ثلاثة كتب لم تُنشَر لعبد الرحمن بدوي
أهمُّها 18 نصًّا مسرحيًّا ليوريپيدس

 

محمد الحمامصي

 

عقب وفاة المفكر المصري عبد الرحمن بدوي في العام 2002، أعربت أسرتُه عن رغبتها في إهداء مكتبته الخاصة الموجودة بالقاهرة وباريس إلى مكتبة الإسكندرية لتوضع ضمن قاعة المجموعات الخاصة بقسم الكتب النادرة بمركز المخطوطات. وقد اشتملت المكتبة على 12599 كتابًا من أمَّهات الكتب العربية والإنكليزية والفرنسية، بالإضافة إلى 33 مخطوطة و19 ميكروفيلمًا، وهي جماع ما كان محفوظًا بمنزله بمصر ومقر إقامته بباريس. وإبان الأعوام الثلاثة الماضية [2003-2005]، كان قسم الكتب النادرة بمركز المخطوطات يشتغل على فحص المكتبة وفهرستها وترميمها وحفظها، فكان أن ظهرت كتبٌ ثلاثةٌ غير منشورة كان الراحل بدوي قد انتهى منها ولم يدفع بها إلى المطابع: كتابان منها عن مكتبة الإسكندرية ومتحف العلوم السكندري القديم (وكلاهما بالفرنسية)، والكتاب الثالث ترجمة لتراجيديات يوريپيدس Euripides إلى العربية. وبهذه المناسبة، ألقى يوسف زيدان، مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، محاضرةً وعقد مؤتمرًا صحفيًّا أوضح خلاله أهمية هذه الكتب، مؤكدًا أنها ستُنشَر قريبًا بعد الاتفاق مع أسرة الراحل الكبير[1].

أولاً: تراجيديات يوريفيدس (يوريپيدس)

هي ترجمة للأعمال المسرحية الكاملة للشاعر اليوناني القديم يوريپيدس (أو يوريفيدس طبقًا لتهجئة بدوي العربية للاسم، حيث حرف π الإغريقي يصير بالعربية فاءً). ويندرج هذا العمل، كما أكد يوسف زيدان، تحت واحد من مشروعات بدوي الكبرى التي تهدف إلى تقديم أصول الثقافة الأوروبية الرفيعة، قديمها وحديثها، إلى جمهور العربية بلغة ضافية رائقة. وقد قام بدوي بتقديم الترجمات الكاملة لتراجيديات كلٍّ من أسخولوس وسوفقليس[2] (طبقًا لتهجئة بدوي لاسميهما أيضًا)؛ ومع الصدور المنتظَر لهذه الترجمة، التي تقع أصولُها في 33 كراسًا، يكون بدوي قد قدَّم أهم ثلاثة شعراء تراجيديين في اليونان القديمة: إسخيلوس (حوالى 525-456) وسوفوكليس (حوالى 495-406) ويوريپيدس (480-406).

ومخطوطة الأعمال المترجَمة كتبها د. بدوي كلها بخط يده. وهي تشتمل على مقدمة عامة للكتاب، ثم ترجمة المسرحيات المنسوبة ليوريفيدس واحدة تلو الأخرى. في المقدمة العامة يقوم بدوي بالتعريف بالمؤلِّف وتطوره العقلي ومؤلَّفاته والمخطوطات اليونانية التي أمدَّتنا بالنص الأصلي، ثم يناقش خصائص هذه المسرحيات والأفكار الرئيسية التي تصدر عنها وتروِّج لها، ثم موقف المؤلِّف من الفكر المعاصر له ومدى تأثيره على معاصريه والتالين له.

والنصوص المترجَمة هي ثمانية عشر من أصل عشرين نصًّا منسوبًا ليوريفيدس؛ وهي، بحسب ترتيب الكراسات المخطوطة: ألكيستس، ميديا، هيپوليتُس، الباخوسيات، هيلانة، الفينيقيات، إفيجينيا في توريكا، إفيجينيا في أوليس، إلكترا، أوريستس، آندروماخية، هيكابه، جنون هرقل، الطرواديات، إيون، آل هرقل، القوقلوفس، هريسوس.

الصفحة الأولى من مخطوطة ترجمة عبد الرحمن بدوي
لمسرحية آندروماخية
(أندروماخي) ليوريفيدس.

ويتبع بدوي في تقديمه لهذه الأعمال منهجًا واحدًا: فهو قبل أن يشرع في الترجمة يقدم لشخصيات المسرحية، ثم يعرض للأماكن التي تدور فيها أحداثُ العمل، ثم يقدم موجزًا تاريخيًّا لتبيان الحبكة الدرامية للأسطورة التي يقوم عليها العمل، ثم يعرض بعد ذلك للأعمال الأدبية والفنية المستوحاة من العمل الرئيسي، قديمًا وحديثًا، ثم يطرح بعض ملاحظاته على النص: قيمته الفنية وحبكته الدرامية.

وقد باشر بدوي ترجمة تراجيديات يوريفيدس في العام 1996، كما هو مدوَّن في نهاية التصدير العام للكتاب، ولا نعلم على وجه الدقة تاريخ انتهائه منها.

ثانيًا: مكتبة الإسكندرية القديمة

كتبه بدوي بالفرنسية في العام 1986 ليقدمه إلى اليونسكو في مؤتمرها المنعقد في ذلك العام. ومخطوطة الكتاب تقع في 55 صفحة؛ وهي عبارة عن بحث تاريخي رجع فيه بدوي إلى المؤرخين اليونان والرومان والعرب الذين كتبوا عن المكتبة القديمة. وقد بدأه بعرض موجز للمكتبات الإغريقية والهلنستية، وفيه يذكر أقدمها.

عبد الرحمن بدوي (1917-2002)

وعن حريق مكتبة الإسكندرية الشهير، يؤكد بدوي في كتابه أن مكتبة الإسكندرية القديمة احترقت تمامًا في العام 48 ق م في أثناء الحصار البحري الذي ضربه يوليوس قيصر على پومپي في الإسكندرية في سياق الحرب الأهلية الرومانية. وبعد ذلك التاريخ، لعبت مكتبة السيراپيون الدور الذي كان للمكتبة؛ واستمر ذلك حتى دمَّر المسيحيون سنة 324 ميلادية ما ظنوه رمزًا للوثنية، فهدموا السيراپيون وأحرقوه، بتماثيله وتعاليمه وكتبه، وأقاموا محلَّه كنيسة مسيحية. وعندما دخل عمرو بن العاص المدينة في القرن السابع الميلادي لم يكن متبقيًا من "مكتبتها" شيءٌ يُذكَر.

ثالثًا: الموسيون

"أنشأ بطليموس سوتِر مكتبة الإسكندرية في نفس وقت إنشائه متحف الإسكندرية." بهذه العبارة يبدأ عبد الرحمن بدوي كتابه باللغة الفرنسية عن متحف الإسكندرية القديم المعروف باسم موسيون، أو "بيت ربات الفنون"، مؤكدًا أن الموسيون، على الرغم من استقلاله التام عن المكتبة، إلا أنه كان يتعاون معها في خدمة العلم والعلماء في الإسكندرية القديمة.

ويضيف د. بدوي أن الموسيون كان شبيهًا بمدارس جامعتَي أكسفورد وكمبردج التي نعرفها اليوم: إذ كان يوفر المسكن والمأكل لأعضائه من العلماء، الذين وصل تعدادُهم في إحدى الفترات إلى مئة عالم من مختلف الاختصاصات، وكان هؤلاء العلماء يعيشون على نفقة الدولة ويتم إعفاؤهم من الضرائب كلِّها حتى يتفرغوا للأبحاث والعلوم؛ ولم يكن هناك أي إلزام على أعضاء المتحف بأن يقوموا بالتدريس أو إلقاء محاضرات، بل كانوا مخيرين بين التفرغ التام للبحث العلمي وبين نقل علومهم لتلاميذهم.

ومن بين الأشياء اللافتة التي يوردها د. عبد الرحمن بدوي في كتابه أن المتحف كان يرأسه آنذاك كاهنٌ يعيِّنه الملك، وكانت هذه أول مرة في التاريخ يرأس فيها أحدُ الكهنة مدرسةً للفلاسفة. ويتساءل بدوي عن السبب وراء تنصيب كاهن على رأس أكاديمية للعلماء لا تشتغل إلا بالعلوم "الدنيوية"، كالطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والفيزياء، ويستعين على فهم هذا الأمر بتفسير جول سيمون الذي يقول بأن السبب في ذلك "سياسي"[3]، يتمثل في رغبة الملوك الذين أرادوا، على الرغم من تحمسهم لرعاية مشاهير العلماء والمفكرين، أن يضعوا بعض الحدود لتلك الاستقلالية الفكرية للموسيون، خاصة أن مكتبة الإسكندرية القديمة كانت أكثر المؤسسات ليبرالية؛ كما أن الدين، مهما ضعف، كان يساعد على أن يجعل الشعب المصري، المتدين بطبعه، يتقبل فكرة وجود المتحف وعلمائه بين ظهرانيه، خاصة أن اعتراف الكهنة بالملك وبما يصنعه يُعَد اعترافًا أبديًّا بسلطته ويوفِّر له درجة أمان كبيرة، بينما الفلاسفة، المشتغلون دومًا بالفحص عن كلِّ شيء والتفكر فيه، يمثلون خطرًا على الحاكم.

القاهرة

*** *** ***

عن السفير، 27/06/2006


 

horizontal rule

[1] على حدِّ علمنا، مازالت هذه الكتب الثلاثة مخطوطات قيد النشر! (المحرِّر)

[2] انظر: تراجيديات سوفقليس وتراجيديات أسخولوس، ترجمها عن اليونانية وقدَّم لها وعلَّق عليها د. عبد الرحمن بدوي، سلسلة "التراجيديات اليونانية" 1 و2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996.

[3] الأدق أن يقال إن ما بات يسمى اليوم، في المنظور الحديث، بالعلوم "الدنيوية" كان في العصور القديمة متفرعًا من الفلسفة (الحكمة)، التي كانت تمثل أعلى أشكال التدين (الإلهيات)، ومن ثَمَّ تابعًا لها، بوصف تلك العلوم (الطبيعيات) آنذاك تطبيقاتٍ للميتافيزيقا على مختلف الأصعدة الكوسمولوجية للتجلي الكوني؛ إذ لم يبدأ انفصال الطبيعيات كعلوم مستقلة عن الإلهيات إلا في عصر النهضة مع السيادة التدريجية للفكر "العقلاني" rationalisme على الفلسفة والعلم الغربيين، وتم بالأخص مع ظهور المذهب الديكارتي cartésianisme في القرن السابع عشر. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود