|
أنثولوجيا[1] الحبِّ
البشريِّ والمحبَّة الإلهيَّة 1 غالبًا ما يغيب عن أنظارنا أن الوجود
لم يكن قط، ليس، ولن يكون أبدًا، غير وجود
واحد، كلِّية واحدة مطلقة التجانُس.
حيالها، ليست النقاط المتفردة أو الكيانات
التي تدرك ذواتها بوصفها متمايزة إلا سرابًا.
فكما عبَّر عن ذلك معلِّمو الفيدنتا
اللاثنوية الهنود وحكماء الطاو الصينيون
وأصحاب وحدة الوجود من صوفية المسلمين، وحده
موجود محيطُ برهمن اللانهائي، الطاو، الحق،
واجب الوجود بذاته، الموجود في أحديته
المطلقة. أما على سطح المياه، فتظهر الآلاف
المؤلَّفة من المويجات الصغيرة، المتصف كلٌّ
منها بخصوصية مؤقتة. الجاهل يحاول أن يجمِّد الخصوصيةَ
الزائلة لكلِّ مويجة، يريد أن يثبِّتها جهلاً
بطبيعة المحيط. أما الحكيم المستنير فقد
استوعى الحقيقة "المحيطية" للماء. إنه لا
ينفي الخصوصيات الزائلة، لأن كلاًّ منها
ينطوي على رسالة أصيلة، لكنه يعلم يقينًا أن
الصور العديدة لا تظهر إلا ظهورًا ثانويًّا،
وتكون واجبة الوجوب بالحق وحده. لدى التحقق بخبرة التكامل أو
الاستنارة، يكف "الخصوصي" عن التماهي مع
حدوده وحدها، ويكف الجزء عن توهُّم أنه الكل،
فلا يبقى إلا الوعي اللانهائي للكل. في هذا
المنظور، تختفي ثنوية جزء/كل أو بشري/إلهي إلى
الأبد. والمشكلات الناجمة عن التمييز الشائع
بين "الحب" و"المحبة" تنحل، ليس على
الصعيد الشخصي وحسب، بل في رؤيا جديدة تكشف
لنا عن أن هذا التمييز المؤقت من صنع الفكر
الخطابي المحدود. وحدها تبقى الحالة
الطبيعية، الحالةُ الإلهيةُ السذاجة، التي
في وسع النساء والرجال من سائر شعوب الأرض أن
يختبروها في أنفسهم وبأنفسهم، شريطة أن
يخلصوا الشوق لأبدية الحب–المحبة. "الله محبة"، قال القديس يوحنا،
وتصادى معه حكماءُ المشرق والمغرب. ويضيف
حكماءُ المشرق: "وأنت، يا أيها المريد، أنت
هو ذاك." المحرِّر *** الحب
كالطفل، لا صبر له عن امتلاك كلِّ ما يستطيع
أن يلمس. شكشپير،
نبيلا فيرونا *** أنا
لا أحبك أنت، بل أحب ذاتي التي تتجلَّى من
خلالك. فرانتس
كافكا *** لن
أتردد كثيرًا في أن أقول: بأنه أنت مَن يغريني بأن أكون أنا فأكونكَ هل أغراك أحدٌ قبلي بفخاخٍ لذيذة كهذه؟ أم أن شعاع المعدن كان
لاقطًا للحواس؟ سلوى
خميس *** لماذا
تعلِّمني القواعد وبلاغة السفسطائيين؟ ما
ضرورة هذه الأقاويل التي لا طائل فيها؟
علِّمني الانتشاء بخمرة باخوس العذبة.
علِّمني الطيران مع صاحبة الضفائر الذهبية –
فينوس. لقد شاب شعر رأسي، فامنحني الماء، اسقِ
شبابي المراهق خمرة طيبة. ينام عقلي بعد قليل،
وأكف عن الحياة، وأنت تغطي رأسي بغطاء. ليس
للموتى رغبات. أناكريونتي،
عن: ماريا ثمپرانو، الفلسفة والشعر *** اللذة،
في ذروتها، تتصل بالغمر الغفل من الأسماء.
إنها شيء أسود لا حدود له، يتلاشى فيه اسمُ
المعشوق كما يتلاشى في النشوة اسمُ مَنشأ
الخمر. پول
جان تولي *** ليس
هناك إلا هيكل [معبد] واحد في الكون، ألا وهو
الجسم البشري. فريدريش
نوفاليس *** رجلٌ
آخر يكون، زمانٌ لركامِ الزمانِ الحب يصنعه الغبارُ
والحقيقةُ شاهد سرِّي كنتُ أظنه أقل من الفضاءِ وأعلى من يدي. لكنه لم يأتِ إلى الفجرِ –
كانَ الحريقُ أقرب فاسكنيه، يا عيوني وكوني في زرقة الثلج لكي
ينام أصغي إلى أحلام يقظته
وأخبريني كم من نجوم تذوب في صدره وكم من سؤال يبدد الملح،
يقتل البحر فيكِ. رجلٌ آخر يكون – أضم النشوة ليس للحبِّ كرسي هنا للحبِّ فضاء أعلى من يدي. دارين
أحمد *** الحب
هو العائق الوحيد في وجه الحب. فلأننا نحب
عيني الحبيب، نخشى النظر إلى شفتيه. الحب لا يمكن أن يُجزَّأ –
نحن نعلم ذلك، لكننا نمارس التشذيب الجارح
لأغصانه الميتة، متناسين أن الموت هو وجه
الحياة الآخر. دارين
أحمد *** لا أريد
أن أكلم أحدًا حتى لا أبدِّد صدى كلماتكِ التي
ترتجف كالطلاء على كلماتي وتجعلها ترن رنينًا
أرقَّ. وعندما تغيب الشمس، لا أريد أن أرى
أيَّ مصباح، لكي أشعل بنار عينيكِ ألف حريق
سرِّي... أريد أن أنهض فيكِ كصلاة الطفل في
الابتهاج الصاخب للصباح، كالشهاب بين
الكواكب الوحيدة. أرفض الأحلام التي تَجهلكِ
والرغبات التي لا تستطيعين ولا تريدين
تلبيتها. لا أريد أن أقوم بحركة لا تُهلِّل
لكِ، ولا أن أعتني بزهرة لا تزيِّنكِ. لا أريد
أن أحيِّي عصافير تجهل طريق شباككِ، ولا أن
أشرب من ينابيع لم تَذُقْ طعمَ صورتكِ
المنعكسة فيها. لا أريد أن أعرف شيئًا عن
الزمن الذي سبقكِ في أيامي، ولا عن الكائنات
المقيمة فيه. راينر
ماريا ريلكه *** أطفئي
عينيَّ، سأظل أراكِ أوصدي أذني، سأظل أسمعكِ بلا قدمين، سأقدر أن أمشي
لأصل إليكِ حتى بلا شفتين سأقدر أن
أذكُركِ اكسري ذراعَيَّ وسأغمركِ بقلبي، مثل يد. أوقفي قلبي وسيخفق دماغي. وإنْ أشعلتِ في دماغي النار سأحملكِ على دمي...[2] راينر
ماريا ريلكه *** أجلسُ
في الظلمة كالأعمى لأن عينيَّ ما عادتا
تجدانكِ انهماك الأيام المضطرب لم
يعد لي غير ستار يحجبك. أنظر إليه على أمل أن يرتفع
– هذا الستار الذي وراءه
حياتي وراءه كنه حياتي وشريعتها ورغمًا عنهما، أيضًا، موتي.[3] راينر
ماريا ريلكه *** على
ضفة نهر جَمونا كانت تمشي، عاصرةً روحي
بساريها الأزرق. كرشنا
(في رادها) *** قَولي
لأحدهم: "أحبك" هو قَولي له: "لن تموت
أبدًا". غبرييل
مارسيل *** كلما
ازداد حبي للإنسانية جملةً تضاءل حبي للناس
فرادى. فيودور
دوستويفسكي *** لا أحبك
وحدك. لكني أحبك في كلِّ شيء وأحب كلَّ شيء فيك.
أنت لست الكائن الذي يقتنص العالم ويسرقه من
أجلي، بل أنت الرباط الذي يصلني بالعالم. الحب الكامل ينحِّي الحبَّ
الحصري: أحبك أكثر من أن أحبك وحدك. غوستاف
تيبون،
خواطر *** ما
يتم بحب ليس أخلاقيًّا بل ديني. فريدريش
نيتشه *** في
الحب الحقيقي، النفس هي التي تغلِّف الجسد. فريدريش
نيتشه *** لا أعرف
شيئًا عن محبة تتعالى عن بشريتي وإنسانيتي.
لست أنكر وجودها، بل أقر بجهلي لها. ما أعرفه
هو أن الحبَّ لا يتجزأ ولا ينقسم. فهو لا يكون
سماويًّا أو أرضيًّا، ولا يكون إلهيًّا أو
بشريًّا، ولا يكون حرية أو عبودية، إلخ. الحب
وحدة كلانية تتعالى عن الثنوية والتضاد. بهذا
المعنى، لا يكون الجانب "الروحي" في الحب
أرقى من الجانب "الجسدي" – فهذه نظرة
إيديولوجية فحسب. إن معظم أفكارنا وتصوراتنا
عن الحب تدور في فلك أوهام عن الحب: الحب
البعيد، الذي ليس في المتناول، ما فوقي وما
ورائي. أسمي هذا غرور الأنية واغترارها. الحب
أقرب بكثير مما نتصور: إنه هنا، في داخلي ومن
حولي، وما علي إلا أن أتنعَّم فيه. ولكن
هيهات، هيهات! الحب لا يأتي ولا يذهب، بل
الإنسان، عندما يرتقي بنفسه، ويصفو بذاته،
يكتشف وجهًا أسمى للحب. ولا فضل للأسمى على
الأدنى هنا: الحيوان–الأم لا يقل أمومة عن
الإنسان–الأم – فكلٌّ ضمن واقعه ومجاله. قد تكون ممارسة الجنس صلاة
وعبادة، في حين أن ملازمة المعبد قد تكون
شكلاً من أشكال العهر النفسي. بعض الناس
يرتقون من حبِّهم لشخص إلى حبِّ الكون
والوجود والحياة، ثم يعتبرون هذا الشخص شيئًا
ثانويًّا، مجرَّد بوابة أو مفتاح لاكتشاف
المحبة اللامتناهية في أنفسهم. ولكن، أليس
هذا أبشع أشكال الكفر والأنانية ونكران
الجميل؟! ألا إن المفتاح لا يقل أهمية عن
الباب؛ وهذا بدوره ليس أقل شأنًا من القلعة –
فالكل واحد. ولقد قال نيتشه يومًا: "في الحب
الحقيقي تغلِّف النفس الجسد." أعتقد أن هذا
"العارف" لم يختبر حبًّا حقيقيًّا،
لأنه، في الحب، يصبح الكل واحدًا. من يقول: "أنا أحب"،
يخطئ العبارة وتخطئه. هو الحب يفعل من خلال
الأنا. تلك العبارة توحي بفعل إرادي. فانظروا
في أنفسكم: هل أحبَّ أحدكم يومًا عن سابق
إصرار وتصور؟! ولقد سألتْني يومًا: "هل
تحبني؟" فأجبتها: "أنا الحب، فارتديني!"
فقالت في خبث: "لا أستطيع، لأنك في جوفي!"
فارتعشت أذناي طربًا، وراح قلبي يرتقص. هفال
يوسف *** مكمن
المفارقة في الحب هو في أن كائنين اثنين
يصيران كائنًا واحدًا، ويبقيان مع ذلك اثنين. إريش
فروم،
فن الحب *** في
تفاني النفس وحده يتم كل إثبات. كل ما تنزل عنه فيك تدب فيه
الحياة. كل ما يسعى إلى توكيد ذاته
ينتفي؛ كل ما يزهد في نفسه يتثبت. الامتلاك الكامل لا يبرهن
على نفسه إلا بالعطاء. كل ما لا تعرف كيف تعطيه
يمتلكك. من غير تضحية لا قيامة ثمة. لا شيء
يتفتح إلا بالقربان. كل ما تزعم أنك تذود عنه فيك
يضمر. كيف لك أن تعرف أن الثمرة
نضجت؟ تعرفه من أنها تغادر الغصن. كل شيء ينضج من أجل العطاء
ويكتمل بالقربان. أندريه
جيد،
القوت الجديد *** كثيرًا
ما تلتبس الرغبةُ في التملك وفي التسيُّد
بالحب. ورغبة المرء في أن يكون مُلكًا [لأحد أو
لشيء] أو عبدًا [له] هي مظهر آخر من مظاهر الداء
نفسه. أما الماهية الأسمى للحب فهي الحرية. لقد حاول رجالُ دين
ومشرِّعون أن يضفوا المغزى نفسه على الحب
وعلى التملك. لكنهما متعارضان. فالحب هو، في
آنٍ معًا، خالق الحرية وجوهرها نفسه. كيف يمكن لك حقًّا أن تمتلك
ما هو حر؟ كيف يمكن لك أن تكون حرًّا وأنت "مُلك"
أو "خاصة" أحد، أيًّا كان؟ تالبوت
مندي،
أقول شروق *** الحب
حرية. فمن المتعذر بإطلاق سَجْنُ الحبِّ أو
السيطرة عليه، مهما تكن الطريقة. الحب يتملص
من التعريفات البشرية كافة. وهو ليس خاضعًا
للقوانين البشرية. إنه أبعد من جشع الإنسان
ومن بهيميَّته. تالبوت
مندي،
أقول شروق *** المحبة
التي تنبثق من الفهم هي أسمى أشكال الحب. إنها
لا تتأسَّس على مجرد الانفعالات. المحبة
المولودة من الفهم تهبنا القدرة على أن
نتناغم مع الكائنات كافة وأن ندرك متعاطفين
الطريقةَ التي تفكر بها وتشعر. پول
برانتون،
الحقيقة الباطنة *** فيما
يخص الحبَّ البشري والمحبة الإلهية، أود أن
أقول لك أيضًا إني رحَّبت بالأول بوصفه الحب
الذي ينبغي أن ننطلق منه لكي نسمو إلى
الثانية، بأن نعمِّق فيها الحبَّ البشري
ونحوِّله، وليس بأن نلغي هذا الأخير. المحبة
الإلهية، كما أراها، ليست هي الأخرى شيئًا
أثيريًّا، شيئًا باردًا وقصيًّا، بل هي محبة
مطلقة الكثافة والحميمية، ممتلئة وحدةً
وقُرْبًا وغبطة، تستعمل الطبيعةَ كلَّها لكي
تعبِّر عن نفسها. وهي قطعًا لا تنطوي على
اختلالات الطبيعة الحيوية الدنيا الحالية
وتشويشها. شري
أوروبندو،
رسائل *** المعرفة
الخالصة والمحبة الخالصة هما الشيء الواحد
عينه. تعليم
شري راماكرشنا *** بذا
يصبح العالم حَرَمًا. لا داعي من الآن فصاعدًا
للاختلاء في كنيسة للعثور على الله وخدمته؛
إذ إننا نراه على وجوه أشباهنا، ونسمع
موسيقاه في صوت الطبيعة. حياتنا اليومية غدت
الكثدرائية التي نتعبد فيها للأزلي،
وأفعال حياتنا البشرية أصبحت الشعائر التي
نتعبد بها للحق الذي يتجلَّى فيها. ي.ي.
فان دِرْ لِوف،
الانتصار على الوهم *** تشوَّقوا
إلى المواهب العظمى، وإني أدلُّكم على أفضل
الطُّرُق. لو تكلمتُ بلغات الناس
والملائكة، ولم تكن لدي المحبة، فما أنا إلا
نحاس يطنُّ أو صنج يرنُّ. ولو وُهِبَتْ لي
النبوءةُ وكنت عالمًا بجميع الأسرار، عارفًا
كلَّ شيء، ولي الإيمان الكامل أنقل به
الجبال، ولم تكن لدي المحبة، فما أنا بشيء.
ولو فرَّقتُ جميع أموالي وقدَّمتُ جسدي
ليُحرَق، ولم تكن لدي المحبة، فما يجديني ذلك
نفعًا. المحبة حليمة مترفِّقة،
المحبة لا تعرف الحسد ولا العُجْب ولا
الكبرياء، ولا تفعل السوء ولا تسعى إلى
منفعتها، ولا تحنق ولا تبالي ما ينالها من
السوء، ولا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق. وهي
تعذر كلَّ شيء، وتصدِّق كلَّ شيء، وترجو كلَّ
شيء، وتصبر على كلِّ شيء. المحبة لا تزول أبدًا. بيد
أن النبواتِ تزول والألسنة تصمت والمعروفة
تزول، لأن معرفتنا ناقصة ونبواتنا ناقصة.
فمتى جاء الكامل زال الناقص. لما كنت طفلاً،
كنت أتكلم كالطفل وأدرك كالطفل وأفكر كالطفل.
ولما صرتُ رجلاً، تركت ما هو للطفل. فنحن
اليوم نرى في مرآة رؤيةً ملتبسة، وأما يومذاك
فتكون رؤيتنا وجهًا لوجه. اليوم أعرف معرفةً
ناقصة، وأما يومذاك فسأعرف مثلما أنا معروف. فالإيمان والرجاء والمحبة
هي الثلاثة الباقية – وأعظمها المحبة. القديس
بولس،
الرسالة الأولى إلى الكورنثيين، الفصل 13 *** ثمة
ضروب من الحبِّ البشري هي على ما يكفي من
النقاء، وفي الوقت نفسه، على ما يكفي من
القوة، بحيث تسيِّر المرءَ الذي يستشعرها إلى
المحبة الأبدية، لأنها، حتى في صورتها
الأرضية، قادرة أصلاً على بلوغ اللانهائي،
ولأنه، كما جاء في المحاكاة[4]:
"المحبة لا تتوقف عن السهر؛ وفي النوم حتى
لا تنام." وهذه كانت فعلاً خاصية حبِّ واضع الخطاب؛
إذ إن الحب حاضر، صادق، ورع، لطيف، حَذِر،
قوي، صبور، مخلص، دائم، غفار، ولا يفتش أبدًا
عن ذاته؛ إذ إنه حالما يبدأ المرءُ في التفتيش
عن ذاته، يكف توًّا عن الحب. لا شيء أكمل ولا أحسن في
السماء وعلى الأرض؛ لأن المحبة من الله
وُلِدَتْ، ولا يمكن لها أن تستريح إلا في
الله، فوق الخلائق كافة. من
خطاب في أهواء الحب، منسوب إلى پاسكال،
بتعليق إميل فاگيه *** ...
السبب الثالث لعدم خوفها منه [حين رأته بعد
القيامة] هو أن قلبها كان معه. حيث كان هو كان
قلبُها. لذلك لم تَخَفْ. المعلم
إيكْهَرْت
(في مريم المجدلية) *** حين
يبصر المرءُ كائنًا إنسانيًّا حقيقيَّ
الجمال – وهو أمر شديد الندرة – أو حين يسمع
غناءَ صوت جميل حقًّا، لا يملك أن يدفع عن
نفسه الاعتقاد بأن وراء هذا الجمال المحسوس
نفْسًا مجبولة على المحبة الأصفى. لكن هذا
مرارًا ما يكون غير صحيح، ومثل هذه الأغلاط
كثيرًا ما تتسبب في مصائب كبيرة. لكن الأمر
يصح على الكون: فجمال العالم يكلِّمنا على
المحبة الموجودة في النفس مثلما يمكن لملامح
وجه إنساني يكون كامل الجمال، ولا يكذب، أن
تفعل. سيمون
فايل،
حدوس ما قبل مسيحية *** "الفكر
المشترك لمفكِّرين منفصلين."[5]
لا يمكن أن يوجد فكر أكثر وحدانية من فكر
الإله الأحد. لا يمكن أن يوجد كائنان مفكران
أكثر انفصالاً من الآب والابن في اللحظة التي
يطلق فيها الابنُ الصرخة الأبدية: "إلهي،
لماذا تركتني؟"[6]
هذه اللحظة هي كمال المحبة غير القابل للفهم.
إنها المحبة التي تفوق كلَّ معرفة. سيمون
فايل،
حدوس ما قبل مسيحية *** المحبة
توجُّه، وليست حالاً من أحوال النفس. إذا جهل
المرءُ ذلك وَقَعَ في اليأس منذ أول إصابات
الضَّنى. إن مَن تبقى نفسُه موجَّهة
نحو الله بينما يخترقها مسمارٌ يجد نفسه
مسمَّرًا على مركز الكون نفسه. [...] وبحسب
بُعْدٍ لا ينتمي إلى المكان، بُعْدٍ ليس
الزمن، بُعْدٍ هو بُعْدٌ آخر تمامًا، فإن هذا
المسمار يكون قد أحدث ثقبًا عِبْرَ الخَلْق،
عِبْرَ كثافة الحجاب الذي يفصل النفسَ عن
الله. عِبْرَ هذا البُعْدِ
الخارق، يمكن للنفس، من دون أن تغادر المكان
واللحظة التي يوجد فيها الجسمُ الذي هي
مشدودة إليه، أن تجتاز كلِّية المكان والزمن
حتى تصل ماثِلةً أمام حضرة الله نفسها. إنها
حينذاك موجودة عند التقاطُع بين الخَلْقِ
والخالق. ونقطة التقاطع هذه هي نقطة تقاطُع
فرعَي الصليب. سيمون
فايل،
انتظار الله *** لا حاجة
لي إلى أيِّ رجاء، إلى أيِّ وعد، لأومن بأن
الله غني بالرحمة. أعرف هذا الغِنى بيقين
الخبرة، وقد لمستُه. وما أعرف منه بالمَسَاس
يتخطَّى قدرتي على الفهم والامتنان إلى حدِّ
أنه حتى وعدُ المسرَّات المستقبلية لا يقدر
أن يضيف إليه شيئًا في نظري – مثلما أن جمع
لانهايتين في نظر العقل البشري ليس جمعًا.
رحمةُ الله تتجلَّى في الضَّنى كما في الفرح،
بالقدر نفسه، وربما بقدر أكبر، لأنها على هذه
الصورة تعدم أية مقايسة بشرية. رحمةُ الإنسان
لا تظهر إلا في عطاء الفرح أو في إنزال وَجَع
بهدف آثار خارجية، كشفاء الجسم أو التربية.
لكن الآثار الخارجية للضَّنى ليست هي التي
تشهد للرحمة الإلهية. فالآثار الخارجية
للضَّنى الحقيقي تكاد أن تكون سيئة دومًا.
وحين يريد المرء سَتْرَ ذلك فإنه يكذب. في
الضَّنى نفسه وحسب تسطع رحمةُ الله. في أعمق
أعماقه، في القلب من مرارته التي لا يواسيها
شيء. إذا سقط المرءُ في المحبة، مثابرًا حتى
النقطة التي لا يعود فيها بوسع النفس أن
تتمالك نفسها عن صرخة: "إلهي، لماذا
تركتني؟" – إذا أقام في هذه النقطة من غير
أن يكفَّ عن المحبة، يؤول به الأمرُ إلى
لَمْسِ شيء لا يعود الضَّنى، وليس الفرح، بل
الجوهر المركزي [...]، المحض، غير المحسوس،
المشترك بين الفرح والألم، الذي هو محبة الله
نفسها. سيمون
فايل،
من رسالة إلى الأب پيران *** إنما
بذهابه إلى البحر يبرهن النهرُ عن إخلاصه
للينبوع. جان
جوريس *** حذارِ
من أن تتمثَّل الحبَّ المطلق للمبدأ على
صورةِ واحدةٍ من النزوات العشقية التي يمكن
لنا أن نكابدها في شرطنا الحالي. المحبة Agapê،
أو الحب المطلق للمبدأ عند الإنسان، لا
يجوز لها أن تكون ميلاً عاطفيًّا. تصور
بالأحرى هذا الحبَّ بوصفه الأقنوم الذي
يوحِّد المبدأ، القطب الفاعل، بالإنسان،
القطب المنفعل، في شميلة مثلثة. والإنسان،
لدى بلوغه غاية تحقُّقه، افتدائه، يكون
واحدًا مع المبدأ المطلق بفضل جسر المحبة
المنبثقة من المبدأ. انظر كيف يتعارض الحب Eros
والمحبة Agapê.
فتحت سلطان الحب، يكون الإنسان هو القطب
الفاعل: إنه يندفع وهو يحب؛ لكنه لا يستطيع أن
يندفع في اتجاه المبدأ المطلق نفسه، بما
أن ميوله جميعًا هي أصلاً فيوض عن المبدأ.
إنه يندفع نحو أغراض زمنية، تزيد أو تنقص
غلاظة أو لطافة، يجد فيها فعلاً شُبهةً "إلهية"؛
لكن اتحاده بالمبدأ مجددًا متعذر بالطبع
بواسطة هذه الوسيلة، مثلما هو اتحاده حقًّا
مع أيِّ غرض زمني. الحب، إذن، مسعى لا نهاية
له، في بلبلة متواصلة. أما تحت سلطان المحبة،
فإن المبدأ يكون هو الفاعل. والإنسان، هذه
المرة، هو المنفعل، إذ ينفتح على المبدأ،
ويستقبله. هوبير
بنوا،
في الحب *** السؤال
الذي تطرحه طُرِحَ على يسوع في الإنجيل: "مَن
هو قريبي؟" فأجاب يسوع عليه بمَثَل السامري
الصالح[7]:
السامري الصالح يحب نظريًّا جميع الكائنات،
لكنه يحب حبًّا ملموسًا ذاك الرجل الذي وجده
جريحًا، حصرًا لأنه جريح ولأنه قيِّض له أن
يجده على طريقه. الإنسان الذي نفترضه متحدًا
من جديد مع المبدأ، يمكن لنا أن نفترضه
متكيفًا تكيفًا تامًّا مع النظام الحقيقي
للأشياء؛ فلأنه متحد من جديد مع المبدأ،
لم تعد لديه "مبادئ"، منظومات [فكرية]، بل
يشارك في الخلق عبر أعمال يبتكرها بحسب
الحال، متكيفة تمامًا مع الحدث. لا يسعني أن أكلمك حقًّا عن
هذا الإنسان "المتحقق". وهذا ليس فقط
لأني لم أستحق أنا نفسي هذا المقام الداخلي
الجديد. لا يمكن للمرء الكلام على هذا الإنسان
لأن مقامه الداخلي "المتحول" يتخطَّى
صعيد الصور الموصوفة، ولأن تجلِّيه الخارجي
الموصوف هو ابتكار دائم متكيف تمامًا،
وبالتالي، غير قابل للقَوْنَنَة. من المتعذر، ومما لا طائل
فيه، أن نتخيل تخيلاً ملموسًا أيَّ شيء عن
تحررنا الداخلي الموعود. فلنتعلم وحسب التعرف
إلى الأمور التي لسنا أحرارًا فيها وإلى
كيفية ذلك، إلى ردات الفعل الآلية التي
تقيدنا، بحيث يكف ذهننا شيئًا فشيئًا عن
الإذعان لدائرة عبوديتنا الداخلية المعيبة. هوبير
بنوا،
في الحب *** يدفئ
جسدك الثوب الذي تلبسه، ويدفئ روحك الثوب
الذي تهبه. سعيد
تقي الدين *** سرُّ
الحب هو فرح منح النفس. سر الفرح هو منح النفس. إذا
كان جزءٌ منك عديم الفرح، فهذا يعني أنه لم
يمنح نفسه ويريد أن يحتفظ بنفسه لنفسه. المحبة الإلهية تتصف بعنصر
زهد يفتقر إليه الحب البشري؛ ومع ذلك، يمكن
للمحبة الإلهية ألا تقل عن الحب البشري
اتقادًا – بل الحق أن للمحبة الإلهية شدةً لا
يستطيع الحب البشري أن يبلغها. إن عنصر الزهد هو الذي
يكثِّف الحب، لأنه هو الذي يطهِّر الحب. والزهد يعني التحرر من
التعلق بالجسد وبرغباته، لا بل أكثر من ذلك،
التحرر من تعلُّق المرء بذاته نفسها. الحب الزاهد الحر على هذا
النحو لا يطالب بشيء، لأنه عديم الرغبة. إنه
كائن، إنه موجود، ولهذا يتمتع بفيض الملذات؛
إنه لا يستطيع إلا أن يمنح نفسه ولا يطلب
شيئًا. نوليني
كانتا گوپتا،
نحو النور *** اللاعنف
في صورته الإيجابية يكمن في محبة كلِّ ما هو
موجود. إنه المحبة الخالصة. مهاتما
گاندي *** حيثما
وقع نزاع، حيثما واجهتم خصمًا، انتصروا عليه
بالمحبة. فبحسب هذا النهج البسيط أدخلتُ هذا
القانون في حياتي. وهذا لا يعني أن مشكلاتي
كافة اتفق لها بذلك أن تُحَلَّ. لكني رأيت أن
قانون المحبة هذا يتبدى أنجع مما كان عليه
يومًا قانونُ التدمير. الوتر الأقسى لا بدَّ أن
يلين في نار المحبة. وإذا لم ينصهر، فذلك لأن
النار لم تكن قوية بما يكفي. مهاتما
گاندي،
جريدة الهند الفتاة *** التحرر
من كلِّ شهوة شخصية إلى أغراض محدودة، وتثبيت
قلبنا وإرادتنا في ما هو حق وأبدي – هذا ليس
عطالة ولا جمودَ حسٍّ على الإطلاق؛ إنه، على
العكس، فيض من التعاطف حيال الأشياء كافة،
لكنْ مع إزالة كلِّ شهوة شخصية موجَّهة نحو
أغراض محدودة. ج.ك.
جادرجي،
رؤيا حكماء الهند *** الحبُّ
يبسط القلب والكره يقبضه. لا شيء أحلى من الحب.
ولا شيء أمر من الكره. الحب طبيعي. الكره غير
طبيعي. الحب يخلق، والكره يدمر. الحب مشهد
فاتن ومنعش. الكره صحراء قاحلة لا فرح فيها...
الحب هو الله. الكره وهم. سوامي
رام داس،
دفتر الحج *** الحب
المطمئن يتخذ الصور كلَّها. والنشاطاتُ كلها،
الحركاتُ كلها، هي الأمواج المباركة لهذا
الحب. لا تنسَ أن الربَّ وعابده
هما واحد، يلعب الدورين في الآن نفسه. هكذا
فإنك أنت الرب نفسه. سوامي
رام داس،
خواطر *** المحبة
الحقيقية لاشخصية. إنها محبة الحقيقة
الساكنة في قلب كلِّ كائن وكلِّ شيء. فلنترك نبع المحبة الشاملة
يتفجر في قلبنا – ففيها الفرح الأبدي. ولا
نتركنَّ أنفسنا تغريها ظلالُ الرغبة والتعلق
وأشباحهما، فتجرنا بعيدًا عن أمريتا،
كوثر الخلود. الحياة الزوجية ليست
مؤسَّسة غير مرغوب فيها وضارة بالتقدم الروحي
للإنسان. فعلى العكس، ليس ثمة مؤسَّسة أنبل
وأمجد إذا عيشت الحياةُ بالروح التي يجب أن
تعاش بها. يمكن للمرء أن يجعل من داره مركزًا
يشع منه نورُ الخدمة والمحبة الشاملين. الحق أن الله خير ومحبة محض
– لا ريب في ذلك. وإلا لماذا يسدِّد إلينا
الصدماتِ والضربات، على هيئة خسائر ونكبات،
لو لم يكن يريد أن يجعلنا نعبُر من سعادة
وهمية نعيشها في حُلمه إلى الحق الأكبر؟ سوامي
رام داس،
خواطر *** ليس
الزواج هو ما يقدِّس الحب. الحب هو الذي
يبرِّر الزواج. إدوار
شوريه،
المسارَرون الكبار *** لذا
لا بدَّ للإنسان من أن يميت نفسه، وهو ما
عبَّر عنه البوذا بحالة النيرفانا. وعلى هذا،
فالنيرفانا عند البوذيين – وهي حالة من حالات
فناء النفس – تعني أسمى حالات المعرفة
والسعادة والتجرد عن الأغراض. ولا تتحقق هذه
الحالة إلا عن طريق المحبة لأن المحبة غاية في
حدِّ ذاتها، وكل شيء سواها يثير في نفوسنا هذا
السؤال "لماذا؟" ونحتاج إلى تعليله.
ولكننا حين نقول كلمة "أحب" لا يبقى
محلٌّ لكلمة "لماذا؟" لأنها الجواب
الأخير في حدِّ ذاته. وإن سائر ما نملك من مُلك
ومتاع يثقلنا بجاذبية الرغبات المنبعثة من حب
النفس. وكل شيء صادر عن طبيعتنا مُلاصِق لنا
كجلد آخر؛ وإنا لندمى إذا انتُزِعَ منا شيءٌ
منه – إلا حين تستولي علينا المحبة، فتنقلب
الحال وتصبح قواه وهي تعمل على النقيض من ذلك،
فنجد أن هذه الأشياء التي تُلازِمنا تفقد
مُلازمتَها، وتتخلَّى عن ثقلها، فنعرف أنها
ليست منا، ولا نشعر بخسارة على الإطلاق
لفقدها. وهكذا نجد في حال النيرفانا – أي الحب
الصحيح – تحريرَ أنفسنا ونعرف أن ما نعمل عن
طريق المحبة هو وحده الذي نعمله بحريتنا،
مهما يسبب لنا من آلام. رابندرانات
طاغور،
سادهانا *** الهدف الجوهري من التجسد هو الشعور. والشعور ذو
المعنى الأعمق فيما يخص ذاتنا هو الفرح أو
الغبطة. أما الشعور ذو المعنى الأعمق فيما يخص
الآخر فهو الحب. طنين
الحب هو الذي يحرِّك قلم الشاعر. إنه يتفجر من
صدر القبرة والعندليب والسنونوة، إذ تذهلهم
العودة اللذيذة للشمس الدافئة المنيرة. إنه
القوة التي تبعث النغمَ في الحياة وتجعل
سيرورة الخلق برمتها تستحق الجهد المبذول
فيها. إنه ما يوحِّد الحياة ككل. الحب
هو أغنية القلب الحي. والقلب الممتلئ لا يعود
يتسع لنفسه. إنه يفيض وَجْدًا حتى يجد آخرًا.
حاجة كرشنا إلى أرجونا لا تقل عن حاجة أرجونا
إلى كرشنا. الحب الكامل يكون دائمًا متبادلاً.
إنه ماهية شوقنا وسيرنا ودربنا إلى لقاء أيِّ
كائن آخر. لذا لا تكتمل العلاقة إلا حين
يُختبَر الحب اختبارًا متبادلاً. هناك إشعاع عبر التكاثف
الجسماني للمادة، عبر التكاثف النجمي
للعاطفة، وعبر التكاثف الذهني للخيال. إنه
يتخلَّل الأجسام الثلاثة جميعًا، لا يردعه عن
ذلك ما يجده فيها. وإصراره ونقاؤه يذيب
الصورةَ فيحيلها جوهرًا. البصر والسمع يمران
رأسًا من خلال الله، منتظران في صبر خلف حجاب
إدراكنا المادي. إنه ينفخ الحبَّ فينا، ثم لا
يلبث أن يسترده. وما يتبقى فينا من بعدُ هو
الغبطة. إننا نتنفس الحبَّ شهيقًا
وزفيرًا. فالحب يتخلَّل عالم الثنوية بأسره
ويُشبِعه. إنه ماهية الأم الإلهية. والغبطة هي
الماهية القديمة التي يصدر عنها الصوت،
معانِقةً قلوب المحبين. تأمل
في الحب من وحي البهگفدگيتا، بترجمة جهاد
نخلة *** في
حقيقة الأسطورة، يكون العرسُ تجديدًا
دائمًا، لأن العروس ليست غير نفسنا، والعريس
هو الطاقة الكونية التي تُخصِبها، إذ تموت في
فترات متقطعة عن نفسها وتعود عذراء وجديدة،
حاضرة دومًا في اللحظة التي تنبثق. والشرارة التي تخترقها إذ
ذاك قد يقيَّض لها أن تؤتي ثمرتها أو لا
يقيَّض: هذا "الابن" ليس عنده أي تعلُّق
بالنفس؛ وهذه ليست أمًّا أبدًا، بل عروس
دومًا، ولا تعرف أعمالها هي. كارلو
سوارِس،
الكتاب المقدس مرممًا *** قلبٌ
بلا محبة كنهر لم يعد فيه ماءٌ يروي ضفافه. ج.
كريشنامورتي *** المحبة
عندي حالة داخلية وثابتة [...] إذ أحس بشعور
المودة ذاته للجميع. [...] إنها محبة موجودة
فيَّ دائمًا ولا أستطيع أن أحول بيني وبين
إشعاعها على جميع الذين يدنون مني. ألا تفهم
أنني لست "أنا" مَن يوجِّه محبتي نحو شخص
بعينه، فأزيد من شدتها هنا، وأخفف منها هناك؟
المحبة فيَّ، في بساطة، مثل لون بشرتي
السمراء ونبرة صوتي، مهما فعلت. ج.
كريشنامورتي *** المحبة
ليست مختلفة عن الحقيقة. المحبة هي تلك الحالة
التي تتوقف فيها سيرورة الفكر، بوصفها الزمن،
توقفًا تامًا. حيثما تكون المحبة هناك تحول.
ومن دون المحبة لا معنى للثورة، لأن الثورة إذ
ذاك دمار فقط، وبؤس أعظم فأعظم يتفاقم أبدًا.
حيثما تكون المحبة هناك ثورة، لأن المحبة هي
التحول من لحظة للحظة. ج.
كريشنامورتي،
الحرية الأولى والأخيرة *** السعادة
واللذة، تستطيع شراءهما من أيِّ سوق في مقابل
ثمن ما. أما الغبطة فلا تستطيع شراءها – لا
لنفسك ولا لسواك. كلا السعادة واللذة يشدك إلى
الزمن. أما الغبطة فلا توجد إلا في الحرية
الكاملة. اللذة – كالسعادة – تستطيع أن تفتش
عنها، وتجدها، بطرق شتى. لكنهما تأتيان
وتذهبان. أما الغبطة – ذلك الشعور العجيب
بالفرح – فلا دافع إليها. ليس في مكنتك أن
تفتش عنها أبدًا. إذ حالما تحضر، بحسب حالتك
الذهنية، تبقى – لازمنية، لاسببية – شيئًا
لا يقاس بالزمن. التأمل ليس طلب اللذة، ولا هو
التفتيش عن السعادة. التأمل، على العكس، هو
حالٌ ذهنية خالية من أيِّ مفهوم أو صيغة، وهو،
بالتالي، حرية كاملة. في مثل هذا الذهن وحده
تأتي الغبطة – بلا سعي ولا دعوة. وهي، حالما
تحضر، على كونك قد تعيش في العالم، بضوضائه
ولذته وقسوته جميعًا، لن تمسَّ هذه ذلك
الذهنَ. حالما تحضر، يتوقف النزاع. غير أن
إنهاء النزاع ليس الحرية التامة بالضرورة.
التأمل هو حركة الذهن في هذه الحرية. وفي هذا
التفجر من الغبطة تصير العينان بريئتين،
وتكون المحبة حينئذٍ بَرَكة. ج.
كريشنامورتي،
تأملات *** في
الحيِّز الذي يوجِده الفكر من حوله ليس ثمة
محبة. فهذا الحيِّز يفصل الإنسانَ عن
الإنسان؛ وفيه تجري الصيرورةُ برمَّتها:
معركة الحياة، العذاب، والخوف. التأمل هو
إلغاء هذا الحيِّز، هو إنهاء "الأنا". إذ
ذاك يكون للعلاقة معنى مختلف تمامًا؛ ففي ذلك
الفضاء، الذي ليس من صنع الفكر، ينعدم وجودُ
الآخر، لأن وجودك أنت ينعدم. التأمل، إذن، ليس طلب رؤيا
ما، مهما يكن تقديس الموروث لها. إنه،
بالأحرى، ذلك الفضاء اللانهائي الذي لا يمكن
للفكر ولوجُه. أما في نظرنا، فإن الحيِّز
الضئيل الذي يصطنعه الفكر من حوله – وهو "الأنا"
– هو على غاية من الأهمية؛ إذ إنه كلُّ ما
يعرفه الذهن، متماهيًا مع كلِّ شيء يوجد في
ذلك الحيِّز. والخوف من انعدام الوجود يولد في
ذلك الحيِّز. أما في التأمل، حين يُفهَم هذا
حقَّ فهمه، فيمكن للذهن ولوج بُعْدٍ من
الفضاء حيث الفعل هو لافعل. نحن لا نعرف ماهية المحبة؛
ففي الحيِّز الذي يصطنعه الفكر من حوله بوصفه
"الأنا"، يكون الحب هو النزاع بين "الأنا"
و"اللاأنا". وهذا النزاع، هذا التعذيب،
ليس حبًّا. الفكر هو حصرًا انتفاء
المحبة، وهو لا يستطيع أن يلج ذلك الفضاء حيث
"الأنا" غير موجودة. في ذلك الفضاء تسري
البَرَكة التي يطلبها الإنسان ولا يجدها. إنه
يطلبها ضمن نطاق الفكر، والفكر يدمِّر وَجْدَ
هذه البَرَكة. ج.
كريشنامورتي،
تأملات *** التأمل
في تلك الساعة كان حرية، وكان أشبه بالدخول في
عالم مجهول من الجمال والسكينة. كان عالمًا
بلا صور ولا رموز ولا كلمات، بلا أمواج من
الذاكرة. والمحبة كانت موت كلِّ دقيقة، وكلُّ
موت كان تجديد المحبة. لم تكن تعلقًا؛ إذ كانت
بلا جذور. كانت تزهر بلا سبب، وكانت لهبًا
يحرق الحدود، أسوار الوعي المرفوعة بكلِّ حرص.
كانت هي الجمال أبعد من الفكر والشعور؛ لم تكن
ململمة على قماشة، في كلمات، أو في الرخام.
التأمل كان فرحًا – ومعه حلَّت بَرَكة. ج.
كريشنامورتي،
تأملات *** في
ذلك الصباح كان البحر أشبه ببحيرة أو بنهر
عظيم – بلا تموجات، ساكنًا إلى حدِّ أنه كان
في وسعك أن ترى انعكاسات النجوم في ذلك الوقت
المبكر من الصباح. لم يكن الفجر قد انبلج
بعدُ؛ لذا فإن النجوم وانعكاس الجَّرْف
الصخري والأضواء القصية للبلدة كانت منطبعة
على الماء. وبينما كانت الشمس تصعد فوق الأفق
في سماء خالية من الغيوم كانت تشق لنفسها
دربًا ذهبية، وكانت خارقةً رؤيةُ نور
كاليفورنيا ذاك يملأ الأرض، يملأ كلَّ ورقة
شجر وعشب. وأنت تشاهد، حلَّتْ عليك
سكينةٌ عظيمة. الدماغ نفسه أصبح شديد الهدوء،
بلا أيِّ ردِّ فعل، بلا أدنى حركة؛ فما أعجب
شعورك عندئذٍ بهذه السكينة الهائلة! "شعور"
ليست الكلمة الملائمة. فخاصية ذلك الصمت، تلك
السكينة، لا "يشعر" بها الدماغ؛ فهي أبعد
من متناول الدماغ. في وسع الدماغ أن يتصور، أن
يصوغ، أو يضع خطة للمستقبل؛ أما هذه السكينة
فهي أبعد من مداه، أبعد من كلِّ خيال، أبعد من
كلِّ رغبة. فأنت من السكون بحيث إن جسمك يصير
تمامًا جزءًا من الأرض، جزءًا من كلِّ ما هو
ساكِن. وبينما كان النسيم اللطيف
قادمًا من التلال، يداعب أوراق الشجر، لم
تضطرب هذه السكينة، خاصيةُ الصمت الخارقة هذه.
كان البيت واقعًا بين التلال والبحر،
مُطِلاًّ على البحر. وبينما أنت تشاهد البحر،
ساكنًا تلك السكينة الشديدة، صرتَ حقًّا
جزءًا من كلِّ شيء. كنتَ كلَّ شيء. كنتَ النور،
وجمال المحبة. كذلك قولك "كنتَ جزءًا من
كلِّ شيء" هو من قبيل الغلط: فكلمة "أنت"
ليست ملائمة، لأنك حقًّا لم تكن هناك. لم تكن
موجودًا. وحدها كانت تلك السكينة، ذلك
الجمال، ذلك الإحساس الخارق بالمحبة. ج.
كريشنامورتي،
تأملات * * * [1]
شكر خاص من القلب إلى كلٍّ من
الأصدقاء: قيس السيالة، ثناء درويش، دارين
أحمد، فاديا رستم، هفال يوسف، سلوى خميس،
جهاد نخلة، والمرحوم وليد قارصلي، على
مساهماتهم في إعداد هذه الأنثولوجيا. (المحرِّر) [2]
قصيدة يخاطب بها محبوبته لو أندرياس سالومي. [3]
ردًّا علي رسالة أعلنت له فيها لو أندرياس
سالومي، بعد حبٍّ دام سنوات، فسخَ علاقتهما
في شباط 1901. [4]
هو كتاب محاكاة يسوع المسيح (القرن
الخامس عشر) المغفل من اسم المؤلِّف
والمنسوب إلى المتصوف توماس أكِمپس. [5]
هو التعريف بالتناغم بحسب الفيلسوف
الفيثاغوري فيلولاوس. [6]
هي صرخة المسيح على الصليب: "إيلي،
إيلي، لمَّا شبقتاني؟!" (إنجيل متى 27: 46). [7]
إنجيل لوقا 10: 25-37.
|
|
|