|
العنقاء
الصحف اليومية في لندن تولي اهتمامًا خاصًّا بتحطُّم طائرة بريطانية في شمال كينيا. الطائرة تابعة للأسطول الجوي الملكي البريطاني؛ وهي طائرة شحن كانت تنقل مساعدات غذائية وطبِّية إلى القبائل التي تعاني من شبح المجاعة منذ شهور. وكان يقود الطائرة الكابتن ديفيد كينكهام ومساعده وهاب عبد الحسين، البريطاني الجنسية من أصل عراقي. في افتتاحية صحيفة The Daily Telegraph عنوان بارز: "جثة واحدة، لا جثتان." ويتحدث الخبر بالتفصيل عن العثور على جثة كابتن الطائرة؛ أما جثة المساعد فلم يتم العثور عليها إطلاقًا. فقد مَسَحَتْ فِرَقُ الإنقاذ التابعة للجيش الكيني المنطقة ضمن دائرة نصف قطرها 5 كم، ولم يتم العثور على شيء، ولا حتى على أيِّ أثر يبيِّن أن الأسود التي تجول في المنطقة قد افترستْه. وعلى الصفحة العاشرة خبرٌ فرعي يتضمن احتمال تعرُّض الطائرة لعمل تخريبي قام به المساعد، نقلاً عن أحد المسؤولين في جهاز المخابرات البريطانية، أكَّد في نهاية الخبر أن الطيار وهاب عبد الحسين له علاقة ببعض الأحزاب الإسلامية المتطرفة. أما جريدة The Independent فقد نقلتْ رأي أحد خبراء الإنقاذ الجوي الذي مفاده أن الطيار وهاب عبد الحسين لم يمتْ، بل استطاع النجاة بعد انفجار الطائرة. وعلى الصفحة السابعة رسمٌ كاريكاتوري عن اختفاء المساعد، تظهر فيه الطائرة المحطمة، واثنان من الأسود بالقرب منها يقول أحدهما للآخر: "ما رأيك يا عزيزي بأن نأكل صاحب البشرة السمراء؟ فهو يحمل جنسية عربية، ولا أحد سيحاسبنا إذا التهمناه!" جريدة The Guardian، من جانبها، فنَّدتْ في قوه اليوم الاتهامات الموجَّهة إلى مساعد قائد الطائرة بكونه عميلاً لأحزاب إسلامية المتشددة. فقد نشرتْ لقاءات الصحفية مع عدد من أصدقاء المساعد المقربين؛ وكانت جميع الإجابات تؤكد وجود تناقضات خطيرة في شخصية السيد وهاب عبد الحسين، مما جَعَلَه حديث الشارع الإنكليزي هذه الأيام. قال القس تشارلز: "كان السيد وهاب من أعز أصدقائي، وأنا آسف لأنه انتهى مثل هذه النهاية. فقد عرفت السيد وهاب ميالاً في شغف إلى دراسة اللاهوت المسيحي، ولديه أفكار جريئة حول هذا الموضوع." وأما الأستاذ يوري سرغييفتش أندرييف، العضو في الحزب الشيوعي البريطاني، فقال: "لقد جئت من موسكو باحثًا عن وطن وصديق، فوجدت لندن، ووجدت السيد وهاب. كان دائم الحضور لاجتماعات الحزب، وكان يُبدي تعليقاتٍ بالغة الأهمية، دون أن يكون شيوعيًّا." ولم يَزِدْ السيد أندرييف الطين بلَّة مثلما فعلت الشرطة البريطانية حين صرَّحت، بعد تفتيشها لشقة المساعد، بوجود بعض الكتيِّبات السرية الخاصة بإحدى جمعيات السحر السود المحظورة في بريطانيا، وبعض محاضر الاجتماع للجمعية كان قد حَضَرَها بنفسه. وقد أفاد أحد زملاء السيد وهاب في سكوتلاند يارد، لم يكشف عن اسمه، أن السيد وهاب كانت له عشيقة اسمها جولي، شاركتْه السَّكَن مدة سنوات. ويعتقد المحققون أن جولي قد تحمل مفتاح الحلِّ لتاريخ السيد وهاب الغامض، أو تحمل مفتاح سرِّ تحطُّم الطائرة حتى. ومازال البحث جاريًا عنها. ونختم هذا الاستعراض بلقاء مع المدير المسؤول لشركة الطيران التي يعمل فيها السيد وهاب، إذ قال: "على الرغم من كون السيد وهاب عربيَّ الأصل فقد كان إنكليزيًّا أكثر من أيِّ إنكليزيِّ قح." *** [في غابة استوائية في شمال كينيا، حيث تنتشر المخيمات الخاصة بالصليب الأحمر لمساعدة السكان الذين يعانون من خطر الموت جوعًا، يقوم ثلاثة من الأطباء الألمان، هم الدكتور كارل، وزوجته ماري هوفمان، وصديق للعائلة، طبيبٌ شاب اسمه يوهان ريختر، بجولة استكشافية قرب المخيم.] كارل: كانت الطائرة تحمل بعض المُعدَّات المهمة لنا. ماري: الجميع يفكر في مصير الطائرة، وأنت تفكر في مُعدَّاتك! يوهان: شركة الطيران قرَّرتْ مساء أمس دفع التعويضات... ماري: يعني أن السبب كان الطائرة، وليس عملاً تخريبيًّا، كما يزعمون! كارل: أعتقد ذلك، يا ماري. يوهان: نُشِرَ على الإنترنت يوم أمس تقريرٌ لأحد الأطباء النفسيين، يقول فيه إن شخصًا يمتلك تاريخًا مثل تاريخ السيد وهاب لا بدَّ أنه يعاني من اضطرابات نفسية حادة... مع عبقرية لا يستهان بها! كارل [بعد لحظات من الصمت]: لقد فشلنا مع الأطفال في المخيم... يوهان: إنهم يعانون من اكتئاب ملازم، ولا يمكن تسليمهم إلى الحكومة وهم على هذه الحال! ماري [تلتفت نحو يوهان]: كارل محق. بذلنا الكثير من النفقات، ولم نتوصل حتى الآن إلى أيِّ علاج. هناك مناطق أخرى في حالة سيئة، وهي في حاجة إلينا. كارل: اسمع، يا يوهان: التمويل الخاص بالصليب الأحمر محدود جدًّا، ولا نستطيع المجازفة أكثر. ماري [بعد فترة الصمت]: لقد وصلنا إلى النهر، وقد أخذنا الكلام. أوه، الحر شديد! سأستحم في مياه النهر. ما رأيك، يا كارل، أن تأتي معي؟ [تبتسم قليلاً.] كارل: لا، يا عزيزتي، شكرًا... ولكن احذري التماسيح! [يصلون إلى ضفة النهر، فتتجرد من ملابسها بكلِّ عفوية، وتبقى بالمايوه، وتنزل إلى النهر. أما كارل ويوهان فيبقيان جالسين يراقبانها وهي تسبح.] يوهان: زوجتك رشيقة... كارل [ضاحكًا]: نعم، وذات قوام جميل! يوهان [بعد فترة صمت]: ما رأيك في استدعاء طبيب أمراض نفسية لعلاج الأطفال؟ كارل: لا أستطيع أن أحمِّل المنظمة عبء مبلغ إضافي. إني أعمل فيها منذ ثلاث سنوات، وأعلم أن هناك جانبًا غير الجانب الإنساني يجب أن تفهمه. يوهان: أعرف مَن قد يأتي مجانًا. كارل: أنا موافق... ولكن مَن هو؟ [يسمعان صراخًا.] يوهان: إنها ماري على الضفة الأخرى! [يقفز كارل بسرعة في النهر، ويعبر سابحًا نحو الضفة الأخرى.] كارل [آتيًا باتجاه ماري]: ماذا جرى... ماذا؟! ماري [تتنهد]: هناك شخص ميت ملقى هنا. كارل: أين هو؟ أين؟ ماري: هناك، خلف الصخور. [يذهب كارل، ويعود به محمولاً على كتفه.] كارل: إنه حي، لكنه يتنفس في صعوبة... [في المخيم. الساعة قاربتْ التاسعة مساءً. أطفال كثيرون جالسون، وقد التصقتْ جلودُهم بأعظُمِهم. الرجل الذي وجدوه عند ضفة النهر راقد، وماري ويوهان جالسان بالقرب منه.] يوهان: لقد تأخر كارل كثيرًا. ماري: قال إنه سيعود سريعًا... لا بدَّ أن فريقًا طبيًّا سيرافقه. يوهان: أخيرًا وجدناه... الطيار وهاب عبد الحسين. [يدخل كارل.] ماري: ما الأخبار، يا كارل؟ كارل: الطريق مقطوعة بسبب الأسود النائمة... لا بدَّ من الانتظار إلى الغد... ألم يستفقْ بعد؟ يوهان: إنه غائب عن الوعي. [يتنهد الطيار وهاب قليلاً، قبل أن يستفيق.] وهاب [في صعوبة]: آه... آه... أين أنا؟ ماري: أنت بخير، لا تقلق. وهاب: أين أنا؟ كارل: أنت في أمان. وهاب: أين أنا؟ أرجوك أخبرني! كارل: أنت في مخيم تابع للصليب الأحمر. وجدناك مغشيًّا عليك على بُعد 11 كيلومترًا من طائرتك المحطمة. وهاب: ما أخبار ديفيد؟ كارل: تقول الصحف إنه مات. وهاب: آه، يا ديفيد! اللعنة على تلك الطائرة! يوهان: ماذا حدث؟ ماري: ليس هذا وقت الأسئلة! إنه متعب، يا يوهان! كارل: ماري محقة... يجب أن نتركه إلى الغد. يوهان: هل تحتاج إلى شيء؟ وهاب: أنا جائع، جائع جدًّا. كارل: ماري، أحضري لنا بعض الأكل. [تذهب ماري.] [صباح اليوم التالي. يستيقظ وهاب، ويتجول في أرجاء المخيم دون أن يلاحظه أحد. يرى الكثير من الأطفال البائسين هنا وهناك يتلقون العلاج وبعض الغذاء ضمن برنامج حمية مركَّزة. تلاحظه ماري وتقترب منه.] ماري: هل تحتاج إلى مساعدة؟ وهاب: شكرًا... مساكين، هؤلاء الأطفال! ماري: نعم، كما ترى... لكننا نعاني من بعض المشكلات النفسية للأطفال. وهاب: إنها مأساة... ماري: هل أنت بخير؟ وهاب [ناطقًا المقطع الأول بالعربية والثاني بالإنكليزية]: الحمد لله، أنا بخير. ماري [متعجبة]: ما معنى اسم "وهاب"؟ وهاب: هو اسم عربي، معناه "المُعطي بلا مقابل". [يأتي كارل.] كارل: عمت صباحًا، يا سيد وهاب. وهاب: مرحبًا. ماري: هل اتصلت بالسلطات حتى ينقلوا السيد وهاب؟ كارل: طبعًا، طبعًا اتصلت. وهاب [في نفسه]: إنه يكذب... أحس بذلك. [نحو ماري]: هل أنت من ألمانيا؟ ماري: نعم... [لحظات صمت.] هل أنت عربي؟ وهاب: من العراق. كارل: لطالما تمنيت زيارة أرض بلاد النهرين... تاريخكم رائع! ماري [نحو كارل]: أين ذهب يوهان؟ كارل: ذهب إلى... [صوت سيارة قادمة.] لقد عاد، وستعرفون إلى أين ذهب. [ينزل يوهان ومعه سيدة.] يوهان: أقدم لكم صديقتي الدكتورة إيزابيل راحيم، طبيبة أمراض نفسية. هي من النرويج. الجميع: أهلاً وسهلاً. يوهان: أقدِّم لكِ الدكتور كارل، وزوجته الدكتورة ماري، وضيفنا... هو مفاجأة: إنه الطيار وهاب عبد الحسين. إيزابيل: أوه... مرحبًا بكم جميعًا... [نحو وهاب]: لقد أثير حولك الكثيرُ من الأخبار... لقد أصبحت أسطورة! وهاب: عفوًا، يا سيدتي، ولكنه إعلام فقط... [في نفسه]: إنها يهودية... ستكون الإقامة هنا ممتعة! إيزابيل [في نفسها]: ما تزال أحمق، يا يوهان، منذ أن عرفتك قبل أربعة أعوام! إنه مسلم، وهم لا يشعرون بالارتياح إلى اليهود! كارل: لماذا أنتم واقفون هكذا؟ دعونا نحتفل بمناسبة شفاء السيد وهاب... وبقدوم السيدة إيزابيل. [مساءً. الجميع على مائدة الطعام.] إيزابيل: لقد شرح لي يوهان حالة الأطفال بالتفصيل... أعتقد أنهم يعانون من الوحدة. فقد فقدوا أهليهم منذ شهور. عندي بعض المقترحات لبرنامج ترفيهيٍّ خاص. يوهان [ضاحكًا]: أتمنى أن لا يكون مكلفًا يا عزيزتي! وهاب: حالات الانهيار العصبي قد يكون لها سببٌ آخر. كارل [في نفسه]: لقد دقت طبول الحرب! إيزابيل: كيف، يا سيد وهاب؟! ماري [مقاطعة]: إنها اختصاصية، يا وهاب، وتعرف عملها. وهاب: أوه... أنا آسف! ماري: لا عليك... لقد اتهموك بالشيوعية، وبأنك تنتمي إلى إحدى جمعيات السحر، وتدرس اللاهوت... يوهان: وبأن لك عشيقة اسمها جولي... [الكل ينظر إليه مستغربًا.] أنا آسف! وهاب: لستُ شيوعيًّا... لكني قرأت ماركس، ودرست اللاهوت. أما السحر فقد جاء عن طريق دراسة الروحانيات... وكان لا بدَّ من المرور من هذا الطريق. كارل: إنها تناقضات... ألا تعتقد ذلك، يا وهاب؟ وهاب: أبحث عن الحقيقة، بغضِّ النظر عن طريق الوصول إليها. إيزابيل: أنت فيلسوف! وهاب: شكرًا... [صمت.] ما رأيكِ بمساعدتكِ في برنامجك. إيزابيل: أوه، شكرًا، شكرًا. ماري [ضاحكة]: أتمنى لو أن المسلمين واليهود يتفقون دومًا هكذا! وهاب: ما رأيك، يا إيزابيل؟ إيزابيل: في صراحة... المسلمون هم مَن يثيرون المشكلات... دائمًا... والعرب هم... كارل [مقاطعًا]: ما هذا، يا إيزابيل؟! هل سنحل القضية الفلسطينية الآن؟! وهاب: المشكلة تكمن في أن أجدادنا باعوا الأراضي المقدسة لأجدادك، ويأتي أبناؤهم اليوم لكي يستردوا ما باعه الأجداد. لقد تمَّ قبض الثمن، وانتهى كلُّ شيء. ولكن، يا إيزابيل، لا يمكن لإسرائيل أن يدَّعي أنه في "أرض الوطن"... لا يمكن شراء شيء اسمه "الوطن". إيزابيل: ولكن، تاريخيًّا، نحن أصحاب الأرض و... وهاب: تاريخيًّا للمسيحيين، وتاريخيًّا للمسلمين... لا، لا تكوني متعصبة هكذا! فغدًا أمامنا عمل، أليس كذلك؟ يوهان: هيا... فلنذهب إلى النوم. كارل: لأول مرة تكون محقًّا، يا عزيزي يوهان. [ماري مع كارل.] كارل [في عصبية]: آه، من يوهان الأحمق... ألم يجد غير هذه الطبيبة اليهودية؟ ماري: إنه طيب القلب جدًّا، يا كارل... لكن مشكلته هي عدم الاتزان قليلاً... [صمت.] بقاء وهاب معنا فيه خطر... فالعالم كلُّه يتحدث عنه. كارل: دعيه يرتاح قليلاً... إنه مصاب. ماري: هناك سبب آخر، أليس كذلك؟ كارل: لا تقلقي، يا ماري، إني أفعل الصواب. ماري: تريد كَسْبَ الشهرة من ورائه... كلما تأخر أكثر، ازداد اهتمام الصحافة. كارل: تصوري، عزيزتي، مقدار الأموال التي ستأتي كتبرعات للأطفال! وهاب سيضمن لنا ذلك. ماري: صحيح أنه هادئ جدًّا... أغلب الوقت يقضيه صامتًا... ولكنه داهية... أشعر أن فيه عمقًا يتَّسع للعالم كلَّه! كارل: يبدو أنك معجبة جدًّا به! ماري: أنت غبي، يا كارل! سأذهب للنوم. [بعد ثلاثة أيام. وهاب جالس على تلٍّ صغير، وضوء القمر الفضيِّ قد حوَّل المكان إلى لوحة من عصر النهضة. راح يفكر في مشكلة الأطفال والانهيار العصبي الذي أصبح مثل الشبح الذي يحرمهم من النوم ويطارد كلَّ مَن في المخيم. تأتي إيزابيل، وتحاول سرقة وحدته.] إيزابيل [وهي تجلس]: أتمنى ألا أزعجك. وهاب: لا، لا، إطلاقًا... [لحظات من الصمت.] أمازلت حزينة؟ إيزابيل: لقد فشلت... الإحساس بالانهيار شيء مدمِّر... مدمِّر... وهؤلاء الأطفال... [تبكي.] وهاب: لا تبكي، يا عزيزتي... ما هذه الدموع؟! إيزابيل [مستمرة في البكاء]: لقد جاءت النتائج عكسية... برنامجي فشل... وهاب: ما هذا يا إيزابيلا؟! عندي حلٌّ لهؤلاء الأطفال. إيزابيل: ماذا ستفعل؟ وهاب: ستكون مفاجأة. إيزابيل: لقد درست التحليل النفسي لسنوات، ولكنك صاحب شخصية غريبة! وهاب: كارل حاول تأخيري عامدًا... خمسة أيام مضتْ، ولم يأتِ أحدٌ يسأل عني! إيزابيل: تقصد... وهاب [مقاطعًا]: نعم، يحاول البحث عن قصة... عن دور طرزان، بطل الغابات. إيزابيل: لا أعتقد أن كارل يفعل ذلك! وهاب: سنرى... إيزابيل [بعد لحظات من الصمت]: حدِّثْني عن جولي، أرجوك! وهاب: جولي؟ تملك قلبًا رائعًا... ولولاها لأمست حياتي في لندن قاسية. إيزابيل: لقد أجادت دور الأم، على ما يبدو. وهاب: وأخيرًا نجحتْ في اصطيادي الدكتورة إيزابيل! إيزابيل: حدِّثْني عن نفسك أكثر. وهاب: هل تعرفين، يا إيزابيل، مَن هو أمكر في هذا العالم؟ [تصمت إيزابيل.] إنه الله... تلك القوة الكونية التي أبدعتْ كلَّ شيء... فحذارِ أن تلعبي معه... حذارِ. يقول يسوع: "إذا لم تعودوا كالأطفال لا تدخلون ملكوت السماوات." هل تفهمين ما يقصد؟ كنت أحلم، وأنا طفل، بفهم هذا العالم واحتوائه داخل عقلي... [يصمت قليلاً.] وأخيرا أبصرت – ويا ليتني لم أبصر! إيزابيل: كنت أتصور أن عصر القديسين قد انقضى، ولكن... وهاب [مبتسمًا]: الغبي فقط مَن يحاول أن يكون قديسًا في هذا العالم! إيزابيل: ماذا ستفعل لهؤلاء الأطفال؟ وهاب: غدًا سترين، يا... يا إيزابيلا. [مساء اليوم التالي. كارل وماري جالسان بجانب إحدى الخيام، يراقبان وهاب وإيزابيل مع الأطفال.] كارل: ماذا يفعلان؟ ماري: أخبرتْني الدكتورة إيزابيل بأن لدى وهاب حلاً لهؤلاء الأطفال. كارل: هل سينجح؟ لا أعتقد ذلك. ماري: إيزابيل تقول إن وهاب تعمَّد التأخير... إنه... إنه يعلم كلَّ شيء، يا كارل. كارل [وهو يشعل سيجاره]: إنه داهية، على الرغم من مظهره الغبي. [يأتي يوهان ويجلس.] يوهان: لقد أعطى وهاب كلَّ طفل بعض الخبز، وأوصاهم بأن يضعوه تحت الوسادة التي ينام عليها كلٌّ منهم... ماري: وجعلهم يتناولون وجبة كبيرة من الطعام في العشاء... لقد راقبتُه. يوهان: إنه مجنون... لِمَ فعل ذلك؟ ماري: لست أدري، يا يوهان. كارل [ضاحكًا في غرابة]: يقول عنه جارُه في المبنى إنه شيطان! سنرى ماذا ستقدم عبادة إبليس من خدمات! ماري: لا تكن قاسيًا هكذا، يا كارل! [بعد حوالى نصف ساعة.] يوهان: سأذهب للنوم... لقد سئمت هذا الهراء! ماري: هيا بنا، يا كارل... إنني أشعر بالنعاس. [صباح اليوم التالي. وهاب ويوهان جالسان إلى مائدة الفطور.] يوهان: إيزابيل مهتمة بك اهتمامًا غير عادي. وهاب: مَن؟! إيزابيل؟! لا أعتقد ذلك... إيزابيل لا تفكر في شيء سوى عملها. يوهان: لماذا تهرب من الموضوع؟ وهاب [في نفسه]: كم هو رائع أن تجلس مع أحمق في الصباح! [تأتي ماري وتشاركهما طعام الفطور.] يوهان: ما أخبار الأطفال؟ ماري: هم بخير... ولكن أين كارل؟ خرج ليلاً ولم يعد حتى الآن! [يأتي كارل ومعه إيزابيل.] ماري [مصطنعة الهدوء]: أين كنت، يا عزيزي؟ إيزابيل: لقد نام الأطفال بشكل جيد ليلة أمس... حقًّا إنك عبقري، يا وهاب! كارل: لقد نجحت الطريقة... الأطفال ناموا بشكل رائع... لقد راقبناهم، أنا وإيزابيل. ماري: شكرًا يا وهاب... شكرًا. [تلاحظ عليه الانزعاج من رؤية كارل مع إيزابيل.] وهاب: يجب أن أرحل الآن! كارل: كيف تمَّ علاج الأطفال؟ ماري [في نفسها]: إيزابيل اللعينة... [تلتفت إلى وهاب]: اشرح لنا الطريقة... أرجوك، يا وهاب! وهاب: عندما كنَّا صغارًا، كانت جدتي تعالج الأرق الليلي بهذه الطريقة... والبقية تشرحها لكم الدكتورة إيزابيل راحيم، طبيبة الأمراض النفسية... [ينهض.] على العموم سأذهب لأخذ بعض الأشياء من المخيم. [بعد أسبوعين في لندن. شقة صغيرة جدًّا. الأثاث البسيط موزع هنا وهناك بطريقة كلاسيكية. وساعة Big Ben تظهر من خلال النافذة بلون رمادي رائع. وهاب جالس مع القس تشارلز.] تشارلز: لماذا قلت في المؤتمر إن إيزابيل هي مَن اخترع طريقة العلاج؟ وهاب [متنهدًا]: لست أدري، يا تشارلز... لا أعرف! تشارلز: لا تعرف؟! لقد اتهمتْك بمشاركتها السرير... قالتها وهي فخورة بذلك! وهاب: ما طهَّره الله لا تدنِّسه إيزابيل راحيم! تشارلز: قد تكون مشاعر بدائية لحبٍّ قادم... نعم، يا وهاب، حب! وهاب: الحب تعويذة سحرية قديمة لم تعد تعمل بشكل جيد في هذا العالم. هذا العالم يستحق الرثاء! تشارلز: وإيزابيل تستحق الرثاء أكثر... وهاب: نعم، يا تشارلز. تشارلز: يبدو عليك التعب... على العموم، في الأسبوع القادم ستكون محاضرة القس وليم عن قيامة المسيح الثانية... هل ستحضر، يا وهاب؟ وهاب: سأحاول... ما هو رأي القس وليم في علاج الأطفال؟ تشارلز: يقول فيها إنها طريقة قديمة جدًّا، ظهرتْ في الشرق قبل حوالى عشرة قرون كعلاج للأرق الذي يصيب الأطفال في أوقات المجاعة، وهي خدعة لاواعية بوجود طعام في الغد... الأمل، يا وهاب... أليس كذلك؟ وهاب: بالضبط... الأمل. تشارلز [وهو ينهض]: إلى اللقاء. [بعد ساعتين. يرن جرس الباب.] وهاب [وهو يفتح الباب]: مَن؟ [إيزابيل واقفة بالباب.] إيزابيل [بالعربية]: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وهاب [بالعبرية]: شالوم. إيزابيل: هل أدخل؟ وهاب [في حيرة]: نعم... نعم، بالتأكيد. إيزابيل [وهي تجلس]: كنت مارَّة من هنا... وددت أن أراك. وهاب: ماذا تريدين، يا إيزابيل؟ إيزابيل: سامحني... أرجوك! وهاب: على ماذا؟ إيزابيل [تبكي]: على تلك القصة اللعينة في الصحف... آه... لقد كذبت! وهاب: العشيقة؟! دور رائع أليس كذلك؟ "الطيار العربي يقع في غرام طبيبة يهودية"... "الدكتورة إيزابيل راحيم تكتشف أسرارًا جديدة في شخصية الطيار المجنون"... لماذا كذبت، يا إيزابيل؟ إيزابيل: ارحمني، أرجوك... أنا مستعدة لأيِّ عقاب، يا وهاب! وهاب: ما أخبار كارل؟ إيزابيل: لقد تبرع بكلِّ الأموال التي حصل عليها إلى المنظمات الإنسانية. وهاب [مبتسمًا]: أقنعتْه ماري بذلك. إيزابيل: هل سامحتَني؟ أرجوك! وهاب: مقابل المشاركة في تأليف الكتاب... الذي يروي أمجاد الدكتورة إيزابيل راحيم في المخيم. إيزابيل [تصمت في حيرة]: كيف علمت؟! وهاب: هل كانت أمك سيئة إلى هذه الدرجة؟ إيزابيل: عمَّ تتحدث؟ وهاب: ... سيئة إلى درجة أن أبوك هجرها مع عشيقة أخرى! إيزابيل: كيف عرفت بهذا كلِّه؟ يوهان لا يعلم شيئًا. وهاب: امرأة تصادق أحمق مثل يوهان... لماذا؟! وتفتخر بدور العشيقة... لماذا؟ لماذا يا... يا ليليت؟! إيزابيل [بعد دقائق من الصمت]: من أنت؟! اتفقنا، يا سيد وهاب؟ وهاب: اتفقنا، يا دكتورة إيزابيل. شتاء 2003 *** *** *** |
|
|