كـنــغ لـنــغ

أسـعد الجبـوري

 

1

ليست رأسًا على كتفيهِ
مدينةٌ هي:
تلك صورتُهُ في الرادار ولم يحزن!

2

في القليل من الطقس الضيق
أيامٌ شديدةُ الانحناء
أجسادٌ تغادرُ أجسادًا
بعد أن تجمع حطبَها في أكياس
وتوزِّعه كمؤلَّفات على صعاليكَ طالما يبدِّدون
أخلاقَ الحبرِ تحت مظلاَّت العيون.

كيف الطقس قليلاً كان هناك
في ردهة العقل
في سينما الزواج وغرف الدمع
والذئاب الواسعة وهي تطلق عطرها
في موانئ القصائد والليل.

الآن
ربما يُدرك لماذا العقاربُ
تقفلُ منازلَها تحت الزجاج وتغادرُ
ساعةَ الجدار دون مواقيت.

لا فراش في النصِّ كالعادة
لا مروج على مائدة الشيطان
الأرض قضت على غبطتها مبكرًا.

يا إلهي!
سينفد العنبُ من أفئدة النباتات
النائمة
فيتأخر التركيبُ الضوئي
في الشاعر
حيث القلبُ في نهاية مترو الأنفاق
ولا مقعد للنساء المُتعَبات في قطار
الشمال.

3

هو ينظرُ الآن
ويدقِّقُ في ينابيع الكآبة ذات البخار
الشبيه بخيال الخرائب.

هو ينظرُ
كأنَّ البحرَ سمكةٌ متآكلةٌ على طول
الساحل الرمليِّ المتجهِّم.

هو يرمِّمُ نظراتِه ويختبرُ السباحةَ غوصًا
بين صفحات البروق وأكاليل الرعد.

هو ينظرُ ويبني النفسَ جبالاً
يتخلَّى عن ظهرهِ لبواخرَ تجري في حمولاتها –
أي
في عميق الارتفاع –
حيث السماءُ قميصٌ مجعلكٌ لمغنِّي
روك أند رول
وحيث النجومُ ثمرٌ قليلُ البصيص.

السكونُ ينكسرُ
وما أشبه الأغاني بمسحوق آريل
عندما ينظفُ الأرواحَ من البكتريا التي تخلِّفها
مصانعُ الذكريات.

4

قال: الحريةُ باقةُ هواء
وإنه يريدُ أن يجرِّدَ النساءَ من الذنوب
في أحواض النُو والتاي تشي بأبعاد بلاغةِ
المعادن المُعَذَّبة بالانصهار.

أنا ابن الذرَّاتِ الهشَّة –
قال
كلما تمرُّ بي الكتابةُ أتقوَّى من معادنها
وهذا البحر كأنَّه مرآتي الملطَّخة بشغفِ
عشاقٍ
أتذكَّرهم لمباتٍ حمراءَ قبل اختراع النكاح
ومن الحنينِ ضبابٌ ونحلٌ وأوپرا
... ... ...

5

الليلُ كأسٌ غارقٌ بحبر الله
يَدخلهُ السَّكرانُ ليَفنى.

6

كلَّما تأمَّلتُ نصًّا
تأمَّلتُ جسدًا أسبرُ فيه كاتدرائيةً تلوحُ
في نقطة.

المكانُ يُغمَرُ بالمكان
والزمنُ الترابي يُشكِّلُ في العيون تلالَه
ولا يستقرُ في قطعةٍ ولا في قطيع.

الهواءُ سيأتي بمستحضراتهِ الموسيقية
إلى أسفل العقل
ومن وراء النافذة
يظهرُ قرصانٌ يمتطي كلبًا في عرض البحر
خلفهُ الغرفُ بناةُ التروس
اللاهوتُ المحصَّنُ داخل لحوم الكنائس
والعمائم والقلنسوات.

سنترك مدن البحار
نتركها
ونطلقُ الأعينَ بوهي على كراسي نظراتها
نحو مدن المدن.

أرى أيامًا ترمي أطفالَها في الحاويات
بقسوة
أرى نجَّارين يصمِّمون أزقةً تشبه التوابيت
والقواميس والوجوه
أرى شعوبًا تَعِبَ الجوعُ فيها!

أهو الوطنُ الذهبي الغارقُ في النعاس
وعلى مقربة منه عنابر الجنس والمطارات
والفنادق وأنفاس البنفسج المفروشة تحت أرجل
مدافع المورتر وأحذية المطربات وتماسيح الشطرنج؟!

لم يعد سطحُ الرأسِ مقفلاً
المدنُ، هاويةً إثر هاوية، تمشي وترتفعُ
والشعوبُ على امتداد الموت
والآن
البراءةُ تشيخُ في المرآة.

7

المدنُ بالأمس
على مقربة منه
وهي الآن أدمغةٌ على قدر كبير من الأمِّيةِ
والزلازل –
خازنُ الخرائط صرَّحَ بذلك
وأضاف:
إن المدنَ حيواناتٌ تركبُ القطارَ حشوًا
وتمشي على أطرافها في التاريخ
البارد
وكذلك يتمدَّدُ ضغطُها الجنسي
في اللحوم.

الوطنُ كآبةٌ بيضاء،
أليس؟

القمرُ على سطح الوطن الحزين
دمعةٌ،
أليس؟

الأقدامُ المتبَّلة بالوحل الوطني مناديلُ
وداع،
أليس؟

الوطنُ تأويلاتٌ مُكثَّفةٌ في الموت والحبِّ
والحمير والرغيف الطائر من موقد العنقاء.

8

للتوِّ أكوام الشوارع
للتوِّ دجاج الأحزاب
للتوِّ بكتريا الألغام
للتوِّ مدافن الكتب
للتوِّ العيون الملتهبة بالسراب.

يأتي البلاشڤة والبعثيون
يأتي الإقطاعيون والبورصويون وأفاعي
الربع الخالي
يأتي الكولونيل وهو مُغمًى عليه في سطل
المومس.

هؤلاء
هؤلاء
هؤلاء
يأتون للاحتفال بيوم ترميم العظام
في الهياكل والنصوص والتماثيل والحبِّ
والجرائد والشاورما.

للتوِّ تخرج الشعوبُ من الأرشيف
من مسطَّحات اللعاب والمعاني الكسولة.

للتوِّ
للحريةِ إصبعٌ واحدٌ
يُسمَّى سارية العَلَم.

9

وأكثر من ذلك
يذهب الخائبون للحصاد في الهواء الرسمي
أو للسبات في البئر الإيديولوجي.

10

لا يعرف إنْ كان روبنسون كروزو ضائعًا
مع الشمس في جزيرة دمه
كآبتُهُ التي كانت تتخبَّطُ في ذهنهِ
مثل سلاحف بحر البلطيق
نجحتْ في تربية العزلة بعيدًا عن المراكب.

كم تُتعِبُ تلك الأناشيدُ الصوفية:
إنها سناجبُ تخرجُ من تحت الجلدِ
متسلقةً الأشجارَ لتفحص ما بعد مائهِ
في روزنامة الريح.

أحلامُهُ مخطوطاتٌ تتكسرُ على مقربةٍ
من أناه السفلية
وطبيبُهُ المناوب في مستشفى النفس
يتفحصُ باكورةَ التهاباته.

هل يستطيع الهربَ كالحشيش
من آلام الغابة
والانضمامَ إلى صموئيل بيكِت أو نجوى كرم
أو أية صفصافة تتشردُ في أسطوانة؟!

لم يكن يسأل غير ترابه
ولا يتأخر في مغادرة صندوق ما يُسمَّى
بالذنوب.

11

ثمة قلبٌ ضامرٌ من الصفيح
لن تهزَّهُ الرياحُ الشمسيةُ –
قالها ضاحكًا ويدُهُ تتمدَّدُ صولجانًا
لسبْر امرأة تأخذُ قيلولةً مع القرش
في حوض.

وأدركَ أنه يحبُّ الثعالبَ لأنها تشربُ
من إكسيرِهِ الخاص
ولم يستثنِ الورقَ:
كان يراهُ سينفجرُ فيه
إذا ما استمرتْ إقامتُه بين ملائكة موهوبين
بدراسة تكنولوجيا الخوف.

كلَّمَ نفسَهُ مُعلِّقًا
وحَمَلَ أناشيدَهُ لشعوب أخرى فيما وراء
الأبد
وكانت غيبتُهُ الصغرى أُمًّا للمجاز.

12

الشوارعُ تُرمى أمامهُ
كأنها السجادُ في مطار صحراوي مُلتهب
وهو بربطةِ عنقٍ
يشقُّ أساهُ ماضيًا إلى ما وراء أبواب
تلال الحديد.

13

شرعيًّا
السؤالُ أبُ الطوفان
وليس مثل الشِّعر ماءً مُقطَّرًا من حمم
الجحيم.

أي مشهدٍ في تلك اللَّقطة
عندما ترتفعُ الأرضُ عاليًا في التمزق
ثم تُرمى خوخةً في فم مدفن!

14

لا يريد تذكُّر قطعان الهايكو الآن
ولا المرأة التي تكتظُّ آبارُها بسمك
الحنقليس.

يريدُ أن ينظرَ الأصابعَ التي مزَّقَها له
مدخِّنوهُ أيامَ أحواض السعال الديكي
ثم قراءة عارية للتروبادور
ثم الإمساك بالكأس من الزاوية
الحادَّة!

15

ما أعظمهُ
راكب درَّاجة تَثملُ بالاحتكاك!
كان يسمِّيها بمخطوط العجلاتِ الأكولة
للأمتار:
تدورُ
وتدورُ معها النظرياتُ
تدورُ
وبعدها ينهمكُ الغروبُ في حلاقةِ الأبراج
والكائنات ومعدات تصوير الطفرات الوراثية.

حلمُ الدرَّاجةِ الناضجةِ
أن تحمل الأرضَ على أربع
وتطوف في نصٍّ لم تتأخرْ عنه عضلاتُهُ
في الإغواء.

لا أعظمهُ العراقُ!
لا يركبُ دراجةً ويأتيني
في غيابي
كأنَّ أقدامنا في الأصفاد
ولا يكلُّ يشدنا إلى مدافنه في الزمهرير.

متى تأخذُ تلك البلادُ إجازةً للنقاهة
في خارجها؟!

16

المؤنثةُ الدنمركية تلك
تمضي تحت مظلَّتها الحمراء مرتعدةً
من الشبق
حالمةً بباقةِ عبيدٍ يشقُّون في ظهرها
ترعةً
ويمضون قطارًا في مقتبل هاوية.

تلك المرأة لاحقًا
ستحوِّلُ جسدَها إلى معجَّنات إيروسية
أملاً برَزْمِ لحمِها في رسائل إلى الطواحين.

17

الجسدُ مفتوحٌ
وتخرجُ منه كلابُ الحبِّ للصيد
تحت الجسور.

18

على طريق العقل أبقارُ هوميروس
تجترُّ السيوفَ في حوض الإلياذة.

لم تنتهِ طروادة بعدُ:
الزمنُ مازال يبكي في نصٍّ
وثمة مطبعةٌ منتفخةٌ كباذنجانةٍ
من جيل الحُقَن
يخرجُ منها ذبابُ الموتِ حروفًا كاملةَ
الدسم.

كانوا بنا يتوسَّعون في الملاجئ
دفنًا لبقايا الصحارى المختمرة في أكبادنا.

يا للأيام الشبيهة بأزياءَ
ترفرفُ على مقربة من حقول الغاز!

19

قالت الحربُ:
أنا كرةُ نارٍ تسقطُ من العقل
في القلب.

ويا رأسًا
يا روزنامةً على أبواب مصارف
المياه الحمراء!

20

الأرضُ معدَّةٌ للموت
والدباباتُ على ظهرها قُرَادٌ.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود