كاترينا.. وبحر ايجة
عادل المتني
أراقب من بعيد أضواء المدينة
حبات جمر في موقد كبير
لاجئ افترش صحراء حزينة
لاجئ على أرصفة الطريق
..
قبالة بحر ايجة
بلاد العم أتاتورك الجميل
نافذة الهاربين من الحرب
..
يمد البحر يديه كشبح ليلي
يسرق من حقائب مهاجرة أرواحها
يرمي بعضها على الرمل صباحًا
كدمى بلاستيكية نافقة
تسارع عدسات الكاميرات لالتقاطها
ونشرها على حبال الغسيل
...
يجر الناجون أذيال أحلامهم مبللة بالدمع
يسخر البحر منهم ويناديهم: عودوا إلي
يبصق عليهم بعض الموج
عودوا.. كي لا تغرقوا في الوحل مرتين
...
تشرق الشمس
أحدهم غفى وأذنه على صدفة
امرأة حامل دست في بطن الصمت لقمة
رجل عجوز يشم ما تبق من رائحة قدميه
طفلة عارية ترجم البحر واليابسة
مجنون أحصى خسائر السفر:
ثلث مات في البحر، ثلث يموت هنا، ثلث يموت هناك
...
حين وقفت الشمس على رجليها ساعة الظهيرة
بعد ركعة الفجر الطويلة
كاد البحر يختنق
حسكة علقت في فمه
مجاديف المهاجرون التي تمسد ظهره أنقذته
وعاد يبصق في وجوهنا بعد كل وجبة
زبدا ودما وانكسار
...
..
هنا برلين
..
هنا دمشق
..
هنا برلين
..
هنا دمشق
..
هنا، لا شيء سوانا
أنت وأنا، وأقواس العار
...
صياد خسر كل أسماكه على الضفة المقابلة
وضع قطعة خبز في صنارته ورماها في فم البحر
جمع صغار الحظ قربه وأنشد يقول:
يا بحر
يللي ع كتافك حملت الناس ومشيت
من بر لبر
رحلة الأمان
..
لما حملت شعبنا
بشعبنا كعيت
مش هيك يا بحر
عشرة الخلان
..
يا دمعة ملح
ع وج الأرض شو بكيت
عطشان لميتك
من القهر هربان
..
يا حيييييف يا بحر
هالخبز والملح نسيت
ونسيت وصايا نوح
وموسى والرحمن
..
قلت ع كتف البحر اتكيت
آآآخ يا بحر
يا طير
يا مكسر الجنحان
..
عندما لفظت الشمس أنفاسها الأخيرة
كان الناجون يمسحون عن ثيابهم
ما تبقى من غبار البحر
...
سأل أحدهم: أتشمون مثلي رائحة الحرب؟
رد العجوز عليه: ربما قلبك يحترق مرتين
التفت شاب نحو البحر وصاح: هل أعادنا المركب الى البلاد!؟
ركع الرجل المجنون على ركبتيه حتى غرق أنفه بالتراب
رفع رأسه وقال في سره: الرائحة غريبة، لا تشبه قبور النظام
...
في الطريق نحو الخلاص يسأل عيسى فتى يمشي خلف الطفلة العارية: من أبوك؟
..
أنا ابن آدم
..
من أي فخذ أنت؟
..
من سلالة هابيل
..
ما اسمك
..
يهوذا
يبتسم الرجل المجنون ويربت على كتف الصغير:
تعالوا نرقص
يضحك الجميع
الطفلة العارية تحمل الصنارة كالصليب
تمشي، والكل خلفها سائرون.
..
على تلة قريبة من مدينة غريبة، حط الجموع
دون ازعاج السلطات الحاكمة
أنجبت المرأة غصن زيتون
تحت نخلة صغيرة
حملته الطفلة العارية ونادت: جاء يسوع
جاء يسوع
غنت الطفلة للرضيع على صدر أمه:
عاريان معًا
كالحقيقة
كشمس كل صباح
نقتات الألم ونمضي
على خطى الأمل المرسوم
تحمل صليبي عني
أحمل عنك ذات الصليب
القيامة حق الفجر
القيامة قدر محتوم
..
لما فتحت الشمس عينيها
كانت الطفلة تقدم القهوة للرجل العجوز
نظر اليها بقلبه وقبل أن يسألها قالت:
اسمي كاترينا
ما اسمك يا جدي؟
بحث عن هويته
ولم يجدها.
*** *** ***
|
| |
Front Page
|
|
Spiritual
Traditions
|
Mythology
|
Perennial Ethics
|
Spotlights
|
Epistemology
|
Alternative
Medicine
|
Deep Ecology
|
Depth Psychology
|
Nonviolence &
Resistance
|
Literature
|
Books & Readings
|
Art
|
On the Lookout
|
|
|