الوقوف على عتبة الوعي

 

سعاد الأوس

 

يخرج بنا الوعي الحقيقي من إطار الأوهام والاعتيادات التقليدية إلى إطار الخيارات الواعية والتفكير الحر، حتى ليبدو التخلص من المشكلات والأمراض أمرًا ممكنًا بفعل الوعي. ولعل هؤلاء الذين نجحوا في الوقوف على عتبة الوعي الجاد، ولو لمدة لحظات، أكثر قدرة على فهم المعنى الحقيقي للتحرر ومعنى الشفاء الذي يحققه الوعي.

ذلك أن الشفاء هي كلمة حقيقية في إطار الوعي، والوصول إلى الوعي يعني ملامسة الشفاء من كافة الأمراض وحتى أخطرها، خاصة عندما نعلم أن الشفاء عن طريق نظام الوعي بات من الأنظمة العلاجية الحديثة وحقق نجاحات باهرة خلال فترة قصيرة نظرًا لأنه يعالج السبب قبل المرض.

بالوعي أيضًا نحصل على ما نصبو إليه، وإن كان ما نصبو إليه بعد مرحلة اكتساب الوعي سيكون مختلفًا، خصوصًا إذا كانت أنماط الوعي التقليدية الزائفة هي السائدة. فالوصول إلى حالة الوعي يحتاج إلى جهد ومتابعة حثيثة وإن كانت الفترة الزمنية لهذا الوصول مختلفة من شخص لآخر.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن الوعي يختلف تمامًا عن الفكر والعقل وإن كان من الضروري الاستعانة بالفكر لتحقيق الوعي، وخاصة في وقتنا الراهن حيث أصبح الإنسان مبرمجًا بسبب الظروف الراهنة ومعطيات هذا العصر الذي جعل الإنسان معزولاً وغريبًا عن ذاته.

ولكن السؤال هنا كيف نحقق وعينا وكيف نقترب منه؟

لقد تحدث الكثير من المفكرين والأدباء عن الوعي وحقيقته، وحددوا مبادئ أولية لتحقيقه. وقد يكون بعض منهم قد اختبر نعمة الوعي وآخرون اجتهدوا لتوصيفه. ومهما يكن فمن المؤكد أن الوعي ليس حكرًا على إنسان دون آخر مهما كانت درجة ثقافته أو مستواه المادي، فمن الممكن لأي شخص تحقيقه دونما فروق. ولعل الأشخاص الذين سعوا وجربوا هم أكثر قدرة على تحديد بعض المبادئ الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في نطاق الوعي وأهمها القبول والتنبه.

أما القبول فهو تقبل أي مشكلة ضمنيًا وعدم رفضها وإنما فهم المغزى منها، خاصة وأنه لا يوجد في هذا الكون أي شيء عشوائي، بل حتى لا وجود للصدف، فلكل مشكلة تعترضنا هدف يرمي إلى تحقيق وعينا، ورسالة تحاول تقريبنا إلى الحقيقة. وسواء شئنا أم أبينا ستأتي المشكلات والصعوبات حتى ولو حاولنا تفاديها والهروب منها، فالهرب يفاقم المشكلة ويعقدها، لذلك فإن تقبل المشكلة ومحاولة فهم مغزاها هي نقطة البدء في سلم تطورنا وارتقائنا.

أما الجانب الآخر فهو التنبه، والتنبه هنا يعني اليقظة الدائمة التي تفترض مراقبة ذواتنا أولاً. وهنا يتوجب علينا الانتباه لصفاتنا السلبية كالغضب، الحسد، الحقد، الكراهية أو الغضب. وإذا كان الانتباه لا يكبح هذه الصفات مباشرة فإنه يعمل على تهذيبها وضبطها حتى الزوال. فمع المراقبة تبدأ الأشياء السلبية بالزوال رويدًا رويدًا ونشعر، ولو بعد فترة، أن تلك الصفات التي تتملكنا وتسيطر علينا بدأت تخف بالتدريج.

فباليقظة الدائمة والترقب نكون قد سمحنا للنظام الكوني المقدس بالتدخل فينا تلقائيًا، وتخليصنا من سلبياتنا التي تشكل عائقًا كبيرًا في وجه ارتقائنا، فيعمل هنا النظام الإلهي على رفع مستوى وعينا ونكون قد فتحنا لأنفسنا بابًا من أبواب الوعي.

وحتى مراقبة سلوك الآخرين ضرورية أيضًا، لكن المراقبة هذه المرة لن تكون بهدف الانتقاد بل من أجل دوام التيقظ الدائم، وحتى إن فشلنا في التخلص من عادة انتقاد الآخرين، إذا كانت مستحكمة فينا، فلنتقبلها ونراقبها ولا ننزعج منها لأنها ستزول بالانتباه أيضًا ...

واستنادًا إلى علم الطاقة، هذا العلم العظيم حديث الاكتشاف (حيث تم اكتشافه في الستينيات من القرن العشرين)، نقول إن أجسادنا تتألف من أجسام مادية عضوية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأجسام باطنية، أو ما يسمى هالات أثيرية مؤلفة من ذبذبات تشكل جزءًا لا يتجزأ من ذبذبات الكون. وهذه الأجسام الباطنية (الهالة الأثيرية) المحيطة بجسم الإنسان تعتبر أجهزة وعي موجودة في سبع طبقات تتميز كل منها بلون وذبذبات معينة وحركة وكثافة معينة، وهي على صلة مباشرة بجسمنا المادي.

وكلما كانت هذه الأجسام الباطنية مستقرة مطمئنة متوازنة كانت هذه الذبذبات بألوانها الشفافة الزاهية النقية متماسكة ومتجانسة وبالتالي كانت أجسامنا المادية سليمة وصحيحة، وإذا كانت هذه الأجسام الباطنية المحيطة بالجسم المادي مضطربة قلقة ضعفت مقاومة الذبذبات وبدأت بحركة غير منتظمة خلفت بينها فراغات وشكلت هالة أثيرية هشة غير متماسكة مضطربة داكنة ومثقبة وبالتالي أصبحت أجسامنا المادية العضوية مريضة وغير متزنة.

وأفكارنا السلبية واعتقاداتنا الخاطئة وصفات الحسد والكره والرفض التي ما هي إلا ذبذبات سلبية تصدر عن أجسامنا المادية أولاً لتنطلق إلى غيرنا، ولكنها قبل أن تصل إلى الآخر تؤذي هالتنا الأثيرية (أجهزة الوعي لدينا) فتصاب بالخلل من أحد مناطقها التي تكون على صلة مباشرة بأجهزة جسمنا المادي، وتخلّ بها على شكل أمراض وعلل ومعاناة نفسية وجسدية وأوهام وتعلقات وغيرها.

وعندما نعمل على إصلاح أفكارنا وتقبل مشاكلنا وفهمها، وعندما نراقب تصرفاتنا ونراقب كل ما حولنا بصمت وبايجابية وبكل محبة بهدف الوعي تعود هذه الذبذبات لدورانها بتوافق مع مسارها الطبيعي ومع نظام الكون العفوي التلقائي، نشفى ونرقى ونشعر بالغبطة والسعادة التي عاشها وتكلم عنها عدد لا يستهان به من البشر وربما نعم بها الكثيرون بصمت. هذه الغبطة التي تختلف كليًا عن السعادة المؤقتة التي نحصل عليها من امتلاكنا المال والثروة وغيرها من الهواجس والنزوات التي لابد لها أن تنتهي وتزول.

إن ولوج باب الوعي من باب المحبة والتقبل والايجابية وإعداد الذات لإدراك الخالق الموجود فينا وبالتالي الانسجام مع إرادته على اعتبارنا جزءًا من روح القداسة الواعية هو الهدف الذي يجب علينا العمل من أجله.

وأخيراً يقول الحكيم الهندي ساتيا ساي بابا الذي يعايش حالات الوعي الكلي:

ازرع الإيمان والرضا وسوف تتدفق النعمة من خلالك في كل أعمالك، عندها سوف تصبح الأعمال والكلمات والأفكار كلها نقية، مشبعة بالمحبة ومعززة للسلام. طهر قلبك حتى ينعكس فيه الله، بكل عظمته وبكل أشكاله التي لا تعد ولا تحصى.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود