|
الإنجيل الخامس قراءة مفصَّلة ومكثَّفة لثورة المسيح وجهاده الملكوتي
رفيقنا وأخونا شوقي خير الله – أبو علي، القومي العتيق والعسكري العنيد والانقلابي والسجين والحر الطليق – هو اليوم قارئٌ بعين ثاقبة للأناجيلَ القانونية الأربعة في إصداره الإنجيل الخامس*، بغية ترتيب سيرة سيدنا المسيح وجهاده، على التوالي، منذ اعتماده في الأردن لدى يوحنا المعمدان حتى اغتياله صلبًا وموته ودفنه وقيامته وارتفاعه. يلحُّ خير الله على أن "إنجيله الخامس" قراءة مفصَّلة ومكثَّفة ومبرمجة وتأويل عملاني وميداني لثورة المسيح ولتبشيره وجهاده الملكوتي، ثقافة وميدانًا ومراحل.
في البدء، يرى خير الله أن المسيح تكلَّم الآرامية العنقاء، وكذلك المعمدان والملاك جبريل، وأن المسيح عيسى بن مريم ولد على الآرامية، بها تثقف وتكلَّم، وبها بشَّر الحواريين وتلاميذه والمرسلين السبعين إلى أقوام الأرض جميعًا، وأنه بالآرامية خاطب الشعب والناس، أينما تباعد تجوالُه في فلسطين والأغوار والمدن العشر والجولان والجليل وحوران واللجاة ومعلولا وصيدون وصور والعرقوب وحرمون وبلاد البشارة وسائر المناطق اللصيقة. ثم يمضي شوقي خير الله في نبش التراث، فيفيدنا بأن مريم اسم آرامي قح، وترجمته "السيدة" – وهكذا ظل في المسيحية إلى اليوم وإلى الأبد. أما إليصابات فهي إيليسَّا، والملحقة بات هي لهجة يهودية للَّفظ الآرامي الأصلي، في اللغة جميعًا، وليس في اسم إيليسَّا وحده. وأن المسيح لم يتلفَّظ يومًا بضرورة الاقتداء بموسى ولا بوجوبه ولا بكهنوت هارون، ولا بتطبيق شريعة السجن المعتقل. المسيح ليس موسويًّا ولا عزرويًّا، والعياذ بالله، بل أقرب قربًا من ملكي صادق. (ص 46) وهو يروي قصة سيدتنا مريم: فهي العذراء، تلقَّت البشارة الخاطفة من جبريل، وحبلت بقوة الروح القدس، بكلمة الله، وأبقت الأمر سرًّا خوفًا من العَسَس والجواسيس والمخبرين، وابتعدت عن الناصرة ومحيطها سرًّا إلى عين كارم لدى كفيلتها إيليسَّا، أي أمِّها بالتبنِّي، ولدى زكريا كفيلها، وبقيت هناك متخفِّية، حتى جاءها المخاض في فترة الإحصاء المسكوني الأول الذي أمر به إمبراطور روما. وما اجتمع في ما بعد يسوع بالشعب واحتكَّ بهم إلاَّ أحبوه، واستنتجوا أنه من الله أتى، وأنه رسول الله – لا ريب – إلى العالمين جميعًا، وأنه عروة العقد الاجتماعي الجديد، وأنه كشَّاف الحقائق، أي مختصر مفيد، "الشعب معه والمافيات ضده" (ص 124). ويُعلِمنا خير الله، فيما يُعلِمنا، أن مرقس الإنجيلي هو في الأصل آرامي اسمه يوحنا، وأن "يوحنا ليس يهوديًّا" (ص 147)، وأنه عرف المسيح والمسيحية وهو دون سنِّ الرشد، وأنه كتب إنجيله نحو العام 64 في روما متأثرًا ببولس، وخاصة ببطرس، وأن إنجيله أقصر الأربعة، وأنه استشهد في الإسكندرية في العام 68. أما يوحنا، "التلميذ الحبيب"، فكان ملازمًا للمسيح في الرفقة والصحبة عامة؛ وإنجيله هو الأشمل سردًا لسيرة المسيح، وهو إنجيل المسيح الحقيقي الأوحد الموجود منذ الأزل في ذات الله. ويوحنا هو الأوضح في بلورة المعتقد المسيحي الجديد. إلى مؤتمر كفرناحوم التأسيسي، حين وقف يسوع للمرة الأولى "رئيسًا إداريًّا ذا سلطة تُطاع" (ص 209) في اجتماع حاشد منظَّم من أجل إعلان تشريع متطور وناقض ومستقل، فيناقش ناموس موسى وشريعة سينا المأخوذة عن شريعة حمورابي وينقضها. وإلى الموعظة على الجبل، حين انطلق صوت يسوع قويًّا صافيًا، ذا سلطان وآسرًا، فألقى خطابًا مفصَّلاً مرتَّبًا في شفافية تخرق الأفهام، ومستهلَّه عند خير الله تقدَّس سرُّه: "طوبى للمساكين الغلابى عيال الله، المحرومين والمنبوذين. طوبى لكم لأنكم موعودون لتكونوا ملح الأرض ونور العالم." (ص 214) في أسلوب قصصي ممتع يروي شوقي خير الله تفاصيل حياة يسوع: من اغتيال المعمدان، إلى إرسال تلاميذه في قارب إلى الضفة الشرقية وصَرْفه الجموع، فابتعاده للصلاة واجتراحه المعجزات. إلى أقواله وثورة المعمدان. فرسوليَّته وأسلوبه نسيج فذٌّ من الاقتحام المستقتل. فسرُّه أنه فتح مدارك الشعب ووعَّاهم "حتى درجات متقدِّمة وعميقة من الحقيقة الرجوية المريمية المسيحية" (ص 296). إلى انسحاب يسوع إلى الجليل فالعرقوب وحرمون، فالتجلِّي، وإلى الجليل فالجلجلة وخطبة الوداع. في 383 صفحة قطعًا كبيرًا يأتينا الإنجيل الخامس لشوقي خير الله إنجيل الجهاد في سبيل الملكوت، مقرًّا بأنه تذهله قلَّة – أو عدم – قراءة المسيحيين إنجيلهم وقرآنهم، كما تذهله قلَّة قراءة المسلمين إنجيلهم إياه، وهو أقوال وأفعال المسيح الذي به يؤمنون، والذي جاءهم القرآن مصدِّقًا له وخاتمًا عليه – ونحن معه. *** *** *** عن النهار، الثلثاء 18 كانون الثاني 2005 * صدر لدى "بيسان للنشر والتوزيع والإعلام"، 2004. |
|
|