ذاكرة الباطن

 

أكرم أنطاكي

 

الفصل الحادي عشر

هاشم وسلافا – الجزء الأول[1]

(1974-1976)

 

... ها هو ذا المشهد الحجري الأصم حيث نُقِشَتْ أسماؤكم

ها قد أصبحتم مجرد كلمات مذهَّبة وسط ساحاتنا

ها قد بدأت تندثر ذكريات حبِّكم...

أراغون، من "القصيدة غير المنتهية"

 

طائر الليل: ماذا أرى؟! ماذا أرى؟! أنت تبكي يا صديقي...

 

1

وتمر الأيام وتمر السنون، بما يبدو لي اليوم وكأنه لمح بصر...

وتلك الأيام وتلك السنون هي التي صنعتْني. حينذاك، كنت أعيشها في نَهَم، ولا أفكِّر كثيرًا ربما. أما الآن فإنِّي، حين أتفكَّر فيها، أجدها ثمرة حياة وذكريات حلوة ومرَّة، ترافقها غُصَّة عميقة في القلب. وقد تركزت تلك الأيام، في نظري، وخارج نطاق العائلة، حول شخصين اثنين: كان أولهما هو المهندس هاشم عبيسي، المدير العام لشركة الأعمال الإنشائية آنذاك؛ أما الثاني فكان مهندس جسور روسي يدعى سلافا كوزنتسوف.

وأتذكر هاشم العزيز، رحمتْه الآلهة، وأتذكر أول حديث مطوَّل في العمق معه، وقد كان حول العمل.

-       لقد أخبرني أبو محمد[2]، يا أبو الخير[3]، عن مشروع الجسرين على نهر الفرات... وقد قال لي إنك تبحث عن مهندسين من أجلهما، وإن هناك بعثة إلى موسكو لمرافقة تصميمهما.

-       هذا صحيح، يا أكرم. لكن، اجلس لأحدثك قليلاً... لقد ربحنا عقد هذين الجسرين كمفتاح في اليد بعد منافسة شديدة مع يعقوبيان[4]. وهذا يعني أن علينا أن نثبت للجميع أننا، كدراسة وكتنفيذ، وخاصة ككلفة، لا نقل عنهم. ما يعني أن عملنا لن يكون سهلاً... وقد وقَّعتُ الآن عقدًا أوليًّا مع الروس لدراسة الجسرين ومساعدتنا على تنفيذهما. وهذا يعني أنه قد يلزم بعض الوقت كي نباشر معهم التحريات والدراسات... ما بين الشهرين إلى ثلاثة أشهر... ثم إن التحريات قد تستغرق من أربعة إلى ستة أشهر... بعد هذا، ستكون البعثة لمرافقة الدراسة الأولية للجسرين في موسكو. وهذا يعني أيضًا أن ارتباطك معنا – إن ارتبطتَ بهذا المشروع – سيكون لفترة طويلة. فما رأيك؟

-       لقد جئت إليك من أجل هذا العمل تحديدًا، يا أبو الخير. لأني، وقد أنهيت خدمة العلم منذ أيام، لا تغريني العودةُ إلى أمانة العاصمة، وأفكر باكتساب بعض الخبرة في عمل كهذا، وحتى، إن أمكن، أن أختص في الجسور.

-       إن أردتَ أن تباشر معنا الآن، فبوسعك العمل حاليًّا، لبعض الوقت، في مشروع خط سكة حديد دير الزور–الحسكة–القامشلي. هناك يعمل عزيز داوود ونجيب خبازة. أعتقد أنك تعرفهما.

-       نعم أعرفهما من الكلِّية. أي متى تريدني أن أباشر؟

فيضحك ويقول:

-       نوقِّع العقد الآن، إن شئت، وتباشر عملك غدًا في مشروع سكة حديد دير الزور–

الحسكة. كم سنة ممارسة لديك؟

-       أربع سنوات، مع الجندية...

-       راتبك مع التعويضات سيكون، إذن، 1800 ل س[5] شهريًّا... فما رأيك؟

وأشعر بغُصَّة في قلبي. ربما لأن الأمور جَرَتْ بهذه السرعة، و/أو لأني لم أخبر منى بقراري، و/أو لأن راتب الـ1800 ل س شهريًّا كان قليلاً نسبيًّا، حيث كان في وسعي تحصيل أكثر من هذا في دمشق، ما بين العمل العام والعمل الخاص، كما كنت أفعل في الجيش. وأجيبه:

-       نوقَّع العقد الآن، نعم. لكني سأباشر في الأول من شباط [1974] لأن عليَّ توديع زوجتي وإتمام بعض الواجبات المنزلية والعائلية.

-       كما تشاء، يا أكرم. فلنوقِّع العقد إذن...

وأوقِّع معه مباشرة ذلك العقد الذي سيغيِّر مجرى حياتي...

2

لم يكن قد مضى أسبوع واحد على مباشرتي العمل في مشروع دير الزور–الحسكة–القامشلي[6] حتى وَرَدَنا إلى الورشة خبرٌ عاجل مفاده أن سيأتي "الأستاذ هاشم" صباح غد إلى موقع "صباح الخير"[7] في زيارة تفقُّدية للمشروع. وفعلاً، وصل هاشم إلى هناك في تمام الساعة السابعة صباحًا مع بداية الدوام، حيث كنَّا قد انتهينا لتوِّنا من الفطور! ومباشرة، فور ترجُّله من سيارته، استقلَّ برفقة المهندس نجيب، الذي كان ينتظره مع كبير الخبراء الروس، تلك السيارة الـ"جيب واز" المخصَّصة له وباشر جولته التفقُّدية للخطِّ، حيث كانت تتوزع ورشاتُنا. وقد توقف قليلاً في أثناء جولته الطويلة تلك، التي استمرت حوالى الأربع ساعات، في المكان الذي كنت أقف فيه، متفقِّدًا إحدى العبَّارات الكبيرة، ليقول لي، بلا مقدمات، إنه لاحظ "هَدْرًا في الخشب والحديد المبعثَرين في كلِّ مكان على طول الخط"، وأنه "لن يرسل خشبًا جديدًا ما لم يتم حَصْر الموجود، وتبيان مدى الحاجة الفعلية إليه، وأين سيُستعمَل تحديدًا وحصرًا" – ما يعني، بحسب طريقته في العمل، أن عليَّ متابعة الأمر فورًا وضَبْضَبَة الورشة وإخباره بالنتيجة. ومساءً، مع أنه وصل متأخرًا، تعشَّى معنا في مطبخ الورشة (عند أبو جوزيف). ثم بدأ مع كلٍّ منَّا سلسلة اجتماعات، كلٍّ بحسب اختصاصه، دامت حتى ما يقرب من منتصف الليل. وفي صباح اليوم التالي، أي قبل أن يغادر، راجع بالتفصيل مع بركات ظاظا وضْع آليات المشروع وما تحتاج إليه من قطع تبديل ومواد...

وألاحظ أنه لم يكن يتدخل فقط في كلِّ صغيرة وكبيرة، إنما كان أيضًا ملمًّا بدقة بكلِّ تفاصيل المشروع واحتياجاته، وأنه، في متابعته الدقيقة والصارمة للعمل، لم يكن يراعي أحدًا – وهو واقعٌ سوف أتأكد منه أكثر فأكثر إبان عملنا المشترك.

أقول هذا اليوم، ليس فقط للذكرى، وإنما أيضًا للمقارنة. لأنه...

بعد أسبوعين من زيارته هذه، جاءنا نائبُه، الذي كان حينذاك "رفيقنا" الذي لم أتعرف إليه جيدًا في "الطبقة"[8]، المهندس رضوان مارتيني. وبسرعة، تبيَّن لي الفارقُ الكبير بين الرجلين وبين أسلوبهما في متابعة العمل. فقد كان تفقُّد هذا الأخير (أقصد رضوان) لمواقع العمل يتم بسرعة البرق، ونقاشُه لاحتياجات الورشة مجرَّد تسجيل لما يطلبه "الخبراء السوفييت" في جلسة كان يسودها المرحُ وتتخلَّلها النكاتُ البذيئة. أما في المساء، فقد دعانا، بركات ظاظا وأنا (كرفيقين مسؤولين)، إلى عشاء في النادي الزراعي في الحسكة، ليحدِّثنا عن موضوع واحد فقط هو "هاشم" وما يذيقه إياه من عذاب يعرقل عمل الشركة وتقدُّمها. وقد بقيت أنا صامتًا في أثناء هذه السهرة؛ أما بركات، فقد تجاوَب معه نسبيًّا...

لأني كنت حينذاك، وبحكم ما كنت قد اكتسبتُه من خبرة حزبية خلال المرحلة الماضية، وخاصة فيما يتعلق بالعمل التكتلي وأجوائه وطرائقه، قد بدأت أتلمس أن هناك "عفونة مازالت موجودة تحت السطح في مملكة الدنمرك"[9]. فالأجواء لم تكن سليمة في "حزب الطبقة العاملة السورية" بعد "التخلص" من رياض وجماعته وعودة "الأغلبية الافتراضية" إلى الحظيرة الحزبية؛ وهو واقع سوف أتأكد منه تأكدًا مباشرًا لدى أول زيارة لي إلى دمشق لأرى زوجتي وأنسِّق معها موضوع انتقالها إلى حلب، حيث كان أهلوها يبحثون لنا عن منزل. وأتذكر كيف استقبلني بالترحاب "المبالَغ فيه" حينذاك، في مقرِّ منطقية دمشق عند "السبع بحرات"، كلٌّ من الرفاق أبو فياض[10] وزوجته[11]، عضوي المنطقية، ومراد يوسف[12]، عضو المكتب السياسي، ليزفَّا إليَّ نبأ هامًّا حول كيف تصدَّى الرفيق أبو جنكو، عضو المكتب السياسي، بـ"بطولة"، للرفيق يوسف، ورَفَضَ شرب نخبه في حفل جرى في سفارة ألمانيا الديموقراطية، لأن صاحب الكأس (أي السفير "الألماني الديموقراطي") كان يدعو لشرب نخب "الأمين العام" القادم للحزب؛ وهذا كان يُعتبَر كفرًا، لأنه يعني أن هناك من بدأ يفكر بإبعاد و/أو بخلافة الرفيق خالد. وأفهم أن هناك بدايات لتكتلات وصراعات جديدة بين الرفيق خالد والرفيق أبو سام و"الرفاق المبدئيين"، من جهة، والرفيق يوسف، وإلى جانبه الثلاثي دانيال وظهير وإبراهيم ومن لفَّ لفَّهم من "رفاق انتهازيين"، من جهة أخرى. وأجد نفسي، بشكل طبيعي وبلا عمق تفكير، إلى جانب ذلك الاتجاه "المبدئي المفترَض"، الذي كان يضم أيضًا أبو محمد وهاشم (الذي لم يكن منظَّمًا في ذلك الحين). أما رضوان فقد كان طبعًا مع يوسف.

3

لم أبقَ طويلاً في "صباح الخير". فقد عملت هناك حوالى الشهرين. ثم وصلتني برقيةٌ مهتوفة من هاشم للتوجُّه مباشرة إلى حلب للقائه. وهناك، في مقرِّ الشركة، عرَّفني إلى اثنين من الروس كانا في مكتبه.

-       أقدِّم لكما المهندس أكرم أنطاكي، الذي سيرافقكما خلال هذا المشروع. وهو سيكون، بالتنسيق معي، مسؤولاً عن العمل وعن تأمين كلِّ احتياجاته... أكرم، أقدِّم لك الرفيقين نيكولاي كوفاليفسكي، رئيس مجموعة التحريات، وهو مهندس جيولوجي، وياروسلاف (سلافا) كوزنتسوف، كبير المهندسين والمسؤول الفنِّي عن المشروع.

وهكذا تعارفنا، وكان أول لقاء لي مع سلافا الذي ستجعله الأيام من أعزِّ أصدقائي، إن لم أقل أعزَّهم على الإطلاق.

وهذه الصداقة ترسخت بالتدريج من خلال العمل – هذا العمل الذي جعلني، لحسن الحظ، خلال تلك السنوات الأغنى في حياتي، أعمل إلى جانب اثنين من كبار "معلِّمي الكار". فمباشرة، وفور البدء بأعمال التحريات في الميادين، بدأتُ اكتشف طبيعة مَن كنت أعمل معهم؛ وما رأيته وعشتُه كان يذهلني كلَّ يوم أكثر. فهذا الروسي الأصيل، ذو الابتسامة الخجولة، والمنطوي على نفسه من حيث الظاهر، والذي كان، ومازال، يذكِّرني إلى الآن، حين أتفكر به، بشخصية الكونت بيوتر بيزوغوف، بطل رواية تولستوي الشهيرة حرب وسلم، سرعان ما تبدَّى لي، منذ الأسابيع الأولى لعملنا المشترك، معلمًا ومهندسًا كبيرًا جدًّا.

كان سلافا محور العمل في المطلق. عنده كانت تتجمَّع الخيوط كلُّها؛ ومنه كانت تصدر كلُّ التوجيهات والقرارات. وكان الجميع يرجع إليه في كلِّ شيء، بمن فيهم رئيس المجموعة الذي تبيَّن لي، في النهاية، أنه مجرَّد "مسؤول حزبي وإداري صغير". أما سلافا، فقد كان شيئًا آخر تمامًا؛ كان أشبه بحيرام، كبير البنَّائين.

وفي سرعة ودقة لامتناهيتين، وضع مخطَّط التحريات وتوجهاتها للتمكن من وضع التصميم الأولي لجسر الميادين. فـ...

-       العيِّنات الجيولوجية حتى عمق 50 مترًا تبيِّن وجود طبقات متتالية من البنتونيت، مما يعني [بحسب ما قرَّره سلافا، بالاتفاق مع هاشم] أن أساساتنا ستكون أوتادًا عميقة وعريضة، محمية من تأثير البنتونيت، ومصبوبة في المكان، وأن عمقها قد يتجاوز، وفق حسابي الأولي، ثلاثين مترًا، وقطرها قد يكون في حدود المتر ونصف...

-       لكن كيف، يا سلافا؟ وهل توجد في سورية آلية في وسعها تنفيذ أوتاد كهذه وغرسها؟

-       سأرسل مباشرة تقريرًا حول هذا الموضوع إلى الأستاذ هاشم، وسوف أنصح له بنوعين من هذه الآليات المتوفِّرة في الغرب. لأنه ليس لدينا مثلها، وخاصة في جودتها، في روسيا. وإحداها، التي أفضِّلها، هي حفارة أوتاد ضخمة فرنسية الصنع من نوع "بينوتو"؛ وقد اشترينا مثلها لروسيا...

وكان هذا ما حصل. فقد أرسل سلافا تقريره الأولي إلى هاشم، الذي سرعان ما أخبرنا أنه اتصل بالشركة المذكورة.

-       لكن كيف سننفذ هذه الأوتاد في وسط النهر، يا سلافا؟ أبواسطة عوامات كالتي نستعملها الآن في التحريات الجيولوجية؟

-       هذا ممكن، يا أكرم. وإن كنت أفضل، في حالتنا، طريقة أخرى أبسط وأكثر بدائية، لكنها، في حالتنا، أسرع وأكثر فعالية.

-       وما هي؟

-       أن نحصر مجرى النهر من طرف حتى منتصفه بواسطة ردمية، ننفذ من عليها مساند هذا الطرف. ثم نزيل هذه الردمية ونفعل الشيء نفسه من الطرف الآخر...

ومن مؤسَّسة سدِّ الفرات حصلنا على ما لديهم مما يهمُّنا من قياسات مائية. وبأنفسنا أجرينا قياساتنا المائية الخاصة الأخرى. فهذه القياسات أساسية لتحديد مدى الفتحة المائية للجسر. ومن تلك الدراسات كلِّها، مقرونة برفعنا المساحي الدقيق لطبوغرافية المنطقة، حدَّدنا محور جسرنا وفتحته.

-       أنظر إلى جسر البصيرة، يا أكرم، وتفكَّر فيه جيدًا. إنه مثال مدرسي نموذجي على دراسة هندسية متسرِّعة، تمَّتْ دون الأخذ بعين الاعتبار ما تعطيه حتمًا القياسات المائية لنهر الخابور.

-       وكم ستكون، في اعتقادك، عرض الفتحة المائية لجسر الميادين؟ وكم سيكون طول الجسر برأيك، يا سلافا؟

فيبتسم سلافا، ويجيبني في بساطة:

        - ما لم تثبت القياسات عكس ذلك، أنا أقدِّره، من الآن، في حدود الـ500 مترًا.

-       وهل سيكون الجسر بسيط الاستناد؟

-       نعم.

-       لماذا؟ وكم سيكون طول كلِّ مجاز؟

-       هذا قرار اقتصادي. ألم تقرأ ما كتبه لنا الأستاذ هاشم منذ فترة حول أنه يسعى إلى شراء المعدات التي نفَّذ بها البلغار جسر الرستن. وجسر الرستن بسيط الاستناد، كما تعلم، وطول الجائز فيه، على حدِّ علمي، 42 مترًا.

وسرعان ما يدعونا هاشم، الذي كان يتابع الأمور عن كثب، إلى لقائه هناك (في الرستن) من أجل معاينة معدات البلغار التي قرَّر شراءها. وهكذا، في بساطة لامتناهية، يتقرر مجاز جوائز الجسر بـ42.3 مترًا، وتتقرر كيفية تحميل جوائزه وبنائه بواسطة تلك الرافعة الجسرية، ذات حمولة الـ150 طن، من نوع آسبم التي اشتريناها من البلغار.

وهكذا، بنفس الطريقة، قمنا بالتحريات في قره قوزاك فور الانتهاء من تحريات الميادين. ومن خلال العمل والاحتكاك اليومي كانت علاقتُنا تترسخ.

فعن طريق سلافا تعرفتُ إلى زوجته فالنتينا التي كانت ترافقه مع طفليهما الصغيرين[13]. كانوا جميعًا، ودون أيِّ تذمر، يشتركون في نفس الغرفة من هذا المنزل المشترك في الميادين، ثم في حلب، الذي كنا ندعوه "بيت الخبراء".

-       كيف الحياة عندكم في روسيا، يا سلافا؟

-       لا بأس بها، يا أكرم. لكننا عانينا الكثير، ودفعنا من أجلها ثمنًا غاليًا جدًّا. خلال الحرب و... قبل الحرب.

-       هل تقصد بـ"قبل الحرب" مرحلة الثورة والحرب الأهلية؟

فيضحك، ويجيبني في بساطة:

-       بل أقصد أني قبيل الحرب فقدت الكثير من أهلي وأقاربي الذين كانوا من "الغولاك"[14]... لأني من أصول فلاحية، يا أكرم، لأني "موجيك"[15]...

وأتذكر كيف أصبحت منذ ذلك الحين أداعبه فأدعوه بالـ"موجيك"، فيبتسم و/أو يضحك ويجيبني:

        - أنت أيضًا "موجيك"، يا أكرم، أنت أيضًا "موجيك"، على الرغم من ادِّعاءاتك الأرستقراطية. أنظر كيف تأكل... أنت تأكل بنهم مثلنا... كالـ"موجيك" تمامًا!

وأتفكَّر اليوم في حنان كم كانت جميلةً ابتسامتُه، وكم من الحنان كان يتبدَّى على وجهه الصبوح، وخاصة حين كان ينظر إلى فاليا[16]، التي كانت تبادله نفس النظرات المليئة بالمحبة.

ونفترق في هدوء عند انتهاء التحريات، حين ودَّعني وهو يقول:

-       إلى اللقاء قريبًا في موسكو...

-       إن شاء الله، يا سلافا، إن شاء الله.

إن شاء الله! – وقد قلتها فعلاً بحسرة يومذاك، لأني نادرًا ما كنت أقولها...

لأني كنت متشككًا جدًّا حينذاك في ذهابي إلى موسكو، خاصة وأنه وَرَدَنا من دمشق نبأٌ صاعق يقول إن هاشم أصيب بجلطة قلبية حادة، وإنه الآن في غرفة العناية المشددة.

كان هذا في أواخر تشرين الثاني 1974، حيث كنت أقود آخر أعمال التحريات وأصفِّي ورشتَها في قره قوزاك.

وأعود إلى المنزل مساء ذلك اليوم متعبًا ومعكَّر المزاج، لأجد زوجتي وحماتي في حال فرح عارم...

-       مبروك، يا أكرم، مبروك...

-       مبروك على ماذا؟ لقد تزوجنا منذ خمس سنوات، على حدِّ علمي.

-       لأني حامل يا أكرم!

ونغرق جميعًا في الضحك، وبفرح كبير.

وبعد فترة وجيزة، جاءني من مركز الشركة في حلب خبرٌ مفاده أن هاشم، الذي خرج لتوِّه من المستشفى إلى منزله، يستدعيني بالسرعة الكلِّية إلى عنده، إلى دمشق...

4

وأجده في منزله متعبًا، منهكًا، وقد فقد الكثير من وزنه، لكنه في كامل نشاطه الذهني وتركيزه. ودون أن يترك لي مجالاً للحديث، بادرني قائلاً:

-       اذهب بسرعة إلى وزارة المواصلات، وتابع هناك أمر مهمَّتك وجواز سفرك [وهو "جواز مهمة"] اللذين سيصدرهما لك "أبو محمد"، وهيِّئ نفسك، لأنك ستسافر إلى موسكو في أوائل العام، في الـ5 من كانون الثاني. سيكون معك مهندس آخر من اللاذقية يدعى أنور الجانودي. إنه الآن هنا في دمشق. تعرَّف إليه... انطباعي أنه شخص جيد... وأخبرني مباشرة بما يجري معك.

-       فورًا، يا أبو الخير، فورًا... لكنك تفاجئني بهذا... فلا رضوان ولا أحد في الشركة أخبرني عن موضوع سفري!

فضحك وأجابني:

-       وهل كنت تتوقع من رضوان أن يخبرك؟!

وأذهب إلى الوزارة، حيث أقابل "أبو محمد" الذي أعطاني أمر المهمة، وأرسلني إلى فرع وزارة الخارجية في المهاجرين لاستصدار جواز سفر لي كمهمة إلى موسكو. فأعطيتهم صوري وهويتي الشخصية، واستلمت الجواز مباشرة في اليوم التالي. وكان هذا أول جواز سفر لي.

في ذلك اليوم أيضًا تعرَّفتُ إلى أنور الجانودي، الذي كان مهندسًا طويل القامة، خجول الملامح، متخرجًا من تشيكوسلوفاكيا. وقد كان انطباعنا الأول عن واحدنا الآخر إيجابيًّا جدًّا.

لن أطيل الحديث هنا، لكني سأنوِّه فقط إلى محطتين صغيرتين سبقتا سفري.

الأولى كانت اجتماعي الأخير (قبيل السفر) مع هاشم، الذي أوصاني بضرورة الاستفادة، قدر الإمكان، مما يمكن أن يتوفَّر لي من خبرة هناك، وأخبرني أن مدة المهمة ستكون ثلاثة أشهر، كما هو واضح في الأمر الإداري. لكنْ عليَّ أن أتوقع أن مهمتي يمكن لها أن تمدَّد ثلاثة أشهر أخرى، لأنه سيأتي حتمًا إلى موسكو خلال تلك الفترة لإجراء عملية جراحية وللتفاوض مع الروس حول عقد تنفيذ الجسرين، ولأنه يريدني أن أكون معه خلال تلك الفترة، لأشارك في المفاوضات.

وودَّعتُه لأنه كان عليَّ العودة إلى حلب لتوديع زوجتي. فغدًا كانت ليلة رأس السنة، وكان عليَّ الاحتفال معها ومع بعض الأصدقاء هناك. وسفري إلى موسكو كان قد حُدِّدَ فعلاً في الـ5 من كانون الثاني. لقد أصبحتُ الآن جاهزًا للسفر.

أما المحطة الثانية، فكانت لقائي بخالد بكداش... حيث فوجئت، لدى عودتي بعيد ظهر ذلك

اليوم إلى منزل أهلي، قبيل أن أغادر إلى حلب، بوالدتي تقول لي في لهفة:

-       لم يتوقف شخص يدعى أبو سعيد عن الاتصال بك منذ الصباح. من هذا الـ"أبو سعيد"، يا أكرم؟

ولم تكد تكمل كلامها حتى رنَّ جرس الهاتف من جديد. وكان على الطرف الآخر من الخطِّ أبو سعيد (عبد الوهاب رشواني)، عضو منطقية الحزب آنذاك، الذي سرعان ما بادرني قائلاً:

-       أبو عمار[17] يريد أن يراك مباشرة، يا رفيق. هل بوسعك القدوم فورًا إلى منزله في حيِّ الأكراد.

-       طيب، سآتي حالاً.

وأسارع في الذهاب إلى هناك، لأنه لم يكن عندي الكثير من الوقت. فموعد عودتي إلى حلب كنت حدَّدتُه في السادسة مساء. وأجد أبو سعيد الذي كان ينتظرني عند باب منزل أبو عمار، فيُدخِلني إليه. وهناك، جالسًا وراء مكتبه في غرفة الاستقبال، كان ينتظرنا أبو عمار الذي شكر أبو سعيد وطلب منه أن يدعنا وحدنا، هو وأنا. ثم دعاني إلى الجلوس بقربه.

-       أبو محمد يمتدحك كثيرًا، يا أكرم. أبو الخير وأنت، في نظره، من أفضل مهندسي الحزب.

فأشكره، وأسأله عن صحته.

-       صحتي جيدة الآن، يا رفيق. لكن دعنا من هذا... فقد استدعيتك لأمر آخر... لأمر خاص.

-       خير، يا رفيق.

-       لقد أخبرني أبو محمد أنك موفَد إلى موسكو، وأنك ستسافر قريبًا.

-       نعم، يا رفيق، سأسافر في 5 كانون الثاني.

-       هو طلب خاص، يا أكرم. سترى حتمًا في موسكو ابني عمار الذي يدرس هناك. وهو معجب جدًّا بك، ويحبك ويقدِّرك. فقط أريدك أن تحاول جهدك إقناعه بألا يترك دراسة الهندسة، لأني أفضِّله مهندسًا... مثلك ومثل أبو الخير... لأني لا أريده اقتصاديًّا ولا متفرغًا حزبيًّا، كما يفكر هو الآن. قال "متفرِّغ حزبي"، قال...

-       سأحاول، يا رفيق أبو عمار... ثِقْ أني سأحاول.

-       شكرًا، يا رفيق... هذا كلُّ شيء. لنشرب الآن فنجان قهوة، ولنتحدث قليلاً عن أوضاع الشركة وأوضاع منظَّمتكم.

وكان هذا ما حدث. فقد غادرتُه، وأنا مفعم بمشاعر جياشة. وأهمُّها حينذاك كان ازدياد إعجابي بهذا الرجل، الذي كنت حينذاك معجبًا به أصلاً، والذي اكتشفت فجأة أنه ليس مجرَّد سياسي قدير، بل أيضًا وخاصةً (وكما يفترض)، مجرَّد أب، مثلنا جميعًا... أبٍ قَلِقٌ على مستقبل ابنه وتوجُّهاته.

5

كانت هذه هي المرة الأولى التي أركب فيها الطائرة، والمرة الأولى حكمًا التي أخرج فيها خارج نطاق سورية ولبنان في أول سفرة لي إلى الاتحاد السوفييتي "العظيم". وأتذكر أن الطائرة السورية (من نوع كارافيل) المتجهة ليلاً إلى موسكو كانت شبه فارغة يومذاك. لذلك جلسنا (أنور وأنا) كلٌّ في المكان الذي اختاره لنفسه. وقد كنت منفعلاً وخائفًا بعض الشيء. لذلك سرعان ما أغمضت عينيَّ، متظاهرًا بالنوم لأخفي خوفي وانفعالي. لكن عقلي كان يعمل في سرعة مرعبة. ففي المطار، الذي أوصلني إليه أبي، واجهتْني "مشكلة صغيرة" مع الأمن العام.

-       أكرم أنطاكي... لكنك ممنوع من السفر...

هذا ما صرَّح به، بكلِّ بلادة، ضابط الأمن العام الذي كان يدقِّق جواز سفري، وهو يقرأ في الدفتر الذي أمامه.

ولحسن الحظ، وعن طريق المصادفة، وقع نظري، ولو بالمقلوب، على السطر الذي كان يقرأ. فوجدت اسمَ شقيقتي إكرام التي كانت حينذاك في فرنسا. وأجيبه:

-       لا، أنا لست ممنوعًا... فالاسم الذي أنت تقرأ ليس أنا.

-       كيف... ليس أنت؟

-       اقرأ جيدًا أمامك. هي اسمها إكرام، مع ألف في الوسط، وأنا اسمي أكرم. هي أنثى، وأنا ذكر. هي من مواليد 1947، وأنا من مواليد 1945.

فيضحك الضابط بعد التمعُّن، ويجيبني:

-       هذا صحيح... لكن، ما قرابتك بهذه الإكرام؟

فأجيبه:

-       شقيقتي...

فيتفكَّر قليلاً، ويبتسم. ثم يختم جواز سفري (الذي كان جواز مهمة من الخارجية) بعد التمعن فيه، ويقول لي أن أتفضل. وأتفكَّر أن عليَّ إخبار إكرام بأن اسمها على الحدود، كي تأخذ حذرها... ثم يأتي أنور الذي ترك مكانه في الطائرة ليجلس قربي، فنتحدث قليلاً عن الجسر وعن أنفسنا، ونحن نحتسي كأسًا من البيرة... وأحاول النوم مجددًا، لكن دونما جدوى. أما في نهاية الرحلة. قد كانت مفاجأتي الكبرى ما أعلَنَه لنا (أقصد لركاب الطائرة الذين كان عددهم حوالى العشرة، أغلبهم من الطلاب) أحد المضيفين، حين خاطبنا بصوت مرتفع قائلاً:

-       يا شباب، لا توجعوا راسنا... من يريد منكم أن يصرِّف دولارات في موسكو فليذهب إلى السفارة السورية إلى عند المساعد طلاس، وهو يصرِّفها لكم. سعر الصرف في السفارة الآن هو 4 روبلات للدولار.[18]

وأفكر بالثلاثمئة دولار التي كنت أحملها معي حينذاك. أتفكر أنْ ربما كان صرفها في السفارة أفضل من صرفها عن طريق "الرفاق" الذين كنت قرَّرت تجنبهم في الفترة الأولى. ونصل إلى مطار موسكو التي كان يغطيها غبار الثلج الأبيض – حيث كانت درجة الحرارة في تلك الليلة 10 درجات مئوية تحت الصفر – في الساعة الواحدة بعيد منتصف الليل. وجدنا في انتظارنا هناك أحد الأشخاص من "سيوزتوربرويكت"[19]، أوصلنا مباشرة إلى فندق شعبي مؤقت قضينا فيه ليلتنا الأولى.

6

وأستعيد تلك الفترة التي قضيتها في موسكو آنذاك. وأتذكر أنه في اليوم التالي جاءنا سلافا الذي أمَّن نقلنا إلى فندق آخر أفخم في قلب المدينة، كان تقرر مكانًا لإقامتنا – "فندق أوكرايِنا" – ثم أعطانا ما كان متفقًا أن يدفع لنا من مصاريف جيب تغطِّي مصاريفنا اليومية وأكلاف تنقلاتنا بالمترو ووجبة غداء (في حدود الـ250 روبل شهريًّا). بعد ذلك، اصطحبنا إلى مقرِّ الشركة – عن طريق المترو، كي يعلِّمنا كيفية استعماله – الذي كان يقع مقابل الكرملين، على الطرف الآخر من نهر موسكفا.

وكانت هذه المرحلة بالنسبة لي ولأنور (أقصد الأشهر الثلاث الأولى) مرحلة جميلة وغنية جدًّا. وقد كنَّا نقضيها وفقًا لما أضحى روتيننا اليومي. فخلال النهار كنَّا نداوم في مقرِّ الشركة، حيث كنا نطَّلع على سير الدراسات. وهناك غالبًا ما كان سلافا يؤمِّن لنا زيارات لمواقع جسور قيد الإنشاء في موسكو، ولبعض المعامل، حيث كانت تُصنَّع موادٌ إنشائية روسية أو بعض آليات البناء. وفي الليل، كنَّا نقضي سهراتنا في مطعم الفندق أو في مطاعم أخرى، حيث طابت لنا مرافقةُ الفتيات الروسيات الجميلات، أو، بين الحين والحين، عندما كنَّا نتمكَّن من تأمين بطاقات، كنَّا نذهب إلى مسرح البولشوي أو إلى السينما أو إلى السيرك – مما أدى إلى صرف ما كنَّا نتقاضاه من راتب بسرعة كبيرة قبل نهاية الشهر، مما كان يضطرنا إلى الاستعانة بما كنَّا نحمل من دولارات صرفناها في "بنك" سفارتنا هناك! وأيضًا...

كان سلافا في هذه الفترة هو المسؤول عنَّا ومرافقنا الأساسي خلال معظم العطل الأسبوعية (السبت والأحد) في موسكو وضواحيها. فها هو ذات مرة يأخذنا مع عائلته وأقاربه للتزلج على الثلج في الغابات المحيطة بالمدينة؛ أو إلى معرض للمنتجات الزراعية والصناعية في ضواحيها لنشاهد ما حققه "العهد السوفييتي" من تقدُّم لهذا البلد؛ أو يدعونا إلى منزل أهل زوجته في ريف موسكو لنقضي النهار معهم ونأكل "الشيشليك"[20]؛ أو إلى زيارة معالم هذه المدينة الجميلة التي بدأنا نكتشفها أيضًا بمفردنا، ونكتشف مشكلاتها...

ومشكلات موسكو، المخفية تحت السطح، وراء اللغة الخشبية للخطاب الدعائي الرسمي، التي لم يكن أحدٌ يتحدث عنها حينذاك، لم تكن مجرد مشكلات صغيرة. فسرعان ما اكتشفنا، لدى احتكاكنا بالناس، ملل الكثيرين من نظام الحكم عندهم عمومًا، ورغبة الكثيرين من خيرة أبناء هذا البلد العظيم في الهجرة والمغادرة، وخاصة منهم اليهود الذين كانت غالبيتُهم تحلم بالهجرة إلى إسرائيل أو إلى الولايات المتحدة.

وأتوقف قليلاً هنا لتوضيح كيف تعرَّفت إلى تلك المشكلة اليهودية الروسية، التي لم تكن كلُّها (كما سبق وقيل لنا) من صنع الخارج.

ففي مكان عملنا، حيث كان يوجد بعضهم (الذين كانوا، للمناسبة، من أفضل العناصر الفنية في الشركة) سرعان ما لاحظنا (أنور وأنا) تمايُز هؤلاء عن غيرهم من الروس وانزواءهم. وفي مطعم الفندق، حيث كنَّا نقضي سهراتنا غالبًا، سرعان ما وجدنا أنفسنا على احتكاك ببعضهم ممَّن كان يرتاد المطعم أحيانًا.

فذات مرة، وجدتُنا نجلس على نفس الطاولة مع اثنين لا نعرفهما. وحين استمعا إلينا نتحدث بالعربية، سرعان ما بادرانا الحديث باللغة الإنكليزية.

-       من أيِّ بلد أنتما، شباب؟ وبأية لغة تتحدثان؟

فأجبت صاحب السؤال منهم:

-       نحن من سورية، ونتحدث فيما بيننا بالعربية.

فضحك وأجابني:

-       إذن، نحن أبناء عم.

فاجأني جوابه. لأني، وإنْ كنت فهمت ما يعني، إلاَّ أني تظاهرت بعدمه، وسألته:

-       عفوًا، أيها السيد، فأنا لم أفهم ما الذي تعنيه بكلامك.

فقال لي في بساطة لامتناهية:

-       أعني أننا يهود، أي أبناء عمومتكم[21].

ووجدتُنا، بالسرعة الكلِّية، نقضي تلك السهرة في نقاش حادٍّ مع "رفيقينا" الجديدين... نقاش دار حول كلِّ الأمور وكلِّ الأشياء... بدءًا من الأوضاع الروسية التي كانا ينتقدانها في حدَّة، بينما كنت أدافع عنها في حماس، مرورًا بالموقف من القضية الفلسطينية التي كنت أدافع عنها، وصولاً إلى الحركة الصهيونية التي صرَّحا لي علنًا بانتمائهما إليها. وقد انتهت هذه السهرة اللطيفة بكلِّ مودة من خلال مشهد بدا لي وكأنه سوريالي! – مشهد كنَّا نشرب فيه، أنا وأنور، نخب "ياسر عرفات"، بينما كانوا هم، من جهتهم، يشربون نخب "دافيد بن غوريون"!

وفي اليوم التالي، حدثتُ سلافا بكلِّ بساطة عما حدث معنا في تلك السهرة، فأنصت إليَّ بانتباه، قبل أن يجيبني بكلِّ جدية:

-       نعم، يا أكرم، ها أنت تكتشف بنفسك أن عندنا مشكلات في روسيا... والمشكلة اليهودية هي إحدى هذه المشكلات.

-       وهل هناك مشكلات أخرى، يا سلافا، وما هي؟

-       قطعًا هناك مشكلات أخرى، يا أكرم، وسوف تكتشفها بنفسك.

وفي يوم السبت التالي، اصطحبَنا سلافا وزوجته، بناءً على طلبي، لزيارة الكنيس اليهودي الرئيسي في موسكو، الواقع قرب "بلوتشت ناجينا"[22]. وأتذكر أيضًا تلك الزيارة الطريفة، حيث...

وصلنا إلى هناك بعيد الظهر، قبل بدء الصلاة. وكان يقف عند باب الكنيس يومذاك بعض العجائز من اليهود، الذين بادر سلافا إلى تحيَّتهم. ثم، بعد أن بيَّن لهم أننا – أنور وأنا – من سورية، استأذنهم في زيارة المكان، فرحَّبوا بنا بكلِّ لطف، ومازحونا قليلاً... فقط طلبوا منَّا بأن نضع قبعاتنا على رؤوسنا حين ندخل إلى الكنيس لأن هذا ما تفرضه أعرافُهم وتقاليدهم. وكان هذا ما حصل. لكن...

ما كدنا أن ندخل، وما كدت أن أتأمل من الداخل ذلك المكان ذا الجدران الحمراء التي كانت تغطيها نقوشٌ توراتية مذهَّبة باللغة العبرية، سارع سلافا وزوجته إلى جرِّنا من يدنا نحو الخارج. وقد وَقَعَ في مسمعي، ونحن نخرج، صوتٌ عالٍ يقول: "إيتا بروفوكاتسي، إيتا بروفوكاتسي..."[23] وقد شرح لنا سلافا بعدئذٍ، معتذرًا، أن بعض الشباب اليهود الذين لم تَرُقْ لهم زيارتُنا إنما اعتبروها "استفزازًا"؛ مما اضطر سلافا وزوجته لأن يخرجانا بسرعة من المكان، تجنبًا للمشاكل. وأتابع اكتشافاتي الموسكوفية...

فألاحظ، مثلاً، كلما كنَّا نعود من سهراتنا إلى الفندق، وجود دوريات من المدنيين الذين يجوبون الشوارع مثنى مثنى. فأسأل سلافا عن الموضوع، ويجيبني بأنهم ميليشيا حزبية تجوب الشوارع ليلاً لتساعد في الحفاظ على الأمن. وأسأله:

-       لكن هل هناك من يهدِّد الأمن في موسكو، يا سلافا؟

-       نعم، هناك "الخوليغانز"[24]... لأن مازال عندنا الكثير من المشكلات الاجتماعية، يا أكرم.

وبسرعة، أكتشف بعض هذا المشكلات، التي كان من أهم انعكاساتها الخارجية السُّكْر الواسع الانتشار، والدعارة، والعصبيات القومية المستشرية، وخاصة بين الأقليات. وألاحظ أن الفقر كان عامًّا، حيث، حتى تاريخه، أي بعد مرور 57 عامًا على الثورة، لم تكن السلطة السوفييتية قد تمكَّنتْ من حلِّ جميع تلك المشكلات وتأمين مستوى معاشي وسكني لائق للجميع. فحتى تاريخه، مثلاً، لم يكن لدى سلافا (البالغ من العمر حينذاك 40 عامًا) وزوجته وطفليه – وهو مهندس رئيسي ومن سكان موسكو – مسكنٌ خاص بعد؛ فقط كانت له ولأسرته غرفة في منزل جماعي، وكان مسجِّلاً على مسكن لدى الجمعية السكنية في مكان عمله، وينتظر دوره للحصول على مسكنه الخاص منذ ما يزيد عن ستِّ سنوات. أما مترجم مجموعة التحريات، الذي كان شابًّا لا يتجاوز عمره الـ25 سنة، فلأنه كان، ربما، عنصرًا أمنيًّا، فقد أمَّن منزلاً خاصًّا له خلال أقل من سنة. لهذا السبب، فهمنا لماذا لم يدعُنا سلافا خلال فترة إقامتنا في موسكو إلى منزله الخاص... لأنه لم يكن لديه منزلٌ خاص. إنما دعانا إلى المنزل الريفي لأهل زوجته... لهذا السبب أيضًا، لم يكن لدى إحدى زميلاتنا في العمل، تامارا كلاشيناكوفا، التي كانت، كما تبيَّن لي من أصول أرستقراطية، إلا غرفة صغيرة في منزل أهلها وجدَّيها الذي كانت تشاركها في سكناه أربعُ أُسَر أخرى. وأيضًا...

بسرعة تبيَّن لي أن المظهر الإلحادي للدولة السوفييتية لم يكن إلا قشرة رقيقة تغطِّي واقعًا أعقد بكثير ما كنت أتصور. لأنه صحيح أننا، حين زرنا بعض الكنائس هناك، في الفترات العادية، لم نشاهد فيها إلا بعض العجائز، لكن ما فاجأني وجعلني أتفكر جيدًا في الأمر كانت محاولةُ حضوري صلاة الفصح عند منتصف الليل في كاثدرائية موسكو. يومذاك لم أتمكَّن حتى من ولوج باب الكنيسة نظرًا لضخامة الحشد ولكثرة رجال الشرطة والأمن المحيطين بالمكان. وأتفكَّر – وكنت حينذاك في ذروة حماسي وقناعتي الشيوعيين – أن الشعب الروسي، كما وصفه دوستويفسكي وتولستوي، مازال، ربما، مؤمنًا في أعماقه، وأن هذا الواقع، غير المنظور للوهلة الأولى، كان أيضًا من المشكلات التي لمَّح إليها سلافا لي.

وتنتهي الأشهر الثلاثة... ويعود أنور إلى الوطن، وأبقى أنا بانتظار مجيء هاشم الذي كان قد مدَّد مهمَّتي.

7

وأتذكر أنه قبيل ذهاب أنور، في مطلع الشهر الثالث لوجودي في موسكو، بادر الرفاق هناك إلى الاتصال بي. وأجد ذات ليلة كلاً من مروان صقَّال[25] وعمار بكداش وقدري جميل ينتظرونني في البهو الرئيسي للفندق، حيث بادرني مروان مباشرة قائلاً:

-       أين أنت، يا عَوَنْطَجي؟ أنت في موسكو منذ شهرين، ولم تتصل بنا بعد؟!

ومنذ ذلك التاريخ أصبحتُ أراهم مرتين في الأسبوع على الأقل... لقاءات كنَّا نقضيها في المطاعم وفي زيارة معالم موسكو التي ازدادت جمالاً مع قدوم الربيع عامةً، وفي نقاشات لا تنتهي حول الأوضاع السياسة عامة، وفي المنطقة خاصة، حيث في الـ13 من نيسان تفجَّرت الحرب الأهلية اللبنانية. كما كنَّا نتناقش خاصةً حول أوضاع الحزب وتكتلاته وما يجب علينا أن نفعل لإضعاف مواقع يوسف وتقوية مواقع أبو عمار. وأتذكر حديثي الخاص حينذاك مع عمار، وكيف لم أستطع إقناعه بأن لا يترك الهندسة!

وأيضًا، أتذكَّر كيف تغيرتْ ظروفي ومكان إقامتي بعيد ذهاب أنور. حيث نُقِلْتُ أولاً إلى فندق شعبي يقع في ضاحية موسكو قرب "المعرض الزراعي"، في وضع جديد كان يتناقض بعض الشيء مع ذلك المظهر الباذخ الذي كنت أعيشه في "فندق أوكراينا". كانت ميزته الوحيدة (أقصد الفندق) أنه يقع مباشرة على خطِّ المترو الموصل إلى مكان عملي. وقد قضيت في هذا المكان ما يقارب العشرين يومًا، انتقلت بعدها، فور مجيء هاشم، إلى فندق فخم آخر يقع في وسط موسكو، قرب ساحة ماياكوفسكي، ويدعى بـ"فندق بكين" (الذي يبدو وكأنه بُنِيَ أيام شهر العسل الصيني–السوفييتي).

هناك، أصبحت أشارك هاشم غرفته، بناءً على طلبه، مما غيَّر روتين حياتي الذي أصبح مرتبطًا بروتين "المعلِّم" ومواعيده. وهذا كان يحكمه وضعُه الصحي وضرورة أن يحضِّر نفسه للعملية الجراحية التي كان سيخضع لها، من جهة، وروتين عمله اليومي، وضرورة مرافقته أينما يذهب، وخصوصًا إلى اجتماعاته مع الجانب الروسي الذي كان يفاوضه من أجل الجسرين، من جهة، ومن أجل تدعيم الشركة في شكل عام، من جهة أخرى. وقد ساهمتْ هذه المرحلة (من العِشْرة اليومية الخاصة) في تمتين الصداقة الناشئة بيننا والقائمة على الاحترام والمحبة.

وأتذكر أنه، خلال تلك الفترة، كان هاشم، كما تعرَّفتُ إليه، مزيجًا من ذلك الإنسان الجبَّار والهشِّ معًا... الجبار في طاقاته الذهنية ومقدار تركيزه وقدرته على العمل، من جهة، والهش بفعل إنسانيته ووضعه الصحي الذي أتى إلى موسكو لعلاجه.

وأتذكر كيف كنت أساعده كلَّ يوم على القيام بتمارينه الرياضية، وكيف كنت أذكِّره بمواعيد تناول أدويته. أتذكر، خاصةً، مفاوضاته الطويلة الحادة مع الروس الذين كانوا يرضخون له في النهاية، وكيف كان يحصل دائمًا على ما كان يريد منهم، بأرخص الأسعار... لأنه، كما قال لي سلافا مرة:

-       الأستاذ هاشم مفاوض جيد جدًّا، يا أكرم. إنه أفضل من جماعتي بكثير... ربما لأنه صاحب قضية، وهو مقتنع بها أكثر مما هم مقتنعون بها. وهذا ما يسرني ويؤلمني في الوقت نفسه...

وتنتهي إقامتي في موسكو مع انتهاء مفاوضات هاشم مع الروس. فأغادرها في أوائل حزيران 1975 عائدًا إلى دمشق كي أباشر في تهيئة ورشة جسر الميادين. أعود وأنا متزوِّد منه بعدد لا بأس به من الكتب والأوامر الإدارية التي تعطيني كامل الصلاحية والإمكانية للمباشرة بالعمل، دون أية إعاقة من أحد. الأمر الذي زاد من التباعُد وعدم الانسجام الذي كان قائمًا أصلاً بيني وبين نائبه آنذاك، أقصد رفيقنا وعضو منطقية حلب، المهندس رضوان مارتيني.

8

أعود إلى حلب، حيث أجد منى في انتظاري، وهي على وشك أن تضع طفلتنا الأولى، وحيث كنَّا نلاحق معاملتنا مع المصرف العقاري لشراء أول منزل لنا. وقد اشترينا هذا المنزل الصغير الجميل الواقع في السليمانية في مواجه "رعاية الشباب"، وانتقلنا إليه في أوائل تموز 1975، أي قبل حوالى أسبوعين من ولادتها لابنتنا الأولى في الـ20 من تموز 1975.

إبان تلك الفترة التي كنت أقضيها متنقلاً بين الميادين وحلب، باشرتُ تهيئة موقع العمل، واستأجرت منزلين للخبراء في الميادين.

وأتذكر كيف جاء أهلي، بعد ولادة منى، إلى حلب مباشرة لتهنئتنا بطفلتنا الأولى التي كنَّا أسميناها "لنا". وأتذكر أن مَن جاء كان عمليًّا عائلة أريستيدي الصغيرة كلها... حيث، بالإضافة إلى أبي وأمي، كانت هناك أيضًا إكرام، التي أخبرتْني بأنها أنهتْ دراستها في فرنسا، كما كان أيضًا أخي سمير وأختي ريما. وأتذكر...

أني سألت إكرام حينذاك حول هل لاقت أية صعوبات في المطار، فأجابتني: "لا، فقط تأمَّلوني كثيرًا، وهم يدققون في جواز سفري." وأتذكر خاصةً...

أنها كانت تحتضن لنا في حنان، حين سألتْني بشكل مفاجئ، وبكلِّ جدية:

-       أكرم، هل تعطيني طفلتك؟

... وكيف أجبتُها بكلِّ جدية وأنا أضحك:

-       لا يا إكرام، هذا غير وارد!

-       إذن، ستجبرني على صنع طفلي بنفسي!

وأتذكر خاصةً في ذلك اليوم كيف غضب منَّا سمير، الذي كان يقضي وقته كلَّه جالسًا أمام لنا يتأملها... غضب منَّا لأننا أيقظناها بصوتنا العالي!

وأتذكَّر – يا إلهي! – كم مرَّتْ عليَّ من أحداث في تلك الأيام، ولم تكن كلها جميلة...

كيف استُدعيتُ ذات يوم إلى دمشق، لأجد إكرام العائدة من المستشفى، الخارجة لتوِّها من محاولة انتحار بسبب قصة حبِّ تَعِسة وفاشلة عاشتْها... كيف وجدت أهلي في انتظاري يومذاك: أبي منزوٍ وحده في زاوية الصالون يبكي... ريما الجالسة إلى جانب سمير في صمت... وأمي التي علَّقتْ بكلِّ قسوة حين رأتني قائلة:

-       كل هذا كان بسببك...

وأتذكر كيف وجدت إكرام مستلقيةً على السرير في غرفتها، فأضمُّها إليَّ وأنا أسألها:

-       لماذا، يا إكرام، لماذا؟ وهل هناك أحدٌ يستحق أن تنتحري من أجله؟!

فتجيبني، وهي تبكي:

-       لقد كنت أحبه، يا أكرم! أما هو فقد كان يسخر منِّي...

وأستعيد، كيف طلبتْ منِّي آنذاك، بكلِّ جدية، أن أذهب "إليه" وأسترجع "منه" الرسائل التي سَبَقَ لها أن كتبتْها له، وكيف ذهبتُ، وكيف استرجعتُها...

لأن بعد هذه الحادثة بشهر... نعم، بعدها بشهر، سافرتْ إكرام إلى المكسيك. غادرتْنا إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية. وقد كان قرارُها حينذاك أنها لن تعود إلى هذا البلد مرة أخرى. وأيضًا...

أتذكر أنه كان ذلك مساء أحد أيام الجمعة التي كنت أقضيها مع زوجتي وابنتي الوليدة في حلب، حين اتصلت بي والدتي لتخبرني بأنها عائدة لتوِّها من بيروت مع أبي بعد أن أودعت سمير في "مشفى السيدة" في أنطلياس، حيث مازال إلى الآن.

وأستعيد كيف كنت أستمع إليها بكلِّ بلاهة، فاغر الفاه، وأنا أبكي، وكيف أني، على الرغم من أن الألم كان يعتصر قلبي، لم أجرؤ حتى على سؤالها:

-       لماذا؟ لماذا، يا ماما؟ ألم يكن بالإمكان أن نبقيه معنا؟

لأنه، من منظورها، هذا لم يعد ممكنًا... لأنه، حينذاك، لم يكن أحدٌ منَّا حتى يتجرَّأ على مناقشة روزين. وأيضًا...

9

أتذكر كيف مرَّ هذا العام (1975) بسرعة مرعبة... كيف بوشر بالعمل في الميادين... كيف وصلت الـ"بينوتو"، وكيف رافقتُها من حلب إلي موقع العمل... وكيف أنجزنا الردمية من الجهة اليمنى من الجسر... وكيف أنجزنا أساسات المسند الأول فيه بحضور هاشم الذي جاء خصيصًا من دمشق ليكون معنا.

وأستعيد، خاصة، كيف جاء سلافا وفالنتينا وطفلاهما إلى منزلي في حلب لتهنئتي بميلاد ابنتي لنا، وكيف مازحني يومئذٍ قائلاً:

-       أنت، الآن، كما تقولون عندكم يا أكرم، أصبحت تدعى "أبو لنا".

-       نعم، أبو لنا، يا سلافا... أبو لنا.

-       أما أنا، يا أكرم، فبوسعك، من الآن فصاعدًا، أن تدعوني "أبو ماشا" أو "أبو إيليا"...

ونضحك ملء قلوبنا. لأننا كنَّا سعداء في ذلك اليوم حقًّا... سعداء بتلك الصداقة العميقة التي كانت تترسخ كلَّ يوم بين أبو لنا وأبو ماشا! وأيضًا، وخاصةً، سعداء كنَّا، ونشرب معًا كأس مستقبل كنَّا نؤمن بأنه سيكون زاهرًا وسعيدًا لكلينا. ففي ذلك اليوم، أخبرني سلافا أيضًا أنه حصل على منزله في موسكو، وأنه استلمه مباشرة قبيل مجيئه إلى سورية.

وأتذكر، يا إلهي، كم مرَّ هذا العام بسرعة. حيث سرعان ما كان رأس سنة جديد (1976)... قضيناه جميعًا في دمشق. جميعًا، أقصد أنا ومنى ولنا، وأيضًا وخاصةً، سلافا وفاليا وطفليهما الذين جاؤوا معي إلى دمشق ليشهدا معمودية لنا وليكونا إشبينين لها... تلك المعمودية التي تمَّتْ في منزل الأهل، وبحضور هاشم وزوجته:

-       لقد أصبح عندنا اليوم طفلة جديدة، يا فاليا.

-       نعم، يا سلافا، لقد أصبح عندنا اليوم طفلة جديدة.

هذا ما كان يقوله أبو ماشا لزوجته في يوم معمودية ابنتي لنا، الذي وقع في الثاني من كانون الثاني 1976...

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] نظرًا لوجود تداخُل في الأحداث، أنصح للقارئ أن يقرأ بعض مقاطع هذا الفصل مع الفصل الذي سبقه، وأقصد "ذكريات جزراوية".

[2] أبو محمد هو المهندس عمر السباعي، وزير المواصلات حينذاك.

[3] أبو الخير هو المهندس هاشم العبيسي، المدير العام شركة الأعمال الإنشائية آنذاك ومؤسِّسها.

[4] من أشهر المتعهدين السوريين في القطاع الخاص وأفضلهم.

[5] 1800 ل س كانت تعادل حينذاك 600 دولار تقريبًا. أما اليوم فهي تعادل 35 دولارًا فقط!

[6] راجع: "ذكريات جزراوية".

[7] موقع عمل مشروع سكة حديد دير الزور–الحسكة–القامشلي حينذاك، ومحطة قطار في الموقع نفسه حاليًّا.

[8] مركز سد الفرات.

[9] التعبير مأخوذ من مسرحية هاملت لشكسبير.

[10] عبد الجليل بحبوح.

[11] زينب نبوة أو "أم فياض".

[12] أبو سام.

[13] ماشا وإيليا.

[14] يقصد الفترة التي شنَّ فيها ستالين حربَه على الفلاحين الأغنياء والمتوسطين، التي كلَّفتْ روسيا ملايين الضحايا، فأقام المزارع الجماعية أو السوفخوزات.

[15] "موجيك" تعني بالروسية "فلاح".

[16] تصغير فالنتينا.

[17] خالد بكداش، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري.

[18] السعر الرسمي للروبل كان آنذاك 0.7 دولار.

[19] الشركة الاستشارية السوفييتية التي كنَّا متعاقدين معها من أجل الجسرين.

[20] اللحم المشوي.

[21] بمعنى أننا، كعرب، أبناء لإسماعيل، وهم، كيهود، أبناء لإسحاق، اللذين كانا أخوين غير شقيقين.

[22] ساحة ناجينا.

[23] أي بالروسية: "هذا استفزاز، هذا استفزاز...".

[24] أي "الزعران"!

[25] صديقي ورفيقنا من الجامعة. راجع ذاكرة الباطن، الجزء الأول.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود