كان اهتمامه الفلسفي مُنصبًّا على معالجة النفس وكيفية خلاصها من أسر المادة، وما تفرضه من شهوات حسية زائلة. إن السعيد الحقيقي، عند ابن سينا، هو من استطاع الاستعلاء على بدنيَّته، وجاور الروحانيات متَّصلاً بها بنفسه الناطقة أو عقله المستفاد. يقول في ذلك: السعداء الحقيقيون يتلذَّذون بالمجاورة، ويَعْقِل كلُّ واحد منهم ذاتَه وذَوَات ما يتَّصل به، ويكون اتصالُ بعضها ببعض لا على سبيل اتصال الأجسام... ولكن على سبيل اتصال معقول بمعقول[22]. ويخصِّص ابن سينا اسم الإنسانية بأولئك السعداء أو الناس الكُمَّل، أما الناس الذين يعجزون عن الاستعلاء على أبدانهم، ولا تُسعفهم قواهم في السعي إلى المعقولات المفارقة أو الروحانيات، فلا يصحُّ أن يُطلق عليهم اسم الإنسانية الذي يقترن، عند ابن سينا، ببلوغ الكمال الإنساني المطلق الذي هو السعادة الحقيقية. يقول: الناس المستحقون لاسم الإنسانية هم الذين يبلغون في الآخرة[23] السعادة الحقيقية وهؤلاء على مراتب أيضًا، وأشرفهم وأكملهم الذي يختصُّ بالقوة النبوية. والقوة النبوية لها خواص ثلاثة قد تجتمع في إنسان واحد، وقد لا تجتمع، بل تتفرق[24]. أما هذه الخواص، فالأولى منها هي قوة الحدس التي تعود إلى الاتصال بالعقل الفعَّال. وهذا الاتصال وإن كان أقليًا نادرًا فهو ممكن غير ممتنع[25]. وتتعلق الخاصة الثانية: بالخيال الذي للإنسان الكامل المزاج. وفِعْلُ هذه الخاصَّة هو الإنذار بالكائنات والدلالة على المغيَّبات[26]. ويكمن السبب في معرفة ذلك في اتصال النفس الإنسانية بنفوس الأجرام السماوية. أما الخاصة الثالثة فهي تغيير الطبيعة[27]، حيث يتمكَّن النبي أو الإنسان الكامل عامة، بما يمتلك من قوى نفسية، من أن يؤثِّر في الطبيعة، فيغيِّر مجراها، ويُحدث فيها أمورًا خطيرة كالصواعق والعواصف والزلازل والبراكين... إلخ. وينطلق ابن سينا، في هذه الخاصة، من أن من شأن الأنفس أن تحدث منها في أبدانها حرارةٌ قوية بالفرح تكون سببًا لدفع كثير من الآلام، وبرودةٌ قوية بالغم والخوف تكون سببًا للأمراض بل للهلاك[28]. وبما أن الأمر كذلك بالنسبة إلى علاقة النفس بالبدن، فلم لا تكون تلك هي الحال بالنسبة إلى علاقة الأنفس الكاملة بالطبيعة. هذه الأنفس التي تمتلك قوى تتجاوز أبدانها! وغنيٌّ عن البيان أن هذه الخواص لا تحدث إلا بعد الاستعلاء على البدن والماديات كافة. ففي ذلك يكمن الكمال وتكمن السعادة فسعادة النفس في كمال ذاتها من الجهة التي تخصُّها هو صيرورتها عالمًا عقليًا، وسعادتها من جهة العلاقة التي بينها وبين البدن أن يكون لها الهيئة الاستعلائية[29]. إن ابن سينا لا يعلِّق آمالاً اجتماعية على إنسانه الكامل، بل إن هذا الإنسان لا يهدف إلا إلى سعادته ولذَّته هو. فكمالُه الإنساني المطلق هو خلاص فردي له من ظُلْمة هذا العالم المادي. سواء أكان ذلك على صعيد الطبيعة أم على صعيد المجتمع. فهو لا يسخِّر قواه الإعجازية من أجل الآخرين. فالآخرون لا يستحقون اسم الإنسانية أصلاً. وعلى الرغم من أن الخلاص الفردي هو الأساس في هذا الإنسان، إلا أن ذلك لا يعني انتفاء الجانب الاجتماعي عنه. فلا بد من الاحتياز على الكمالات الإنسانية كافة، التي هي دون هذا الكمال الروحاني. أي لا بد له من الاتصاف بالفضائل الأخلاقية. بل إنه يتصف بها في أعلى درجاتها. فإذا كان هدفه فرديًا خلاصيًا، فإن هذا لا يعني إهماله لما هو اجتماعي–أخلاقي. فلقد تمَّ تنزيه السعداء أو الناس الكُمَّل من كلِّ ما يشين على الصعيد الأخلاقي. إنهم المُثُلُ العليا الإنسانية، وإن لم تكن هواجسُهم فردية. وإذا كان هذا الشكل قد نفى مركزية الإنسان الكامل على الصعيد الاجتماعي فإنه لم ينفِ هذه المركزية على الصعيد الروحاني. فبقي هذا الإنسان مركزًا لما هو روحاني في عالم المادة والظلمة. وهو ما يقرِّره ابن سبعين الذي يقول بلُغَته الإشراقية: فَمَنْ عَلِمَ الأمرَ بكماله عَلِمَ الروح... ومَنْ كان ذلك كان نور الله المُظْلِمَ. ومن كان نورَ الله المظلمَ كان روحه القائم في الأشياء وبه قامت. ومن كان روحه القائم في الأشياء كما قيل كان نورَ الله الكاشف. ومن كان نور الله الكاشف كان روحه القائم بذاته. ومن كان روحه القائم بذاته كان هو الأشياء بوجهٍ أنقص. ومن كان الأشياء هو بوجهٍ أنقص كان الإحاطة الصمدية. ومن كان الإحاطة الصمدية كان هو الأشياء بوجهٍ أكمل. ومن كان ذلك بجملته كان الكامل... وكان المكمل لسواه[30]. فالإنسان الكامل، بهذا المعنى، هو من يعرف سرَّ الروح، وسرَّ المادة (نور الله المظلم)، وسرَّ النفس (نور الله الكاشف)، وسرَّ العلاقة بين المادة والنفس (الروح القائم في الأشياء)، ومن يعرف أيضًا سرَّ الألوهية (الإحاطة الصمدية). إنه من عرف كل الأسرار المخبوءة في هذا الوجود، وتذوق طعمها وتلذذ به. ومن وصل إلى ذلك كان من السعداء الذين عاينوا الذوات المجردة، وطالعوا النظام القديم، وخرقوا النواميس الكونية[31]. وفي ذلك يتم الكمال الإلهي في الإنسان الذي يغدو هو الأشياء والأشياء هو، كما يغدو هو الله، والله هو، وهذا ما يعبِّر عنه ابن سبعين بقوله: من يقول الحمد لله على كماله في عبده يدخل في زَمْرة الكمَّل. بل الكامل هو الذي يقول الحمد لله على ت وعلى م وعلى ك[32]. وبصرف النظر عن هذه الأحرف الرمزية المستغلقة علينا والمفتوحة، كما نعتقد، على مريدي ابن سبعين، فإن الرجل يرى أن الكمال الإنساني يكمن في حلول الكمال الإلهي في الإنسان. ولا تكتمل نظرة ابن سبعين إلى الإنسان الكامل من دون الوقوف عند رسالته في أنوار النبي التي هي، في حقيقتها، رسالة في أنوار الإنسان الكامل المتمثِّل بشخصية النبي الكريم. يرى ابن سبعين أن للنبي خمسة وثلاثين نورًا، هي صفاته التي يتميز بها من سواه. أما هذه الأنوار، فهي: نُورُ عِزَّته، ثم نور الغاية الإنسانية، ثم نور الإدراك، ثم نور النبوة، ثم نور النشأة، ثم نور السابقة، ثم نور التشريف، ثم نور التدلُّل، ثم نور التركيب، ثم نور المولد، ثم نور الخلقة، ثم نور التربية، ثم نور الانتقال، ثم نور النهاية، ثم نور التضمُّن، ثم نور العادة، ثم نور التسخير، ثم نور الاتِّباع، ثم اللواحق، ثم نور الجاه، ثم نور الخطابة، ثم نور المقايسة، ثم نور التفضيل، ثم نور الإحاطة، ثم نور الحَصْر، ثم نور الكَشْف، ثم نور التزْكية، ثم نور المكانة الكبرى، ثم نور الانفراد، ثم نور الذكر والعلامة، ثم نور العلانية، ثم نور الخصوصية في أوَّل حاله، ثم نور الخير المحض، ثم نور اللواء، ثم نور العبودية[33]. وعلى الرغم من أن حدود هذا الفصل لا تسمح بشرح هذه الأنوار، فإنه لا بد من شرح بعضها مما يتعلق بالجمالي في الإنسان الكامل. يشرح ابن سبعين نورَ الغاية الإنسانية بأنه الإسراء إلى آخر العمارة الروحانية والجسمانية. أي بلوغ الكمال الإنساني المطلق. ونورَ الإدراك بأنه إدراك الله وإبصاره على أي نوع كان. ونورَ السابقة بأنه الأول في الوجود. ونورَ الجاه بأنه واحدُ الله في التخصص، والشفاعة تدلُّ على ذلك. ونورَ الخطابة بأنه قد أوتي جوامع الكلم. ونورَ الإحاطة بأنه اجتمع فيه كلُّ ما تفرَّق في الأنبياء. ونورَ الخير المحض بأنه قد استعلى على شهواته. ونورَ اللواء بأنه ينشر مجدَه يوم القيامة... أما نورُ المكانة العظمى فهو الذي يكشف له عن جلاله في التكميل والتحديد والتتميم... إلخ[34]. وقبل أن نغادر هذا الشكل، في الإنسان الكامل، لا بأس من الإشارة إلى أن ابن سبعين يقترب في إنسانه الكامل من الشكل الكوني، وإن يكن ينتمي، بعامة، إلى الشكل الفردي. فالمركزية الروحانية، عنده، تكاد تتحوَّل إلى مركزية كونية. غير أن الخلاص الفردي بقي السمة العامة لإنسانه الكامل. · الشكل الكوني: يمكن القول إن الشكل الكوني يدين للشيخ الأكبر ابن عربي بنشأته وتبلوره، حيث ارتفع ابن عربي بإنسانه الكامل من المستوى الاجتماعي والفردي إلى المستوى الكوني، وكأنه رأى أن تحديد هذا الإنسان بما هو اجتماعي أو فردي إنما هو تقزيم له، فجعل منه ذا مركزية كونية. وقد أثَّر ابن عربي فيمن جاء بعده من المتصوفة، على هذا الصعيد وعلى أصعدة أخرى، ولعل الجيلاني من أهم القائلين بما قاله ابن عربي فيما يخصُّ الإنسان الكامل. يقرِّر الشيخ الأكبر أن العالم خُلِق من أجل غاية محدَّدة، وهي الإنسان الكامل. فهو العلَّة النظرية في وجود هذا العالم، وهو الغاية النهائية منه. يقول ابن عربي في ذلك: لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل كان من العالم أيضًا الإنسان الحيوان المشبه للإنسان الكامل في النشأة الطبيعية. وكانت الحقائق التي جمعها الله في الإنسان متبدِّدة في العالم[35]. فهو المعادل الموضوعي للعالم ماهيةً وتركيبًا، حيث جمع الحقائق كلها في ذاته، فكلُّ ما تفرَّق في هذا العالم اجتمع في الإنسان الكامل. غير أن له أفضليةً على العالم لا تكمن في كونه الغاية النهائية من الخلق فحسب، بل تكمن أيضًا في كونه مختصر الحقِّ. إنه الحقُّ والخلقُ معًا. ومن ذلك جاءت تعبيرات ابن عربي المتعددة والمعبِّرة عن هذا المعنى، من مثل: المختصر الشريف، والكلمة الجامعة، والنسخة الكاملة... إلخ. يقول: فالعالم مختصر الحقِّ، والإنسان الكامل مختصر العالم والحقِّ. فهو نقاوة المختصر. أعني الإنسان الكامل، وأما الإنسان الحيوان فإنه مختصر العالم[36]. وإذا كان العالم قد وُجد بالإنسان الكامل، فإن الحقَّ قد عُرِفَ به أيضًا. فلولاه لما عُرِف الله. إذ إن المعرفة بالله تقتضي إمكانية روحانية متميزة لا يستطيعها إلا الإنسان الكامل: فإن الله لمَّا أحبَّ أن يُعْرَف لم يكن أن يعرفه إلا من هو على صورته. وما أوجد الله على صورته أحدًا إلا الإنسان الكامل[37]. وهو ما يجعله ذا مركزية كونية تميِّزه من سواه. فهو ظلُّ الله ونائبه حيث: يكون الحقُّ لسانَه وجميعَ قواه[38]. ولهذا لا غرابة في أن يكون علَّة بقاء العالم واستمراريته، فضلاً عن أنه علَّة وجوده النظرية وغايته النهائية. اعلم أن الإنسان الكامل عُمُد السماء الذي يُمْسك الله به وجودَ السماء أن تقع على الأرض، فإذا زال الإنسان الكامل وانتقل إلى البرزخ هَوَت السماء[39]. ويمتاز الإنسان الكامل أيضًا بصفته الوحدانية، حيث إن كل شيء في العالم مؤلَّف من زوجين إلا هو. فلا حاجة به إلى غيره. لأنه يقوم مقام الجماعة[40]، على حين أن الجماعة، بل الكون كله، لا يقوم إلا به. وينبغي الإشارة في هذا المجال، إلى أن ابن عربي لا يخصِّص الكمال الإنساني المطلق بالرجل دون المرأة، بل المرأة، عنده، يمكنها أن تصل إلى هذه الرتبة، شأنها شأن الرجل: كلُّ ما يصحُّ أن يناله الرجل من المقامات والمراتب والصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء، كما كان لمن شاء الله من الرجال[41]. ومثل هذا الطرح لا نلحظه إلا عند الشيخ الأكبر. وبذلك، فإن ابن عربي قد نظر إلى الإنسان الكامل من ثلاث وجهات، وهي: جهة الكيان الوجودي، حيث إنه الجانب الإلهي من الإنسان، أو الجانب الإنساني من الله؛ وتكمن الجهة الثانية في كونه الصلة بين الله والعالم؛ أما الثالثة فتكمن في النظر إليه من جهة المعرفة، حيث يدرك الإنسان الكامل إنسانيته الجامعة للصفات الإلهية، وللصفات الكلية للعالم، ويدرك كون هذه الإنسانية هي مركز العالم وأصلُ الوجود والعالم الصغير الذي يلخِّص مُمكنات العالم الأكبر[42]. إن الفرق بين الإنسان الواقعي والإنسان الأسطوري، أو بتعبير ابن عربي بين الإنسان الحيواني والإنسان الكامل، ليس فرقًا في النوعية، بل هو فرق في كمية الكمالات التي ينالها كل منهما. فعلى حين يصل الثاني إلى نَيْل الكمال الإنساني المطلق مشتملاً على الكمالات الأخرى كافة، يتراوح الأول بين الكمال المادي والكمال المعنوي، أي ينحصر في حدود الكمال المقيَّد. غير أن إمكانية بلوغ الكمال المطلق قائمةٌ في الإنسان الحيوان. مما يعني أن ابن عربي يفترض أن كل إنسان يمكنه أن يكون كاملاً، من حيث الإمكانية، وإن يكن قد رأى أن الذين قد بلغوا هذه الرتبة بالفعل هم الأنبياء وأقطاب الصوفية، وأهمهم على الإطلاق النبي الكريم محمد، فهو الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه[43]. إن هذا الطرح نفسه نلحظه عند الجيلاني الذي يصرِّح بأن مطلق لفظ الإنسان الكامل حيث وقَعَ في مؤلفاتي إنما أريد به سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم تأدُّبًا لمقامه الأعلى ومحلِّه الأكمل الأسنى[44]. غير أن ذلك لا يؤدي إلى أن الجيلاني ينفي إمكانية الكمال الإنساني المطلق عن البشر، بل إنه يقرر هذه الإمكانية، وذلك في قوله في النوع الإنساني: إن أفراد هذا النوع الإنساني كل واحد منهم نسخةٌ للآخر بكماله لا يُفقد في أحد منهم مما في الآخر شيء إلا بحسب العارض... ومتى لم يحصل العارض فَهُم كمرآتين متقابلتين يوجد في كل واحدة منهما ما يوجد في الأخرى. ولكن منهم من تكون الأشياء فيه بالقوة، ومنهم تكون فيه بالفعل وهم الكُمَّل من الأنبياء والأولياء. ثم إنهم متفاوتون في الكمال. فمنهم الكامل والأكمل[45]. ولا نكاد نجد اختلافًا بين الجيلاني وابن عربي، إلا في الإسهاب والشرح، ولهذا نرى بنا حاجةً إلى استعراض ما طرحه الجيلاني. غير أن هذا لا يمنع من عرض بعض ما قاله، في ذلك، كيما يتوضَّح الشكل الكوني للإنسان الكامل أكثر فأكثر. لقد سلف القول بأن ابن عربي يرى أن هذا الإنسان هو مختصر الحق والخلق، أو الله والعالم. وهو ما يفصِّل فيه الجيلاني مقررًا أن الإنسان الكامل مقابلٌ لجميع الحقائق الوجودية بنفسه. فيقابل الحقائق العلوية بلطافته ويقابل الحقائق السفلية بكثافته[46]. ثم يفصِّل القول، في هذه المقابلات، فيكون العرش مقابلاً بقلب الإنسان الكامل، والكرسي بأنيَّته، وسدرة المنتهى بمقامه، والقلم الأعلى بعقله، واللوحُ المحفوظ بنفسه، والعناصر الأربعة بطبعه، والهيولى بقابليته، والهباء بحيِّز هيكله... وهكذا حتى يستنفد الموجودات كافة، بما فيها الجن والشياطين والثعالب والأسود والفئران والبحار والرياح... إلخ[47]. وبما أنه كذلك فلا غرابة في أن يكون هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الموجود من أوَّله إلى آخره، وهو واحدٌ منذ كان الوجودُ إلى أبد الآبدين. ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس فيسمى باعتبار لباس ولا يسمى له باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد[48]. فالحقيقة المحمدية واحدة ومتعددة في آن معًا. إنها واحدة من حيث المعنى، ومتعددة من حيث الأشكال والأسماء. وما الحقيقة المحمدية، عند الجيلاني، سوى الجوهر في إنسانه الكامل. ويرى الجيلاني أن لإنسانه الكامل ثلاثة برازخ ومقامًا. أما البرزخ الأول فهو برزخ التحقق بالأسماء والصفات الإلهية، أي المعرفة المطلقة بالله. والبرزخ الثاني هو برزخ الرقائق الإنسانية بالحقائق الرحمانية، أي الاطلاع على سائر المغيبات. والثالث هو برزخ التنوعات الحكمية في اختراع الأمور القدرية، وبه يتمكن الإنسان من خرق نواميس الطبيعة، فيأتي بالخوارق. وهذا البرزخ يؤدي بالضرورة إلى المقام المسمى بالختام والموصوف بالجلال والإكرام، وليس بعد ذلك إلا الكبرياء، وهي النهاية التي لا تدرك لها غاية[49]. وبذلك يكون قد بلغ أقصى ما يمكن أن يبلغه كائن. وهو ما قاله ابن عربي، والصدر القونوي[50]، وما سوف يقوله ابن قضيب البان المتوفى في القرن الحادي عشر الهجري، وذلك إذ يقول: أوقفني الحق على بساط القطبية وقال لي: الإنسان الكامل قطب الشأن الإلهي، وغَوْثُ الآنِ الزماني. أوَّلُ ما أُسلم له: التصريف في قطر نفسه حتى يبلغ الأشد، ثم أُسلم له الأرض، ثم يُسلَّم له المُلك، ثم يُجمع له الملك والملكوت. وهذا هو النائب الرحماني[51]. وغني عن البيان أن هذا الشكل الكوني لا يخلو من موقف أيديولوجي من الواقع الاجتماعي، حيث تم الاستعلاء على ما يعانيه الواقع من تفرقة واضمحلال ولامركزية وبطش وفساد. فالإنسان الكامل هو الكلمة الجامعة في زمن التفرقة، وهو الرحيم في زمن البطش[52]، وهو المدينة الفاضلة[53] في زمن الفساد، وهو القطب في زمن الاضمحلال والتشتت واللامركزية السياسية. وعلى الرغم من أن هذا الموقف موقف انسحابي من الواقع، إلا أن فيه ملمحًا ثوريًا يرفض الواقع السلبي متجاوزًا إياه بنقيضه: الفاضل الأسطوري. وهو، وإن يكن أقل ثورية واجتماعية وأكثر أسطورية وطوباوية مما طرحه الفارابي، يبقى موقفًا له قيمته الأيديولوجية–الثورية. تلك هي الأشكال الثلاثة التي تمظهر بها الإنسان الكامل في الفكر العربي–الإسلامي، وهي أشكال متعاقبة تاريخيًا – على الصعيد النظري – على النحو الذي عرضناها فيه، كما أنها متزامنة من حيث السيرورة التاريخية مع تفاوت في الشيوع والهيمنة لهذا الشكل أو ذاك! ونصل إلى تحديد السمات العامة المشتركة لهذه الأشكال، بعد أن تعرَّفنا، بإيجاز، إلى خصوصية كل منها. وذلك كيما نفيد منها في التحديد الجمالي للإنسان الكامل، في هذا الفكر. مع الإشارة إلى أن هذه السمات هي المحددة للكمال الإنساني المطلق. · السمات الكمالية العامة: أما تلك السمات فهي: 1. إن العنصر الروحاني أو الإلهي عنصر أساسي في الإنسان الكامل، يتأتى له من الاتصال أو الاتحاد بالعقل الفعَّال أو العالم النوراني. وهو عنصر مكتسب بالإرادة والتحصيل، من حيث المبدأ. 2. إن الاستعلاء على ما هو مادي وشهوي من أخصِّ خصائص هذا الإنسان حيث يتمكن من التحرر من أثر الطبيعة المادية–الظلمانية التي تنصاع لها الكائنات الأرضية، وهذا الاستعلاء لا يجعله مسيطرًا على ماديته فحسب. بل يجعله أيضًا أعمق إدراكًا واستيعابًا لما هو مادي ولما هو روحاني في الوقت نفسه. إذ إن المادة حجاب. ومن يتحرَّر منه يمتلك أسباب المعرفة الحقة. 3. إن نيل الكمالات المادية والمعنوية هو أمرٌ لا غنى عنه في بلوغ الكمال الإنساني المطلق. وذلك على الرغم من أن هذه الكمالات ليست شرطًا لازمًا لذلك الكمال. غير أن عدم الحصول عليها هو من الموانع التي تمنع حصوله، فهذا الكمال لا يحصل إلا بعد تلك. وهو ما يحيل على الجانب الاجتماعي في الإنسان الكامل الذي هو إنسان اجتماعي فاضل أولاً، ومن ثم هو إنسان روحاني أو إلهي. وهذه من المسائل التي لا خلاف حولها بين الأشكال الثلاثة. فحتى الشكل الفردي يرى أن الاحتياز على الفضائل الاجتماعية من الأمور التي لا غنى عنها في هذا الإنسان. وبشكل عام يمكن القول إن التراتبية ذات أهمية في هذا المجال، حيث إن بلوغ الكمال الإنساني المطلق يعني الوصول، عبر مراتب الكمال، إلى آخر مرتبة كمالية. مع الإشارة إلى أن الإنسان الكامل يشترك مع الآخرين من ذوي الكمالات المادية والمعنوية في أفضل ما يتَّصفون به. فاتصافه بالفضائل الأخلاقية، مثلاً، هو في الدرجة العليا من الاتصاف. 4. إن الفاعلية الاجتماعية أو الروحانية أو الكونية هي من السمات التي تجعل من الإنسان الكامل ذا مركزية مطلقة. فهو المحور في العالم الظلماني، مثلما أن الذات الإلهية هي المحور في العالم النوراني. مما يعني أن الجانب الخلاصي ذو أهمية كبرى في هذا الإنسان. فوجوده يعني خلاصًا اجتماعيًا من الظلم والفساد، أو خلاصًا فرديًا من أسر المادة والعدم، أو خلاصًا كونيًا من التشيُّؤ والاغتراب وكل ما يحدُّ من طاقات الإنسانية. إن هذه الفاعلية الخلاصية هي العلة الأولى في الوجود الفاصل للإنسانية. وهو ما يؤدي بالضرورة إلى أن يكون الإنسان الكامل عضوًا رئيسًا أو إمامًا أو قطبًا أو إلهًا أو كائنًا يستحق اسم الإنسانية. 5. إن الإنسان الكامل هو المعادل الموضوعي للإنسانية أو للخلق كافة. وهو الصلة بين الأرض والسماء. إذ إنه الأوحد الذي يجمع بين العالم المادي والعالم الروحاني، أو بين الحق والخلق، فيكون بذلك أهلاً لأن يكون الصلة بين هذين القطبين، وهو ما يجعله رحيمًا بمن هو دونه من الناس، أي رحيمًا بالبشر كافة. حيث إنه يعرف الطبيعة التي هم عليها، ويعرف تأثيرها فيهم، فلا يظلم ولا يبطش. وإن فعل فلعلة ما. غير أن بطشه يبقى ذا رحمة. تلك هي السمات العامة المشتركة، بين الأشكال الثلاثة، التي تنظم الكمال الإنساني المطلق. وهذه السمات هي المادة الأولى لما هو جمالي في الإنسان الكامل. ولولاها لما تيسر لنا أن ننشئ هذا الفصل. فليس كل ما هو معرفي أو أيديولوجي يمكن أن يكون ذا مستوى جمالي. إن ثمة تداخلاً بين الجلال والجمال في الإنسان الكامل في الفكر العربي–الإسلامي، فهو جليلٌ باعتبار، وجميل باعتبار آخر. ويستحيل الفصل بينهما، تمامًا كما يستحيل الفصل بين الجلال والجمال في الذات الإلهية. ولا غرابة في ذلك، فالإنسان الكامل هو الإنسان الإلهي أو النائب الرحماني أو ظلُّ الله. غير أنه يمكن التوكيد أن الجلال يرتبط في الدرجة الأولى بالجوهر الإلهي من الإنسان الكامل، على حين يرتبط الجمال، في الدرجة الأولى أيضًا، بالجوهر الإنساني منه. من دون أن يعني ذلك عدم ارتباط كل منهما بهذا الجوهر أو ذاك. وعلى الرغم من استحالة الفصل بينهما، فإننا مضطرون لذلك، لدواعٍ بحثيةٍ محضة. الجلال إذا كانت الذات الإلهية هي المثل الأعلى للجلال عامة، فإن الإنسان الكامل هو المثل الأعلى للجلال الإنساني خاصة. فإليه ينبغي أن تتوجه أنظار البشر، للتخلص مما يشوبهم من تفاهة ومحدودية، وهم في سجن المحسوسات. فهو المعيار الذي ينبغي عليهم أن يقيِّموا به وجودهم القيمي، وأن يقوموه أيضًا. وإلا فإن التفاهة سوف تشمل السيرورة الإنسانية عامة. من المعلوم أن الفكر الجمالي العربي–الإسلامي يذهب إلى تحديد الجلال بأنه الكمال المتصف بالعظمة والمجد، من حيث السمات الموضوعية. وإذا ما نظرنا إلى الإنسان الكامل، من منظور هذا التحديد. فإن كونه جليلاً يبدو أمرًا بدهيًا لا مشاحة فيه. حيث اتصف بالكمال، في أعلى مستوياته، واتصف كماله أيضًا بأعلى مستويات العظمة والمجد والكبرياء، على الصعيد الإنساني. يقول ابن عربي في ذلك: لم يبق في الإمكان شيء إلا أُودِعَ فيه في أول منشئه ومبانيه حتى برز على غاية الكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال[54]. ولعل أولى السمات التي تحدد الجلال فيه هي الاستعلاء على المادي والشهوي في الطبيعة الإنسانية. أي أن استعلاءه على طبيعته المادية هو في ذاته ملمح جليل، إذ إن ذلك غير متيسِّر بسهولة. فهو يحتاج إلى عزيمة نادرة، وإلى مكابدات متعددة ومتنوعة، وإلى مجاهدات عقلية ونفسية، يستطيع بها أن يرى اللذائذ والمسرات والشهوات الحسية أمرًا مبتذلاً لا يليق بمن نذر وجوده للروحاني المفارق والعوالم المجردة. لقد أكد كل من تحدث في الإنسان الكامل أن المنكوح والمأكول والمشروب من الأمور التي لا يهتم لها هذا الإنسان، ولا يرى فيها لذته المنشودة. ولهذا فهو يأتيها على مضض وحذر وبما يكفل له بقاء بدنه. وحين يتيسَّر له ذلك، يكون قد دخل مرحلة الاتصال والاتحاد بالعقل الفعَّال أو الروحانيات عامة. وهي المرحلة التي يتأكد فيها ذلك الاستعلاء، ويتأكد أيضًا الجوهر الإلهي فيه. حيث يتحول إلى شخصية إلهية فضلاً عن شخصيته الإنسانية. وفي ذلك يكون جلاله قد اكتسب صفته الإلهية. وهو ما يجعله – بتعبير الفارابي –: الرئيس الذي لا يرؤسه إنسان آخر أصلاً، وهو الإمام، وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضلة ورئيس المعمورة من الأرض[55]. وعلى الصعيد الفردي–الاجتماعي يتميز الإنسان الكامل بأنه يشترك مع الآخرين بأفضل ما لديهم. فهو ليس كريمًا أو رحيمًا أو جسورًا أو فاضلاً أو قوي العزيمة أو عادلاً أو يرفض الظلم ويقاومه فحسب، بل هو في الذروة من كل هذه. حيث "تسمو نفسه بالطبع إلى الأرفع"[56]. فاتصاف كمالاته، على هذا الصعيد، بالعظمة والمجد من الأمور البدهية فيه. والحق أن الجلال بعامة لا يقوم إلا فيما هو نادر واستثنائي وغير عادي. فالشيوع والعادية من السمات التي يمتنع وجود الجلال بها. وهو ما كان الفكر العربي–الإسلامي يعيه جيداً، فجعل من إنسانه الكامل شخصية متفردة ونادرة وغير عادية. فهو حين يتصف بالكمال المادي يتصف به في أعلى مظاهره. حيث إن قواه الظاهرة والباطنة، فضلاً عن أعضائه، تعمل بأفضل شكل ممكن، وحين يتصف بالكمال المعنوي يتصف به في نوع من العظمة والمجد، وكذا هي الحال بالنسبة إلى الكمال الإنساني المطلق. ومن كان على هذا النحو، كان أهلاً لأن يكون رداء الحق كما يقول ابن عربي: الكبرياء رداء الحق وليس سواك، فإن الحق تردى بك إذا كنت صورته. فإن الرداء على صورة المرتدي[57]. أو بمعنى آخر: إن الإنسان الكامل قد استمد جلاله من الجلال الإلهي. غير أن هذا الاستمداد ليس عضويًا أو طبيعيًا جاء من دون محاولة أو مجاهدة، بل إن السمو الدائم إلى الأرفع، في هذا الإنسان، هو الذي جعل منه كاملاً، وردًا للحق. وإذا ما توقفنا عند عبارة ابن عربي "الكبرياء رداء الحق وليس سواك" فإن مسألة الجلال في الإنسان الكامل تكون أوضح. فالحق يتردى بالكبرياء، أي بالجلال، على مستوى الخلق، تتخذ شكل الإنسان الكامل، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى أن هذا الإنسان هو جلال الجمال الإلهي بنحو أو بآخر. فإذا كان الجلال الإلهي المطلق خاصًا بالله وحده، ليس لإنسان فيه مدخل، فإن جلال الجمال وجمال الجلال الإلهيين اللذين هما ذراعا الجلال المطلق إلى الخلق – إن صح التعبير – يتخذان شكل الإنسان الكامل في جلاله وجماله. وبما أن الأمر كذلك، فلا غرابة في أن تُنسب إليه الخوارق ومعرفة المغيَّبات، والاستعلاء على الشروط المكانية والزمانية. حيث إنه قد حصل على نور المكانة العظمى التي هي الكشف عن الجلال فيه، بحسب ابن سبعين، أو إنه "وصل إلى المقام المسمى بالختام والموصوف بالجال والإكرام"[58]، بحسب الجيلاني. إن هذه الصفات الموضوعية في جلال الإنسان الكامل تفرض نفسها على المجتمع أو الخلق كافة، من حيث المشاعر والمواقف. فيقبلون به رئيسًا أو إمامًا أو قطبًا، ويوفون له حقه من التعظيم والإجلال[59]، فتكون الرهبة محور المشاعر نحوه، والانقياد محور المواقف. ولا يغمطه حقه أو يناوئه "إلا كل رذل خبيث عاهر"[60]. إذ إن الشكل الطبيعي للعلاقة بالإنسان الكامل هو الرهبة منه والانصياع له، والإحساس بالقهر نحوه. أو كما يقول ابن عربي: فإن رزقت النور الإلهي فأنت إذ ذاك سلطان العالمين وصاحب الحقيقتين. الوجود تحت قهرك وبأسك وأمرك[61]. مع الإشارة إلى أن هذه الرئاسة لا تتأتى له من الاتفاق حوله، بل تتأتى له من كونه الأفضل والأعظم والأسمى، بما فيه من صفات استثنائية، وبما يأتيه من أعمال خيرية، لا يستطيعها غيره. إذ إن أعماله قد نظر الله إليها بأحلَّة البهاء وأقعدها على منبر الجلال[62]. إنها هي الأخرى أعمال كاملة جميلة ذات ملمح جلالي بما فيها من عظمة ومجد. وهي تخلو، بالضرورة، من كل ما يرتبط بالشر والقبح. حيث يرى الفارابي في إنسانه الكامل: مؤاتيًا لكل ما يراه حسنًا وجميلاً... صعب القياد إذا دُعي إلى الجور وإلى القبح[63]. ويرى فيه الكرماني كارهًا بالطبع لكل ما يهجن ويشين[64]. غير أن الإنسان الكامل لا يقوم بهذه الأعمال الفاضلة الجميلة من أجل الرئاسة أو أي غرض دنيوي. فهو لا يتوسل بها من أجل منفعة مادية أو معنوية، خاصة أو عامة، بل يتوسل بها من أجل بلوغ الكمال الإنساني المطلق الذي هو السعادة القصوى الحقيقية. فهذه السعادة هي هدفه وغايته وسبب أعماله الجميلة. إنه زاهد بما لدى البشر، طامع في عالم الروحانيات. وإذا ما نال الرئاسة أو الخلافة أو الإمامة، فهو يفرح أو يغتبط بها، لأنها من التوافه التي يترفع عن السعي إليها. فهو ليس يريد التحكم عليك ولا الرئاسة[65] كما يقول ابن عربي. إذ إنه النور المحض وله ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر[66] بحسب ابن سبعين. وبذلك فإن حصوله على نور الجاه أو نور اللواء، حيث ينشر مجده، ليس سوى نتيجة لحصوله على كماله الإنساني المطلق الموصوف بالعظمة والمجد والكبرياء. يتوضح مما سلف أن الجلال، في الإنسان الكامل، متحدَّد بالنقاط التالية: 1. الحصول على الكمالات الإنسانية الممكنة من مادية ومعنوية وروحانية، مع بلوغ الدرجة القصوى من كل منها. 2. حصول المعرفة المطلقة له، وحصول القدرة المطلقة أيضًا، بحيث إنه يطَّلع على كل شيء حاضرًا كان أو غائبًا بالإضافة إلى إمكانيته في تغيير نواميس الطبيعة. 3. تداخل الجوهرين الإلهي والإنساني فيه، واحتفاظه بهما معًا، مع ميل واضح فيه إلى الجوهر الإلهي لأنه الأساس في بقائه كاملاً. أما الجوهر الإنساني فهو الأساس في بقائه فاضلاً في العلاقة بالخلق والبشر تحديدًا. 4. كونه الشخصية المركزية الخلاصية التي تتمحور حولها المخلوقات أو الإنسانية التي تحقق لها الوجود الطبيعي–المادي أو الوجود القيمي الفاضل، أو الروحاني. فتقوم بما يعجز عنه سواها، وتأتي بكل ما فيه خير الخلق، من دون منفعة دنيوية، وكأن أفعاله هذه هي أفعال فطرية طبيعية يقتضيها كماله المطلق. ولا غرابة في ذلك، فهو الغائب الرحماني. ولا شك في أن حصر الجلال الإنساني بالإنسان الكامل وحسب لا يحيل على نفي الجلال عن البشر الواقعيين، بقدر ما يحيل على موقف أيديولوجي – وجمالي طبعًا – عام من مجمل الزعامات السياسية المتعاقبة – بدءًا من القرن الرابع الهجري تقريبًا – التي تزعم لنفسها العظمة والمجد، وهي في واقع الحال تخلو منهما. بمعنى أن الارتفاع بالجلال الإنساني إلى هذا المستوى هو في شطر منه موقف أيديولوجي سلبي من الواقع الاجتماعي–التاريخي الذي جعل، بتفاهته وصراعاته وتناقضاته المختلفة، من الجلال حلمًا إنسانيًا ينبغي أن يسعى إلى تحقيقه أصحاب الأحلام الكبرى من الفلاسفة والمتصوفة. فالجلال الإنساني يمكن المجتمع من تجاوز تناقضاته وتمزقه واضمحلاله. وعلى الرغم من أن الإنسان الكامل بجماله وجلاله مجرد أسطورة، في نهاية المطاف، إلا أن هذه الأسطورة – الفلسفية والصوفية – تحيل على رغبة حقيقية، في رؤوس أصحابها على الأقل، في ما يعانيه المجتمع العربي–الإسلامي من نقصان وتمزق، منذ أن برزت الدلائل على بداية سقوط الإمبراطورية الإسلامية العظمى. غير أن ثمة إشارة لا بد منها، وهي أنه على الرغم من أن الجلال في الإنسان الكامل يتناقض وواقع تلك الزعامات، إلا أن صورته لا تتناقض، من حيث الجوهر، مع الصورة التي تحبُّ تلك الزعامات أن ترسمها لنفسها، وهي صورة الخليفة أو الأمير الذي يتمحور حوله كل شيء، والذي جاء إنقاذًا للرعية من الهلاك، أو ما جاء نعمةً للعباد من رب العالمين. ولا شك في أن المضمون الأيديولوجي للإنسان الكامل نقيض لمضمون تلك الزعامات، إلا أن صورته المرسومة لم ترتفع فوق الوعي الناجز، ولم تتخلص من طبيعة المرحلة الاجتماعية–التاريخية التي ظهرت فيها هذه الصورة. بمعنى أن الوعي التاريخي الذي أنتج تلك الصورة لا يشكل قطعية معرفية مع الوعي الذي كان وراء تلك الزعامات. وقبل أن نغادر الجلال، ينبغي القول بأنه إذا كان الإنسان الكامل هو المثل الأعلى في الجلال الإنساني، فإنه أيضًا المثل الأعلى في البطولة. وهذا ما طرحه الشكل الاجتماعي للإنسان الكامل تحديدًا. إذ إن الوظيفة الاجتماعية الملقاة عليه تفرض أن يكون شخصية بطولية. فهو لا يكتفي بالمجاهدات النفسية، كما هي الحال في الشكلين الفردي والكوني، بل إنه يدخل في جهاد اجتماعي وسياسي. مما يعني أن الحاجة ملحة إلى أن يتصف بصفات بطولية، وهو ما دفع الفارابي إلى أن يرى فيه قوي العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل، جسورًا عليه مقدامًا غير خائف ولا ضعيف النفس[67]. والشيء نفسه نلحظه عند الكرماني الذي يرى فيه القدرة على التأني بمعاناة أمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها[68]. وفي خطبة البيان المنسوبة[69] إلى علي بن أبي طالب ما يرتبط بالبطولية، إذ يقول: أنا الفارس الكرَّار، أنا نَصْرة الأنصار، أنا السيف المسلول،... أنا سيد العرب، أنا كاشف الكُرَب...[70] وعلى الرغم من أن سمة البطولية تندرج تحت الجلال، في الإنسان الكامل، إلا أن التركيز عليها يحيل على وظائف اجتماعية ذات طابع صِدَامي. إذ إن البطولي لا يترعرع ولا تنشأ الحاجة إليه إلا في المراحل الصدامية المتأزمة، حيث يصل الصراع الاجتماعي والأيديولوجي إلى ذروته، وذلك بصرف النظر عن الأشكال التي يأخذها البطولي، في هذه المرحلة أو تلك. مع الإشارة إلى أن البطولي لا يتم طرحه إلا في الأيديولوجيات ذات الطابع الثوري، أما الأيديولوجيات المنسحبة من الواقع فلا علاقة لها به، إذ لا حاجة لها فيه، وهو ما يسوِّغ ميل الفارابي، مثلاً، إلى هذا المفهوم الجمالي، وابتعاد ابن سينا عنه، وقلَّة عناية ابن عربي به. ويبقى أن نقول إن جعل الجلال الإنساني على هذا النحو من السمو والرفعة هو، في حقيقته، دعوة إنسانية إلى أن يكون البشر كافة – وهم مؤهَّلون من حيث الإمكانية – ذوي جلال. إنها دعوة إلى تعميق الجوهر الإلهي في البشر، وإلى جعل الفردوس السماوي ممكنًا في الأرض. وكأن الدعوة إلى تعميم الإنسان الكامل هي دعوة إلى الارتقاء بالخَلْق إلى عوالم الحق، والارتقاء بالمجتمع الأرضي إلى مستوى المجتمع السماوي–الروحاني. إنه الحلم القديم الذي ما تزال له نكهته المعاصرة، وإن اختلفت الأطروحات، وتباينت الوسائل والغايات. ونُنهي هذه الفقرة بما يقوله ابن باجة في ذلك: إن المدينة الفاضلة الكاملة قد أُعطِيَ فيها كلُّ إنسان أفضلَ ما هو مُعَدٌّ نحوه، وإن آراءها كلها صادقة، وإنه لا رأي كاذبًا فيها، وإن أعمالها هي الفاضلة بالإطلاق وحدها[71]. الجمال: يمكن التوكيد أن الفكر العربي–الإسلامي يذهب إلى تحديد الجمال بأنه الكمال الموصوف بالاعتدال، من حيث السمات الموضوعية. وإذا ما نظرنا إلى الإنسان الكامل من منظور هذا التحديد، فإنه يبدو المثل الأعلى في الجمال الإنساني. ولا شك في أن هذا من البدهيات الجمالية، في هذا الفكر. فالإنسان الكامل هو "صاحب درجة الاعتدال"[72]، كما يقول ابن قضيب البان. إنه قد احتاز على هذه الدرجة في كل كمال حصل له. فلا شطط ولا غلو في كمالاته المختلفة. فهو صاحب درجة الاعتدال في بدنه وماديته، وفي قيمه الأخلاقية، وفي سلوكه الاجتماعي، وفي اهتمامه بعالم النور أو الروحانيات. فعلى الرغم من الأفضلية القصوى لهذا العالم على العالم الجسماني، إلا أن الإنسان الكامل لا يستغرق فيه غافلاً عن جسمانيته فتقع في التلف. يقول ابن عربي: لما كان للروح الإنساني وجهٌ إلى النور المحض ووجهٌ إلى الظلمة المحضة، وهي الطبيعة، كانت ذاته متوسطةً بين النور والظلمة. وسبب ذلك أنه خُلِق مدبِّرًا لنشأة طبيعية عنصرية كالنفس الكلية التي بين الهباء والعقل. فالهباء ظلمة والعقل نور محض، والنفس بينهما كالسدفة. فمتى لم يَغْلِب على اللطيفية الإنسانية أحدُ الوصفين كان معتدلاً يُؤتي كلَّ ذي حق حقه[73]. فالاستغراق في عالم النور، إذًا، لا يؤدي إلى الاعتدال. أو بمعنى آخر: إن تعميق الجوهر الإلهي في الإنسان لا ينبغي أن يكون على حساب الجوهر الإنساني فيه، وإلا لما وصل الإنسان إلى الكمال المطلق، لأن الشطط والغلو من نقائض الكمال عامة. وإذا كان تعميق الجوهر الإلهي يحيل على الجلال، فإن الاعتدال في العلاقة بين الجوهرين يحيل إلى الجمال. فليس من الجلال أن نغفل عن الجوهر الإلهي، ولكن ليس من الجمال أيضًا أن نهمل الجوهر الإنساني. وهو ما دفع ابن سبعين إلى أن يرى في إنسانه الكامل "نور النور الروحاني والجثماني"[74]. وحين ينتفي أحد النورين ينتفي الاعتدال، وينتفي من ثم الجمال. وهو ما يعني النقص. وإذا لم يحصل الجمال للإنسان الكامل لا يكون كماله مطلقًا. إذ إن الكمال هو أساس الجلال والجمال معًا في هذه الفكرة، كما أن الكمال الإنساني المطلق يعني الاحتياز على الجلال والجمال معًا. ونشير هنا إلى أن الجوهر الإنساني لا يحيل على الطبيعة المادية فحسب، بل يحيل أيضًا على الطبيعة الاجتماعية، أي أن الاعتدال في حصول ما هو مادي واجتماعي وروحاني، في الإنسان الكامل، هو الموجب للجمال فيه. هذا من حيث المنطلق العام، أما من حيث ملامح الجمال، في الإنسان الكامل، فيمكن أن ننظر إليها من عدة مستويات حسية وعقلية واجتماعية وروحانية. نتناول كلاً منها على حدة، من دون أن نغفل عن أن الاعتدال هو الناظم لهذه الملامح. فعلى المستوى الحسي، يقرر ابن عربي أن الإنسان الكامل هو أعدل النشآت الإنسانية–الجسمانية[75]. حيث تم تركيبه على أفضل شكل ممكن، فكان نور النور الجثماني بحسب ابن سبعين. ولأن الاعتدال ينظم بدنه، فإنه يستطيع أن يباشر الأفعال الحسية بيسر وسهولة، من دون أن يصيبه عناء أو تعب. يقول الفارابي فيه: تامُّ الأعضاء، قواها مؤاتية أعضاءها على الأعمال التي شأنها أن تكون بها. ومتى همَّ عضوٌ ما من أعضائه بعمل يكون به، أتى عليه بسهولة[76]. والكرماني هو الآخر يرى فيه "جودة الأعضاء وسلامتها"[77]. إنه يتصرف ببدنه تصرفًا مرنًا مطواعًا، لا تخذله أعضاؤه، ولا يحس بمشقة في التصرف بها. مما يجعل حركته قوية ورشيقة ومنسجمة. فهو "ليس بعجلان ولا بطيء"[78]. حيث لا يتكلف ولا يبدو عليه الإرهاق، فيما إذا باشر فعلاً ما. وقد يبدو من المفيد أن نشير، في هذا المجال، إلى أن جان ماري جويو، عالم الجمال الفرنسي في القرن التاسع عشر، يذهب إلى أن جمال الحركات يتحدَّد بثلاث صفات، وهي: القوة والانسجام والرشاقة. ويرى أن هذا الجمال يمكن ردُّه، بوجه عام، إلى الاقتصاد في القوة، بحيث تبدو الحركة قوية غير متكلفة، ولهذا فهي تبدو رشيقة ومنسجمة[79]. وهذا ما يراه الفكر العربي–الإسلامي في الجمال الحسي عامة، وفي الإنسان الكامل خاصة. فالقوة في البدن تدلُّ على أنه ممتلئ بالحياة والصحة. وهي ضرورية في هذا الإنسان، كي لا يكون البدن عائقًا بينه وبين ما يقوم به. ولا غرابة في أن يكون على هذا النحو من القوة والرشاقة والانسجام. أليس هو المعادل الموضوعي للحق والخلق معًا؟ وأليس هو الحائز على أفضل ما لدى البشر؟ وهذا الاحتياز لا يتعلق بالفضائل الاجتماعية فحسب، بل يتعلق أيضًا بالسمات البدنية. وعلى الرغم من أن الاستعلاء على البدن أمرٌ يفرضه السعي إلى الروحانيات، إلا أن هذا الاستعلاء لا يمكن أن يحصل لمن هو ضعيف البنية أو معلولها، إذ إن ذلك يشغله عن عالم الروحانيات بما فيه من ضعف أو مرض. وعلى المستوى العقلي، فإن الإنسان الكامل هو الأنموذج الأرقى في الحصول على القوى العقلية، والاهتمام والعمل بها. فهو، كما يقول الفارابي جيِّد الفهم والتصور لكلِّ ما يقال له، فيلقاه بفهمه على ما يقصده القائل وعلى حسب الأمر في نفسه. ثم أن يكون جيد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه، وفي الجملة لا يكاد ينساه. ثم أن يكون جيد الفطنة ذكيًا إذا رأى الشيء بأدنى دليل فَطِنَ له على الجهة التي دلَّ عليها الدليل"[80]. وكذا هي الحال عند الكرماني الذي يرى أنه يتصف بجودة الفهم والتصور والحفظ والفطنة والذكاء[81]. ولقد مر بنا سالفًا أن ابن سينا يرى أن قوة الحدس من القوى الأساسية في الإنسان الكامل. لقد وُهب هذا الإنسان قوى ظاهرة وباطنة بأفضل شكل ممكن. وهو ما يجعله قويَّ البنية البدنية، وقوي البنية العقلية. وهذا، لا شك، يؤهله لأن يتصل بالعقل الفعَّال أو الروحانيات، ويؤهله لأن يعي ما حوله من محسوس مجرد بالشكل الأفضل. وبهذا فقد انكشف له نور البصر ونور البصيرة بتعبير المتصوفة. ويرتبط بالجمال العقلي ملمح آخر، وهو البلاغة في الخطابة. فثمة إجماع عام على أن الإنسان الكامل يمتلك كل مقومات الخطابة، وتحسين الخطاب اللغوي. فهو يتصف بنور الخطابة، بحسب ابن سبعين[82]، وهو "حسن العبارة، يؤاتيه لسانه على إبانة ما يضمره إبانةً تامة"[83]، كما يقول الفارابي، ويعبر عما في ضميره "بحروف منظومة وكلمات مفهومة ونسبة فاضلة، في الوقت الذي ينبغي"[84]، بحسب أخوان الصفا، أو هو "مستقيم الكلام في الخطاب بما يليق بالمخاطب"، بحسب ابن عربي[85]. وغني عن البيان أن امتلاك مقومات الخطاب اللغوي، بأفضل ما يكون، هو من الأمور الضرورية للإنسان الكامل الذي هو صاحب رسالة، في المقام الأول. وعلى المستوى الاجتماعي. فإنه على الرغم من أن الإشارات إليه قد تكررت غير مرة، فلا بأس من القول إن الاحتياز على الكمال الأخلاقي يفترض الحصول على الفضائل الاجتماعية–الأخلاقية التي يصطلح ابن الدباغ على تسميتها بالأمهات الأربع، وهي: الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة[86]. ويصطلح عليها ابن باجة بـالفضائل الشكلية، والكرماني بـالفضائل الطبيعية. وتبرز، من بين هذه الفضائل، فضيلة العدالة التي لا نكاد نجد متفلسفًا أو متصوفًا لم يتحدث عن ضرورتها وأهميتها، أو لم يجعلها في مقدمة الفضائل. ونعتقد أن بروز هذه الفضيلة يحيل على الرغبة الحقيقية في نفي الظلم والاستلاب والجور التي يعاني منها المجتمع. أي أن بروزها هو موقف أيديولوجي سلبي من الواقع. ولهذا من الطبيعي أن يرى الفارابي في إنسانه الكامل محبًا للعدل وأهله ومبغضًا للجور والظلم وأهلهما. يعطي النَّصف من أهله ومن غيره، ويحث عليه ويؤتي من حلَّ به الجور[87]. ويقول ابن عربي: فلا مخلوق أعظم رحمة من الإنسان الكامل، ولا أحد من المخلوقين أشدُّ بطشًا وانتقامًا من الإنسان الحيواني. فالإنسان الكامل وإن بطش وكان ذا بطش شديد، فالإنسان الحيواني أشد بطشًا منه[88]. وإذا كان الفارابي يرى أن الإنسان الكامل هو الأساس في المدينة الفاضلة فإن ابن عربي يذهب إلى أنه هو المدينة الفاضلة نفسها، حيث يقول فيه: فهو النسخة الكاملة والمدينة الفاضلة[89]. وعلى الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين هذين الطرحين إلا أن ثمة اتفاقًا بينهما، على الصعيد الجمالي. وهو أن الإنسان الكامل ذو جمال، لأنه مجمع الفضائل مع الاعتدال في كل منها، وفيما بينها. أما على المستوى الروحاني، فإن الاتصال والاتحاد بالعقل الفعَّال أو الروحانيات هما الأساس في جمال الإنسان الكامل روحانيًا. أي أن الجوهر الإلهي فيه يضيف إليه نوعًا من الجمال وهو المطلق. فإذا كانت المستويات السابقة هي مستويات في الجمال المقيد، فإن هذا المستوى يرتبط بالجمال المطلق. فيغدو الإنسان الكامل به وكأنه جمال الجلال الإلهي. ولقد أشرنا إلى هذا المستوى، فيما سلف، فلا حاجة بنا إلى إعادة القول فيه. وهكذا نلحظ أن الجمال في الإنسان الكامل متعدِّد الجوانب والمستويات، فلقد جمع في ذاته الجمالين: المقيد والمطلق. وهو ما لا يتيسر لغيره من المخلوقات، حتى الملائكة منها. وليس هذا فحسب، بل جمع أيضًا بين الجمال والجلال في ذاته وصفاته. ومن ذلك نفهم قول ابن قضيب البان "الكون كله صورة القطب، وأنا ذاته"[90]: حيث إنه يعني، على الصعيد الجمالي، أن الجمال الكوني مكثف كله في الجمال المقيد للقطب، وأن الجلال والجمال المطلقين منطبعان في ذاته أيضًا. فجماله المقيد مرآة لجمال الكون. وهو بذاته مرآة للجلال والجمال الإلهيين. فصح عليه أنه الكلمة الجامعة، بتعبير ابن عربي، إذ جمع بين الجلال والجمال، بنوعيها، بين العظمة والاعتدال، بين الرهبة والأنس. ولأن الإنسان الكامل كذلك، فإن له اللذات الجمالية كافة، الذاتية منها والموضوعية. بمعنى أنه الأقدر على الاستمتاع الجمالي بالمقيد والمطلق، بالجزئي والكلي، بالذاتي والموضوعي. وما ذلك إلا لأنه يمتلك ذاتًا كلية تناسب كل الذوات، فيكون كلها وتكون كله[91]، كما يرى ابن الدباغ وابن الخطيب. وبسبب ذلك ذهب بعض العارفين إلى القول: "إنا لذاتي بذاتي في ذاتي"[92]. وذهب ابن سبعين إلى أن إنسانه الكامل "نال ما مُنِعَه الغيرُ في السعادة"[93]. حيث يتم التوكيد دائمًا أن اللذة الجمالية التي لهذا الإنسان أشمل وأعمق وأبقى مما لسواه. فقد حصل على مُلائم الحسِّ، وملائم الإدراك، وملائم المتخيلة، وملائم القوة الناطقة. فكان شاهدًا على الجمال والجلال في الحق والخلق معًا. ولهذا فهو الأكثر أُنسًا ورهبة. فله اللذات الجمالية كلها، وأهمها السعادة القصوى التي لا ينالها غيره. يقول ابن الدباغ في الناس الكُمَّل: هم الذين لاحظوا الجمال القدسي المتجلي لنفوسهم من العالم النوراني فقَبِلَتْه نفوسهم لمناسبتها إياه، فانطبعت فيها صورته انطباع صورة الشمس في مرآة نورية، ثم تكيفت النفس بذلك النور وتجوهرت به، فأبصرت ذاتها النورية وما بها من آثار العالم النوراني، فأحبتها من جهة أنها هي ذلك النور القدسي... وهي مطلوب الرجال ذوي العرفان التام والكمال[94]. وعلى الرغم من الفوارق الأيديولوجية، والمعرفية أحيانًا، بين ما يقول به أهل البرهان وأهل العرفان، إلا أن المضمون الجمالي، في الإنسان الكامل، واحدٌ تقريبًا في كليهما. فلا فرق، كما نعتقد، على الصعيد الجمالي، بين أن يتصل الإنسان بالعقل الفعال فيكون كاملاً، وأن يتصل بالروحانيات فيكون كاملاً أيضًا. إذ إن العقل الفعال ما هو إلا جوهر روحاني مفارق. وهذا الكمال هو الأساس في الجمال والجلال اللذين يتصف بهما الإنسان الكامل، وهو الأساس أيضًا في اللذات الجمالية التي يحصل عليها – بصرف النظر عن هيمنة الجانب الحدسي العرفاني عليها عند المتصوفة، أو هيمنة الجانب العقلي البرهاني عند أهل البرهان. نخلص من كل ما سلف إلى أن الإنسان الكامل هو الأنموذج الجمالي الإيجابي الأكثر نصاعة في الفكر العربي–الإسلامي، والأكثر تعبيرًا عن المثُل الجمالية التي يسعى إلى إنجازها في المجتمع البشري. إنه بجماله وجلاله يُشكل حربًا – نظرية طبعًا – على كل ما هو قبيح وتافه ورخيص، سواء أكان ذلك على الصعيد الفردي أو الاجتماعي أو الإنساني عامة. فهو المثل الأعلى الذي ينبغي، بحسب هذا الفكر، على الإنسانية أن تتمثله كي يعم الجمال في علاقاتها، وينتفي القبح من على وجه الأرض، وتدخل الإنسانية فردوسها الأرضي. وتلك هي رسالة الإنسان الكامل المشار إليه وإلى كلِّ كاملٍ من الناس بقوله[95] وهو الذي في السماء إلهٌ من نفسه، وفي الأرض إلهٌ من طبعِه[96]، كما يقول الشيخ الأكبر. [1] راجع في ذلك: دائرة المعارف الإسلامية، المجلد الثالث، مادة "الإنسان الكامل". ولوي ماسينيون، الإنسان الكامل وأصالته النشورية، ص 113، في كتاب الإنسان الكامل في الإسلام، جمع وتحقيق عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط 2، 1976. [2] هانز هينرش شيدر، نظرية الإنسان الكامل عند المسلمين، في كتاب الإنسان الكامل في الإسلام، ص 23. [3] محمد عابد الجابري، نحن والتراث، دار التنوير، بيروت، ط 4، 1985، ص 30. [4] الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، مطبعة التقدم، القاهرة، ط 2، 1907، ص 62 – 67. [5] المرجع السابق، ص 62. [6] المرجع السابق، ص 62. [7] المرجع السابق، ص 67. [8] المرجع السابق، ص 68. [9] أخوان الصفا، الرسالة الجامعة (المنسوبة إلى المجريطي)، ج 1، تحقيق جميل صليبا، مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، 1949، ص 702. [10] المرجع السابق، ص 610 – 613. [11] المرجع السابق، ص 701. [12] حميد الدين الكرماني، راحة العقل، تحقيق مصطفى غالب، دار الأندلس، بيروت، ط 1، 1967، ص 572. [13] المرجع السابق، ص 572 – 573. [14] المرجع السابق، ص 574. [15] الجابري، المرجع السابق، ص 41. [16] ابن باجة، رسائل ابن باجة الإلهية، تحقيق ماجد فخري، دار النهار، بيروت، 1968، ص 128. [17] المرجع السابق، ص 48. [18] المرجع السابق، ص 79 – 80. [19] المرجع السابق، ص 140. [20] الحلاج، كتاب الطواسين، دار النديم، القاهرة، 1989، ص 6. [21] المرجع السابق، ص 9. [22] ابن سينا، المبدأ والمعاد، باهتمام عبد الله نوراني، طهران، 1984، ص 115. [23] الآخرة هنا لا تعني اليوم الآخر أو يوم القيامة، كما في الدين الإسلامي، بل تعني المآل إلى الكمال الإنساني المطلق. [24] المرجع السابق، ص 115 – 116. [25] المرجع السابق، ص 116. [26] المرجع السابق، ص 117. [27] المرجع السابق، ص 120 – 121. [28] المرجع السابق، ص 120. [29] المرجع السابق، ص 110. [30] ابن سبعين، رسائل ابن سبعين، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الدار المصرية، القاهرة، 1965، ص 138. [31] المرجع السابق، ص 313 – 314. [32] المرجع السابق، ص 264. [33] المرجع السابق، ص 204. [34] المرجع السابق، ص 204 – 211. [35] ابن عربي، الإنسان الكامل والقطب الغوث الفرد، من كلام الشيخ الأكبر ابن عربي، القسم الأول، جمع وتأليف محمود محمود الغراب، دمشق، 1981، ص 7. [36] المرجع السابق، ص 10. [37] المرجع السابق، ص 8. [38] المرجع السابق، ص 9. [39] المرجع السابق، ص 12. [40] المرجع السابق، القسم الثاني، ص 11. [41] المرجع السابق، القسم الثاني، ص 11. [42] حسين مروة، النزاعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، جـ 2، دار الفارابي، بيروت، ط 7، 1991، ص 279. [43] ابن عربي، المرجع السابق، القسم الأول، ص 25. [44] عبد الكريم الجيلاني، الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، جـ 2، المطبعة الشرقية (طبعة حجر)، مصر، 1300 هـ، ص 59. [45] المرجع السابق، ص 58 – 59. [46] المرجع السابق، ص 62. [47] المرجع السابق، ص 62 – 63. [48] المرجع السابق، ص 61. [49] المرجع السابق، ص 64. [50] بدوي، الإنسان الكامل في الإسلام، مذكور سابقًا، ص 147. [51] ابن قضيب البان، المواقف الإلهية، في كتاب الإنسان الكامل في الإسلام، ص 189. [52] ابن عربي، المرجع السابق، القسم الأول، ص 13. [53] المرجع السابق، ص 9. [54] ابن عربي، التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية، في كتاب إنشاء الدوائر، ليدن، 1336 هـ، (أعادت طبعه بالأوفست مكتبة المثنى ببغداد)، ص 106. [55] الفارابي، المرجع السابق، ص 66. [56] المرجع السابق، ص 67. [57] ابن عربي، الإنسان الكامل والقطب الغوث الفرد، القسم الأول، ص 15. [58] الجيلاني، المرجع السابق، جـ 2، ص 64. [59] ابن عربي، عقلة المستوفز، في كتاب إنشاء الدوائر، ص 97. [60] الكرماني، المرجع السابق، ص 574. [61] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 163. [62] المرجع السابق، ص 189. [63] الفارابي، المرجع السابق، ص 67. [64] الكرماني، المرجع السابق، ص 573. [65] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 163. [66] ابن سبعين، المرجع السابق، ص 211. [67] الفارابي، المرجع السابق، ص 67. [68] الكرماني، المرجع السابق، ص 573. [69] غني عن البيان أن هذه الخطبة موضوعة في مرحلة متأخرة. [70] بدوي، المرجع السابق، ص 142. [71] ابن باجة، المرجع السابق، ص 41. [72] ابن قضيب البان، المرجع السابق، ص 202. [73] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 168. [74] ابن سبعين، المرجع السابق، ص 206. [75] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 163. [76] الفارابي، المرجع السابق، ص 66. [77] الكرماني، المرجع السابق، ص 573. [78] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 163. [79] جان ماري جويو، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ترجمة سامي الدروبي، دار اليقظة العربية، بيروت، ط 2، 1965، ص 53 – 54. [80] الفارابي، المرجع السابق، ص 66. [81] الكرماني، المرجع السابق، ص 572. [82] ابن سبعين، المرجع السابق، ص 208. [83] الفارابي، المرجع السابق، ص 66. [84] أخوان الصفا، المرجع السابق، ص 701 – 702. [85] ابن عربي، التدبيرات الإلهية، ص 169. [86] ابن الدباغ، مشارق أنوار القلوب ومفاتح أسرار الغيوب، تحقيق هـ. ريتر، دار صادر، بيروت، 1959، ص 41. [87] الفارابي، المرجع السابق، ص 67. [88] ابن عربي، الإنسان الكامل والقطب، القسم الأول، ص 13. [89] المرجع السابق، ص 9. [90] ابن قضيب البان، المرجع السابق، ص 190. [91] راجع: ابن الدباغ، المرجع السابق، ص 43. وراجع: ابن الخطيب، روضة التعريف بالحب الشريف، د. عبد القادر عطا، دار الفكر العربي، دون تاريخ، ص 289. [92] ابن الدباغ، المرجع السابق، ص 23. [93] ابن سبعين، المرجع السابق، ص 210. [94] ابن الدباغ، المرجع السابق، ص 63. [95] أي قوله في الآية القرآنية: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم". سورة الزخرف، الآية 84. وغني عن البيان أن ابن عربي يرى فيها إشارة إلى الإنسان الكامل، لا إلى الحق. [96] ابن عربي، عقلة المستوفز، ص 96.
|
|
|