عن أدب المديح:
المديح كعلاقة تبادلية غير تكسُّبية وكصورة مثالية عن المجتمع

لقاء مع الباحث  محمد باخوش

حاوره: محمد علي عبد الجليل

 

محمد باخوش Mohamed Bakhouch باحث فرنسي مغربي وأستاذ الأدب العربي في قسم الدراسات الشرق-أوسطية DEMO (Département des Études Moyen-Orientales) في جامعة إيكس-مرسيليا (Aix-Marseille Université) جنوب فرنسا منذ عام 2002، وباحث في معهد البحوث والدراسات حول العالَم العربي والإسلامي (IRÉMAM) (Institut de Recherches et d’Études sur le Monde Arabe et Musulman).

وُلِدَ عام 1953 في الرباط (المغرب). ونال درجةَ الدكتوراه عام 2001 على رسالته التي تتناول أدبَ المديح بعنوان: أحد مظاهر شعر الأخطل: المديح (Un aspect de la poésie d’al-Akhtal : le panégyrique) تحت إشراف كلود-فرانس أودبير (Claude-France Audebert).

أمضى أربع سنوات في دمشق كباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (الإيفبو IFPO) (Institut Français du Proche Orient).

تتناولُ أعمالُه نقائض الشاعرَينِ الأمويَّينِ جرير (ت. 733) والأخطل (ت. 710). كما يهتم بدراسة العلاقات بين رجل السلطة والشاعر في العصر الأموي وخاصةً من خلال المديح (panégyrique).

يشغل حاليًا منصب مدير قسم الدراسات الشرق-أوسطية (DEMO) في جامعة إيكس-مرسيليا.

صدر له مؤخَّرًا في أيار/مايو 2015 بتقديم كلود-فرانس أودبير (Claude Audebert) كتاب بالفرنسية بعنوان: Poétique de l’éloge. Le panégyrique dans la poésie d’al-Akhtal [شعرية المدح. المديح في شعر الأخطل] عن المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة (الإيفاو IFAO).[1]

محمد علي عبد الجليل

***

محمد علي عبد الجليل: أنتَ مختص بأدب المديح. لماذا اخترتَ دراسة هذا الجنس الشعري عن غيره؟

محمد باخوش: اخترتُ هذا الموضوعَ كموضوع بحثٍ لأنه تبيَّنَ لي أنَّ الباحثين، سواء العرب أم المستشرقين، لم يوفّوه حقَّه ولم يهتمُّوا به أصلًا. كما أنَّ المديح كجنس أدبي لا يزال حيًا منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا سواء كان بالعربية الفصحى أم باللهجات العامية. ولا ننسى أنَّ المديح يعكس الصورة المثالية للمجتمع.

في الحقيقة كانت لديَّ رغبةٌ قوية جدًا في البحث في موضوع الخمريات أو الشعر الخمري poésie bachique، ثم غيَّرْتُ موضوع البحث إلى شعر المديح.

محمد علي عبد الجليل: ربما كنيتكَ "باخوش" ليست صُدفةً أو عَرَضًا، بل يبدو أنَّ هناك ترابطًا "مقصودًا" بين "باخوش" و"باخوس" Bacchus إله الخمر عند الرومان، هذا إذا استندنا إلى مفهوم "التزامن" عند كارل غوستاف يونغ وبحسب ما ذكرَه آلان كومبس Allan Combs ومارك هولند Mark Holland في كتابهما التزامن، العلم والأسطورة والألعبان (Synchronicity: Science, Myth, and the Trickster).[2] يبدو أنَّ رغبتكَ القوية هذه في دراسة الشعر الخمري ("الباخوسي" نسبةً إلى إله الخمر "باخوس") تَظهَر في كنيتك (باخوش) حيث إنَّ هناك جِناسًا غير تام بين "باخوش" و"باخوس" قد يشير إلى رغبة غير تامة لم تتحقَّقْ.

محمد باخوش: (يضحك) في الحقيقة، كنيتي هي اسم أمازيغي لا علاقة له بإله الخمر باخوس.

محمد علي عبد الجليل: هل لكَ أنْ تُحدِّثنا عن طبيعة العلاقة بين المادح والممدوح (الشاعر والحاكم) من وجهة نظرك؟ هل هي علاقة مادية تكسبية بحتة، أم هناك تبادل بين المادح والممدوح؟

محمد باخوش: إنَّ هناك علاقةَ تبادُلٍ بين الشاعر والممدوح، علاقةَ عطاءٍ وأخْذٍ ورَدٍّ، علاقة إنسانية متكاملة، وليس مجرَّد تكسُّب.

محمد علي عبد الجليل: للتأكيد على فكرة العطاء ورد الجميل بالشكر والثناء (فكرة التبادل) يحضرني مثال هو قول المتنبّي عن فاتك الأخشيدي على ما أذكر:

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ          فليُسعِدِ النُطقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ.
وَاِجزِ الأَميرَ الَّذي نُعماهُ فاجِئَةٌ       بِغَيرِ قَولٍ وَنُعمى الناسِ أَقوالُ.

فالمتنبي يخاطب نفسه قائلًا: إذا لم يكنْ عندكَ من الخيل والمال ما تهديه إلى الممدوح جزاءً له على إحسانه إليك فإمدحه على الأقل وجازِه بالثناء عليه إن لم تُسعفك الحالُ على مجازاته بالمال.

محمد باخوش: قول المتنبي يثبت أن العلاقة التي تربط الشاعر بالممدوح علاقة تبادل، وقوله هذا اعتراف بالجميل وشكر، وهو نوع من أنواع المديح. وأشعار المديح حافلة بالأمثلة التي يشير فيها الشعراء إلى علاقتهم بممدوحيهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر نستشهد هنا بما قاله أبو بكر الخوارزمي في قصيدة مشهورة مطلعها: "طلَّقْتُ بَعدَكَ مَدْحَ الناسِ كلِّهِمِ *** فإنْ أُراجعْ فإنِّي محصن زاني" يقول فيها:

عثمان يعلم أنَّ المدح ذو ثمنٍ    لكنه يشتهي مدحًا بمجَّانِ.

وينهيها بهذا البيت:

الناسُ أكيسُ مِن أنْ يمدحوا رجلًا         حتى يروا عنده آثارَ إحسانِ.

هناك أمثلة كثيرة سنتطرَّق إلى بعضها. ولكنْ يجب أولًا أنْ أشيرَ إلى فكرة، ألا وهي أنني، لتفسير المديح كجنس شعري، اعتمدتُ على بحث مهم جدًا قام به عالِم الاجتماع والأنثروبولوجي الفرنسي مرسيل موس Marcel Mauss (1872-1950) بعنوان: Essai sur le don [بحث في العطاء] يحاول فيه تفسيرَ ظاهرة العطاء[3].

وباختصار كبير يذكر العالم الفرنسي في بحثه أن عملية التبادل تضم العناصر التالية: قبول العطاء (accepter de donner) وقبول الأخذ (accepter de prendre) وقبول الرد [رد الجميل] (accepter de rendre). فالشاعر لا يمدح أحدًا لا يتوقَّع منه العطاء.

عِلْمًا أنَّ هناك أستاذة وباحثة أمريكية، هي سوزان بينكني ستيتكيفيتش Suzanne Pinckney Stetkevych، تحدَّثَت عن علاقة التبادل هذه وقد سبقَ أنْ نشرَت بحثًا عام 2002 حلَّلَت فيه قصيدة "بانت سعادُ" (أو لامية كعب بن زهير في مدح الرسول) معتمدةً على بحث مارسيل موس، حيث أكَّدَت في بحثها بعنوان (The Poetics of Islamic Legitimacy: Myth, Gender, and Ceremony in the Classical Arabic Ode [الشعر والسلطة الإسلامية: الأسطورة، الجنوسة والمراسم في القصيدة العربية الكلاسيكية]) على التبادل الشعائري والعلاقة السياسية والاستسلام للسلطة.

نعود الآن إلى ذكر أمثلة تشير إلى ظاهرة التبادل في شعر المديح بين المادح (الشاعر) والممدوح (الحاكم). ونذكر في هذا الصدد ثلاث قصص من التراث العربي والإسلامي:

1-  تبادل "كذِب بكذِب": روى الجاحظ في كتابه البخلاء القصة التالية:

«أنشدَ أحدُ الشعراء شعرًا مدحَ فيه أحدَ الولاة وقرَّظَه ومجَّدَه. فلما فرَغَ الشاعرُ قال الوالي: "قد أحسنتَ". ثم قال الوالي لكاتبه: "أعطِه عشرةَ آلاف درهم". فكاد الشاعرُ يطير فرحًا. فلما رأى الوالي حالَه قال: "وإني لأرى هذا القولَ قد وقعَ منكَ هذا المَوقعَ اجعلْها عشرين ألف درهم". فكاد الشاعر يخرج من جلده! فلما رأى الوالي فرحَه قد تَضاعفَ قال: "وإنَّ فرحَكَ ليتضاعفُ على قدر تضاعُفِ القول! أعطِه يا فلانُ أربعين ألفًا". فكاد الفرح يقتل الشاعرَ. ثم قال كاتبُ الوالي للوالي على انفراد: "هذا الشاعرُ كان يرضى منك بأربعين درهماً فكيف تأمر له بأربعين ألف درهم؟!" فقال الوالي: "ويلَكَ! وتريد أنْ تعطيه شيئًا؟!" فقال الكاتبُ: "لا بدَّ أنْ أنفِّذَ أمرَكَ". فقال الوالي: "يا أحمقُ! إنما هذا رجلٌ سرَّنا بكلام وسرَرْناه بكلام. هو حين زعَمَ أني أحسن من القمر وأشدُّ من الأسد وأنَّ لساني أقطع من السيف وأنَّ أمري أنفذ من السِّنان هل جعل في يدي من هذا شيئًا أرجع به إلى بيتي؟ ألسنا نعلمُ أنه قد كذَبَ. ولكنه قد سرَّنا حين كذَب لنا، فنحن أيضًا نسرُّه بالقول ونأمر له بالجوائز، وإنْ كان كذِبًا. فيكون كذِبٌ بكذب وقولٌ بقول. فأما أنْ يكونَ كذِبٌ بصدْقٍ وقولٌ بفعلٍ فهذا هو "الخسران المبين".»

2-  قبولُ المديح أسوةً بنبي الإسلام أو العطاء لتفادي الهِجاء: «لمَّا صار عمر بن عبد العزيز خليفةً جاء إليه الشعراءُ ووقفوا ببابه ولم يؤذَنْ لهم بالدخول. وبينما هم كذلك مرَّ بهم عَدِي بن أرطأة فدخل على عمر وقال له‏: "الشعراءُ ببابك يا أمير المؤمنين". فقال‏: "ويحَكَ ما لي وللشعراء‏؟" قال‏ عدي: "إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد امتُدِحَ ‏فأعطى‏. إذِ امتدحه العباسُ بن مرداس السلمي. فقال الرسولُ: "اذهبوا به فاقطعوا عني لسانَه".» فأعطَوه حتى رضيَ فكانَ ذلك قطْعَ لسانِه الذي أمرَ به النبيُّ.

3-  العطاء على المديح اتِّقاءً للهِجاء: مدحَ الحُطيئةُ أبا موسى الأشعريَّ بقصيدة مَطْلعُها: "-هلْ تعرِفُ الدارَ مِن عامين أو عامِ *** دارٍ لهندٍ بجزع الحرج فالدامِ." فأعطاه أبو موسى جزاءً. فبلغ ذلك عمرَ بن الخَطَّاب، فكتبَ إليه يلومُه. فردَّ أبو موسى: "إني اشتريت منه عِرْضي". فكتب عمرُ إليه : "أحسنتَ."

كلُّ شيء يعتمد إذًا على التبادل. والمديحُ، كعلاقةٍ إنسانية، هو تبادُل. والعطاء تبادُل. هناك عدة بحوث تعالِج مفهوم العطاء (le don). حتى عندما يعطي الإنسانُ شيئًا لوجه الله يكون هناك شيء بالمقابل. ينتظر المُعطي جزاءً يتمثّل مثلًا في اعتراف المجتمع بأنه طيب. هناك تبادُل إذًا.

محمد علي عبد الجليل: هذا يُذَكِّرنا بالفكرة القائلة بأنَّ "كل شيء علائقي" (tout est relationnel) والتي طرحَها البروفسور محمود سامي-علي بخصوص الاضطرابات النفسية الجسمية (النفسجسمية، السيكوسوماتية)[4]. وهو ما يؤكِّده جدو كريشنامورتي بقوله: "أنْ يعيشَ المرءُ يعني أنْ يكون في علاقة" (« Vivre, c’est être en relation »).

محمد باخوش: هذا بديهي. الفكرة الأساسية هي محاولة تفسير العلاقة بين الشاعر وممدوحه انطلاقًا من فكرة العطاء. في بحثي لم أكتفِ بهذا.

محمد علي عبد الجليل: حدِّثْنا إذًا عن بحوثكَ.

محمد باخوش: توقَّفْتُ عند المفردات التي استخدمَها الشعراءُ كمرادف لكلمة "العطاء" كمفردة "الهِبَة" التي تعني، بحسب القواميس (سواء لسان العرب أم غيره)، شيئًا يقدِّمه الإنسانُ ولا ينتظر مقابلًا. يقول لسان العرب: "الهبة: العَطِيَّة الخالية عن الأعواض والأغراض". ولكنَّ الهِبةَ، خِلافًا لِما تقوله معاجِمُ اللغة، هي تبادُلٌ أيضًا وليست "علاقةً" من جهة واحدة. هناك حديث عن الرسول يقول: "وَهَبَ رَجُلٌ مِنَ الأعرابِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ هِبَةً فأثابَهُ، فقالَ: "أرَضِيتَ؟" قالَ: "لا". ثم أثابَهُ. فقالَ: "أرَضِيتَ؟" قَالَ: "لا". ثم أثابَهُ. فقالَ: "أرَضِيتَ؟" قالَ: "نَعمْ". فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: "لقد هَمَمْتُ ألَّا أَتَّهِبَ [أَقْــبَــلَ] هِبَةً إلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أو أنصاريٍّ أو ثَقفيٍّ."

نلاحظ أن الرسول في هذا الحديث يستعمل الفعلَ "اتَّــهَـبَ" (من الفعل: وَهَبَ يَهِبُ)، أيْ قَبِلَ الهِبَةَ. وتفسير الحديث أنه بمجرَّد أنْ قبِلَ النبيُّ الهِبَةَ حتى دخلَ في علاقة وفي تبادُل وكان عليه أنْ يردَّ وأنْ يُثيبَ. فالأعرابيُّ قدَّمَ للرسول "هِبةً" (يُفترَض أنْ تكون بلا مقابل بحسب المعاجم) ولكنَّ الأعرابيَّ انتظرَ أنْ يحصلَ على أكثر مما قدَّمَ. والحديث المذكور يثبت أن شرح القواميس لهذا الفعل غير مطابق للواقع.

درسْتُ أيضًا كيفية التعبير عن مفهوم العطاء في شعر الشاعر الأموي الأخطل (640-710). درسْتُ التعبيرَ عن العطاء من خلال استعمال الحقل الدلالي للماء مثلًا. فنشرتُ بالعربية في مجلة التراث العربي الصادرة عن اتِّحاد الكُتَّاب العرب بدمشق مقالًا بعنوان "الشوق إلى الماء"[5] حيث حاولتُ فيه أنْ أبرهنَ أنَّ الماء يلعب دورًا أساسيًا في وحدة قصيدة المديح وتناولتُ بالدراسة والتحليل بعضَ مدائح الثالوث الأموي الشهير (الأخطل والفرزدق وجرير).

إذا ما انطلقنا من كتاب ابن قُتيبة الدِّيْنَــوَريّ (828 م-889 م) بعنوان: الشعر والشعراء، نرى أنَّ القصيدة مكوَّنة من ثلاثة أجزاء: الأول هو الوقوف والبكاء على الأطلال والنسيب، والثاني هو الرحيل، والثالث هو المديح. في الجزء الثاني، وهو الرحيل، هناك عنصران أساسيان هما: الفضاء (الصحراء) والمَطيَّة (الناقة عادةً). خاصية هذا الفضاء هي عدمُ وجود الماء. وبالتالي يمكن أن نقول إن قصيدة المديح القديمة هي مسار أو رحيل نحو الماء، هي بحث عن الماء، بحث عن سائل الحياة. فكلُّ ما يقوله الشاعر للتعبير عن كرَم الممدوح مستوحىً من الحقل الدلالي للماء. عندما يصِفُ الشاعرُ كرَمَ الممدوح يستعيرُ كلماتٍ مثلَ: "السِّجال" [جمْع "سَجْل" وهو الدلو العظيمةُ فيها ماء]، و"الفيض"، و"النَّدى" [المطر]، و"السَّيب" [العطاء][6]، و"السحابة"، و"الغمامة":

وأبيــضَ فَــيّـاضٍ يَــــداهُ غَمــــــامَـــــــــــــــةٌ          عـلى مُعـتَـفيهِ مـــا تُــــغِبُّ نَوافِلُهْ.

ما البحرُ مُغْـــلَـــوْلِبًا تسْمو غَوارِبُهُ          يعلو السفينَ بآذِيٍّ وإزْبـــــــــــــــــــــــــــــــادِ
يوْمًا بأَوْسَعَ سَيْبًا مــــــــــــــن سِجالِكُمُ          عِنْدَ العُــناةِ وعِنْدَ المُعْــتَفِي الجادي.

محمد علي عبد الجليل: وماذا عن قضية التملُّق في المديح؟

محمد باخوش: أعتقد أنَّ ما يُنسَبُ لشعر المديح مِن تملُّقٍ وعدمِ صِدقِ شعورِ المدَّاحين وغُلُوِّ أو إفراط ومبالغة في الإطراء عنصر من ضمن العناصر التي تدخل في تفسير عزوف الباحثين عن الاهتمام بشعر المديح. وطبيعة هذا العنصر، كما ترى، أخلاقية بحتة، لا علاقة لها بالأدب والشعر ولا تليق لأن تكون معيارًا أو آلة لنقدنا لهذا الجنس الشعري. وكلنا يذكر القولَ السائر "أعذبُ الشعرِ أكذبُه"، وهو مثلٌ لا يقتصر على فن من الفنون الشعرية وإنما يشملها كلها. وإذا ما نحن سعَينا وراء تفسير ما يعتبره الباحثون والنقاد تملُّقًا ومداهنةً فإننا سنجد عنصرين أساسيَّين يجب على القارئ والباحث والناقد أن يضعوهما دائمًا صوب أعينهم وهما:

1- الحاجة: كثيرًا ما تتكرر هذه المفردة أو جمعها "حاجات" أو مرادف لهما ككلمة "همّ" وجمعها "هموم" في قصيدة المديح. وتشكل الحاجة (حاجة الشاعر) الدافع الأساسي وراء نظم الشعراء لأغلبية القصائد التي تنتمي لهذا الجنس الشعري. يقصد الشاعر الممدوح ليقضي له حاجته ويقدم مقابل ذلك شعرًا يمجِّده فيه ويقرِّضه، وهذا الكلام يُثبِت ما ذكرناه فيما يخص العلاقةَ بين الشاعر والممدوح. وحاجةُ الشاعر لا تختلف عن سائر الحاجات. والمعتاد أن يقدم المرء هديةً عند طلب الحاجة حتى يضمن قضاءها. وفي هذا الصدد لا بأس من الإشارة هنا إلى أن كتاب ابن قتيبة عيون الأخبار يتضمَّن العديد من الحكايات التي تتناول هذا الموضوع، نكتفي هنا بمثل وحديث لعلي بن أبي طالب أوردهما المؤلف في باب من كتابه أسماه كتاب الحوائج: "والعرب تقول: «مَن صانَعَ لم يحتشِمْ مِن طَلَبِ الحاجةِ»[7].[...] وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : نِعْمَ الشَّيءُ الهديَّةُ أمامَ الحاجةِ"[8].

2- إن ما نسمِّيه الخصال الحميدة، أو ما يسمِّيه بشر فارس "عناصر العرض" [أنظر أدناه]، يعني الكَرَم، والقِرى، والشجاعة، والقدرة على منح الجوار، إلخ...، والتي يقول الشاعر إن ممدوحه يتحلَّى بها أو يمتلكها يمثِّل في رأيي مجموعة من القيم الاجتماعية يؤمن بها المجتمع ويؤمن أنَّ الشخص الذي يكتسبها يشكل القدوة الحسنة أو الأسوة التي على الكل أن يقتدي بها. وبالتالي أقول إن قصيدة المديح عبارة عن مرآة تعكس للمجتمع الأخلاق الحميدة (أو عناصر العِرض) التي يدعو إليها والتي يجب أنْ يتحلَّى بها كل فرد من فراده. هذا ما يفعله شاعر المديح عندما يجعل من ممدوحه مثلًا تتجسد فيه كل الخصال التي يجعلها المجتمع فوق كل شيء والتي يرى أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهويته. فعملُ الشاعرِ هنا يشبه إلى حدٍّ ما عمل النحَّات في بعض الحضارات.

هناك أسلوب بياني آخر مستعمَل بكثرة في الشعر وخاصة في قصائد المديح وهو ما نسمِّيه بـ"التشبيه الدائري" (وهو ما يسمِّيه المستشرقون بـ « comparaison ou métaphore narrative » ["التشبيه أو الاستعارة السردية"]). فعندما يريد الشاعرُ أنْ يصِفَ جودَ الممدوح وكرَمَه يبدأ مثلًا بقوله: "وما الفُراتُ"، "وما دجلةُ"، "وما النيل"، "وما مُزبِدٌ"؛ ثم يصف النهرَ بعدة أبيات؛ ثم يختم في آخر التشبيه بقوله: "بأجودَ من [الممدوح]". مثالٌ على ذلك قولُ الأخطل (من البحر الطويل):

وما مُزبِدٌ يعلو جزائرَ حامِرٍ       يَــشُـقُّ إليها خيزُرانًا وغَرقَدا
تَحرَّزَ مِنهُ أهلُ عانةَ بعدما        كسا سورها الأعلى غُثاءً منضَّدا
تُـقَمِّصُ بالمَلَّاحِ حتَّى يَشقُّهُ الْـ      ـــحِذارُ وإنْ كانَ المُشيحَ المُعَوَّدا
بِمُطَّرِدِ الآذِيِّ جونٍ كأنما          زنـا بالقراقير النِّعامَ المُطَـــرَّدا
كأنَّ بناتِ الماءِ في حُجُراتِه       أباريقُ أهدَتْها ديافٌ لِصَرْخَدا
بأجودَ سَيبًا مِن يَزيدَ إذا غَدَتْ     بِهِ بُـخْــتُــهُ يَحْمِلْنَ مُلْكًا وسُؤْدُدا.

حول هذا الموضوع، أذكر أنَّ عبد القادر الرباعي كتبَ بحثًا بعنوان التشبيه الدائري في الشعر الجاهلي.[9]

محمد علي عبد الجليل: ما هي أنواع المديح؟

محمد باخوش: يمكننا تصنيفُ المديح إلى أربعة أنواع: (1)-النوع الأول: مديح الاستجداء (panégyrique de sollicitation) وأغلبُ قصائد المديح من هذا النوع. (2)-والنوع الثاني: مديح الشكر، عندما ينال الشاعرُ عطاءً ويريد أنْ يشكرَ عليه.

محمد علي عبد الجليل: يمكننا هنا أنْ نذكرَ قولَ يزيد المهلبي: "إنْ يُعجِزِ الدهرُ كَفِّىْ عن جزائكمُ *** فإنني بالهوى والشكرِ مُجتهدُ." وقولَ الحطيئة: "والله ما عندي من مالٍ فأعطيكَ، وما هو إلا لساني" حيث أنشد: "إن لم يكن مالٌ يثابُ فإنه *** سيأتي ثنائي زيدًا ابن مهلهلِ."

محمد باخوش: نعمْ. (3)-والنوع الثالث: مديح الطلب. مثلًا، كانت أم عبد الله بن معاوية تطلب من الشعراء أنْ يمدحوا ابنَها عبدَ الله ولقد كان مشهورًا بجُبنِه وكان الشعراء يتفادون مدحه بالشجاعة. وعبدُ الملك بن مروان يأمر الأخطلَ أنْ يمدحَ الحَجَّاجَ. (4)-والنوع الرابع: مديح الإيصاء (panégyrique de recommandation) وهو قليل. فالأخطل مثلًا يمدح عبيد الله بن زياد بن أبيه ليوصيَ يزيد بن معاوية به.

محمد علي عبد الجليل: هل يمكن تقسيم المديح بحسب موضوع المدح، أيْ بحسب الممدوح. مثلًا، هل يمكن الكلام عن مديح الأشخاص ومديح الأشياء؟ ومن ضمن مديح الأشخاص: مديح الشخصيات السياسية (الحُكَّام) ومديح الشخصيات الدينية (كمديح حسان بن ثابت لمحمد نبي الإسلام). ومن ضمن مديح الأشياء يمكننا أنْ نَذْكُرَ مديحَ الخمرة، كمدح الخمرة في الشعر الصوفي عند ابن الفارض [توفي 1235 م] ("شرِبْنا على ذِكْرِ الحبيب مُدامةً") وعند المنتجب العاني [توفي 1009 أو 1010 م] ("مِــلْ يَمنةً بِـــلِـــوى العَقيق وبانِهِ").

محمد باخوش: بحسب أجناس الشعر، مديح الخمرة لا يتعلَّق بجنس المديح، بل بجنس الخمريات. بالمناسبة، لقد تطرَّق أمجد الطرابلسي إلى أجناس الأدب في كِتاب مهم نُشِرَ عام 1956 بعنوان: نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة. مِنَ النقَّادِ مَنْ يقول إنَّ الشعرَ نوعان لا ثالثَ لهما: مديح وهجاء، كما جاء ذلك في كتاب العمدة لابن رشيق (ص 69، انظر كذلك ص 43-46).

إذا رجعنا إلى تقسيم القصيدة بحسب ابن قتيبة، فإننا نرى في الجزء الثالث وهو المديح أن الشاعر يرفع من قدر الممدوح (مديح) ويحط بالمقابل من قدر الأشخاص الذين يتمتَّعون بالمرتبة الاجتماعية نفسها (هجاء). هذا يعني أنَّ الهجاء كجنس أدبي يوظَّف داخل قصيدة المديح للرفع من قيمة الممدوح. وبالتالي فإنَّ الأجناس الشعرية متداخلة.

محمد علي عبد الجليل: يحضرني بهذا الخصوص قولُ الحُطيئة يمدح قبيلة "أنف الناقة" التي كانت تخجل من اسمها ويذمُّ بالمقابل غيرَها فيقول: "قومٌ هُمُ الأنفُ والأذنابُ غيرُهمُ *** ومَن يُسَوِّيْ بأنفِ الناقةِ الذَّنَبا."

محمد باخوش: نعم. الهجاء هو الوجه المعاكس للمديح والذي يوظَّف في قصيدة المديح والفخر أيضًا. ويُعتبَر الهجاءُ جنسًا شعريًا مستقلًا. والحديث فيه ذو شجون.

محمد علي عبد الجليل: ممكن أنْ نعودَ إلى موضوع بحوثك.

محمد باخوش: نعم. هناك مواضيع أخرى ذات صلة بالمديح بحثتُ فيها أيضًا. ومنها موضوع "العِرْض". المديح والهجاء لهما علاقة بالعِرْض. العنصر الأساسي في المديح والهجاء هو "العِرْض". والعِرْضُ، لغةً، هو موضع المدح والذم من الإنسان. عندما هجت قريشُ الرسولَ قام حسان بن ثابت بالذَّبِّ [الدفاع] عن عِرْض الرسول وأعراض المسلمين. هناك باحث وأديب مصري لبناني الأصل هو بِشْر فارس (1907-1963) تعرَّضَ لمفهوم العِرْض عند العرب في رسالة دكتوراه بالفرنسية ناقشها في السوربون عام 1932 بعنوان: العِرْض عند عرب الجاهلية (L’Honneur chez les Arabes avant l’Islam)، حيث يرى أنَّ العِرْض يكاد أنْ يكونَ دِينًا.

محمد علي عبد الجليل: هل يمكن أن تشرح لنا العلاقة بين العِرْض والمديح.

محمد باخوش: نعم. لا جَرَمَ أنَّ هناك علاقةً قوية جدًا بين العِرض والمديح. فالخصالُ الحميدة هي عناصر العِرْض. ومِنها: الكرَم والشجاعة والجوار (قدرة الممدوح على منح الجوار) والعدد الكبير لأفراد القبيلة، إلخ.

قبل أنْ أتكلَّم عن العِرْض، أريد أن اشير إلى نقطة مهمة تتعلَّق بمنح الجوار الذي هو أحد عناصر المديح. النقطة المهمة هي أنَّ المرأة العربية كان بإمكانها أنْ "تمنح الجوار". وقد أشار إلى ذلك عبد الله عفيفي في كتابه المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (1932) (وقد أَخَذَتْ الباحثةُ السوريةُ الدكتورة ليلى صباغ أفكارَه في كتابها المرأة في العصر الجاهلي).

نعود إلى مفهوم العِرض، عندما كان الشاعرُ يمدح ممدوحَه كان يذكر بأنه نقي العِرْض. هناك عِرْضٌ على مستوى الفرد وعِرْضٌ على مستوى الأسرة وعِرْضٌ على مستوى الجماعة. تذكُرُ أنَّ أبا موسى الأشعري اشترى من الشاعر عِرْضه وأنَّ حسان بن ثابت دافعَ عن عِرْض النبي. شرحتُ موضوعَ العِرْض في مقال بعنوان: « Le ʿirḍ [l’honneur] comme enjeu poétique » ["العِرْض كرِهان شعري"][10]. حتى إنَّ موقفَ المجتمع من الغزَل مرتبطٌ أيضًا بمفهوم "العِرْض". وقد حاربَت المجتمعاتُ العربية الغزلَ والتشبيب لأنه يمسُّ بأعراض المحصنات.

ولكنَّ القصيدة العربية كانت تبدأ بالنسيب (الغزَل). وكان الشاعر يحكي قصة صغيرة (micro récit) نجدها متشابهة عند كل الشعراء، إذْ تتكلَّم عن فراق الأحبة: 1)-البين (مثل مطلع قصيدة كعب: "بانت سعاد فقلبي اليومَ متبولُ")، 2)-والصَّرْم، وعادةً المرأة هي التي تصرم.

إنَّ أغلب قصائد المديح كانت تبدأ بالنسيب. يقول المتنبي: "-إذا كانَ مَدحٌ فالنّسيبُ المُقَدَّمُ *** أكُلُّ فَصِيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ؟" وهذا له دلالة. فالشاعر بقوله هذا يثور ضد تقليد من التقاليد الشعرية من جهة، ومن جهة أخرى يريد أن يُعَظِّمَ من قدر ممدوحه سيف الدولة بجعله شخصية القصيدة الوحيدة وموضوعها الوحيد الذي لا منازع له، كما يثبت ذلك البيتان اللذان يليان مطلع هذا المديح:

لَحُبُّ ابنِ عَبدِ الله أولى فإنَّــــــــــــــــــــــهُ          بهِ يُـــبدَأُ الذِّكـــرُ الجَميلُ وَيُـــختَـــمُ
أطَعْتُ الغَواني قَبلَ مَطمَحِ ناظري        إلى مَنظَرٍ يَصغُرنَ عَنهُ وَيَعْظُمُ.

كما أن النسيب موجود أيضًا في الهجاء. وقد تساءل الباحث الهولندي خييرت جان فان خيلدر Geert Jan van Gelder من جامعة أكسفورد (بريطانيا)[11] لماذا لدينا نسيب في شعر الهجاء. وأورد عدة فرضيات وهي: أ)-اختلاف الخطاب، ب)-شد انتباه السامعين (وهو تفسير ابن قتيبة أيضًا)، ج)-جريًا على العادة لأنَّ من سبقَ من الشعراء قد بدؤوا بالنسيب. وهنا يمكنني أنْ أذكر ما يؤكد هذه الفرضية الأخيرة (فرضية اتِّباع الشعراء لعادة السابقين) وهو قول امرئ القيس:

عُوجاْ على الطَّلَلِ المُحيلِ لأنَّنا  نبكي الدِّيارَ كما بكى ابنُ حِذامِ.

محمد علي عبد الجليل: حدِّثنا عن مشاريعك المستقبلية.

محمد باخوش: نظَّمْنا ندوةً مع أستاذ التاريخ العثماني ميشيل باليفيه Michel Balivet وكمال ششوة وآخرين حول الخمر في الأدب. ونحن بصدد نشر أوراق الباحثين المشاركين. كما أننا بصدد التحضير لعقد ندوة في جامعة إيكس-مرسيليا تتناول موضوع المديح.

أجرى الحوار: محمد علي عبد الجليل

إيكس-أون-بروفانس، بتاريخ: 19/5/2015

*** *** ***


 

horizontal rule

[2] آلان كومبس ومارك هولند، التزامن، العلم والأسطورة والألعبان، بترجمة: ثائر ديب، إيزيس، دمشق، 2000 م.

Allan Combs & Mark Holland, Synchronicity: Science, Myth, and the Trickster, Marlowe & Company, 1995.

يمكن الاطِّلاع على تقديم الكتاب في معابر على الرابط:

http://www.maaber.org/nineth_issue/books_haval.htm.

[3] بحث مرسيل موس في العطاء صدرَ بين عامَي 1923 و1924 بعنوان: Essai sur le don. Forme et raison de l'échange dans les sociétés archaïques  [بحث في العطاء. شكل وسبب التبادل في المجتمعات القديمة]. وهو متوفِّر على الإنترنت على الرابط:

 http://classiques.uqac.ca/classiques/mauss_marcel/socio_et_anthropo/2_essai_sur_le_don/essai_sur_le_don.html.

[4]بخصوص النظرية العلائقية يمكن الاطِّلاع على:

http://www.maaber.org/nineth_issue/depth_pshycology_1a.htm

http://www.maaber.org/tenth_issue/depth_psychology_1a.htm.

[5] محمد باخوش، "الشوق إلى الماء"، مجلة التراث العربي، اتِّحاد الكُتَّاب العرب، دمشق، العدد 108، ص133–164. المقال متاح على الرابطَين التاليين:

http://archivebeta.sakhrit.com/newPreview.aspx?PID=1947634&ISSUEID=16179&AID=363091

http://www.reefnet.gov.sy/booksproject/turath/108/10-raheel.pdf.

[6] في لسان العرب: "السَّيْبُ العَطاءُ والعُرْفُ والنافِلةُ، وفي حديث الاستسقاءِ: واجْعَلْه سَيْبًا نافِعًا، أَيْ عَطاءً، ويجوز أَن يريد مَطَرًا سائبًا أَي جاريًا [...]. والسَّيْبُ مصدر ساب الماءُ يَسِيبُ سَيْبًا، جَرى ...".

[7] يُضرَب المثلُ في بذل المال عند طلب المراد. والمعنى أنَّ من رشا الحاكمَ بالمال لم يخجل من طلب حاجته. و"صانَعَ الوالي": رشاه. و"المصانعة": الرشوة.

[8]ابن قتيبة، عيون الأخبار، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت.، الجزء الثامن (كتاب الحوائج)، ص 122.

[9] عبد القادر الرباعي، التشبيه الدائري في الشعر الجاهلي: دراسة في الصورة، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعةالكويت، الكويت 1985. وضمن كتابه: الطير في الشعر الجاهلي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1998.

[10] « Le ʿirḍ  [l’honneur] comme enjeu poétique », dans « Hommage à Pierre Bourdieu » (dir. Kamel Chachoua), L’Algérie sociologique, Centre National de Recherche préhistorique, anthropologique et historique (CNRPAH), Alger, 2012, p. 147-159.

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني