أحلم بوطن
معتصم دالاتي
1
أحلم بوطن خارج الأديان والمذهبية والطائفية والتعصب لأيٍّ كان.
وطن خارج القومية والشعوبية والأيديولوجيا والشعارات.
أحلم بوطن يعترف فيه المجتمع بحرية المومس في اختيارها لمهنتها، ويدرك
أن الشرف ليس في الجسد، بل في الرأس، وأن القاضي المرتشي هو عاهر، وأن
معلم المدرسة الذي يجعل الدروس الخاصة على حساب دروس الصف هو عاهر،
والسياسي المخادع، ورجل الدين المنافق، والتاجر أو البائع الجشع،
والمحامي النصَّاب، والكاتب أو الشاعر المتكسِّب.. هؤلاء هم العاهرون،
وليست المومس.
أحلم بوطن يبتسم فيه النساء والرجال كل منهما للآخر بمودة في الشوارع
والأزقة والطرقات.
أحلم بوطن يتبادل فيه العشاقُ العناقَ والقبلات في الحدائق العامة
والساحات الرئيسية والفرعية وعلى أرصفة الشوارع.
أحلم بوطن بلا سجون ولا معتقلات.
أحلم بوطن يحترم المؤمن والكافر والمتدين والملحد والزنديق.
أحلم بوطن يُتيحُ لي حين أكون مكتئبًا أن يضم كلٌ منا الآخر إلى صدره،
ونبتدئ البكاء. وحين أكون منتشيًا يشاطرني اللعب والرقص والغناء.
أحلم بوطن يطلب مني أن أحيا كرمى له ولأجله، لا أن أموت في سبيله.
أحلم بوطن ينتمي فقط للإنسانية والإنسان.
*
أكتبُ عن الحب.. لأنني عاجزٌ أمام هذا الفيض من الكراهية.
أحكي عن العشاق.. لأن نقاط التفتيش تتربص بهم، عَلَّها تصادرُ قُبلة
مُهرَّبة.
أتغنَّى بالجمال.. لأن ما حولنا من قبح قد غطى بالأسود كل الألوانْ.
أُشيدُ بالحياة.. لأن الموت مُتربصٌ بنا من كل الجهاتْ.
أتكلم عن الفرح.. لأنني مسكونٌ بالحزن والآلام.
أستحضرُ الشعر والموسيقى والرقص والغناء.. لأن المادة تفترس الروح،
والثيران تعبثُ في حقول الورد، وتدوس الفراشات والعصافير.
أبتسمُ للمسيح.. لأن ضحكة يهوذا تتحدى الجميع.
أستحضرُ الحُلمَ.. لأن الكوابيس تجثم على صدري.
أحلمُ أحيانًا لو أستطيع بيديَّ الاثنتين أن (أُجَعْلِكَ) هذا العالم
كجريدةٍ مهترئةٍ وأقذفُ به إلى حاويةِ قُمامةٍ ملأى بالنفاياتْ.. ثم
أصرخ بأعلى صوتي صرخة مُدوية.. عسى يهتز عرشُ إلهٍ ما، ويستفيقُ من
سُباتهِ العميقْ.
*
الحزن والفرح توأمان، يجلس كلٌ منهما على مقعد وثيرٍ في شُرفة قلب
العاشق.
للحزن وجهٌ مضيءٌ كنيزك..
وللفرح وجهٌ ساطعْ كنجمْ.
يفرح الحزن، فيصاب الفرح بالاكتئاب.
يحزن الفرح، فتعلو الابتسامة وجه الحزنْ.
يغيب الحزن، فيفتقده الفرح.
ويشعر بالوحدة الحزن إذا ما غاب الفرح.
ما أتعس قلبًا لا حزن لديه ولا فرحْ.
القلب. الروح. الجسد.
أقانيمٌ ثلاثةٌ في أُقنومٍ واحدْ. إذا ما غاب عنه الحب يغدو عاطلاً عن
الحياة.
كم هي بليدة ورتيبة حياةٌ لا تمارس الحياة.
يا أيها الحزن النبيل.. قلبي يفتقد توأمكْ.
*
مع صافرة الحكم المعلنة بدء السباق. أخذت السلحفاة تغذُّ السير نحو
الهدف بهمة ونشاط. فجأة لاحت التفاتة من الأرنب اللاهي بقضم الجزر فوجد
أن السلحفاة على بُعد خطوات من نهاية السباق. بضع قفزات سريعة، وصل
الأرنب الهدف.
قبل أن يعلن الحكم فوز الأرنب، اعترضت السلحفاة بأن خللاً قد حصل.
مطالبة بإعادة السباق. أيدها الجمهور الغفير المستهجن تلك النتيجة.
تمت إعادة السباق، فحصل تمامًا ما حصل في المرة الأولى.
طالبت أيضًا السلحفاة بتكرار السباق للمرة الثالثة. وكما حصل في المرة
الأولى والثانية تكرر في المرة الثالثة. كان الأرنب يتلهى بقضم ما تبقى
لديه من جزر ثم يتنبه الى السلحفاة وهي على بُعد خطوات من النهاية،
فيحقق الفوز ببضع قفزات سريعة.
-
ما رأيك يا سيدتي السلحفاة؟ تساءل الحكم.
-
أجابت السلحفاة: ليس هذا ما علمونا إياه في المدرسة، وقرأناه في الكتب.
-
ماذا علموكم في المدارس والكتب؟
-
علمونا أن السلحفاة تفوز على الأرنب.
صفق الجمهور للسلحفاة بحماس.
قال الحكم مخاطبًا السلحفاة والجمهور: إذن عليكم إعادة النظر بالكثير
مما تعلمتم في المدارس، وبما قرأتم في الكتب.
نعم. لعله يتوجب علينا مراجعة الكثير مما نحمل من مسلَّمات الموروث
والتقاليد والأعراف. مفهوم الانتماء. العصبية. الشرف. القداسة.
الأخلاق. الفضيلة. الجنس. الحلال. الحرام. الوطن. النصوص المحفوظة.
الوقوف على الأطلال. والكثير مما نتشبث به دون تحليل. لعلنا نفكر
بعقولنا. لا بعقول الأموات. ونعيش حياتنا خارج سلطة القبيلة والسلف
الصالح والأجداد.
*
يا نساء الأرض.
بَشِّرن بالحب دينًا وحيدًا أوحدا.
أقمن طقوس الفرح لإله الحب.
اقتلعن بالحب إله الحرب المزروع في قلوب الرجال.
قبلة بين عاشقين في ساحة المدينة أو في إحدى الحدائق العامة، هي أروع
من كل انتصارات الاسكندر المقدوني، وأبهى من جميع فتوحات القادة
الأبطال.
الحب هو صوت الموسيقى، وفرح الطبيعة بأبنائها الطيبين.
الحرب هي صوت استغاثة الحياة من عقوق الأبناء.
*** *** ***
عن صفحة الكاتب على الفيسبوك