|
غلاف
محمد لصلاح ستيتية يثير حفيظة الجهل[1] مخطوط
معراج نامه لا يستحق المصادرة يا سادة! فوجئت
الأوساطُ الثقافية بالدعوة إلى مصادرة كتاب محمد
الصادر في العام 2000 بالفرنسية لدى دار Albin Michel،
سلسلة "روحانيات حية" Spiritualités vivantes،
للشاعر والكاتب اللبناني الفرنكوفوني صلاح
ستيتية، بسبب غلافه الذي تزيِّنه منمنمةٌ
إسلاميةٌ رائعة تصوِّر المعراج وتعود إلى
العام 1436 للميلاد. صلاح
ستيتية (1928- ) ليس من سبب ديني يدعو إلى
إثارة مثل هذا الغبار المفاجئ وغير المبرَّر،
بل المفتعَل والمتأخر جدًّا عن أوانه!
فالكتاب صدر قبل ستة أعوام في باريس، وهو مرجع
فكري وثقافي عميق. كاتبُه أديبٌ معروف في
العالمين العربي والفرنكوفوني، بل وفي
العالم الأوسع، وهو إلى ذلك باحث مستنير. أما المنمنمة فواحدة من
المنمنمات الإحدى والستين التي تصوِّر
المعراج. وهي مستلَّة من مخطوط معراج نامه
["كتاب المعراج"]، الموجود ضمن محفوظات
المكتبة الفرنسية في باريس، الذي كان اشتراه
في اسطنبول المؤرخُ الفرنسي أنطوان غالان.
المخطوط باللغة الويغورية، ويتضمن كتاباتٍ
بالعربية والفارسية والتركية، وكُتِبَتْ عنه
أطروحاتٌ جامعية عدة، ونُشِرَتْ عنه نسخةٌ
طبق الأصل في فرنسا مع دراسة بالفرنسية،
وأعيد نشرُها في ترجمة إنكليزية، وهي متوافرة
في المكتبات. ليس
من سبب! ثمة مقولة شائعة تقول بأن
الإسلام يحرِّم الصورَ الدينية. صحيح أننا لا
نجد صورًا في المساجد، كما أن ما وَصَلَنا من
المصاحف المخطوطة المزوَّقة يُظهِر، بما لا
يقبل الشك، نأي المسلمين عن تزيين كتاب الله
بالرسوم التصويرية. لكن تطور فن المنمنمات
يشهد، في المقابل، لشيوع تصوير الأنبياء
والرسل: نراهم في الكتب التاريخية وكتب القصص
الديني والدواوين الشعرية التي أُنجِزَتْ
بطلب من كبار الحكام والوجهاء المسلمين، من
دون أن يثير ذلك حفيظةَ الفقهاء. ويحتل النبي
العربي في هذا المراس التصويري أرفع المنازل. أقدم نصٍّ يشير إلى وجود
الصور هو نص من كتاب مروج الذهب للمسعودي
في القرن العاشر الميلادي يتحدث عن رجل من
قريش رأى في دار ملك الصين صورًا للأنبياء،
منها صورة للرسول. ونعثر منذ مطلع القرن
الخامس عشر على الكثير من الصور المحمدية،
ونجد المزيد منها في كلٍّ من القرون السادس
عشر والسابع عشر والثامن عشر؛ وهذا يشمل
السنَّة والشيعة على حدٍّ سواء، لدى جميع
القوميات المسلمة، من فرس وترك وهنود وسواهم. فإذا كان الأمر على ما هو
عليه، فليس من سبب فقهي أو ديني يحمل بعض رجال
الدين على الطلب من الأمن العام اللبناني منع
بيع الكتاب أو مصادرته، وليس من سبب – لا
الأمس، ولا الآن، ولا بعد الآن – يدعو إلى
إبقاء الرقابة على الكتب والمطبوعات تحت رحمة
الأمن العام ورجال الدين. [...] الأدهى من ذلك كلِّه أن
الرقابة متخلِّفة ولا تعرف أن "تراقب"!
إذ ليس ثمة "اكتشاف" البتة في أن نعثر في
التاريخ الإسلامي على مثل هذه المخطوطات
والمنمنمات لأنها جزء جوهري من هذا الإرث
الثقافي والفني البالغ الغنى. فأين "الاكتشاف"
في أن "يعرف" بعض رجال الدين، بعد تأخير
أعوام، أن شاعرًا وكاتبًا هو صلاح ستيتية
أراد أن يشرِّف غلافَ كتابه بمنمنمة إسلامية
من مثل هذه المنمنمات، التي إنْ دلَّت على شيء
فعلى رحابةٍ في التاريخ الفني والأدبي
الإسلامي والعربي وعلى أريحيته التي تجد في
هذا النوع من الفنون تمجيدًا للخالق
وأنبيائه؟! ستيتية ماذا يقول الشاعر ستيتية في
هذا الصدد؟ [...] "لا أفهم... أعترف أني لا أفهم!"
مرارًا ردَّد الشاعر ستيتية هذه العبارة،
خلال اتصالنا الهاتفي معه، ردًّا على سؤالنا
حول موقفه من طلب منع كتابه محمد، كاشفًا
أن ...
الصورة موضوع الخلاف تنتمي إلى مدرسة هرات
الفنية السنِّية في أفغانستان، المعروفة
بأرثوذكسيَّتها، وتعود إلى القرن الخامس
عشر؛ وهي واحدة من مجموعة منمنمات شهيرة
وواسعة الانتشار، وتشكل جزءًا من التراث
الثقافي والروحي والديني الإسلامي، وتمثل
النبي محمد راكبًا على ظهر البراق في أثناء
صعوده إلى السماء، أي المعراج. إن
ثمة تراثًا تصويريًّا إسلاميًّا كبيرًا يدور
حول الإسراء والمعراج؛ والصور التي تشير إلى
الرسول فيها رمزية اصطلاحية، لا تمثله
ماديًّا أو جسديًّا، ولا تدل عليه بأية صفة
خاصة، وإنما تشير إلى الإنسان المطلق فيه.
والفن الإسلامي لا يفرِّق بين شخص وشخص، ولا
يجعل لأحدٍ هيئةً مخصوصة، وإنما يميِّز
المقامَ الروحيَّ بهالة حول رأس الشخص،
مأخوذةٍ من الفنين الهندي أو البيزنطي. "لم يبرز يومًا أي احتجاج
إسلامي على هذه المنمنمات، مما يجعل ردَّ فعل
رجال الدين المستنكِرين مرادفًا لعملية
إعادة نظر في تراثنا نفسه"، يقول ستيتية،
ويضيف: في
كلِّ حال، فالمنمنمة ليست رسمًا [پورتريه] للنبي محمد بل هي رمزية.
ولطالما حظيت هذه المنمنماتُ بقبول المسلمين
ولم يُعتبَر يومًا أنها تؤذي الدين، حتى من
جانب السنَّة أنفسهم. هذه ليست المرة الأولى
التي يصدر فيها الكتابُ ويوزَّع؛ فهو قد
صَدَرَ للمرة الأولى في العام 2000 ووصل اليوم
إلى طبعته الرابعة. وقد تمَّ توزيعُه في
البلدان الإسلامية الفرنكوفونية كلِّها،
ومنها المغرب وتونس والسنغال وسواها، ولبنان
أيضًا وخصوصًا، من دون أن يثير أية مشكلة. وهو
عمل يكنُّ احترامًا لامتناهيًا للرسول، كما
أنه أمين للمراجع العربية الإسلامية. لذلك
لا أعرف لماذا استيقظتْ، الآن تحديدًا، سلطةٌ
مدقِّقة، حريٌّ بها أن تهتم بقضايا خطيرة
ومشكلات أساسية، بدلاً من أن تركِّز على أمور
هامشية كهذه. تصل بي الدهشةُ إلى حدِّ التساؤل
ما إذا كنَّا نعيش تخلفًا حقيقيًّا في عالمنا! ويختم ستيتية موضحًا أنه
ليس مسؤولاً عن اختيار صورة الغلاف، بل إن
ناشره هو الذي فعل ذلك رغبةً منه في تكريم
عبقرية الإسلام الفنية. ربما آن الأوان لتستفيق
الحياةُ الثقافية اللبنانية من بعض سبات،
فيبادر المثقفون، مع السلطات المعنية، إلى
إيجاد آلية تشرِّف معنى الحرية وتحفظ الحياةَ
الديموقراطية وكرامةَ الفكر البشري! ***
*** *** عن
النهار، الجمعة 14 نيسان 2006 [1]
"جاء في حديث لوزير الداخلية
بالوكالة أحمد فتفت أنه تبلَّغ أمس [12/4/2006]
من المديرية العامة للأمن العام اقتراحًا
بمنع كتاب مهم جدًّا عن النبي محمد للكاتب
والأديب اللبناني صلاح ستيتية. والسبب
اعتراضٌ قدَّمه عددٌ من رجال الدين
المسلمين احتجاجًا على صورة منشورة على
الغلاف للنبي محمد. وقال فتفت: "إذا كانت
الصورة مسيئة برأي البعض، فلنغيِّر
الصورة، ولكن لا يجوز قمعُ الفكرة. وأنا
سأتشاور مع رجال الدين الذين طلبوا المنع
حول كيفية المعالجة من دون قمع، حتى لا نكون
محدودين بالمعنى الثقافي والفكري."
وأشار فتفت إلى أن "المشكلة هي في النص
الذي يحكم عملَ الأمن العام في موضوع
الرقابة، وكذلك في بعض العادات والتقاليد،
وليس في الصلاحيات، لأن الأمن يمارس النصَّ
كما هو حرفيًّا". وأضاف أنه سيطرح في جلسة
مجلس الوزراء المقبلة هذه القضية، وأن هناك
لجنة وزارية مهمتها إعادة النظر في أصول
الرقابة ستتولى درس الأمر، و"آمل التوصل
إلى نتائج إيجابية"." (عن السفير،
13/4/2006)
|
|
|