|
التعذيب وضروب المعاملة القاسية
التعذيب وأنواع المعاملة القاسية هي قيام صاحب السلطة، أيًّا كان، – أبًا أو مدرِّسًا أو زوجًا أو مالكًا أو حاكمًا – بمعاملة مرؤوسيه، أيًّا كانوا، معاملةً لا تحترم آدميَّتهم أو حقَّهم في الحياة والصحة. وبالتالي، يتم إخضاعُهم، بدنيًّا أو نفسيًّا، لظروف غير إنسانية. وأية كانت أنواعُ امتهان آدمية الإنسان وتجلِّياتها، ومهما كانت المبرِّرات التي يمكن تقديمها دفاعًا عن مصالح ممارسيها، فهي منافية للأعراف والمواثيق والعهود الدولية كافة، إلى جانب القيم والمعتقدات البدائية لبني البشر. ومما لا شك فيه أن الأديان جميعًا قد ركزت على آدمية الإنسان. "الإبداع" في التعذيب والقسوة لو سألك شخص ما عن هبة إيجابية تقدِّمها لشخص آخر، لوجدت الأمر محدودًا في هبة مالية أو عينية أو وظيفة أو كلمة طيبة؛ ولكنك لن تجد أبعد من ذلك. لكن لو سألك شخصٌ ما عن معاملة سيئة تقوم بها تجاه شخص آخر، لَبَدَأ "الإبداع" الذي لا ينتهي! فمن الاختطاف، إلى أنواع السجن، إلى التعذيب البدائي، إلى التعذيب بالأدوات الحديثة والكهرباء، إلى الاغتصاب الوحشي. ومن المعروف أن أكثر المعرَّضين للأذى هم الأطفال والنساء. وسوف أقوم بالتركيز عليهم لأن العنف الموجَّه ضد البالغين معروف جيدًا لدى العامة. عدم الاعتراف بالآخر مصدر القسوة إن الديموقراطية تعني احترام الآخر وسيادة الحوار، وبالتالي الابتعاد عن العنف في التعاطي مع الآخرين. لكن غياب الديموقراطية، كما هي الحال في العالم العربي وبلدان العالم الثالث، بسبب من سيادة الرؤية الأحادية الجانب أو الشعور بامتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي انعدام الاعتراف بالآخر، – غياب الديموقراطية، أقول، يقود أولئك الذين يعتقدون بأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة (من الآباء تجاه أبنائهم، أو الرجال تجاه النساء، أو أصحاب الأعمال تجاه الأجيرين، أو الحكام تجاه مواطنيهم) يعتقدون بأن كلَّ مَن يخالف رأيهم هو عاقٌّ وفاسد وشيطاني، أو مجرم وخائن وخارج عن الصف؛ وبالتالي فإن من الضروري إيقافه بكلِّ السبُل، مهما كانت بشاعتُها، بما في ذلك تصفيته جسديًّا. التعذيب في القانون الدولي تنص المادة الأولى من اتفاقية "مناهضة التعذيب" على أنه لأغراض هذه الاتفاقية يُقصَد بتعبير "التعذيب" torture أيُّ عمل ينتج عنه ألمٌ أو عذاب شديد، بدنيًّا كان أم ذهنيًّا، يُلحَق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو يُشتبَه أنه ارتكبه، هو أو أيِّ شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه، هو أو أيِّ شخص ثالث، أو عندما يُلحَق مثل هذا الألم أو العذاب لأيِّ سبب من الأسباب يقوم على التمييز، أيًّا كان نوعه... وتقدِّم لجنة الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه تعريفًا أوسع، بحيث يغطي شمولية أكثر. فهو: استخدام أساليب ضد شخص ما بهدف مَسْحِ شخصية الضحية أو إضعاف قدراته البدنية والذهنية، حتى لو لم تسبِّب ألمًا بدنيًّا أو مرضًا ذهنيًّا. أما "قانون روما الأساسي للحماية الجنائية الدولية"، المعتمَد في العام 1998، فإنه يعرِّف بالتعذيب على نحو "إلحاق ألم مبرِّح أو معاناة، سواء كان بدنيًّا أو ذهنيًّا، بشخص محتجَز أو واقع تحت السيطرة". كما أن المادة الخامسة من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" تشير في وضوح إلى أنه "لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وهناك نصوصٌ شبيهة أيضًا في "المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية". وتشير المادة السابعة من المعاهدة المذكورة، مثلاً، إلى عدم جواز اعتماد أية أقوال أو شهادات أو اعترافات أُخِذَتْ بالقوة: إنه من المهم، حتى يقع العدول عن الانتهاكات، أن يحرِّم القانون اللجوءَ إليها في أثناء إجراءات التقاضي، أي إلى استعمال الأقوال أو الاعترافات المنتزَعة عن طريق التعذيب، أو أية معاملة أخرى محظورة، أو الاستشهاد بها. الديموقراطية والعدالة ضمانًا لحماية الإنسان إن البشرية جمعاء – وفي مقدِّمتها مجتمعات العالم العربي وبلدان العالم الثالث – تقف أمام تحدٍّ حقيقي في سبيل السعي لإقامة مجتمع مدني قائم على أسُس من الديموقراطية والعدالة الإنسانية والاجتماعية بضمانات القوانين والدساتير الإنسانية العصرية. تحلم البشرية – والمسلمون منهم في المقدمة – بذلك الفجر الإنساني العظيم الذي سينزل فيه عيسى ابن مريم أو يسوع المسيح على الأرض لإقامة العدل. والحلم عادة يأتي بسبب الحاجة؛ فالبشرية في حاجة ماسَّة إلى سيادة العدل. وحين يُصاب المرءُ بالعجز عن تحقيق أهدافه، يلجأ مضطرًا إلى الحلم. لكن الحقيقة دائمًا هي الأساس. وحتى في البُعد الديني للموضوع، فالإسلام، مثلاً، يحض على الشروع في العمل الجدِّي المباشر: "اعقلْها وتوكَّل." فالخليفة عمر بن الخطاب ضرب الرجل المستكين الزاهد في المسجد وصرخ به: "لقد أمتَّ علينا ديننا"؛ فكان ذلك دعوة للخروج إلى الشارع والعمل. وهو الذي قال: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتْهم أمهاتُهم أحرارًا." والجميع يعرف الوصية الشهيرة للخليفة أبو بكر الصديق لجيشه: "لا تقطعوا شجرة... لا تقتلوا شيخًا...". كما أن الإسلام حرَّم وأد البنات، وحضَّ على التخلص من العبودية. ويسوع المسيح عاش حياته من أجل تخليص أتباعه من الرقِّ والعبودية. وعلى الرغم من تعرُّضه وأتباعه لشتى صنوف القهر والتعذيب، إلا أنه صاحب القول الشهير: "مَن ضربك على خدِّك الأيمن فأدِرْ له [خدَّك] الآخر." وهو أيضًا مَن قال: "مَن كان منكم بلا خطيئة فليرمِها بأول حجر." وهو يقصد أن لا أحد يملك الحقيقة أو الحقَّ المطلق. من المعروف أن العقوبات البدنية في الإسلام قد وُضِعَتْ لها شروطٌ خاصة جدًّا، تصل إلى حدِّ التعجيز. فعقوبة الزنا اشترط لها أربع شهود عدول وشروطًا تعجيزية أخرى؛ وعقوبة السرقة لم تشمل أبدًا السرقة من أجل القوت أو الحاجة الشخصية الماسة. مأساة الإفلات من العقاب لم يتمكَّن أحد من تقديم هتلر أو موسوليني أو هولاكو أو مناحيم بيغن أو الحجَّاج وغيرهم وغيرهم إلى المحاكم. إن أرواح أولئك الذين قُتِلوا، أو اختفتْ آثارُهم لأسباب الاختلاف في الرأي، منذ زمن بعيد وحتى الآن، هي التي ينبغي لها أن تقود شعوب العالم للعمل سويًّا من أجل إيجاد آليات مناسبة لمحاكمة أولئك الذين يرتكبون جرائم ضدَّ الإنسانية، أينما كانت. ولعل في وجود "المحكمة الجنائية الدولية" بارقةَ أمل في شأن ذلك، لأنها سوف تساهم في رَدْع مَن يملكون القدرة اليوم على ممارسة جرائم التعذيب وانتهاك حقوق البشر وحرياتهم. وعلى الرغم من كلِّ المحاولات الأمريكية لتقزيم دور هذه المحكمة، إلا أن مجرد وجودها يبشِّر بأمل ما نحو توجُّه جديد للأسرة الدولية. وحدة العالم في وجه الإجرام من المفيد أن يتَّحد العالم في وجه أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم ارتكاب جرائمهم حتى النهاية دون مُساءلة. ولعل التجارب الشهيرة التي شَهِدَها العالم في المطالبة بمحاكمة بينوشيه، أو الدعاوى التي رُفِعَتْ ضد أرئيل شارون، تبشِّر بمثل هذا الاتحاد. ومع ذلك، فإن خشية البشرية من سيطرة الأقوياء لها ما يبرِّرها: فلقد تمكَّنت الولايات المتحدة، مثلاً، من استثناء جيشها من المحاكمة أمام "المحكمة الجنائية الدولية" بقرار دولي؛ وهذا يُعتبَر وصمةَ عارٍ في جبين المجتمع الدولي قاطبة. أشكال العنف والمعاملة القاسية هناك أشكال عديدة للعنف والمعاملة القاسية، منها: - العنف داخل الأسرة: من الأب والأم للأبناء، ومن الذكور للإناث. - العنف داخل المؤسَّسة التعليمية من المدرِّسين للطلبة. - العنف في العمل من أرباب العمل ضد المأجورين. - العنف العنصري، سواء كان بسبب العرق أو اللون أو الدين. - العنف السياسي من الحكام ضد المواطنين أو المعارضة. معاملة الأطفال إن المعاملة القاسية للأطفال هي واحدة من أسوأ مظاهر العصر الحديث. ومهما تطورت البشرية، فإنها ستظل موصومة بالعار مادام هناك طفلٌ واحد على وجه الأرض يلقى معاملةً قاسية، مهما كانت المبرِّرات والظروف والأسباب. من هو الطفل؟ تتفق معظم قوانين العالم على أن جميع مَن هم دون سنِّ الثامنة عشرة يُعتبَرون أطفالاً، ويعامَلون بناءً على ذلك. وبهذا فإنه: - لا يجوز تقديمُهم للمحاكمة أو قبولُ شهاداتهم أو إيداعهم السجن العادي. لذا يعامَلون معاملةً خاصة في حال اعترافهم أو ارتكابهم جنحة أو جناية. - لا يجوز استخدامُهم أو إجبارهم على العمل، مهما كان طبيعة العمل ونوعه. - معظم قوانين العالم تُلزِم ذويهم بإرسالهم إلى المدارس، وتعاقِب الوالدين في حال الامتناع. - لا يجوز تعريضُهم للمعاملة القاسية البدنية أو الإيذاء النفسي. - تركِّز معظم قوانين العالم على تحريم زجِّ الأطفال في الصراعات العسكرية والاقتتال بين الجماعات والدول. ملخص أهم بنود اتفاقية حقوق الطفل - المادة 12: الحق في التعبير وأخذ رأيه بالحسبان فيما يتعلق بشخصه. - المادتان 13-14: حق اكتساب المعرفة، والحق في حرية الفكر والوجدان والدين، مع إرشاد مناسب. ويمكن تلخيص كامل الاتفاقية بحقوق العيش والنماء والحماية والمشاركة. وتُلزِم المادة 42 الدول بتعريف الأطفال باتفاقية حقوق الطفل. وعلى الرغم من أن الاتفاقية تعتبر الأسرة "البيئة الطبيعية" لتربية الطفل، إلا أنها تُلزِم الدولة بحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال والاستغلال، من أيِّ مصدر كان، بما في ذلك ذووهم. معاملة المرأة إن أيَّ حديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان لا يشمل الحقَّ المساوي للمرأة يبقى ناقصًا لدرجة خطيرة. فالمرأة هي، في اختصار شديد، نصف المجتمع، وأية مجموعة بشرية تضطهد نصفَها تبقى خارجة عن الحدِّ الأدنى للديموقراطية وحقوق الإنسان. وبالتالي، فإن معاملة المرأة على قدم المساواة مع الرجل، بما يضمن تمايُزها، وبما يضمن تمايُز الرجل بالتالي، هو المؤشر الرئيسي على اتجاه المجتمع نحو الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. فلا يجوز أن نطالب امرأة مضطهَدة مقموعة مستضعَفة أن تربِّي رجالاً ونساءً أسوياء، قادرين على صناعة المستقبل. أهم حقوق المرأة - عدم التفرقة في المعاملة بين الإناث والذكور في مراحل عمرهم كافة. - حق الإناث في التعليم. - حق الإناث في العمل والحصول على أجْر مساوٍ للرجل على العمل نفسه. ملخص بنود الاتفاقية العالمية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة كافة - التمييز ضد المرأة يعني أية تفرقة أو استعباد أو تمييز يتم على أساس الجنس. - دور الدولة في القضاء على التمييز ضد المرأة يمكن أن يبدأ بترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تشريعاتها (قانون الأحوال الشخصية). - تطور المرأة وتقدُّمها في الميادين المختلفة يضمن لها القدرة على ممارسة حقوقها كإنسان. - اتخاذ الدول إجراءات خاصة لتحقيق المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة، بما فيها تدابير لحماية الأمومة (الفصل من العمل بسبب الحمل أو الولادة أو الزواج أحيانًا). - القضاء على العادات والممارسات القائمة على تفوُّق أحد الجنسين على الآخر، وذلك من خلال تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة. - العمل على مكافحة الاتِّجار بالنساء واستغلالهن للدعارة، وذلك بكلِّ وسيلة ممكنة، بما فيها التشريعات والقوانين. - حق المرأة في المشاركة في الحياة السياسية والعامة للبلد يكفل لها حقَّها في التصويت والانتخاب والمشاركة في تحديد سياسة الحكومة وشُغْل الوظائف العامة والحكومية. - تتكفَّل الدولة بإعطاء المرأة، دون تمييز، الفرصة لتمثيل حكومتها على المستوى الدولي. - تتساوى المرأة مع الرجل في اكتساب جنسيَّتها والاحتفاظ بها، أو تغييرها إذا شاءت. - تتساوى المرأة والرجل في موضوع التعليم: الالتحاق بالدراسة، المناهج نفسها لكلا الجنسين، الحق بالمنح الدراسية. - للمرأة الحق بالعمل كإنسان، كما لها الحق في مشاركة الرجل بفرص التوظيف نفسها وبحرية اختيار المهنة. - ضمان حصول المرأة على خدمات الرعاية الصحية، وخصوصًا تنظيم الأسرة. - إعطاء المرأة الحق في الاستحقاقات الأسرية، والحصول على القروض المصرفية، والاشتراك في الأنشطة الترويحية. - المرأة الريفية هي عامود الأساس في دَعْم أسرتها ومجتمعها اقتصاديًّا، مما يحتِّم العمل على تحقيق مساواتها مع الرجل لتمكينها من المشاركة في التنمية الريفية والاستفادة منها. - المرأة والرجل متساويان أمام القانون، مما يؤهِّل المرأة قانونيًّا لإدارة شؤونها. - حق المرأة وعدم التمييز ضدها في أمور الزواج والعلاقات الأسرية تعني بالضرورة أن تتساوى المرأة مع الرجل في الحقِّ في عقد الزواج وحرية اختيار الزوج. حقوق المواطَنة الديموقراطية الحقوق المدنية لكلِّ مواطن الحق في المساواة بحسب القانون دون تمييز، والحق في الحرية الشخصية، بكلِّ أشكالها، ما لم تتعارض مع حرية الآخرين: "تنتهي حريتك عندما تبدأ حريةُ غيرك." الحقوق السياسية لكلِّ مواطن الحق الكامل في المشاركة في صيانة الحياة السياسية في بلده، بما في ذلك اختيار ممثِّله، أو الترشيح للمناصب العامة والحكومية، أو تشكيل الأحزاب والهيئات والتجمعات، بما في ذلك حق التظاهُر والاجتماع والتعبير عن الرأي. الحقوق الاجتماعية لكلِّ مواطن الحق في المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية، والاستفادة من فرص الرفاه الاجتماعي كافة، وتوفير فرص العمل له. الحقوق الطبيعية يمكن تلخيص الحقوق الطبيعية بكلمة واحدة: الحياة حق، وحمايتها واجب. وبالتالي فإن الاعتداء عليها، بأيِّ شكل كان، جريمة. خاتمة إن توحيد الجهود، ومن قِبَلِ الجميع، – تتصدَّرهم منظماتُ المجتمع المدني، – والعمل على دَفْعِ حكومات الدول إلى المشاركة في ذلك، هو وحده الضمان الأكيد لتحقيق ما يقترب من العدالة على وجه الأرض. وهذا يعني اتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع كلِّ أولئك الذين يتعاملون بأيِّ شكل من أشكال الدونية مع غيرهم. وفي سبيل تحقيق ذلك فإن من الضروري إيجاد السبُل الكفيلة بعزل هؤلاء عن الأسرة الدولية والمجتمع الإنساني وإيقاع العقوبات الرادعة في حقِّهم. *** *** *** |
|
|