النمو النوعيُّ: إطار مفاهيمي للحلول السليمة اقتصاديًا والمستدامة بيئيًا والعادلة اجتماعيًا لأزمتنا الحالية

 

فريتيوف كابرا*
ومشاركة
هيزل هندرسون
**

 

منذ بداية هذا العام [2009] وقضية الكساد العالمي مهيمنة على الأخبار، ونسمع يوميًا عن أناس يشترون سيارات أقل وعن إقفال معامل المنتجات الرياضية والسيارات المُرَّفهة، وعن تراجع كبير في استهلاك النفط (بالتالي تراجع سعره) وعن شكاوى تجار التجزئة من تراجع إنفاق المستهلكين على البضائع الكمالية وإلى ما هنالك. ومن وجهة نظر إيكولوجية فهذه أخبار جيدة لأن استمرار الاستهلاك المادي على كوكب محدود الموارد سيؤدي بالضرورة إلى كارثة. ورغم هذا فالوضع فرضَ نوعًا من "التناقض الاقتصادي". على سبيل المثال، أطلق الرئيس أوباما خطة التحفيز بقيمة سبعة مليار دولار من أجل زيادة مبيعات السيارات بما في ذلك "السيارات المستعملة"، وكان الهدف من هذه الخطة رفع مستويات الاستهلاك في القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء، مع زيادة موازية ومطلوبة في المدخرات من أجل احتواء العجز.

في الوقت عينه نسمع يوميًا عن شركات تواجه تراجع مبيعاتها عبر خفض القوة العاملة بدلًا من تقليل أرباحها أو تقبل الخسائر. إذًا، كل تراجع في الاستهلاك المادي، الجيد من وجهة النظر الإيكولوجية، يعني معاناة إنسانية من خلال المزيد من فقدان الوظائف. وهناك ما يقارب المليارين ممن لا يفرطون في الاستهلاك ولكن يعانون أكثر جرَّاء النمو الاقتصادي التقليدي والتجارة الحرة والعولمة.

يبدو أن التحدي الأساسي هو كيفية الانتقال من نظام اقتصادي يعتمد على فكرة النمو اللامحدود إلى اقتصاد مستدام إيكولوجيًا وعادل اجتماعيًا. ولكن حالة "اللانمو" ليست حلًا؛ فالنمو سمة أساسية في الحياة والمجتمع والاقتصاد، والذي يتوقف عن النمو يموت عاجلًا أم آجلًا. والنمو في الطبيعة ليس أفقيًا أو لامحدودًا، لكن هناك أجزاء معينة من الكائنات الحية أو المنظومات الإيكولوجية تنمو وأخرى تفنى وبالتالي تتحرر وتعيد إنتاج مكوناتها التي بدورها تصبح مكونات نمو جديد.

في هذه المقالة نريد تعريف وتوصيف هذا النوع من النمو المتوازن والمتعدد الأشكال. هذا النوع من النمو يعرفه علماء الأحياء والإيكولوجيون جيدًا ويطبقون مبادئه في الاقتصاد، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية الراهنة. نقترح استخدام مصطلح "النمو النوعيِّ" لهذه الأغراض كمصطلح مغاير للنمو الكميِّ المُستخدم من قبل الاقتصاديين.

تعرَّض نهج الاقتصاديين القائم على المساواة بين النمو و"التقدم الاجتماعي" للنقد من قبل المهتمين بالبيئة والإيكولوجيين والجماعات المدنية المعنية بالعدالة الاجتماعية. وأول نقد واسع لهذا النهج كان في قمة الأرض الثانية في ريو دي جانيرو 1992. آنذاك اتفقت 170 حكومة تقريبًا على تقويم وجهة النظر الكميَّة السائدة للنمو. ولكن حتى وقتنا الراهن تمَّ تجاهل هذه التحديات لأنها تضمَّنت فرض إدراج التكلفة الاجتماعية والبيئية على الشركات والحكومات والتي كانوا "يلقونها" روتينيًا على دافعي الضرائب والبيئة والأجيال القادمة. أمَّا الآن فترتكز المخاوف حول التغير المناخي الكوكبي والتلوث على "تضمين" مثل هذه التكلفة في المحاسبة والحسابات الوطنية على حد سواء.

الناتج الإجمالي المحلي

لا يزال معظم الاقتصاديين يقيسون ثروة الأمم بناءً على مصطلح "الناتج الإجمالي المحلي" (النظام المعتمد من قبل منظومة الأمم المتحدة للحسابات الوطنية UNSNA). ووفق هذا النظام يتم عشوائيًا احتساب كافة الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المالية بينما يتم تجاهل جميع الأوجه غير المالية للاقتصاد. فالتكلفة الاجتماعية كالحوادث والحروب والدعاوى القضائية والرعاية الصحية كلها تضاف كمساهمات إيجابية على الناتج الإجمالي المحلي، كما يحدث في "النفقات الدفاعية" لتخفيف التلوث وأمور أخرى، ويُعتبر النمو غير المتمايز وفق هذا المؤشر الكميِّ البسيط إشارة على اقتصاد "صحي". ويقيس الناتج الإجمالي المحلي كمية التعاملات المالية في مجتمع ما، وتُلغى في الوقت ذاته الدفعات والمقايضات والتبادلات النقدية "غير المُعلنة" في القطاعات غير الرسمية وكافة الخدمات التطوعية داخل المجتمعات والعائلات. وقد قدَّر مؤشر الأمم المتحدة للتطور البشري (HDI) لأول مرة قيمة هذا العمل المجاني المُثمر في 1995 بما يعادل 16 تريليون دولار (11 تريليون لمصلحة النساء و5 تريليون لمصلحة الرجال). وهذه القيمة مفقودة ببساطة من حسابات الناتج الإجمالي المحلي العالمي في ذلك العام والبالغة قيمته 24 تريليون دولار. من النادر أن يأخذ الاقتصاديون باعتبارهم فكرة أن يكون النمو مُعرقل وغير سليم ومريض. في عام 1934 حذَّر سايمون كوزنتس Simon Kuznets، صاحب فكرة الحسابات الوطنية للناتج المحلي الإجمالي من استخدام هذا النظام الأحادي والمحدود كمؤشر للتقدم الاجتماعي الشامل. لكن للأسف تبنت الحكومات ووسائل الإعلام والأكاديميين هذا المقياس المغلوط على نطاق واسع.

يتلَّخص هدف معظم الاقتصادات الأممية في تحقيق نمو لامحدود في ناتجهم المحلي الإجمالي من خلال مراكمة مستمرة للبضائع الأساسية وزيادة الخدمات. والزيادة المبالغ فيها في الخدمات على وجه الخصوص حالة طفيلية على الاقتصاد الحقيقي وتقود إلى انهيار كما يحصل حاليًا. وبما أنَّ الحاجات البشرية محدودة والجشع البشري لامحدود فالنمو الاقتصادي غالبًا ما يحافظ على وجوده من خلال إنتاج حاجات جديدة عبر الإعلانات. فالبضائع التي تُصنَّع وتُباع بهذه الطريقة هي في الغالب غير ضرورية وبالتالي فهي بشكل أساسي نوع من الإسراف. علاوة على ذلك فالتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية الذي ولَّدهُ الإسراف الهائل للبضائع الكمالية يتصاعد بفعل استنزاف الطاقة والمواد في العمليات الصناعية غير الفعَّالة.

وإن إدراك العيب في المفهوم التقليدي للنمو الاقتصادي، كما أشرنا إليه باكرًا في 1971، هو الخطوة الأساسية الأولى للتغلب على الأزمة الاقتصادية[1]. ويضيف الناشط في مجال التغيير الاقتصادي فرانسيس مور لابيي Frances Moore Lappé:

بما أن ما ندعوه "النمو" هو في الغالب إسراف فلندعوه كذلك إذًا! فلندعوه اقتصاد الإسراف والتدمير. دعونا نعرِّف النمو بما يتفق مع تحسين الحياة، والإنتاج وإعادة الإنتاج، ودعونا نعلن أنَّ ما يحتاجه كوكبنا هو المزيد منه[2].

و"فكرة" النمو الهادف إلى تحسين الحياة هو ما نعنيه بالنمو النوعيِّ: إنه النمو الذي يهدف إلى تحسين نوعيَّة الحياة. ويعني النمو النوعيُّ في الكائنات الحيَّة والمنظومات الإيكولوجية والمجتمعات زيادة في مستوى الدقة والخبرة والنضج.

بقي مفهوم الناتج الإجمالي المحلي المفهوم المتعارف عليه لعقود لأنَّ المطلب آنذاك كان وجود تغيير أنموذجي (كون، 1962). لمَ إذًا استمر الاستخدام الشامل لمفهوم الناتج الإجمالي المحلي رغم المصادقة على الأجندة 21 وعلى مادتها الأربعين الداعية إلى فحص دقيق من قبل 170 حكومة في ريو دي جانيرو 1992؟

ما أعاق وشوَّه أي بحث حول الناتج الإجمالي المحلي هو القصور المؤسساتي والمصالح المتضاربة بين مجموعات القطاع الخاص المُتنفذة والوكالات الحكومية والأكاديميين. في الوقت عينه تصارعت الأيديولوجيات الاقتصادية على هذا الميدان الفكري الجديد. ولو حدث أن وضعت كل التكاليف التي ذكرناها سابقًا في الميزانيات والتقارير السنوية فستكون الشركات والعاملين في القطاع الخاص الخاسر الأكبر. وبغض النظر عن الاستثمار الفكري الهائل في الكتب والمنح والأجور الاستشارية في الوقت الراهن فإن مهنة الاقتصاد فشلت في التصدي لهذه القضية. تعرَّضت المواقف التي التقطت تحذيرات سايمون كوزنتس للتهميش ولا تزال كذلك. وتدفقت المنح من قبل الوزارات المُتنفذة في غالبية الحكومات إلى البرامج الأكاديمية التقليدية: البنوك الرئيسية ووكالات التطوير الاقتصادي والترويج التجاري. بينما قدَّمت الوزارات الأضعف والمُهتمة بالرعاية الاجتماعية والتعليم والفقر والصحة والبيئة بعض المنح من أجل إحداث "حسابات رديفة" لجمع المعلومات مع الحفاظ على ضبابيتها. ولعب الإعلام دورًا كبيرًا، فهو لم يملك الوقت ولا الحافز لمساءلة ما قدَّمه معظم المحررين والصحفيين من أرقام الناتج الإجمالي المحلي.

ومن أجل الحصول على فهم كامل لمفهومي النمو الكميِّ والنمو النوعيِّ فمن المفيد جدًا تقديم ملخص قصير للأدوار التي لعبتها فكرتي "الكمِّ" و"النوعيَّة" في تاريخ العلوم الغربية.

الكمُّ والنوعيَّة في العلوم الغربية

في فجر العلوم الحديثة، عصر النهضة بالتحديد، أعلن ليوناردو دافنشي بأن الرسَّام "بفكره الفلسفي والدقيق يأخذ بحسبانه خصائص الأشكال"[3]. وأصرَّ على أنَّ "الفن" أو حرفة الرسم لا بدَّ أن تكون مدعومة "بعِلم" الرسَّام أو معرفته المتينة بالأشكال الحيَّة من خلال وعيه الفكري لطبيعتهم الجوهرية وبنيتهم الأساسية.

استند علم ليوناردو، كما فعل غاليليو بعد مئة عام، إلى الملاحظة الدقيقة للطبيعة والاستنتاج والرياضيات، وهذا المنهج التجريبي يُعرف اليوم بالمنهج العلمي. لكن محتوى هذا العلم كان مختلفًا تمامًا عن محتوى العلم الميكانيكي الذي طوره كل من غاليليو وديكارت ونيوتن. كان علمًا حول الأشكال العضوية والخصائص وأنماط التنظيمات وسيرورات التحول[4].

في القرن السابع عشر سلًم غاليليو بأنه ولكي يكون توصيف الطبيعة دقيق رياضيًّا على العلماء حصر أنفسهم في دراسة خصائص الأجسام المادية والأشكال والأعداد والحركة القابلة للقياس والتعداد. أمَّا الخصائص الأخرى كاللون والصوت والطعم والرائحة فهي مجرد مظاهر غير موضوعية ويجب عزلها من نطاق الدراسة العلميَّة.

ونجحت استراتيجية غاليليو في تحويل اهتمام العلماء نحو الخصائص الكميَّة للمادة نجاحًا كبيرًا في مجال الفيزياء التقليدية، لكن الأمر كان مكلفًا كثيرًا. وخلال القرون اللاحقة لغاليليو ازداد التركيز على الكمِّ وانتقل من دراسة المادة إلى دراسة كافة الظواهر الطبيعية والاجتماعية وفق إطار النظرة الميكانيكية الشمولية للعلم الديكارتي-النيوتوني. ومن خلال استبعاد اللون والصوت والطعم والملمس والرائحة، بما في ذلك الخصائص الأكثر تعقيدًا كالجمال والصحة والحساسية الأخلاقية، ومع تركيز العلماء على الكمِّ لعدة قرون، فشلوا في فهم الكثير من الخصائص الأساسية للحياة. وقد قادنا المنهج الميكانيكي والكميِّ في القرن العشرين إلى نهايات عقيمة في علم الأحياء وعلم النفس والعلوم الاجتماعية[5].

على مدى العقود الثلاثة الأخيرة تجدد الاهتمام بفكرة النوعيَّة أو الخاصية. خلال هذه العقود اكتشف العلم مفهومًا جديدًا للحياة. في واقع الأمر بيَّن هذا المفهوم الجديد الكثير من النقاط المشتركة مع وجهات نظر ليوناردو منذ 500 عام مضى. حاليًا، لم يعد يُنظر إلى الكون على أنَّه آلة مؤلفة من قطع تركيبية. اكتشفنا بشكل حاسم أنَّ العالم المادي عبارة عن شبكة من أنماط علاقات متداخلة، وبأن الكون ككل هو نظام حي وذاتي التنظيم. وحل محلَّ النظرة نحو الجسم البشري كآلة والعقل ككينونة مستقلة نظرة أخرى ترى أن العقل وحتى المنظومة المناعية والأنسجة بل وكل خلية لها نظامها الحيُّ والإدراكي. ولم يعد التطور ذلك الصراع التنافسي من أجل البقاء بل أصبح رقصة تشاركية بقوَّة مُحرِّكة قائمة على الإبداع والتجدد. وعبر التأكيد على الدِّقة والصلات وأنماط التنظيم انبثق علم النوعيَّة الجديد[6].

طبيعة النوعيَّة

يُسهِّل الفهم المنهجي الجديد إمكانية قولبة مفهوم علميٍّ للنوعيَّة. في الحقيقة، يبدو أنَّ هناك معنيان مختلفان للمصطلح؛ أحدهما موضوعي والآخر ذاتي. ووفق المعنى الموضوعي فإن سمات أي منظومة مُرَّكبة تشير إلى سمات هذه المنظومة ككل وليس إلى سمات لها دلالة أجزائها. فالكميات كالكتلة أو الطاقة تخبرانا عن سمات الأجزاء، وناتجهم الكليُّ يعادل سمة المجموع كالكتلة الكلية أو الطاقة على سبيل المثال. أمَّا السمات أو الخاصيات كالتوتر أو الصحة فلا يمكن أن تظهر بشكل ناتج/مجموع سمات الأجزاء، فسماتها تنبع من سيرورات وأنماط العلاقات بين الأجزاء. بالتالي لا يمكننا فهم طبيعة النظم المُركبَّة كالكائنات الحيَّة والنظم الإيكولوجية والمجتمعات والاقتصادات إن حاولنا توصيفهم وفق المصطلحات الكميَّة. يمكن قياس الكميات لكن بالنسبة للخصائص أو السمات فيجب ترسيمها.

وبالتوازي مع النقلة من الكمِّ نحو النوعيَّة في علوم الحياة حصلت نقلة مفاهيمية في مجال الرياضيات. وقد بدأ الأمر في الفيزياء خلال ستينات القرن الماضي مع التأكيد الشديد على فكرة التناظر، التي هي بحد ذاتها خاصيَّة، وتعاظم الأمر خلال العقود اللاحقة مع تطور نظرية التعقيد complexity theory، أو الديناميك اللاخطيِّ، التي هي نوع من رياضيات الأنماط والعلاقات. فالأنماط الرياضية في نظرية الشواش Chaos والكسوريات في الهندسة الكسورية fractal Geometry أنماطٌ صريحة تمثل سمات لمنظومات معقدة[7].

تبدو فكرة السمة أو الخاصية في عالم البشر وكأنها تتضمن الإشارة إلى التجارب البشرية بخصائصها الذاتية. على سبيل المثال، يمكن تقييم نوعيَّة صحة أيِّ إنسان وفق العوامل الموضوعية، ولكن صحة هذا الإنسان تحوي خبرة ذاتية حول العافية كعنصر مهم. ونوعيَّة العلاقة البشرية أيضًا تنبع بشكل كبير من التجارب الذاتية المشتركة، وكما يقول المثل: القيمة الفنية لأي عمل فني هي في عين ناظره. وبما أنَّ كل الخاصيات تأتي من السيرورات وأنماط العلاقات، فإنها ستحوي بالضرورة على عناصر ذاتية خاصة إن كانت سيرورات وعلاقات كائنات بشرية.

بالتالي، فالعديد من المؤشرات الجديدة على تطور بلدٍ ما تستخدم أساليب منهجية متعددة التخصصات وتستخدم نظام قياس مناسب من أجل قياس الجوانب المتعددة والخاصة بنوعيَّة الحياة. على سبيل المثال، تقيس مؤشرات معادلة كالفريت-هندرسن حول نوعيَّة الحياة اثنا عشر جانبًا، وتستخدم مُعَامِلات مالية فقط عندما يتطلَّب الأمر استخدامها، في الوقت ذاته ترفض استخدام الأداة التقليدية في الاقتصاد الكلي القائمة على جمع كل الجوانب المختلفة نوعيًّا في رقم واحد كالناتج الإجمالي المحلي[8]. أطلقت الأمم المتحدة في عام 1990 برنامج اتش دي اي (HDI) الذي أصبح المنافس الحقيقي لمفهوم الناتج الإجمالي المحلي. يحوي هذا البرنامج على مقاييس نوعيَّة للفقر والصحة ومساواة الجنسين والتعليم والقبول الاجتماعي والبيئة؛ هذا يعني أن قياس أي شيء لا يمكن اختصاره إلى مُعَامِلات مالية أو جمعه في عدد واحد.

النمو والتطور

يمكن تطبيق الاعتبارات السابقة حول النوعيَّة والكمِّ على مفهوم النمو النوعيِّ وظاهرة التطور المرتبطة بالنمو. وكما في فكرة "التطور"، يوجد حاليًا معنيان مختلفان تمامًا لمفهوم "النمو": الأول نوعيٌّ والآخر كميٌّ.

بالنسبة للبيولوجيين النمو سمة أساسية في الحياة. ووفق الفهم الجديد للحياة فكل منظومة حيَّة تواجه أحيانًا حالات عدم استقرار قد تنتهي إمَّا بانهيار أو، كما يحدث غالبًا، بظهور مفاجئ لصيغٍ منظومية جديدة. يعدُّ الظهور المفاجئ أحد سمات الحياة، ويُعرف بأنه الأصل الحيُّ للنمو والتعلم والتطور. بمعنى آخر، يغدو الإبداع - أي خلق جيل من الصيغ الجديدة - سمة أساسية لكل المنظومات الحيوية. هذا يعني بأنَّ المنظومات الحيَّة تتطور والحياة تسعى بشكل مستمر نحو التجدد.

يتضمن المفهوم البيولوجي لنمو الكائنات الحيَّة والمنظومات الإيكولوجية والمجتمعات البشرية الساعية نحو أقصى إمكاناتها معنى متعدد الأوجه. لكن يُضيِّق كل علماء الاقتصاد استخدام "النمو" ليشمل فقط مجالًا اقتصاديًا واحدًا يقاس غالبًا بمقياس الناتج الإجمالي المحلي. ووفق هذا المصطلح الأفقي والكمي يُختزل تنوع الوجود البشري ثم يتم تحويل الناتج إلى مُعَادلات مالية. وعلى أساس هذه الطريقة الاعتباطية قُسِّم العالم بأسره إلى بلدان "متطورة" و"نامية" و"أقل نموًا". ولا يُقرُّ علماء الاقتصاد سوى بالمال وتدفق السيولة ويتجاهلون كل الأشكال الأساسية الأخرى للثروة. يتجاهلون كل الأصول الإيكولوجية والاجتماعية والثقافية.

يبدو أن هذه النظرة السطحية للتطور الاقتصادي التي يتبناها معظم علماء الاقتصاد والسياسيين في الاتجاهين السائد والمؤسساتي تتناسب مع المفهوم الكمي الضيق للنمو الاقتصادي، بينما المعنى البيولوجي والإيكولوجي للنمو يتناسب مع فكرة النمو النوعيِّ. في الحقيقة، المفهوم البيولوجي للنمو يتضمن كلًا من المعنيين الكميِّ والنوعيِّ.

كل كائن أو منظومة نامية تنمو وفق مراحل النمو الخاص بها. وسيمر الكائن الصغير عمريًا بشكل طبيعي عبر مراحل نمو فيزيائي سريع. تُعرف هذه المرحلة المبكرة من النمو السريع في المنظومات الإيكولوجية بالمنظومات الإيكولوجية الرائدة وتتميز بالتوسع والتموضع المكاني المتسارع. ودائمًا ما يتبع النمو المتسارع في المنظومات الإيكولوجية نمو بطيء وبلوغ ثمَّ انحدار وتفكك من خلال ما يدعى بالتعاقب. فالمنظومات الحيَّة تنضج وينتقل النمو من النمو الكميِّ إلى النوعيِّ.

عندما ندرس الطبيعة نستطيع ملاحظة أن النمو الكميَّ غير المحدود، الذي يروج له العلماء الاقتصاديون والسياسيون، غير مستدام. وخير مثال على ذلك الخلايا السرطانية التي لا يعرف نموها حدودًا ولكنها لا تدوم لأنها تموت بموت الكائن الحي المضيف. أيضًا، النمو الاقتصادي الكميِّ اللامحدود على كوكب محدود لا يمكن أن يكون مستدامًا[9]. على العكس، فالنمو الاقتصادي النوعيُّ يمكن أن يكون مستدامًا إن تضمَّن توازنًا فعَّالًا بين النمو والانحدار والتجدد وإن تضمَّن أيضًا تطورًا على مستوى التعلُّم والنضج[10].

يلقي الفرق بين النمو الاقتصادي الكميِّ والنوعيِّ الضوء على مفهوم "النمو المستدام" الواسع الاستخدام ولكن الإشكالي في آنٍ معًا. وإن ارتباط "النمو" وفق المعنى الاقتصادي الضيق الراهن بفكرة النمو الكميِّ اللامحدود يجعل منه نموًا غير مستدام، عندئذ ووفق الاستخدام التقليدي سيغدو مصطلح "النمو المستدام" مرادفًا متضادًا. ولكن إن اعتبرت سيرورة النمو على أنها أكثر من مجرد سيرورة اقتصادية بحتة مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والإيكولوجية والروحية، وارتبطت بالنمو النوعيِّ عندئذ يمكن اعتبار هذه العملية المُنظمة الواسعة الطيف مستدامة. حاليًا، يلجأ كثيرون في قطاع الأعمال والحكومة والمجتمع المدني إلى البرامج الأكاديمية والشركات الاستشارية. ولكن تبقى المهمة الأكبر هي تعريف "الاستدامة" وفق كل هذه السياقات. يجب أن يكون التعريف واسع الطيف. ولسوء الحظ ففي مهنة الاقتصاد هناك من يشكك بهذا الحقل العلمي الجديد وكأن هذا الحقل الجديد يحاول أن يأخذ مكانتهم وقضاياهم، بما في ذلك قضايا التغير المناخي ومجالات أخرى كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس وحديثًا جدًا علم الأعصاب.

النمو الاقتصادي النوعيُّ والأزمة العالمية

فلنعد الآن إلى التحدي الأساسي في أزمتنا الاقتصادية والإيكولوجية: كيف باستطاعتنا تحويل الاقتصاد العالمي من منظومة تصارع من أجل النمو الكميِّ اللامحدود، غير مستدام كما أوضحنا، إلى منظومة أسلم إيكولوجيًا من دون خلق صعوبات على البشر من خلال المزيد من العطالة عن العمل؟

سيكون مفهوم النمو الاقتصادي النوعيِّ أداةً حاسمة في بحثنا هذا. وبدلًا من تقييم حالة الاقتصاد وفق مصطلح القياس الكميِّ الجامد والمتمثل في الناتج الإجمالي المحلي يتعين علينا أن نميز بين النمو "الجيِّد" والنمو "السيء" وبعدها يمكن أن نزيد النمو "الجيِّد" على حساب النمو "السيء"، وبالتالي لا تتحرر الموارد الطبيعية والإنسانية العالقة في السيرورات الإسرافية وغير السليمة فقط بل وتتجدد كموارد من أجل سيرورات فعَّالة ومستدامة. وكخطوة في هذا الاتجاه كان هناك مؤتمر "ما بعد الناتج الإجمالي المحلي" في البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني 2007، الذي ترأسته المفوضية الأوربية وصندوق الحياة البرية العالمي من أجل البيئة، ومنظمة التعاون والتطوير الاقتصادي، ووكالة الاحصاء الأوروبية، ونادي روما[11].

من وجهة النظر الإيكولوجية، الاختلافُ بين النمو الاقتصادي "الجيِّد" و"السيء" واضح. فالنمو السيء يعني نمو العمليات والخدمات الإنتاجية التي تبرز التكلفة الاجتماعية والبيئية، وهو نمو قائم على الوقود الأحفوري ويحوي على مكونات سامة ويستنفد مواردنا الطبيعية ويحطم المنظومات الإيكولوجية على الأرض. أمَّا النمو الجيِّد فهو نمو العمليات والخدمات الإنتاجية الفعَّالة التي تبرز التكلفة الإجمالية ويستخدم الطاقة المتجددة ولا يسبب أي انبعاثات ويحافظ على التجدد المستمر للموارد الطبيعية ويحمي المنظومات الإيكولوجية الأرضية. يفرض علينا التغير المناخي ومظاهر أخرى لأزمتنا البيئية الحالية التحول من العمليات الإنتاجية التدميرية إلى بدائل مستدامة أو صديقة للبيئة. وستحل أيضًا هذه البدائل أزمتنا الاقتصادية بطريقة عادلة اجتماعيًا. هناك سياسات مدروسة في المبادرة الاقتصادية الخضراء التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في كانون الأول 2008 في جنيف الذي افتتحه أحدنا[12]. هناك مبادرة أخرى من قبل غرين نيو ديل في بريطانيا وغلوبال مارشال بلان من أجل اقتصاد أخضر وعادل اجتماعيًا في ألمانيا[13]. في حزيران 2009، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إصلاحات مالية قدمتها لجنة ستغليتز Stiglitz Commission وشجعت هذه الإصلاحات على التحويل إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون. ونظرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى هذه الصناعة الخضراء بما ينسجم مع ألفية الأهداف التنموية الساعية إلى القضاء على الفقر التي أطلقتها الأمم المتحدة، واستثمرت في التعليم من أجل خلق الملايين من فرص العمل الجديدة.

شهدت الآونة الأخيرة زيادة كبيرة في التطبيقات والمشاريع التصميمية ذات التوجه الإيكولوجي وكلها موثَّقة بشكل جيد حاليًا[14]. تسعى هذه التطبيقات والمشاريع إلى نهضة عالمية في الزراعة العضوية وتنظيم صناعات مختلفة في تكتلات إيكولوجية حيث تغدو نفايات صناعة ما مادة للتصنيع في صناعة أخرى، وانتقال من الاقتصاد القائم على المنتج إلى اقتصاد خدمات service-and-flow ذي المواد الأولية الصناعية، وانحصرت دورة المكونات التقنية بشكل مستمر بين المُصنِّع والمستخدم، وإنشاء الأبنية المصممة لإنتاج طاقة أكثر مما تستخدم من دون نفايات ومراقبة الأداء وتصنيع سيارات كهربائية هجينة فعَّالة يهدف إلى استخدام الوقود بنسبة 50 غالون في كل ميل أو أكثر، مع وجود ارتفاع كبير، أكبر من معظم التقديرات المتفائلة، في إنتاج الطاقة الكهربائية بقوة الرياح. في الواقع، ومع تطور المحركات الكهربائية الهجينة ومزارع الرياح يمكن لسيارات المستقبل أن تسير بفعل قوة الرياح.

تستخدم هذه التكنولوجيا والمشاريع المصممة إيكولوجيًا مبادئ الإيكولوجيا الأساسية وبالتالي تتشارك في سمة أساسية. فكلها تنحو إلى أن تكون مشاريع على مستوى صغير وذات تنوع واسع وفاعلية على صعيد الطاقة ونظيفة وتصب في مصلحة المجتمع. وبشكل أهم تنزع إلى الارتكاز على القوى العاملة وبالتالي خلق الكثير من فرص العمل. في الحقيقة إن إمكانية خلق فرص عمل محليَّة من خلال الاستثمار في الصناعات الخضراء وحماية المنظومات الإيكولوجية وإعادة تصميم البنى التحتية هي إمكانية هائلة. وهذه حقيقية يدركها جدًا الرئيس أوباما الذي بدأ مع الكونغرس في تحويل هذه الأفكار إلى واقع في قانون الانتعاش وإعادة الاستثمار الأميركي في 2009.

ولكن وضع خارطة طريق للانتقال من النمو الكميِّ إلى النوعيِّ، وبالتالي وضع حلولٍ مستدامة وعادلة اجتماعيًا للأزمة العالمية بعيد عن مجال هذه المقالة، ولكن هناك بضع خطوات حاسمة يمكن اتخاذها وهي كالتالي:

يجب تطوير نماذج عن النمو النوعيِّ من خلال فرق عمل متعددة الاختصاصات ثم تقارن نماذج هذه الفرق ببعضها بعضًا، ويُروج لها في مجال الأعمال والحكومات والإعلام. ويجب حاليًا تبني مجموعة المؤشرات الاجتماعية-البيئية الواسعة وهذا سيتطلب إرادة سياسية وضغط شعبي وتعليم المحررين والمراسلين الإعلاميين.

يجب إعادة هيكلة نظم الضرائب من خلال تقليل الضرائب المفروضة على العمل ورفع الضرائب على النشاطات العديدة المدمرة للبيئة، وبالتالي إبراز وإدراج كل التكلفة على شكل أسعار في السوق. تبنت العديد من البلدان مثل هذه "الضرائب الخضراء". يجب أن تُدرج هذه الضرائب الكربون والوقود التي سيتراجع تدريجيًا عند موازنته مع التخفيض على ضرائب الدخل والأجور. وتحويل الضرائب من الدخل والأجور إلى النفايات سيدفع كل التلوث والكربون والموارد غير المتجددة والصناعات وأنماط الاستهلاك الضارة بعيدًا عن السوق. وهذا سيرفع من قيمة الأسهم في الشركات المنتجة للبدائل الخضراء.

وبعيدًا عن تغيير نظم الضرائب، على الشركات إعادة تقييم عمليات الإنتاج الخاصة والخدمات بها لتحديد تلك المدمِّرة إيكولوجيًا وبالتالي التخلص منها تدريجيًا. في الوقت عينه، عليهم أن ينوِّعوا في اتجاه صناعة المنتجات والخدمات الخضراء. وتم تبني بروتوكولات محاسبة جديدة مع الإحاطة الشاملة بكل العوامل الاجتماعية والبيئية والإدارية. وتم توجيه الشركات نحو منتجات وخدمات وممارسات أكثر استدامة من خلال المستثمرين بما في ذلك التمويل المشترك المسؤول اجتماعيًا واعتمادات التقاعد والنقابات العمالية والمجموعات المدنيّة والمستثمرين كأفراد[15].

وغدا إصلاح المنظومات الماليَّة والتمويلية العالمية أمرًا عاجلًا. في قمة مجموعة العشرين في لندن في الثاني من أيلول 2009 جرت مناقشات ومناظرات حول كيفية الحد من ضخ العملة والمضاربات والأجور والعلاوات المفرطة، وكيفية تنظيم المضاربات في سوق العملات (يتم تبادل ثلاثة تريليون من الدولارات يوميًا) وتثمين المبادلات (نوع من العقود ذات القيمة المأخوذة من أصول على شكل أسهم أو سندات أو عملات أو معدلات الفائدة أو بضائع) البالغة قيمتها حاليًا 683 تريليون دولار بالمقارنة مع الناتج الإجمالي المحلي العالمي والبالغ فقط 65 تريليون دولار[16]. يجب أن تكون هذه القوانين عالمية بموافقة الجميع وهي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم العمل فيها في منظومتنا المالية المعولمة. اتفق كل من أعضاء الأمم المتحدة ومجموعة 192 على معظم هذه الإصلاحات في قمتهم في الجمعية العامة في نيويورك حزيران 2009. ومجموعة 192 أكثر ديموقراطية من مجموعة العشرين وكلاهما أفضل من مجموعة الثمانية.

غالبًا ما تتضمن هذه الإصلاحات تحولًا من الرؤية الموجهة إلى المُنتَج إلى الرؤية الموجهة إلى الخدمات و"نزع السمة المادية" عن اقتصاداتنا الإنتاجية. على سبيل المثال، على شركات إنتاج السيارات إدراك أن غاية الإنتاج ليس بيع السيارات بل تأمين وسائط النقل، وهذا يمكن تحقيقه، من بين العديد من الأمور، من خلال إنتاج المزيد من الباصات والقطارات ومن خلال إعادة تصميم مدننا. على البلدان، وخاصة الولايات المتحدة، إدراك أن محاربة التغير المناخي أهم قضية أمنية في يومنا هذا. وعلى إدارة أوباما تقليص ميزانية البنتاغون وزيادة تمويل الدبلوماسية الساعية إلى تخفيف الأخطار المناخية الواقعة على الأمن العالمي وبناء اقتصاد "أخضر" جديد.

على المستوى الفردي، إن تغييرًا مماثلًا في الرؤية الفردية ستتحول من البحث عن الاكتفاء عبر الاستهلاك المادي إلى إيجاد هذا الاكتفاء في العلاقات البشرية وبناء المجتمع. وتقوم العديد من المجموعات المدنيَّة وبعض البرامج التلفزيونية كبرنامج "الأسواق الأخلاقية" حاليًا بترويج هذا التحول في مفهوم القيمة[17]. ويهدف أحد الاقتراحات إلى تحويل الوضع الضرائبي المُحابي لإعلانات الشركات إلى تقليص الإعلانات بطريقة عادلة من دون التعرض لحق حرية التعبير[18].

النمو النوعيُّ بعيدًا عن الاقتصاد

إن تحدي الانتقال من النمو الاقتصادي الكميِّ إلى آخر نوعيٍّ سيخلق صناعات جديدة بينما ستتراجع صناعات أخرى وفق المعايير الإيكولوجية والاجتماعية. وفي الوقت الذي تصبح التكلفة الكلية وتكلفة الدورة الحياتية والمحاسبة الاجتماعية والبيئية والأخلاقية العرف السائد سنحدد عندئذٍ أي العمليات الإنتاجية ستبقى وأي العمليات ستتراجع تدريجيًا. وعند الالتزام الجديِّ في هذا الجهد سنرى بوضوح أن مشاكل عصرنا - مشاكل الطاقة والبيئة والتغير المناخي والأمن الغذائي والأمن المالي لا يمكن أن تُفهم كلًا على حده. فهي مشاكل منظومية وهذا يعني أنها مرتبطة ببعضها بعضًا.

ونذكر على ذلك مثالًا: يرسم الضغط الديموغرافي والفقر حلقة مفرغة ومتفاقمة بفعل الصناعات المدفوعة برؤوس الأموال، وهذه الحلقة تقود إلى استنفاد الموارد، أي فرص عمل أقل وتراجع مستويات المياه وتراجع الغابات وتراجع صيد الأسماك وتآكل التربة واتساع فجوة الفقر وإلى ما هنالك. واقتصاد النمو القائم على الناتج الإجمالي المحلي يُفاقم التغير المناخي ويُسرِّع من استنفاد الموارد والفقر مما يؤدي إلى دول فاشلة بحكومات لا تستطيع تحقيق الأمن لمواطنيها وهذا سيدفع البعض من هؤلاء المواطنين وبفعل اليأس إلى الإرهاب[19]. وترتبط قضية النمو السكاني البشري على كوكب محدود الموارد الأساسية مصيريًا بتعليم وتمكين النساء في العالم وهذه قضية نوعيَّة وأخلاقية.

يبين الارتباط الكبير لمشاكلنا الأساسية مدى حاجتنا إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من الاقتصاد للتغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية. وعلى جانب آخر، يُسهِّل مثل هذا الفهم إيجاد حلول للعديد من المشاكل دفعة واحدة. على سبيل المثال، الانتقال من الزراعة الكيماوية الواسعة النطاق إلى زراعة عضوية تخدم المجتمع ومستدامة سيُسهم بشكل هام في حل ثلاثة من أكبر المشكلات: الاعتماد على الطاقة والتغير المناخي وأزمة الرعاية الصحيَّة[20].

مؤخرًا تم تطوير واختبار العديد من الحلول من هذا النوع حول العالم[21]. وتوضح هذه الحلول أن الانتقال من النمو الكميّ إلى النوعيّ وباستخدام كل المؤشرات الجديدة حول الجودة الحياتية والسلامة، يمكن أن تحول الدول من التدمير البيئي إلى الاستدامة الإيكولوجية ومن العطالة والفقر والنفايات إلى خلق فرص عمل ذات معنى ومُشّرفة. هذا الانتقال العالمي نحو الاستدامة لم يعد أبدًا شيئًا مفاهيميًا ولا مشكلة تقنية بل مشكلة قيم وإرادة سياسية.

أيلول 2009

ترجمة: عزة حسون

*** *** ***


 

horizontal rule

*  فريتيوف كابرا فيزيائي ومُنظِّر منظومات. أسس ويدير مركز الثقافة الإيكولوجية في بيركلي كاليفورنيا وله عدة مؤلفات منها: شبكة الحياة (1996) [صدر الكتاب عن وزارة الثقافة عام 2009، ترجمة معين رومية] والروابط السريَّة (2002). وساعد في كتابة الإدارة البيئية (1993) وفي تحرير قيادة الأعمال نحو الاستدامة (1995).

**  هيزل هندرسون صاحب كتاب الأسواق الأخلاقية: زراعة الاقتصاد الأخضر (2006) وساعد في تأسيس مجموعة كالفيريت التابعة لمؤشر كالفيرت-هندرسون لقياس جودة الحياة. عمل مع لجنة التنظيم لمؤتمر ما بعد الناتج الإجمالي المحلي في البرلمان الأوربي (2007).

[1] Hazel Henderson، "Ecologists versus Economists،" New York Times business section، October 24، 1971.

[2] Frances Moore Lappé، "Liberation Ecology،" Resurgence (UK)، January/February 2009.

[3] Quoted in Fritjof Capra، The Science of Leonardo، Doubleday، 2007.

[4] See ibid.

[5] See Fritjof Capra، The Turning Point، Simon & Schuster، New York، 1982.

[6] See Fritjof Capra، The Hidden Connections، Doubleday، New York، 2002.

[7] See Fritjof Capra، The Web of Life، Anchor Books، New York، 1996.

[8] Hazel Henderson، Jon Lickerman، and Patrice Flynn (eds.)، Calvert-Henderson Quality of Life Indicators، Calvert Group، Maryland، 2000; Calvert-Henderson Quality of Life Indicators، updated regularly at www.calvert-henderson.com.

[9] See، e.g.، Herman Daly، Steady-State Economics، W.H. Freeman، New York، 1977; reprinted by Island Press، Washington، DC، 1991.

[10] Hazel Henderson، "The Limits of Traditional Economics: New Models for Managing a Steady State Economy،" Financial Analysts Journal، May-June، 1973.

[11] See proceedings at www.beyond-gdp.eu.

[12] Hazel Henderson، "Re-Designing Money Systems to Reduce Greeenhouse Gases and Grow the Green Economy،www.EthicalMarkets.com.

[13] Towards a World in Balance، Global Marshall Plan Initiative، Hamburg، Germany، 2006; European Hope، Global Marshall Plan Initiative، Hamburg، Germany، 2006; see also Network of Spiritual Progressives (U.S.)، "The Global Marshall Plan،"www.spiritualprogressives.org.

[14] See، e.g.، Paul Hawken، Amory Lovins، and Hunter Lovins، Natural Capitalism، Little  Brown، New York، 1999; see also Fritjof Capra، ref. 6.

[15] See Hazel Henderson، Ethical Markets: Growing the Green Economy، Chelsea Green، White River Junction، Vermont، 2006.

[16] See Bank for International Settlements، Basel، Switzerland، December 2008.

[17] Seen on PBS stations and at www.ethicalmarkets.tv.

[18] See Hazel Henderson and Alan F. Kay، "The Truth in Advertising Assurance Set- Aside: A Proposal to Help Steer the U.S. Economy Toward Sustainability،" United Nations Human Development Report، UNDP، New York، 1998.

[19] See Lester Brown، Plan B 3.0، Norton، New York، 2008، for detailed documentation of the fundamental interconnectedness of world problems.

[20] See Michael Pollan، "Farmer in Chief،" New York Times Magazine، October 10، 2008; see also Michael Pollan، In Defense of Food، Penguin، 2008.

[21] See Lester Brown، ref. 18

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني